كانَ صوت فيفيان، وهي تطلب أن تُترك بمفردها مع إيسيدورا، حازمًا.  

 

تردّدَ الخدم، لكنهم في النهاية أحنوا رؤوسهم. كانت إيسيدورا مكروهة، لكن لا يمكنهم مخالفة إرادة السيّدة.  

 

بعد أن غادرَ الجميع، حدّقت فيفيان في إيسيدورا مباشرة.  

 

تجنّبتْ إيسيدورا عينيها، كأنّ نظراتها تخزها.  

 

“لقد كنتُ قاسيةً بعض الشيء سابقًا. لكنكِ تعلمين أنّني لم أقل شيئًا خاطئًا، أليس كذلك؟ بصراحة، لستِ متزوّجة رسميًا، وتدخّلكِ في سلطة سيّد القلعة هو تجاوزٌ واضح…”  

 

“هل أنتِ تغارينَ منّي؟”  

 

قاطعتها فيفيان بهذه الكلمة الهادئة، فتوقّفت إيسيدورا عن تعداد مؤهّلات فيفيان. برقت عيناها بشراسة.  

 

“ماذا قلتِ؟”  

 

“مِن الطبيعيّ أن تشعري بالغيرة منّي. قاعة المآدب المتلألئة بالذهب، و النّوافذ الزجاجيّة الضخمة، والبلاط الرخامي الفاخر، و زهور الموسم النادرة، وكلّ أنواع المكوّنات.”  

 

“… .”  

 

“كلّ ذلكَ أعدّه أصلان مِن أجلي.”  

 

عندما يتعارض الحلم مع الواقع، يشعر الإنسان بالنّقص.  

 

أدركت فيفيان دوافعَ إيسيدورا، وخلال الأيّام القليلة الماضية، استهدفت نقاط ضعفها بعناية.  

 

عمدًا، جعلتها تزيّن قاعة المآدب، و تختار الفساتين والمجوهرات، و أظهرت لها كيف تستلقي في غرفة نوم فاخرة دون أن تحرّك إصبعًا للتعافي.  

 

كلّ ذلكَ لتَجعلها تنفجر بأقلِّ استفزاز.  

 

“لا أفهم لمَ تهتمّينَ بأمري وأمر أصلان. كلّ شيء هنا ملكي على أيّ حال.”  

 

“……”  

 

“كلّ ما تستطيعين فعله، أيّتها الخادمة البسيطة، هو التحدّث بالسّوء عنّي، أنا التي لا يمكنكِ الوصول إليها. يا لكِ من مسكينة.”  

 

برقت عينا إيسيدورا، التي كانت تحدّقُ في فيفيان، بشراسة. بدت و كأنّها ستفعلُ أيّ شيء لو كان لديها سكّين.  

 

“أيتها المرأة التي ستموت بالسلّ، ما الذي تتفوهين به؟” 

 

“مَن الذي سيموت قريبًا؟ ألا تعرفين مَن الذي يجب أن تتوسّلي إليه لحياتكِ؟”  

 

“ستندمين على ما قلتِ.”  

 

ضحكتْ فيفيان بسخرية. ربّما لأنّ هذه منطقة نائية في الإمبراطوريّة، فالأخبار تصل ببطء شديد.  

 

لقد تخلّصت من وصمة الشريرة منذ زمن، ومكانة أصلان السياسيّة لم تعد كما كانت.  

 

والأهمّ، حتّى لو كانت الإمبراطورة و وليّ العهد يدعمان الكونت، فلن يظلا مخلصين له. إذا أصبح عائقًا، سيتخلّصان منه بلاَ رحمة.  

 

“أنتِ مثيرة للشّفقة. هل تعتقدينَ حقًا أنّ الكونت سيتركُ زوجته و يتزوّجكِ؟”  

 

“ماذا؟!”  

 

“زواج النّبلاء صفقة. لا مكان لكِ فيها.”  

 

“ما هذا الهراء؟ أغلقي فمكِ، أغلقيه!”  

 

رفعت إيسيدورا يدها، مذهولة من ضربة فيفيان المباشرة.  

 

لم تمنعها فيفيان، بل تحرّكت بخفّة نصف خطوة لتفادي الضربة، تاركة إيسيدورا تضرب الهواء بحرج.  

 

في تلكَ اللحظة:

 

“آه، فيفيان…!”  

 

“الدرع!”  

 

صاحت سيليا و إيريس بصوتٍ مزّقَ الأجواء من خلفها.  

 

ألقت إيريس تعويذة درع سحريّة لحماية فيفيان قبل أن تُصاب، بينما هرعت سيليا المذعورة لتخفي فيفيان خلفها.  

 

“ما الذي تفعلينه؟ هل حاولتِ ضرب أختي؟!”  

 

“فيفيان، هل أنتِ بخير؟ يا إلهي، وجهكِ شاحب جدًا.”  

 

“لمَ أنتما هنا…” 

 

توقّعتْ فيفيان قدومهما تقريبًا في هذا التوقيت، وكان مثاليًا.  

 

قبلَ مغادرة قاعة المآدب، ألمحت أنّ هناك الكثير من الحلوى لجلبها. كانت متأكّدة أنّ تأخّرها سيجعلهما تأتيان للمساعدة.

  

كما توقّعت، ربّتتْ سيليا على فيفيان وقالت:  

 

“تأخّرتِ كثيرًا، فجئتُ مع إيريس للمساعدة. لكن حدث هذا…”  

 

“ما الذي حدث؟ أين الآخرون؟ لمَ أنتما وحدكما؟”  

 

“سيّدتي، هل أنتِ بخير؟”  

 

تصاعدت أصوات الضجيج من خارج الممرّ. تردّدت صرخاتهما في قاعة المآدب.  

 

خلفَ الممرّ الذي سيطر عليه الفرسان، ظهرَ أصلان والماركيز.  

 

نظر أصلان بين إيسيدورا، التي رفعت يدها، وفيفيان، التي بدت شاحبة جدًا.  

 

“ما الذي حدث؟”  

 

“سموّك، هذه الخادمة هدّدت فيفيان و أمرتها بالصمت و حاولتْ صفعها!”  

 

“لقد رأيتُ ذلكَ بوضوح. قد لا تصدّق، لكنّه صحيح.”  

 

شرحتْ إيريس و سيليا ما رأتاه بصوت متحمّس.  

 

لكن أصلان لم يُظهر أيّ ردّ فعل. لولا الهالة السوداء التي تنتشر حوله، لظنّوه تمثالًا.  

 

‘هذا الرجل القاسي. يبدو أنّه يرى أنً الأمرَ مسألة فتيات لا تستحقّ التدخّل، أليس كذلك؟’  

 

شعرت فيفيان بالمرارة من برودةِ خطيبها، لكن من يحتاج يجب أن يتنازل.  

 

تحرّكت فيفيان بخطواتٍ جانبيّة وأسندت رأسها على صدر أصلان.  

 

ظلّ أصلان صامتًا، يتنفّس بثقل. 

 

“..…”  

 

أدارت فيفيان رأسها، وهي مستندة إليه، وحدّقت في إيسيدورا.  

 

شعور النّقص كانَ مشكلة ثانويّة، لكن نقطة ضعفها الأكبر كانت شيئًا آخر.  

 

‘في الحقيقة، إنّها قلقة، أليس كذلك؟ هل سيطلّق الكونت زوجته حقًا؟ إن لم يفعل، ستضطرّ للعيش مختفية إلى الأبد.’  

 

هي و أصلان في علاقةِ خطوبة شرعيّة معترف بها من الإمبراطور.  

 

لذا، لا مشكلة في إظهار علاقتهما علنًا، على عكس إيسيدورا، التي لا تستطيع الظهور بجرأة.  

 

كما توقّعت، رأتْ إيسيدورا تطحن أسنانها غضبًا عندما التقت عيناهما.  

 

“فيفيان، اذهبي للراحة أوّلًا.” 

 

“أنا بخير. الحفل لا يزال مستمرًا…”  

 

“لا أريدكِ أن تري شيئًا قاسيًا. لا يمكنني أن أجعلكِ تخافين منّي. ديلان، خذ فيفيان إلى غرفتها!”  

 

هرعَ ديلان عند صراخ أصلان و ركع أمامه.  

 

“سأرافقها.”  

 

“أصلان، ما الذي تقصده بـ’شيء قاسٍ’؟”  

 

“إنّها مجرّد خادمة أساءت للسيّدة، لذا يجب معاقبتها. هذا قانون بلاكفورد. لا داعي لقلقكِ، سيّدتي.”  

 

ظنّت أنّ العقوبة ستكون حبسًا لأسبوع أو خصم راتب لأشهر، لكن يبدو أنّ العقوبة أكبر ممّا توقّعت.  

 

بالطبع، بلاكفورد تقع في أقصى شمال القارّة القاسي.  

 

إذا أقدمَ أحدهم بالخيانة ، قد تكون العواقب وخيمة، لذا من المنطقيّ فرض الانضباط بصرامة.  

 

‘لكن هذا سيُعيقني. أريد استدراج الكونت معها.’  

 

كان هدف استفزاز إيسيدورا هو جعلها ترسل “إشارة” للكونت. و لهذا، يجب أن تبقى في بلاكفورد سالمة حتّى ذلك الحين.  

 

رفضتْ فيفيان طلب ديلان بالمغادرة و تعلّقت بأصلان.  

 

“لا تعاقب إيسيدورا. لا تطردها من القلعة!”  

 

“ديلان!!”  

 

“إلى أينَ ستذهب في هذا البرد؟ وخارج القلعة يعجُّ بالوحوش. إذا حدثَ شيء لإيسيدورا، سأشعر بالذنب…”  

 

“مصير هذه الخادمة ليس مسؤوليّتكِ!”  

 

“لكن لا أستطيع التفكير بهذه الطريقة.”

  

حدّقت فيفيان بأصلان دون أن ترمش، مجهدة عينيها حتّى احمرتا و دمعتا.  

 

تأثّر الخدم المحيطون، و حتّى الماركيز باستيان، بدموعها.  

 

لكن أصلان وحده بقيَ صامتًا. بدا غاضبًا جدًا من تعلّق خطيبته به، مشدود الفكّ و قابضًا قبضتيه.  

 

‘اللعنة، هذا الرجل القاسي!’  

 

لتهدئة غضبه، يبدو أنّ عليها الابتعاد أوّلًا.  

 

أفلتت فيفيان يديها منه بهدوء و عضّتْ شفتيها.  

 

“آسفة. لم أقصد إغضابك. أنا فقط…” 

 

في تلكَ اللحظة، جذبَ أصلان، الذي كاَ  يطحن أسنانه، خصرها فجأةً. في لمحِ البصر، كانت في أحضانه.  

 

“لا تبتعدي عنّي. سأفعل كلّ ما تريدين.”  

 

“حقًا؟”  

 

“… نعم.”  

 

كانت نبرته مريبة بعض الشيء، لكنّها قرّرت تجاهل ذلكَ في الوقت الحالي.  

 

أدارت فيفيان رأسها و هي في أحضانه، محدّقة في إيسيدورا. انفجرت الأخيرة غضبًا عندما رأت ابتسامة فيفيان.  

 

“السيّدة كاذبة! إنّها تفعل هذا عمدًا لتشويه سمعتي!”  

 

“ما الذي تقصدينه؟ لمَ ستفعل فيفيان ذلك؟”  

 

“سيّدي!”  

 

تدخّلَ ديلان متفاجئًا عندما أعطى أصلان إيسيدورا فرصة للتحدّث.  

 

على العكس، بدت إيسيدورا منتصرة.  

 

كانت هناك شائعات أنّ أصلان يفضّل خادمة بسيطة، منذ أن رفضتْ إيسيدورا تنظيف دم المريضة القذر. 

 

ارتجفت إيسيدورا بصوت مثير للشفقة قدر الإمكان. 

 

“السيّدة كانت تكرهني منذ البداية. تفاقم الأمر عندما بدأت شائعات سوء التفاهم بيني وبين سيّد القلعة.”

  

“…..”  

 

“لم تمنحني وقتًا للراحة، وكلّفتني بأعمال شاقّة. كانت تسخر منّي وأنا أعمل بجهد. حتّى الآن…”  

 

عندما رفعت إيسيدورا صوتها، اندفع الخدم، الذين كانوا يتردّدون في الخلف، و سقطوا عند قدميّ أصلان.  

 

كانوا الخادمات اللواتي أمرتهن فيفيان بالمغادرة سابقًا.  

 

“لقد أوصتنا السيّدة بالحفاظ على السرّ، لكن لا يمكننا تحمّل المزيد.”  

 

“نعلم أنّ سيّد القلعة يفضّل إيسيدورا، لكن السيّدة مظلومة حقًا! الكاذبة الحقيقيّة هي إيسيدورا!”  

 

“سمعت السيّدة إهانات إيسيدورا لها، لكنّها ضحكت فقط كأنّ شيئًا لم يكن. هذه هي سيّدتنا!”  

 

رغم خوفهم من هيبة سيّد القلعة، دافعوا عن فيفيان بدورهم.  

 

تجهّم وجه أصلان أكثر فأكثر، وبلغ ذروته عندما ذكروا تفضيله لإيسيدورا.  

 

“أنا فعلتُ ماذا؟”  

 

“سيّد القلعة، أنتَ… إيسيدورا…”  

 

لكن حتّى الخادمات الشجاعات تراجعنَ عند هذه النّقطة.