سعلتْ فيفيان بخفّة، ثم ضيّقت عينيها. لم تكن خادمتها الخاصّة موجودة رغم مرض سيّدتها.
هل حدثَ شيء ما؟
“تبدين متعبة جدًا، إيريس. اطلبي إيسيدورا وارتاحي قليلًا.”
“أنا بخير، لا أشعر بالتعب.”
“أشعر بالذّنب. أعلم أنّكِ كنتِ هنا طوال الوقت.”
كان غياب إيسيدورا دونَ إخبار سيّدتها دليلًا على وجود مشكلة.
راقبت فيفيان تعبيرات إيريس بعناية.
للأسف، لم تكن إيريس بارعةً في إخفاء مشاعرها، فكشفت عيناها المتقلّبتان عن حالتها النفسيّة.
“في الحقيقة…”
“نعم؟”
“لا أعرف كيف أقول هذا. لا أريد إخفاء الأسرار عن أختي الوحيدة، لكنني لا أريد أن تُجرحي.”
ظهرت عداوةً نادرة على وجه إيريس، رمز المحبّة.
“ألا يمكننا التظاهر بأنّ إيسيدورا غير موجودة؟ إنّها لا تستحقّ معاملتكِ الطيّبة.”
“لا تكوني قاسية. إذا أخطأت إيسيدورا، فهذا خطأي كسيّدتها. مهما كانَ خطؤها، اللوم يقع عليّ.”
“لقد كنتِ طيّبة معها جدًا…”
صحيح، لقد كانت كذلك.
كانت تأمل في استمالة إيسيدورا كما فعلت مع الجواسيس، و منعها من التّلاعب بالرأي العام ضدّها أو ضدّ أصلان.
للأسف، كانَ توقّعها الأخير صحيحًا.
“بعد أن فقدتِ الوعي وأنتِ تنزفين، كانت الملاءات وملابسكِ ملطخة بالدم، فكان يجب تغييرها. لكن…”
تنهّدت إيريس بحنق قبل أن تكمل.
“رفضت إيسيدورا لمس دمكِ. تحدّثت بقسوة، فغضبَ الجميع، لكن الدّوق الأكبر سامحها و جعلها خادمته الخاصّة.”
خفّفت إيريس من حدّة الأمر، لكن وجهها كان مخيفًا.
حصلتْ فيفيان على المعلومات الكافية، وخوفًا من أن تُصاب إيريس بالضغط، غيّرت الموضوع.
“بالمناسبة، لا أرى أصلان. أليس مهتمًا بخطيبته المريضة؟”
“لا، وجهه كانَ مرعبًا عندما فقدتِ الوعي. شعرتُ و كأنني أمشي على جليد.”
حاولتْ إيريس مواساتها بكلماتٍ مبالغ فيها خوفًا من حزنها.
‘لا داعي لذلك…’
هزّتْ فيفيان رأسَها بهدوء.
“شخص مثله لا يزورني ولو مرة؟ لقد عَلمَ باستيقاظي بالتّأكيد.”
“أعتقد أنني أعرف السّبب. لو كنتُ مكانه، لخفتُ.”
“من ماذا؟”
لم تفهم فيفيان. أصلان في شمال الإمبراطوريّة كانَ يمتلك قوّةً مطلقة.
حتّى الإمبراطوريّة لم تستطع التدخّل في بلاكفورد. كلّ ما استطاعوا فعله هو استمالة لورد منطقة ألبارو القريبة لإثارة نزاعات.
لكن حتّى ذلك أوقفه الماركيز باستيان.
“من الصّعبِ التعبير عن ذلك، لكن رؤية الشّخصِ الذي أحبّه و هوَ يموت دون أن أفعل شيئًا سيكون مؤلمًا جدًا.”
“أنتِ طيّبة و لطيفة، لذا تفكّرين هكذا، لكن أصلان ليس كذلك.”
أصلان لا يكنّ مشاعر لها، بل لا يحبّها حتّى.
تذكّرت كيف كرّهها و أذلّها و قتلها بوحشيّة في القصّة الأصليّة.
‘قد يخطئ الآخرون، لكن ليس أنا.’
كانَ فقط يشعر بالمسؤوليّة تجاهها، كما يفعل مع بلاكفورد و فرسانه، مع مراقبتها أيضًا.
“أنتِ لم تري وجهه عندما فقدتِ الوعي.”
“أصلان بارعٌ في إخفاء تعبيراته.”
“لكنه إنسان. حتّى أقوى فرسان القارّة لديه نقاط ضعف. و نقطة ضعفه هي أنتِ.”
“مستحيل.”
“أختي الجميلة والشجاعة، مَن قد لا يقع في حبّها؟ حتّى لو كان الدوق الأكبر.”
يقال إنّ العاشق يرى كلّ شيء بعيون الحب.
ابتسمتْ فيفيان لإيريس التي تحاول مواساتها دون جدال. بينما كانت إيريس توشكُ على مواصلة الحديث، سُمع صوت من الباب.
“سيدتي، أنا دييغو. هل يمكنني الدخول؟”
“ما الأمر؟”
فتحت إيريس الباب، فكانَ دييغو و ميغيل و ليام واقفين.
“هذا الرجل يُدعى ليام، ويريد شكر سيّدتي على السماح له بالبقاءِ في القلعة.”
“هل هو المسافر المصاب؟”
“نعم، يا أميرة.”
نظرتْ إيريس إلى ليام.
“أقدر مشاعركَ، لكن فيفيان بحاجةٍ إلى الراحة. لقد استيقظتْ للتّو.”
“يقال إنّ ليام خبير في الأعشاب. ربّما يمكنه مساعدة سيّدتي.”
“إذا قال ميغيل ذلك…”
كانتْ إيريس تعتقد أنّ ميغيل ساحرٌ بارز من النقابة، مكلّف بالتحقيق في ظواهر الشمال، و هو يتنكّر كخيّاط.
وافقت إيريس على اقتراحه، تاركةً القرار لفيفيان.
أومأت فيفيان برحابة صدر.
“سأقبل عرض ليام بامتنان.”
كانَ لديها أمر معه، فجاء في الوقت المناسب.
طلبت فيفيان الهدوء، فأخرجت الجميع عدا ميغيل وليام. تصرّفَ ليام كغريب حتّى غادروا، بعد أن عَلم بالوضع مسبقًا.
عندما هدأت الغرفة، انحنى ليام.
“يا آنسة… أقصد، يا أميرة. لقد أنقذتني.”
“لقد فعلتُ ما يجب. هيسيوس هو مَن ساعدَ أكثر.”
“لا تتحدّثي عن ذلك الساحر اللعين. رأيته يتفرّج وأنا أكاد أموت.”
يبدو أنّ الكثير حدثَ بينهما أثناء نومها.
أخرج هيسيوس لسانه، و كاد ليام يرفع إصبعه الوسطى، لكنه سعّل بخجل عندما لاحظ نظرتها.
“سمعتُ أنّكِ فقدتِ الوعي بسبب نوبة السلّ. ربّما بسبب جهدكِ لإنقاذي.”
“لا تلم نفسك. حالتي لم تتدهور فقط بسبب ذلك.”
لكن ذلكَ كان له دور كبير، بطبيعة الحال.
بمهارتها في الحديث، استمرّ ليام بوجه يملؤه الذنب.
“أنا خبير في الأعشاب. أريد ردّ الجميل لمنقذتي.”
“ردّ الجميل؟ كيف…”
“أعمل على عدّة أدوية جديدة، منها علاج للسلّ. سأركّز عليه أولًا.”
بدأ يبتلع الطُعم.
لكن الصيّاد الحقيقيّ لا يغفل حتّى يصطادَ السمكة الكبيرة.
هزّت فيفيان رأسها بضعف، فتلاشى تعبير ليام الواثق.
“أعرف قصّة الطبيب المزيّف خوان. أعلم خيبة أملكِ، لكنني أكره أولئك الذين يعبثون بحياة الناس.”
“ليس ذلك. أخشى أن يسبّبَ تركيزكَ على علاج السلّ الأذى مرضى آخرين بحاجة إلى العلاج.”
“لا يمكنني تطوير كل الأدوية معًا. الوقت و المال محدودان.”
اقتربت اللّحظة الحاسمة.
في القصّة الأصليّة، كانَ ليام بارعًا لكن بلا دعم.
جاب! القارّة لجمع الأعشاب النادرة لتمويل أبحاثه.
عندما التقى أصلان، استقرّ في بلاكفورد، و تلقّى دعمه للتركيز على الأبحاث.
‘تعلّمت من خوان أنّ الأدوية الجديدة مربحةٌ جدًا.’
هذه المرة، كانت حقيقيّة على عكس خوان.
لم تظهر نتائج ملحوظة بعد، لكن عدد الأدوية التي سيطوّرها ليام لا يُحصى.
‘بمعنى آخر، يمكنني إنشاء شركة أدوية عملاقة!’
كانت ثروة عائلة إليونورا في العقارات، وهي صعبة التصفية.
لكن نجاح أبحاث ليام سيؤمّن لها حياة مترفة على شاطئ الزمرد.
أمالت فيفيان رأسها كأنّ فكرة خطرت لها.
“ليام، ماذا لو دعمتُ أبحاثك؟”
“دعم؟ هل أنتِ جادة؟ الأبحاث مكلفة ونتائجها غير مضمونة.”
“لن أدعمكَ مجانًا. سآخذ نسبةً من أرباح العلاج. هكذا يمكنكَ التركيز على البحث دون قلق.”
“لكن قد تخسرين كثيرًا.”
في الإمبراطوريّة، القروض تُسدّد بالفائدة. أخذ نسبة من الأرباح غير مفضّل بسبب المخاطر.
‘لكن هذه المرة مختلفة.’
أدوية ليام ستدرّ أرباحًا تجعل الفوائد تبدو تافهة. أخذ النّسبة أكثر ربحًا.
ابتسمت فيفيان ببراءة.
“لا أقصد التجارة. أريد إنقاذ المرضى. هذا واجب النبلاء.”
“يا أميرة…”
“لنؤسس معهدًا للأبحاث. سأدعم التكاليف، المواد، الأيدي العاملة، كلّ شيء.”
أصرت على البدء فورًا، فاستدعت كاتب القلعة.
أُعدّ عقدًا ينصّ على أنّ فيفيان ستغطّي جميع التكاليف مقابل 70% من أرباح المعهد.
التعليقات لهذا الفصل " 89"