‘قالَ إنّ الخطة تسير على ما يرام، لذا سأكون قريبًا السيّدة الحقيقيّة لهذه القلعة.’
لم يكن مضحكًا أن تُضطر هي، التي ستعيش بترفٍ أكثر من تلكَ المريضة بالسلّ، لتنظيف دمها القذر.
بينما كانت تتخيّل مستقبلًا أكثر فخامة و هي تسير، لاحظت بعض سكّان القرية يتجمّعون عندَ مدخل القلعة.
كانوا يحملونَ هدايا خشبيّة ريفيّة. يبدو أنّهم جاؤوا لتقديم الهدايا بعد سماع خبر استيقاظ السيّدة.
‘مريضة على وشكِ الموت، ومع ذلكَ يتسابق الجميع لكسب ودها!’
لا بدّ أنّ السّبب هو السّلطة.
لكنّها ستحصل عليها أيضًا، تلكَ السلطة.
“ما الذي جاء بكم جميعًا؟”
“نحن، أردنا الدّعاء لصحّة السيّدة، فقمنا بصنع هذا مع الجدّة. إنّه شيءٌ متواضع، لكن إذا كان بإمكانكِ تسليمه…”
“السيّدة تفضّل الأشياء الفاخرة، مثل المجوهرات أو الحرير. هذه القطع الخشبيّة لا تُستخدم حتّى كحطب للتدفئة.”
ارتجفت الفتاة التي كانت تمدّ الهديّة بسببِ نبرة إيسيدورا الباردة.
ربتت عجوز تقف خلفها على كتف الفتاة لتهدئتها.
“يبدو أنّ الفتاة أخطأت الفهم. السيّدة أحبّت مهاراتي كثيرًا، و اشترت كلّ ما لديّ لإرساله مع قافلة إلى العاصمة.”
“ألم تخطئي أنتِ، يا جدّة؟”
“ماذا تقصدين…”
“انظري، كم أنّ قلعة بلاكفورد ضخمة و فخمة. و كيف تلمع الثريّات ببريق رائع. هل تعتقدين أنّ مثل هذه الأشياء البسيطة سترضيها؟”
كانتْ القلعة، مع الجبالِ المغطّاة بالثلوج في الخلفيّة، مهيبة و ضخمة لدرجةٍ تثير الرهبة. أبراجها تخترق السماء، و حرّاسها مشدّدون للغاية.
كلٌ شيء كانَ كما قالت الخادمة.
لكنها كانت مخطئة في نقطة واحدة، عن السيّدة. كلّ أهل القرية سيوافقون على ذلك.
“جدّتي، هذه المرأة غريبة…”
“كما قلتِ، إنّها شخصٌ غريب جدًا. سنسلّم الهديّة للسيّدة مباشرة لاحقًا، فلنعد اليوم.”
“ماذا قلتِ؟ انتظري!”
صرختْ إيسيدورا غاضبة، لكن العجوز تجاهلتها وأخذتْ الفتاة بعيدًا، ناصحة إيّاها بعدم التورّط مع مثلِ هؤلاء.
احمرَّ وجه إيزيدورا من الغضب بعدَ أن تمّ تجاهلها.
‘لن أتركهم وشأنهم. بمجرّدِ أن أصبح زوجة الكونت…’
بصفتها سيّدة القلعة ، ستُظهر لهم درسًا لا يُنسى. ستطرد تلكَ العجوز و تلكَ الفتاة إلى الشّارع أوّلًا!
دخلت إيسيدورا القاعة وهي تطحن أسنانها، ثم لاحظت شيئًا.
كلّ خادمٍ كانت تلتقي به كانَ يتوقّف و يُحوّل نظره بعيدًا.
كلّما سنحت الفرصة، كانت تشتكي من قسوة السيّدة و شرّها تجاهها، و يبدو أنّ ذلك بدأ يؤتي ثماره.
حتّى الذين لم تتحدّث معهم كانوا يتهامسون عند رؤيتها. لا بدّ أنّهم يتحدّثون عن حقيقة السيّدة.
‘ههه، لم يتبقَ سوى القليل حتّى أستولي على مكانها.’
لن تضطرَ للتظاهر بأنّها خادمة ساذجة لفترةٍ طويلة.
ابتسمتْ إيزيدورا برضا.
* * *
“هل هذا كافٍ؟”
وضعت فيفيان القلم وألقتْ نظرةً على الرسالة المكتملة. كانت موجّهة إلى زوجة كونت ألبارو، ابنة عمّ سيليا السادسة.
‘هل تريدين منّي إبقاء ما رأيته في قلعة ألبارو سرًا؟ لكن تلكَ الخادمة هي…’
‘إذا كشفنا الحقيقة الآن، ستُطرد إيسيدورا من بلاكفورد. حتّى لو حماها أصلان، لن يتركها الأتباع و الخدم.’
‘أليس هذا ما يجب أن يحدث؟’
‘لا، سيكون ذلك بمثابةِ مساعدة الكونت على قطع ذيله و الهرب.’
لم تكن مهتمّة بشخصٍ مثلِ إيسيدورا. الصيّاد الحقيقي يصطاد الفريسة الكبيرة.
علاوةً على ذلك، سمعت من سيليا أنّ زوجة الكونت جريئة و محبوبة، ممّا يناسب خطتها تمامًا.
طوتْ فيفيان الرسالة لتغلقها، لكنّها توقّفت.
“لا أريد إدخال أيّ مصلحة شخصيّة في خطتي الطموحة…”
[ملاحظة:
إذا كنتِ تعرفين كاهن طرد أرواح شجاعًا، أرجو أن تعرّفيني به.]
الدواء اختصاص الصيدلي، و الكائن شبه الشفّاف من تخصّص كاهن طاردٍ للأرواح.
أغلقت الرسالة بوجه راضٍ و رفعت عينيها. لمحت اليشم الذي أعطاها إيّاه أليكس.
“لمعانه فريد جدًا. يبدو كأنّه يحملُ ألوان قوس قزح.”
يبدو أنّ فركه على الجسم سيحسّن التمثيل الغذائي، و يقوّي الأعضاء، و ينقّي الدم.
بينما كانتْ تدحرجه تحتَ ضوء القمر، دخلت إيما، رئيسة الخادمات.
أبدتْ اهتمامًا بهذا الشيء الغامض، كما يليق بامرأة في سنّ تهتمّ بصحّتها.
“ما هذا الحجر؟ هل هو هديّة من الدوق؟”
“نعم، قالَ أخي إنّه أخذه من جدار كهف. أليس لمعانه جميلًا؟”
“محبّة الدوق لكِ رائعة. لا أعرف ما الفرق عن الحجر العادي.”
“لأنّكِ ترينه من بعيد. اقتربي.”
افترضت فيفيان أنّ قصر النظر يجعل الأشياء البعيدة غير واضحة، فمدّت اليشم دون تفكير. بينما كانت إيما تمدّ يدها لأخذه، صرخت فجأة
“آه!”
“ما الذي حدث؟”
صرخت إيما و نفضت يدها.
فركت كفّها بقوّة، و عندما لاحظتْ نظرة فيفيان المحيّرة، سارعت بالاعتذار.
“آسفة، آسفة. يبدو أنّ يدي جافّة، شعرتُ بكهرباء ساكنة قويّة…”
“كهرباء ساكنة؟ أنا لم أشعر بشيء.”
أمالت فيفيان رأسها متعجّبة.
إيما، التي كانت دائمًا حذرةً و دقيقة، تفاعلت بحماس غير معتاد، بينما لم تشعر فيفيان بشيء، رغم أنّ أيديهما لامست بعضها.
“هل هديّة الدوق بخير؟”
“نعم، لحسن الحظ لم تسقط.”
“يبدو أنّ الحجر يشبه الدوق، فريد… لا، أعني، نادرٌ جدًا و غامض…”
“أفهم، لا داعي لقول المزيد.”
“احم، آسفة.”
سعلت إيما بحرج و أخرجت ثوبَ نوم جديد، قائلة إنّه وقت النوم.
تردّدتْ فيفيان و هي تُبدّل ملابسها بمساعدة إيما.
في العاصمة، كان التلوّي على السرير أسعد لحظاتها، لكن الآن، شعرت و كأنّها تُساق إلى مذبحة.
“سأنام لاحقًا. لا داعي للانتظار، يمكنكِ الراحة الآن، إيما.”
“ماذا؟ لمَ فجأة…”
“لا أشعرُ بالنّعاس.”
“إذًا، سأساعدكِ على النّوم بنفسي.”
أدارت فيفيان رأسها بسببِ صوتٍ مفاجئ. كان أصلان متّكئًا على الباب، لا تعرف متى وصل.
نظرت إيما بينهما و أصدرت صوت تأوهٍ، كأنّها أدركت حقيقة عظيمة.
“لذلك أردتِ إرسالي أوّلًا… كان عليّ الاختفاء بسرعة، لقد افتقرتُ إلى الحسّ.”
“لا أعرف ما الذي تفكّرين به، لكن ليس ذلك.”
“أتمنّى لكما ليلةً ممتعة.”
“لا، ليس ذلك!”
تمتمت إيما أنّها ستوقظها متأخّرة غدًا و اختفتْ من الغرفة بسرعة الضوء، رغمَ أنّها كانت تشكو من آلام في ركبتيها.
‘آه!’
صرخت فيفيان بصمتٍ و هي وحيدة على السرير، ثم انهارت.
أصبحتْ عيناها حادّتين عند سماعِ ضحكة مكتومة فوق رأسها.
“ما الذي جاءَ بك؟ لم تقترب منّي منذ أيّام.”
في الأيّام الأولى، كانَ أصلان ينام معها، لكن مؤخرًا تجنّبها تمامًا.
ربّما منذ أن أُغمي عليها و هي تنزف دمًا. هل اعتقد، مثل إيسيدورا، أنّ دمها قذر؟
شعرت بالخيانة.
كانت تعتقد أنّ أصلان، بحسّ مسؤوليته القويّ، سيبقى بجانبها حتّى النهاية، و لن يتجاهل خطيبته المريضة….
شعرتْ بالغباء لتوقّعاتها و خيبتها.
“أنهي ما تريده بسرعة و اذهب.”
“تبدين متضايقة.”
“لستُ كذلك.”
شعرتْ بحركةٍ ثقيلة خلفها و هي تدير رأسها باستياء.
أسندَ أصلان جبهته على كتفها .
“في الأيّام القليلة الماضية، كنتُ خائفًا. لأكون صريحًا، كانَ شعورًا مرعبًا لا أريد تذكّره.”
“..…”
“اعتقدتُ أنّه إذا كنتُ أهتمّ بكِ حقًا، فمن الأفضل أن أبقى بعيدًا، على الأقل حتّى أجد حلاً. لكن…”
“لكن؟”
تحوّلَ مزاج أصلان الحزين فجأة. ابتسمَ بطريقة مشؤومة، كأسدٍ يتربّصُ بفريسته.
“منذ الظهيرة، تغيّرت أفكاري.”
“ماذا؟”
“أدركتُ أنّه لا يجب أن أغيب عن جانبكِ. بمجرّد اختفائي، ظهرتْ حشرة حولك كشبح.”
لم تفهم فيفيان عمّا يتحدّث أصلان.
كلّ ما فعلته اليوم هو البحث عنه ككلب تدريب، ثم وصلت سيليا و زوجها، وبعدها كانت معها طوال الوقت.
“لا تعني بالحشرة سيليا ، أليس كذلك؟”
“…..”
“أم الماركيز؟”
“لهذا لا أستطيع رفع عيني عنكِ و لو للحظة، أيّتها الفتاة اللّطيفة الغافلة.”
رمشتْ فيفيان مرتبكة بعد أن تمّ توبيخها على قلّة حسّها. نهضَ أصلان ببطء و مدَّ ذراعيه.
“تعالي، لننم معًا.”
هل يظنُّ أنّني سأقعُ في فخّهِ بعد أن رفض يدي بقسوة؟
‘… لكن الرّغبة في نوم هانئ قويّة جدًا.’
كلّ صباح، كانت تستيقظ بصداعٍ قاتل، فتتذكّر أيّامًا نامت فيها مع أصلان بلهفة.
يبدو أنّ الروح الشريرة، مثلها، مواطنة عاديّة تعيش بنمط قوي-ضعيف-قوي-ضعيف، فلم تظهر إلّا عندما كانت تنام بمفردها.
خرجت فيفيان من السرير و سارت بتردّد.
‘إنّه دبّ. دمية دبّ ضخمة.’
أيّ دمية دبّ تتباهى بعضلات مرعبة كهذه؟
لكن، على أيّ حال، إنه نفس الشّيء تقريبًا.
“جيّد.”
“آه، أصلان!”
لم يتحمّل أصلان تردّدها، فحملها فجأةً وهي تتردّد على بعد خطوة.
بينما كانت ترمشُ مذهولة، برّر
“الرواق بارد.”
“أنتَ لا تشعر بالبرد!”
“قرّرتُ أن أشعر به. من اليوم.”
“هل هذا شيء يتمُّ تقريره؟!”
هل أنتَ إغوانا؟ حيوان متغيّر الحرارة؟!
تجاهلَ أصلان احتجاجاتها العنيفة و سارَ إلى غرفة نومه. توقّف كتمثال أمام السرير الواسع.
شعرت فيفيان بتشنّج عضلات بطنه، كأنّه يكبح شيئًا.
“أصلان؟”
“…..”
شعرت بشيء غريب، فأمالت رأسها. تجنّب أصلان عينيها، كأنّه لا يريد إظهار وجهه.
‘لستُ من تستسلم بسهولة.’
أمسكتْ فيفيان خدّيه بكلتا يديها و أدارته نحوها. هذه المرّة، لم يقاوم.
“هاه، إغوانا… حقًّا؟”
في تلكَ اللحظة، شكّت فيفيان في عينيها.
كانَ أصلان يضحك.
ليس بابتسامة مشؤومة أو بسخرية تهديديّة، بل كإنسانٍ عاديّ.
“بسببكِ لن أعيش طويلًا….كيفَ تنوينَ تحمّل المسؤولية و أنتِ تسحرينَ الناس هكذا؟”
التعليقات لهذا الفصل " 95"