أشارتْ بشفتيها بحماسٍ إلى هيسيوس الذي يجلس مقابلها.
‘اخرج بسرعة، بسرعة!’
هل الأقوى في العالم، رغم اختلاف مجالاتهم، يتعرّفون على بعضهم غريزيًا و يتحفّظون من بعضهم البعض؟
كلّما التقى أصلان و هيسيوس، لم يخفيا استياءهما من بعضهما.
كانَ أصلان هكذا منذ البداية، أمّا هيسيوس فلم يكن كذلك في البداية، لكنّه أصبح مؤخرًا يُظهر جوًا غامضًا.
‘ألا يملكُ هذا الرّجل أيّ حسّ بالموقف؟ ما الذي يفعله؟’
عندما التقت عيناها بعيني هيسيوس، انحنت عيناه بابتسامةٍ ساحرة. في لحظةٍ الإحباط، اندفعت فيفيان دون وعي لتمسك بياقته، لكن في تلك اللحظة:
“لم أقاطع شيئًا، أليس كذلك، فيفيان؟”
“مـ، ماذا…”
“حسنًا، ربّما قاطعتُ وقت وجبتكِ الخفيفة مع ميغيل؟”
أمسكت يد أصلان الكبيرة قبضتها الممدودة. عضلات ساعده التي تحيط بخصرها كانتْ مرعبة الحجم.
تخلّت فيفيان عن فكرةِ الإمساك بياقته بسرعة الضوء و نظرت إلى أصلان.
“بالطبع لا! أعني، ظهوركَ كانَ مفاجئًا قليلًا.”
“..…”
“لذلك أنا سعيدة جدًا.”
كانَ تعبير أصلان متجهّمًا بطريقةٍ ما، كما لو كان متضايقًا. ببساطة، بدا و كأنّه غاضب.
بالطبع، حتّى لو انقسمت السماء إلى نصفين، لن يكون الأمر كذلك، لكن ماذا يمكنني أن أفعل إذا بدا حقًا و كأنّه مستاء؟
‘إذا لم أقف إلى جانب أصلان، فمن سيفعل؟ حتّى عائلته تتجاهله.’
شعرت فيفيان بالضّعف، فمدّت يديها لتضغط على جبينه المجعّد بأصابعها.
“هل كنتَ مشغولًا بالعمل؟ لم أرَ وجهك مؤخرًا. هل تتناولُ طعامك بانتظام؟”
“حتى في مثلِ هذا الموقف، تقلقين عليّ.”
“في مثلِ هذا الموقف ؟”
“لأنني ربما قد تركتُ شيئًا بشعًا على جسدكِ…”
نظرة أصلان الممزوجة بالذنب استقرّت على صدر فيفيان.
لكن ذلك استمرّ لحظةً فقط. تمتمَ أصلان بشيءٍ بالكاد يُسمع، ثم أسند جبهته على كتفها.
“أنا رجلٌ بلا خجل.”
“هل أدركتَ ذلك الآن حقًّا؟”
“لذلك لا يمكنني أن أخسركِ أبدًا. قولي إنّكِ ستبقين بجانبي. مهما حدث، لن تتركينني.”
فركَ أصلان جبهته على كتفها كقطّ يتدلّل.
ضحكت فيفيان بخفّة و قالت إنّه يدغدغها، ثم مرّرت أصابعها في شعره. بينما كانت عينا أصلان، اللذان يتلقّيان لمستها، تعكسان الرضا، قال هيسيوس فجأة:
“الخارج صاخب.”
وقف هيسيوس عندَ النّافذة وتمتمَ بلا مبالاة.
أفاقتْ فيفيان، التي كانت تتعامل مع دلال أصلان بسلاسة، بسرعة و دفعته بعيدًا.
“م-ماذا يحدث؟”
“يبدو أنّ هناك زائرًا. إنّه علم عائلة باستيان.”
“باستيان؟ إذًا سيليا هنا؟”
هرعتْ فيفيان المصدومة إلى النّافذة.
تلقّتْ رسالةً تقول إنّ إصابة أختها الناتجة عن سقوطها من الحصان كانت أخفّ ممّا كان متوقّعًا، و أنّها ستزور بلاكفورد قريبًا. لكنّها اعتقدت أنّ الموعد لا يزال بعيدًا.
‘هل كانَ اليوم؟’
بسببِ نوبة السلّ التي أُغمي عليها من أجلها، فقدت إحساسها بالوقت.
“لم أحضّر شيئًا بعد، ماذا أفعل؟ يجب أن أنزل بسرعة…”
“لا داعي للعجلة، كلّ شيءٍ جاهز.”
“أنتَ؟”
نظرَ أصلان بضيق إلى ميغيل الذي أفسد الجوّ، ثم وقفَ يحيط بكتفي فيفيان.
“تلقّيتُ رسالةً من الماركيز.”
“لم أكن أعلم أنّكَ على تواصلٍ شخصي مع الماركيز باستيان.”
“هكذا حدث.”
“لقد أنقذتني. شكرًا لكَ، أصلان.”
ربّتتْ فيفيان بهدوءٍ على كتفِ أصلان وخرجت من باب المكتبة.
“آه، صحيح.”
… ثم عادت.
يا إلهي، كدتُ أنسى هذا الأمر المهم!
أطلّت فيفيان برأسها من الباب.
“ميغيل، تعالَ معي.”
“نعم، سيّدتي!”
لا يمكنني تركُ أصلان و هيسيوس بمفردهما.
أخذت هيسيوس معها بعناية و غادرت، تاركةً أصلان المتجهّم دون أن تعرف العاصفة التي قد تترتّب على ذلك.
* * *
وقفتْ فيفيان عند مدخل القلعة تلوّح بيدها. كانت سيليا تنزل من العربة بمساعدة الماركيز.
“فيفيان!”
“تعبتِ في الطريق، سيليا. رغم أنّنا التقينا مؤخرًا، يبدو الأمر كأنّه مرّ وقت طويل.”
“أنا أيضًا أشعر بسعادةٍ أكبر بلقائكِ هنا.”
تقدّمَ الماركيز من خلف سيليا، التي كانت تبتهج بشدّة، و تبادل هو وفيفيان تحيّةً خفيفة.
“مرّ وقت طويل، سيّدتي. سمعتُ أنّكِ أُغمي عليكِ، هل أنتِ بخير الآن؟”
“هل الأخبار وصلت إلى هناكَ بالفعل؟ لم يكن شيئًا كبيرًا…”
“إذا حدثَ شيء للسيّدة، لن يكون هناك شخص واحد أو اثنان من سيحزنون. الكثيرون مدينون لكِ.”
“و أنا واحدةٌ منهم. لذا، انهضي بسرعة.”
أمسكت سيليا، التي انضمّتْ إلى الحديث، بيد فيفيان بحرارة.
دخلَ الثلاثة إلى القلعة. أعربت سيليا، و حتّى الماركيز، عن إعجابهما بالصالة المركزيّة الواسعة والفخمة.
“إنّها المكان الذي تقيم فيه سيّدة بلاكفورد، لذا يجب أن يكون على هذا المستوى.”
تردّدَ صوت أصلان المنخفض الجميل في الصالة.
نزلَ أصلان الدّرج و وقفَ يحيط بكتفيّ فيفيان بلطف.
انحنتْ سيليا بتحيّة للدوق الأكبر ، ثم تابعت:
“شكرًا على الدعوة، سموّك.”
“لا بدّ أنكِ تعبتِ خلال الطريق الطويل.”
“تعب؟ بل إنّ أختي كانت تموت من الغيرة عندما قلتُ إنّني ذاهبة إلى بلاكفورد. كانت تقول انّ سموّكَ هو المثل الأعلى بين الفرسان.”
“صديقة فيفيان هي ضيفةٌ مهمّة بالنسبة لي. يمكنكِ القدوم مع أختكِ في المرّة القادمة.”
“أصلان، سيليا هناك.”
كانَ أصلان يحدّقُ في فيفيان فقط، ممّا جعلها تتساءل عمّن يتحدّث إليه، ثم تراجعَ ببطء و أشار إلى الماركيز.
أومأ الماركيز بهدوء.
“سيليا، سأتبادل التحيّة مع سموّه، فاذهبي أوّلًا.”
“حسنًا.”
متى أصبحَ أصلان و الماركيز بهذه القرب؟ كانا يتواصلان بشكلٍ شخصي، والآن يبدو أنّ الماركيز يدخلُ مكتب أصلان بحرّية.
بينما كان الاثنان يتّجهان نحو المكتب، اتّجهت فيفيان مع سيليا إلى غرفة الاستقبال.
“متى أصبحا بهذا القرب؟”
“ربّما كان حادث الأدوية المزيّفة السبب. ليس مِن عادته أن يبادر بزيارة أحد، لكن يبدو أنّهما التقيا عدّةَ مرّاتٍ في العاصمة.”
كان اىماركيز باستيان معروفًا بصرامته و نزاهته.
كانَ من المدهش أن يتقرّب من أحد، ليس فقط بالنسبة لفيفيان.
“حسنًا، إذا كان أزواجنا صديقين، فهذا أفضل بالنسبة لي. يمكنني زيارتكِ بحرّية.”
“أصلان وأنا مجرّد في علاقة عاديّة…”
“بالمناسبة، لا أرى إيريس.”
حاولتْ فيفيان الاحتجاج بأنّ أصلان ليس زوجها، لكن سيليا لم تستمع، فاختارت تغيير الموضوع.
“أختي غارقة في تدريبها السحري مؤخرًا. ستعود قبلَ غروب الشمس.”
“من الرائع أن إيريس وجدت شيئًا تهتمّ به.”
“سيليا، بالمناسبة.”
منذُ قليل، كان هناكَ شيء يزعجها. كان هناك عنكبوت ضخمٌ على كتف سيليا، بحجم يجعل أليكس أو ديلان يفرّان مذعورين.
حاولت فيفيان إزالته بهدوء، لكن سيليا، التي لاحظت ذلك، ضحكت بصوت عالٍ.
“إنّه ليس حقيقيًا، هذه مجرّد زخرفة. إنّها الموضة في العاصمة الآن.”
“موضة؟”
“لقد اصبحَ معروفًا أنّ فيفيان هي ملهمة مجموعة الخريف للسّيدة.”
حتّى بعد مغادرتها إلى الشّمال، ظلّ تأثير فيفيان قويًا.
أصبحت زخرفة العنكبوت ليست مجرّد أزياء، بل تيّارًا رائجًا. بروشات العنكبوت، أقراط العنكبوت، فساتين مطرّزة بالعنكبوت، كلّ شيء.
‘لمَ تبدو فخورًا؟’
كان روبن، الذي تسلّق فجأة، يرفع ساقيه الأماميّتين بانتصار.
تجاهلتْ فيفيان العنكبوت الضّخم الذي كان يرقص بحماس. يبدو أنّ الموضوع الجديد قد فشلَ أيضًا.
ضحكت سيليا بخفّةٍ و تابعت:
“ظننتُ أنّني سأرتاح عندَ عودتي إلى منزل عائلتي، لكنّني أصبحتُ أكثر انشغالًا. كان عليّ لقاء أصدقاء قدامى بعدَ سنوات.”
“قلتِ إنّكِ عشتِ في أراضي عائلتكِ قبل الزواج؟”
“صحيح. إخوتي و أقربائي جميعهم تزوّجوا و استقرّوا في هذهِ المنطقة، لذا أنا الوحيدة التي انتقلتْ إلى العاصمة.”
عدّدت سيليا الأراضي التي زارتها.
كانتْ أوّل زيارة لعائلة ألبارو، حيث تزوّجت ابنة عمّها السادسة من سيّد تلك الأراضي.
‘ألبارو؟ أليسوا هم من رفعوا دعوى قضائيّة ضد أصلان؟’
كانَ كونت ألبارو يلقي باللوم على أصلان في هروب العبيد، و يُطالب بأراضي بلاكفورد كتعويض.
كانَ الجميع يعلم أنّها دعوى باطلة، لكن خلف الكونت كانت العائلة الإمبراطوريّة.
لم يكن من الممكن أن يفوّت نبيل من الريف فرصة كسبِ ودّ الإمبراطورة.
“عندما كنتُ صغيرة، نشأت مع ابنة عمّي السادسة. كنّا قريبتين كالأخوات، لكن بسبب صرامة تقاليد عائلة الكونت، كانت المرّة الأولى التي ألتقي بها منذ زواجها. لكن…”
“هل هناك مشكلة؟”
“مظهرها السيّء يقلقني. سمعتُ أنّ الكونت ألبارو مستهتر جدًا، و لديه مشاكل مع النساء.”
“لو كنتُ مكانها، لانفصلتُ عنه فورًا.”
“نصحتها بذلك، لكن الأمر ليس سهلًا. هناك مسألة الأطفال…”
أعلنَ الكونت أنّه لن يعترف إلّا بأطفال زوجته الرسميّة.
إذا حصلا على الطّلاق، سيُعامل أطفال زوجته كأبناء غير شرعيّين، و لن يرثوا شيئًا من الكونت.
كرهت ابنة عمّا سيليا الكونت لدرجةِ أنّها أرادت تمزيقه، لكن تحمّلت من أجلِ أطفالها.
بما انّه كان على علمٍ بذلك، تجاهلَ الكونت زوجته و تصرّفَ بحرّية، بل إنّ سيليا رأت عشيقة الكونت بنفسها في قلعة ألبارو.
“بشرة منمّشة و شعر بنيّ، مظهر عاديّ في الشمال. لكن عينيها كانتا مخيفتين حقًا، لا أنساهما.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 93"