“يا إلهي، كيف تتجوّل عشيقة الكونت في القلعة بحرّية؟”
“لذلك قلبي ثقيل. لو كنتُ أستطيعُ مساعدة ابنة عمّي بأيّ شكل، لكن قدراتي لا تصل إلى هذا الحد.”
“لنفكّر معًا. سأبحث عن حلٍّ أيضًا.”
“مجرّد كلامكِ يعني لي الكثير.”
شعرتْ فيفيان بالضّيقِ وهي ترى الدّموع في عيني سيليا.
خاصّةً أنّ سيليا، التي لم تنجب بعد عشر سنوات من الزواج، عانت كثيرًا، ممّا جعل قصّة قريبتها تلمسها بشكلٍ خاص.
في تلكَ اللحظة، ناولتها فيفيان منديلًا جديدًا.
“…الخارج صاخب.”
“يبدو أنّ أخي قد عاد.”
تردّدتْ صيحات أليكس و صديقه النعامة في قلعة بلاكفورد. أدارت سيليا عينيها مندهشة، ممسكةً بالمنديل.
“يبدو أنّه يبحث عنكِ.”
“إنّه محرج، لكن يبدو الأمر كذلك.”
كان أليكس يحمل معدنًا بحجم قبضته. شكله خشن، لكنّه يلمع بلمعان مميّز.
استأذنت فيفيان و غادرتْ غرفة الاستقبال، بينما راقبتْ سيليا الأخوين يتحدّثانِ مِن النّافذة المفتوحة بابتسامةٍ راضية.
“لقد وجدتُ شيئًا رائعًا! يشبه اليشم الثمين، لذلك احتفظي به.”
“هل هذا يشم؟ إنّه يلمعُ بشكلٍ غريب، هل هو يشمٌ حقًا؟ من أين أتيتَ به؟”
“أخذته من كهفٍ في الجبل. سمعتُ في الأكاديميّة أنّ النوم بجانب اليشم مفيد للصحّة. لننتظر أكثر، ابدئي بهذا من اليوم!”
أومأت النعامة، الواقفة بجانب الدّوق بفخر، موافقةً.
أدارتْ سيليا نظرها مبتسمة. بما أنّ عودة فيفيان ستستغرق وقتًا، قرّرتْ التطريزَ في هذهِ الأثناء.
“مَن هذه المرأة؟”
جلست سيليا، التي كانت مستلقيةً على الأريكة، منتصبة.
كانت خادمة تحمل صينيّة تمرّ في رواقٍ غرفة الاستقبال. كانت متّجهةً نحو المكتب أين يوجد زوجها و الدّوق.
بشرةٌ منمّشة و شعرٌ بنيّ. مظهر شائع في الشمال.
‘لكن عينيها…’
كانتا مخيفتين، كأنّهما تحملان سمًا و كرهًا.
وضعت سيليا إطار التطريز بتردّد و نظرتْ من النّافذة. كانت صديقتها العزيزة تضحكُ ببراءةٍ مع أخيها.
“يجب أن أخبرها بذلك فورًا.”
لا تعرفُ لمَ تعمل عشيقة الكونت هنا كخادمة، لكن من المؤكّد أنّها لا يجب أن تُترك هكذا.
نهضتْ سيليا بسرعة.
* * *
دخل أصلان المكتب أوّلًا، و تَبعهالمماركيز باستيان.
تأكّد الماركيز من خلوّ الغرفة، ثم انتقلَ مباشرة إلى صلب الموضوع.
“تصرّفات الكونت ألبارو مريبة. يبدو أنّ العائلة الإمبراطوريّة تدخّلت مسبقًا، وهذه الدعوى لا يمكنني إيقافها بنفسي.”
“إذًا؟”
“يجب أن تذهبَ بنفسك، سموّك. لا يمكنني الكشف عن دعمي لكَ الآن.”
كانَ سبب ارتباطُ الماركيز بأصلان هو فيفيان.
تلقّت زوجته مساعدةً كبيرة من السيّدة، فأرادَ شكرها والتعرّفَ عليها عن قرب، خاصّة أنّ الإشاعات عنها لم تكن جيّدة.
‘لم أقبل طلبكَ لأنّني بحاجة إلى مقابل.’
شعرَ الماركيز بالخجل لأوّلِ مرّةٍ منذ زمن بسبب ردّ السيّدة الحازم.
على عكسِ الإشاعات، كانت السيّدة عادلة وطيّبة القلب. كانت عيناها مشتعلتين بالصلابة و الحزم.
أدركَ الماركيز أنّ السيّدة، بطريقةٍ مختلفة عن زوجته الضعيفة، لا تناسب المجتمع الفاسد، ممّا جعلها تكتسب أعداءَ كثيرين.
‘سلطة التّحقيق في قضيّة الأدوية المزيّفة تعود لي بالكامل. لا أفهم لمَ تتدخّل كثيرًا، سموّك.’
‘لا داعي لهذا بين أصدقاء، يا ماركيز.’
‘هل هي العائلة الإمبراطوريّة؟’
‘لا تتصرّف كطفل. لتعيش طويلًا، عليكَ أن تعرف متى تنحني و متى تتجاهل.’
كانَ الماركيز مسؤولاً عن التحقيق في قضيّة الأدوية المزيّفة بصفتهِ قاضي الإمبراطوريّة.
لكن التدخّلات جاءت من الأعلى، تارّةً بالترغيب و تارّةً بالضغط، لانتزاع سلطة التحقيق.
عندما أدركَ أنّ وليّ العهد خلفهم، و علم أنّه لا يمكنه تجاوز هذا الحاجز بقوّته، مدّ الأمير الثّاني يده.
‘هناك قول مأثور يقول حتّى القانون السيّء يبقى قانونًا.’
‘….’
‘أعتقد أنّ هذا دفاع الجبان. من ليس لديه الإرادة أو الشجاعة لتحدّي السلطة، يتكيّف مع الواقع الفاسد بحجج واهية.’
في تلكَ اللّكظة، مرّت نظرة السيّدة الحازمة في ذهنه.
كانَ شعورًا لا يستطيع تفسيره. عاشَ حياته لحماية القانون، و تعلّم ألّا يتأثّر بالعواطف، وتصرّف وفقًا لذلك.
لكن…..
‘هذه الفرصة الأولى و الأخيرة.’
كانَ سببُ اختيار الدّوق الأكبر له من بين القضاة هو العلاقة بين زوجته و السيّدة.
أدركَ أنّ رفض هذا العرض يعني عدم وجود فرصة أخرى.
لأوّل مرّة، كسرَ الماركيز مبادئه واختار سيّدًا جديدًا.
“لا يمكنني التّحرّك الآن. فيفيان استيقظت لتوّها، و تركها وحيدةً خطير جدًا.”
“ستبقى زوجتي هنا للعنايةِ بصحّة السيّدة.”
“…..”
“خلف الكونت ألبارو يوجد وليّ العهد. لإسكاته تمامًا، يجب أن تتدخّل بنفسك، صاحب السّمو.”
بينما كانَ الماركيز يواصل حديثه، ضاقت عينا أصلان.
شعر بحركةٍ في الرواق.
“سنتحدّث لاحقًا.”
بعد لحظة، سُمع طرقٌ هادئ و فُتح الباب.
“آسفة للمقاطعة. أحضرتُ شايًا ساخنًا وكعك، هل أزعجتكما؟”
“من أنتِ؟ خادمة؟”
“اسمي إيسيدورا. أنا خادمة مقرّبة من سيّد القلعة. لا داعي للقلق.”
تجاهلت الخادمة تلميح الطرد و صبّت الشاي بسلاسة.
كان خدم بلاكفورد معروفين بالصرامة التي تشبه سيّدهم. لم يكن من المعقول أن يبقي الدوق الأكبر خادمة كهذه قريبة.
“هل أنتِ لم تفهمي قصدي؟”
“آه، لا. أنا فقط، رئيسة الخادمات أمرتني ببذل قصارى جهدي لخدمة الضيوف…”
“ألم تسمعي شيئًا عن عدم مقاطعة حديث السيّد و ضيفه؟”
“لم أعمل في بيت نبيل لفترةٍ طويلة، لم أكن أعلم. آسفة، آسفة.”
انحنتْ المرأة بحرج. بدت عاديّة تمامًا، دون أيّ إشارة غريبة. يبدو أنّها مجرّد خادمة ساذجة.
شعرَ الماركيز بالإحباط لأنّه غضب من مجرّدِ شخصٍ عادي. مسحَ وجهه بيأس.
“اخرجي.”
“آسفة حقًا.”
انحنتْ الخادمة مرّةً أخرى وغادرتْ المكتبَ بخطواتٍ سريعة.
بينما كانَ يصدر صوت استياء، تكلّمَ أصلان
“هل تبدو هذه الفتاة عاديّة في عينيك؟”
“تبدو ناقصة الحسّ قليلًا لتكون خادمة، لكن أفترض أنّ هناك سببًا لإبقائها قريبة. هل هي خادمة تهتمّ بها السيّدة؟”
“يبدو أنّ عليكَ تطوير مهارة قراءة الناس، يا ماركيز.”
“ماذا؟”
أدارَ أصلان ظهره للماركيز المحتار ونظرَ من النافذة.
كانت تبدو عاديّة للغاية، ممّا جعلها مريبة.
كلّما أدركَ أنّ طريقة تفكيره تختلف عن أولئك الذين عاشوا حياةً عاديّة، تساءلَ إنْ كان هناكَ شيءٌ مكسور في ذهنه.
حتّى لو ارتدى جلد إنسان، فلن يكونَ مثلهم أبدًا.
‘كم يجب أن أخدعكِ لأبقى بجانبكِ؟’
إلى متى يمكنه تجاهل ذلك؟
أصدرَ أصلان صوتَ استياء منخفض وعاد إلى الواقع.
‘طالما يمكنني البقاء بجانبكِ، إلى الأبد.’
* * *
خرجتْ إيسيدورا من المكتب متظاهرةً بالارتباك، و خطواتها أصبحت أخفّ تدريجيًا.
عندما وصلت إلى الصالة المركزيّة في قلعة بلاكفورد، تنفّست بعمق و نظرتٍ حولها.
الثريّات الضخمة، و الزجاج الملوّن المتلألئ تحت ضوء الشمس، و الأعمدة الرخاميّة الفخمة، و السّجادة الحمراء اللامعة تجسّد الفخامة القصوى.
‘لا تناسب شرّيرةً مصابة بالسلّ على الإطلاق.’
كلّما رأت تلكَ الفتاة التي لا تزال في مقتبل العمر تعيش في غرفة نوم فاخرة كما لو كانت ملكها، شعرتْ بالغضب يغلي بداخلها.
كانَ يجب أن تكونَ هذه القلعة للكونت.
هذه الأراضي، التي تحتوي على موارد هائلة، كان يجب أن تكون للكونت منذُ البداية.
‘لو علمتُ أنّ الوحوش التي كانتْ تعجّ بالمكان يمكن إبادتها بهذه السّهولة…’
كانتْ بلاكفورد أرضًا بلا سيّد، مرتبطة بأقصى شمال أراضي ألبارو.
لو كانَ هناكَ وقت إضافيّ قليل، لأدركَ الكونت قيمة هذه الأرض.
لكن الأمير الثاني، الملقّب بوحش الإمبراطوريّة، تحرّك أوّلًا.
أعمى عينيّ الكونت، و جلبَ فرقة الفرسان ليستولي على الأرض.
‘هو حتّى ليس من سكّان الشمال، ومع ذلك يدّعي أنّ الأرض ملكه لأنّه قضى على الوحوش!’
كانَ هذا ظلمًا واضحًا من السّلطة.
لكن نبيلًا محليًا عاديًا لا يمكنه مواجهة أمير.
‘لحسن الحظ، نظرت الإمبراطورة الكريمة و وليّ العهد بعطف إلى حاله. لذا ستصبح بلاكفورد قريبًا ملكًا للكونت.’
لقد وعدوا بذلك.
‘إذا أدّيتِ المهمّة جيدًا، سأجعلكِ زوجة الكونت.’
‘و ماذا عن الزوجة الحاليّة؟’
‘جسدي مرتبط بها، لكن قلبي لكِ. لكن لا يمكنني الطلاق الآن. لجعلكِ أنتِ التي من عامّة الشعب، سيّدة بيت نبيل، أحتاج إلى مبرّرٍ شرعي.’
إذا ساعدته قليلًا في استعادة بلاكفورد، سيطلّق الكونت زوجته و يتزوّجها.
التعليقات لهذا الفصل " 94"