“لكن منذ قليل على الشرفة، شعرتُ أن نظراتكِ كانت حزينة جداً.”
أصلان الذي تجاوز السؤال بانسيابية، أخفى تعبيره المُرّ وهو يمسح وجهه الجاف بيديه.
“لم أكن أعلم أنكِ تحبين سماء الليل، أو أنكِ تكرهين وجود الخدم بجانبك. ظننت أنني أعرفكِ جيداً حتى الآن.”
“……”
“لقد أطلتُ في المقدمة. ما أعنيه هو أنني، حتى الآن، أريد أن أتعرف عليكِ أكثر.”
“بما أننا نكره التعقيد، سأدخل في صلب الموضوع مباشرة. سمعت أن سموكَ تتعرض لهجوم سياسي بسببي.”
كانت فيفيان تدرك سبب حديث أصلان الملتف بشكل غير معتاد.
لقد خاطر بكشف هويته كـ”أسد أسود” لإنقاذها وهي تحتضر، وأعادها إلى القصر، بسبب الوصية التي يستغلها المعارضون لمهاجمته بها.
ولكي يخدع أعين الناس، فإن الزواج بها سيكون الطريقة الأسرع و الأكثر فعالية.
لكن رغم كل شيء، لم يكن الزواج هو الحل. لذلك ، عرضت فيفيان حلاً وسطاً.
“بما أن الأمر حصل بسبب خطئي، فأنا على استعداد لإقامة حفل الخطوبة كتمويه. وإذا كان هناك أي توضيح ضروري، فسأقوم به متى شئت. أنا جادة.”
“ليس الأمر كذلك.”
“لا داعي للمبالغة. نحن نعرف بعضنا منذ وقت طويل، أليس كذلك؟”
“فيفيان، رغم أنني أفهم سبب سوء فهمك……”
في لحظة، أظلمت نظرات أصلان. لكن حين نظرت إليه مجددًا، كان وجهه قد عاد إلى هدوئه المعتاد.
“أريد فعلاً أن أحاول معكِ من جديد.”
“هل أنتَ جاد؟”
“أفهم أنكِ لا تثقين بي. لكن إذا منحتني الفرصة، سأنتظر حتى ينفتح قلبك.”
كانت إجابة أصلان مختصرة، لكنها بشكل غير متوقع، إنسانية.
نظرت فيفيان إلى أصلان و هو يفرك عنقه بخجل و تفكرت.
ربما كانت قد أساءت فهمه. ربما لم يكن عنيفاً، بل فقط شخصًا لا يجيد التعامل مع الآخرين.
وكأنما لتأكيد هذا الشعور، وقف أصلان من مكانه بهدوء دون مماطلة.
“لقد تأخر الوقت. حتى من يحب النوم متأخرًا يجب أن ينام الآن.”
“نعم، سأفعل.”
“من النادر أن تستجيبي بهذه السهولة.”
في تلك اللحظة، لم تصدق فيفيان عينيها. كان أصلان يبتسم و هو ينظر إليها.
ذلك الرجل الذي كان يُلقب بملاك الموت في ساحة المعركة، بسبب شخصيته القاسية و التي لا ترحم، كان يبتسم كإنسان عادي.
“أتمنى لكِ أحلامًا سعيدة.”
“و لسموكَ أيضًا.”
“بالتأكيد. سأغادر الآن، فلا تخرجي.”
كما دخل، قفز أصلان بلا مبالاة من شرفة الطابق الثاني. كانت قفزته القوية والمرنة تشبه حركة وحش مفترس.
ظنت أنه غادر، لكنه توقف و نظر إلى فيفيان من الأسفل.
“……”
نظرات أصلان في صمت كانت شديدة لدرجة أنها بدت و كأنها ستبتلعها بالكامل.
اختبأت فيفيان خلف الستار دون أن تشعر. مجرد لمحة من نظره أشعلت حرارة داخلها كأنها لسعة نار. شعور لم تفهمه حتى هي.
مر وقت طويل، ولم تنهض إلا عندما شعرت أن وجوده قد ابتعد.
ازدحمت الأفكار في رأسها.
‘لو أن كلام أصلان لم يكن كذبة، فربما يمكنني الاعتماد عليه عندما يُطور العلاج لاحقًا؟ لكن من المحتمل أيضًا أن يكون تمثيلاً بارعاً ليجعلني أطمئن له…’
بينما كانت تفكر و تتخبط، راحت تمسح شعرها بعشوائية. التفكير بعمق لم يكن يناسبها.
كان من الواضح أن الليلة ستكون طويلة.
* * *
في صباح اليوم التالي، نزلت فيفيان إلى قاعة الطعام بدعوة من أصلان لتناول الإفطار معاً.
كان الجو لطيفاً و الطعام رائعاً. جاء الطاهي بنفسه ليشرح قائمة الطعام لفيفيان.
أومأت برأسها و هي تصغي إلى الشرح المفصل من الطاهي.
“منذ وقت طويل لم أتناول شيئاً يرضي ذوقي إلى هذا الحد. رغم كونكَ لا تزال شابًا، إلا أنكَ الطاهي الرئيسي، هذا مذهل.”
“لا أستحق هذا المديح من السيدة النبيلة.”
“كحُم!”
رفعت فيفيان نظرها بينما كانت تتحدث مع الطاهي. كان أصلان يسعل منذ فترة قليلة، ولم يتوقف، مما جعل الحديث مستحيلاً.
“سموك، هل تشعر بوعكة؟”
“من يدري.”
رفض استدعاء الطبيب، و رفض شرب الماء، و رفض الإجابة حين سُئل عن السبب. بينما كانت تحاول فيفيان أن تفهم، اقتنعت أنه لا شيء مهم.
عادت بنظرها إلى الطاهي. لا يجوز أن تشغله أكثر من هذا.
“سأظل أتطلع إلى طعامك.”
“سأبذل جهدي لأكون عند حسن ظن السيدة. ناديني مانويل، من فضلك.”
مانويل، بملامحه الحادة و ابتسامته المشرقة، كان من النوع الذي يبعث شيئاً من الاحراج، لكنه مع ذلك كان يعرف كيف يُضفي أجواءً لطيفة.
وضعت فيفيان يدها في يده بشكل طبيعي. تقبيل ظهر يد السيدة كان عرفًا اجتماعيًا شائعًا في طبقة النبلاء.
وتمامًا عندما انحنى مانويل ليلمس ظهر يدها بشفتيه بابتسامة خفيفة—
“فيفيان، يبدو أن خيطًا قد انحل من قفازك.”
أصلان، الذي كان يجلس على الجانب الآخر من الطاولة منذ قليل، ظهر فجأة و هو يمسك بيدها.
لم تشعر بأي حركة منه، لكنه سحب يدها من يد مانويل بثبات و سرعة.
أدار رأسه قليلاً، و وجه إلى مانويل نظرة حادة كأنها تقتله. لكن فيفيان أمالت برأسها متسائلة و هي غير مدركة بينما كانت تخلع قفازها.
“هل تمزق؟ أين؟”
“همم.”
بدا أن أصلان خفف من تعابيره وهو يُمسك يدها بلطف.
تحت كف يده الكبيرة، كانت يدها البيضاء والنحيلة تبدو كأنها تنتمي إلى نوع آخر تمامًا.
“ربما كنتُ مخطئًا.”
“حقًا؟ بالمناسبة، أين ذهب مانويل……”
بينما كانت تحاول سحب يدها بسلاسة، توقفت فجأة.
ذلك الشعور مجددًا. و كأنها محصورة في قيد فولاذي.
لم تكن يدها تؤلمها، وكان أصلان يلف أصابعه حولها برقة كما لو كان يمسك ريشة.
لكن مهما حاولت جهدها، لم تستطع سحب يدها. لم تتحرك قيد أنملة!
تمامًا حين أطلقت فيفيان صرخة داخلية، انحنى أصلان ببطء و هو لا يزال ممسكًا بيدها. اقترب نَفَسه الحار من أذنها.
“إذا انتهيتِ من تناول الطعام، أودّ أن أدخل في صلب الموضوع.”
“صلب الموضوع؟ ظننت أن هذه مجرد وجبة عادية. أ— أكثر من ذلك، من فضلك أتركن…”
“علينا أن نكمل الحديث الذي بدأناه البارحة.”
إذا كان يقصد الحديث غير المكتمل، فهو امتداد لاقتراح البارحة حول التعرّف على بعضنا.
رغم تفكيرها، استمرت في محاولات إنقاذ يدها اليمنى الثمينة. لوتها، و حاولت الإفلات منه بحركة مفاجئة. طبعًا ، يدها لم تتحرك قيد أنملة.
في تلك الأثناء، قام الخدم بسرعة بإزالة الأطباق الفارغة و أعادوا ترتيب الطاولة.
وعندما نظرت فيفيان إلى الطاولة…
“تفضلي، وقّعي هنا.”
كان هناك عقد زواج.
‘هذا الشخص؟!’
هل أمسك بيدي فقط لأجل هذا؟!
أين ذهب ذلك الرجل اللطيف من الليلة الماضية؟ أين ذهب ذلك الرجل الحساس الذي أراد أن يعرف عني أكثر و يجعلني افتح قلبي له ؟!
“لقد قلتَ اننا لا نعرف بعضنا جيدًا بعد…”
“آه، لقد غيّرت رأيي للتو.”
“ماذا؟!”
“فكري في الأمر بإيجابية. لو استمر الوضع هكذا، أي رجل بالقرب منكِ لن يبقى على قيد الحياة.”
شعرت فجأة و كأن برودة صوت أصلان وصلت إلى درجة التجمد. و لكن عندما رفعت رأسها لتنظر إليه، كان وجهه نظيفًا كما هو معتاد.
لكن يد أصلان التي تمسك بيدها لم تكن متساهلة على الإطلاق.
“لم يتبقَ سوى اسم العائلة.”
“آه، ما هذا…!”
كان أول حرف من اسم العائلة “أستاروت” الذي غيّره أصلان على هواه قد كُتب بالفعل.
بهذا الشكل، كانت ستصبح أسيرته بلا مفر. كانت ستُجبر على العيش تحت المراقبة لبقية حياتها!
‘ما هذا البطل؟ من كلامه فقط يبدو كأنه مُقرض قروض قاسي و ليس حبيبًا!’
أفضل أن أدفع مليارًا و مئتي مليون نقدًا، فقط أتركني!
نظرت فيفيان يائسة تبحث عن طريقة للخروج من هذا الموقف المجنون. لحسن الحظ، لاحظت شمعدانًا فضيًا مشتعلًا في وسط الطاولة.
وبما أن جسدها العلوي كان ممسوكًا من قبل أصلان، لم يكن أمامها خيار آخر.
ثبتت قدميها بقوة على الأرض و وجهت ركلة قوية.
دوّي!
سقط الشمعدان بشدة دون أن يستطيع أحد إيقافه. و التهمت النار عقد الزواج ثم انطفأت.
“……”
لم تستطع فيفيان إخراج أي صوت.
رغم أن ألمًا شديدًا تصاعد من أصابع قدمها التي اصطدمت بالطاولة الرخامية، لم تستطع إصدار أي صوت.
كان الضغط الناتج عن الصمت مرعبًا إلى درجة لا تُحتمل.
رغم أنها تصرفت بدافع الاستعجال، كانت خائفة من أن يقول أصلان: “سواء كنتِ تعرفين حقيقة كوني الأسد الأسود أم لا، سأقتلك على أي حال لأتجنب أي مخاطر مستقبلية.”
و ردّ فعل جسدها لم يتأخر، إذ انفجرت الأدرينالين في جسمها وانتشر في أعصابها.
“فيفيان، أنتِ…”
“اصمت.”
“ماذا؟”
“سأتحدث أولًا، ف—فقط اصمت!”
بدعم من تدفق الأدرينالين، بدأت تفقد السيطرة.
لم تعد تعرف حتى ما كانت تقوله، لكنها تركت لسانها ينطلق على هواه.
“يُقال إن أُمنيات الأحياء تُلبّى، ألا يمكن تلبية أُمنية شخص سيموت قريبًا؟ تبقّى لي من العمر سنة واحدة فقط في أفضل الأحوال!”
“قلت لكِ ألا تتحدثي و كأنكِ تخلّيتِ عن كل شيء.”
“صحيح. قلت انكَ ستنقذني، ولكن كيف؟ كيف ستنقذني؟ هل أنتَ طبيب؟ آه، لمَ لا نراهن إذن على ما إذا كنت سأموت أو أعيش بعد سنة؟!”
آه، لا يهم! ليذهب كل شيء إلى الجحيم!
ثم إن ظهور العلاج في المستقبل كان أمرًا غير مؤكد. حتى لو كان أصلان عبقريًا، فلا يمكنه قراءة المستقبل.
تحرّكت شفتا أصلان و كأنه أراد قول شيء، لكنه بدا كمن يواجه حاجزًا هائلًا يمنعه من الكلام.
وأخيرًا، مرّر يده على وجهه الجاف و أشاح بنظره بعيدًا.
كانت تلك اللحظة فرصة لـفيفيان. بسرعة، ربتت على يد أصلان.
و بما أنه كان خائفًا من انكشاف هويته بصفته”الأسد الأسود”، فإن أفضل طريقة لطمأنته كانت تأكيد أنها ستموت قريبًا.
“أنا بخير. لا داعي لأن تشفق عليّ لأنه تبقّى لي سنة واحدة فقط. لا أملك أي طموحات، أريد فقط أن أقضي ما تبقّى من حياتي بهدوء…”
“حسنًا، أقبل رهانكِ.”
“ماذا؟”
“إن كنتِ لا تزالين على قيد الحياة بعد عام من الآن، فسنتزوج.”
هذا صعب. كنت أنوي تناول العلاج بعد عام و الهروب بعيدًا.
رغم أن الموقف قد أنساني ذلك لبعض الوقت، إلا أن خطتها الأصلية كانت قضاء بقية حياتها بهدوء في منتجع بجنوب البلاد.
ولا تزال تلك الخطة سارية.
“خلال السنة التي سنقضيها في هذا الرهان، سنحافظ على خطوبتنا . لن أسمح لأي امرأة أخرى بالبقاء إلى جانبي، و أنتِ أيضًا يجب أن تفعلي الشيء نفسه.”
و هذا أيضًا صعب. إذًا ماذا عن أختي غير الشقيقة، البطلة الحقيقية في القصة الأصلية؟
أنا التي أعاني ليلًا و نهارًا من تأنيب الضمير لأنني دمّرت “كهف الختم” الضروري لسير أحداث الرواية، والآن تريد أن أستولي أيضًا على دور البطلة؟ هل هذا معقول؟!
“بما أنكِ خطيبتي، علينا أن نؤدي واجباتنا تجاه بعضنا. عقد الخطوبة ينصّ على أنكِ ستنتقلين إلى منزلي لتلقي دروس الزوجة المستقبلية، و أتمنى أن تبدئي بذلك من اليوم.”
“…….”
“أنتِ لا تفكرين في الهروب من الرهان، أليس كذلك؟”
تلاشى سيل الأدرينالين الذي كان ينفجر كبركان ثائر.
و السبب أن أصلان أخرج من جيبه عقد زواج جديد وابتسم مثل الشرير.
تحت الضغط الصامت لعدم معرفة ما سيحدث إذا رفضت، انتهى الأمر بفيفيان إلى قبول الرهان الذي كان مثل قتل نفسها.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "9"