وصلَ هيسيوس وفيفيان عبر النقل الفوري إلى الجانب الخلفيّ من قلعة بلاكفورد.
هبطا بسلامٍ على أرض مستوية، لكن ليام كان ملقى على الأرض القريبة بطريقةٍ عشوائية. بدا الأمر متعمدًا بوضوح.
لكن دون وقت للإشارة إلى ذلك، أقنعت فيفيان هيسيوس المتململ بالتّعاون في خطّتها.
“ساعدني مرّةً واحدة فقط.”
“ماذا تقصدين؟”
“سأعود بمفردي، لكن أوصل هذا الرجل إلى طبيب. قل إنك وجدتَ مسافرًا مصابًا أثناء تجوالك في القرية.”
كانَ من المفترض أن تكون فيفيان تستريح في غرفتها. إذا عُلم أنها كانت تجول خارجًا، ستنشب فوضى كبيرة.
“إذا فعلتَ ذلك، سأعطيكَ ما تريد كمكافأة.”
“لمَ كل هذا الجهد؟ هل تعرفينَ هذا الرجل من قبل؟”
“ليس تمامًا… لكنني أردتُ إنقاذه بشدّة. لم أستطع تركه يموت هناك.”
لأن ليام هو من سيضمن لي شاطئ الزمرد!
أومأ هيسيوس بتعبيرٍ غامض، موافقًا.
غادر الاثنان، و صعدت فيفيان إلى غرفتها في توقيت تبديل الحراسة. لحسن الحظ، لم يكن هناك خادم في الطابق الثاني.
“كح، كح! سأموت حقًا.”
ما إن دخلتٍ غرفتها حتى انهارت قواها. انزلقت على الحائط.
لكن لم يكن هناك وقت للتّسكع. هرعت إلى غرفة الملابس، خلعت ثيابها الملطخة بالثلج، و ارتدت رداءً فوق ثوب النوم.
“كح، بعد هذا الأمر…”
رتبّت شعرها المشعث بسرعة، وقفزت إلى السرير، ليأتي صوت طرق دييغو، كبير الخدم.
“ادخل.”
“أعتذر على إزعاجكِ أثناء راحتكِ، سيدتي.”
“ما الأمر؟”
“أحضرَ الخيّاط مسافرًا مصابًا من القرية، وحالته سيئة، لذا قد يحتاج للبقاء في القلعة مؤقتًا. أطلب إذنكِ…”
توقّفَ دييغو فجأةً بنظرة أسف، وهو يتحدّث بغرض متوقّع، بوجه مصدوم.
“سيدتي، هل أنتِ بخير؟ تبدين شاحبة.”
“أنا متعبة قليلًا، كح.”
“يجب أن يراكِ الطبيب.”
“أنا بخير، اعتنِ بالمسافر، كح، كح!”
انقلبَ جسدها، فتشبّثت بالملاءات وهي تلهث. شعرت بدمٍ متدفق في حلقها.
“آه!”
“سيّدتي!”
تلوّثتْ الملاءات البيضاء بالدّم الأحمر.
حاولتْ كبح الدم، لكنه تدفّق من أنفها وفمها، فصرخَ دييغو مذعورًا:
“الطبيب! الطبيب!”
“لمَ الرواق صاخب هكذا؟”
دوّى صوتٌ غاضب من الباب المفتوح.
“يبدو أنّ وقت تقاعدكَ قد حان، دييغو. فيفيان تحب الهدوء…”
توقّفَ أصلان عند دخوله. اتّسعت عيناه بصدمة. كانت فيفيان تلهث بصعوبة، و هي تنظر إليه بعيون ضبابية.
‘لمَ يبدي هذا التعبير؟’
لم تستمرّ أفكارها طويلًا. اندفعَ الأطباء إلى الغرفة بعد صراخ دييغو، مصدومين من المشهد.
ظلّ أصلان واقفًا عند الباب، يحدّق بفيفيان دون أن يرمش، كأنّه لا يشعر بمن يصطدم به.
‘أنا مريضة. أنا أتألم، أصلان…’
لكن صوتها لم يخرج بسببِ الدم الذي سدّ مجرى تنفسها.
مع صراخِ الأطباء، غرقت فيفيان في ظلامٍ عميق.
* * *
كانَ وجه أصلان مظلمًا و هو يجلسُ بجانبِ سرير فيفيان.
كانت شاحبة بشكلٍ يثير الشفقة. مرّر يده على خدّها بحذر، ثم أشاحَ بنظره.
انحنى الطبيب.
“يبدو أنّ حالة سيّدتي قد ساءت.”
“……”
“التغيّر البيئيّ هو المشكلة الأكبر. رغم تعويذة التدفئة في الغرفة، الرّواق بارد جدًا. رئتاها لا تتحمّلان الهواء البارد.”
عضّ أصلان شفته بقوّة.
كان يعاني من ضغوط الإمبراطورية المستمرّة. لو كان يستهدفونه هو فقط، لما اهتمّ، لكنهم كانوا يستهدفون فيفيان أيضًا.
“خطيبتي ضعيفة و لا تستطيع القيام بالأعمال الشاقة، فابحثوا عن غيرها.”
“إذا رفضت، قالت الإمبراطورة إنّ هناك ثمنًا باهظًا.”
“……”
“قريبًا سنصبح عائلة، فلا داعي للأسرار.”
كانَ يعلم أنّ برد بلاكفورد مضرّ برئتيها.
لكنه لم يستطع البقاء في العاصمة. كانت ستتعرّض لضغوط العائلة الإمبراطورية باستمرار. كان عليه حمايتها.
‘لا، كلّ هذه مجرّد أعذار.’
كانَ يخاف من كشف حقيقته. إذا نظرت إليه فيفيان بعيونٍ مليئة بالكراهية، لن يتحمّل.
“لا يمكننا العودة إلى العاصمة.”
“أعلم، سيدي.”
أومأ الطّبيب بوجه ثقيل.
كانَ أكثر المعارضين للانتقال إلى الشمال. لكن الوضع السياسيّ حولَ فيفيان جعل الموافقة حتميّة.
“سأبذلُ قصارى جهدي لعلاجها.”
“للمرة الأخيرة، قصارى جهدك لا يكفي. ضع حياتك في هذا الأمر.”
أمرَ أصلان الطبيب بالمغادرة بحزم.
وحيدًا، مسحَ وجهه بيأس.
وعدَ بحمايتها مَهما كلّفَ الأمر، لكنه كان منشغلًا بالتهديدات الخارجيّة، فلم ينتبه لمعاناتها.
‘أنا مريضة. أنا أتألم، أصلان…’
تذكّرها وهي تتقيّأ الدّم بصعوبة، كتفاها النحيلتان ترتجفان.
كانت تناديه، لكنه لم يستطع الاقتراب خوفًا من فقدانها. كانتْ هشّة كأنّها ستنكسر بمجرّدِ لمسها.
شعر وكأنّه سيجنّ.
“كانَ يجب أن أحميكِ. وعدتكِ بذلك.”
خلال الاستطلاع قرب موطن الوحوش، وقع انهيار أرضيّ، فأجبرته المخاطر المحتملة على العودة مبكرًا.
لو لم يحدث ذلك، لعادَ متأخرًا كالمعتاد.
كنتِ ستنادينني بيأس و أنا غائب.
“ها…”
استيقظ من أفكاره الثقيلة.
كانتْ الملاءات التي تغطّي فيفيان مبعثرة. كانت ترتدي ثوب نوم خفيف فقط.
بدا كتفها المكشوف باردًا، فمّدَ يده لتعديلِ الغطاء.
‘ما هذا؟’
في منطقة صدرها العلويّ، كانَ هناك وميض خافت يتموّج.
كالماء المتموّج، عميق و بطيء.
“…..”
مدَّ يده دون وعي.
عندما نفخ قليلًا من الطاقة السحريّة، ومضَ ضوء خافت على صدره كأنّ قفلًا قد أُغلق.
النّجمة المقلوبة.
دليل لعنة الشيطان أستاروث على نسل الأبطال، القيد الرّهيب الذي كبّل مصيره.
“هل تمّ النقش؟”
لا، مستحيل.
لم يكنْ على علاقة مع فيفيان. كانَ حريصًا حتّى في لمسها، معتزًا بها كأثمن شيء.
السّجلّات تقول إنّ النقش يظهر على رفيق الوحش في وقتٍ محدّد…
“هل أنا منْ وضعتُ هذا القيد اللّعين عليكِ؟”
رفيق الوحش الموصوم بالنقش يشارك الوحش حياته.
إذا ماتَ هو، فسوف تموت فيفيان. لكن إذا ماتت، فهو لن يموت.
لعنة أنانيّة بشعة.
“ماذا أفعل؟”
ركعَ أصلان بجانب سريرها. ركبة الفارس هي كبرياؤه، لكنه لم يستطع تحمّل ذلك.
“كم مِن الذّنوب يجب أن أرتكب بحقّكِ…”
ارتجفَ صوته بحزن.
لم يتمّ تفعيل اللّعنة بعد، لكن قلبه كان يعتصر.
هل هذه هي اللعنة الحقيقيّة؟ أن أضع قيدًا قذرًا على المرأة التي أحبها.
‘حتّى الآن، أفكّر فقط في كيفيّة عدم فقدانكِ.’
ألقى غروب الشمس الحمراء ظلالًا كثيفة في الغرفة.
انحنى ظلّ الرّجل الضخم بلا حول عند رأس فيفيان.
* * *
عندما فتحت فيفيان عينيها، كانتْ إيريس تجلس بجانبها بوجهٍ قلق.
بعد تناولِ دواء مرير بكميّة كبيرة، تمكّنت من الجلوس على رأس السرير بصعوبة.
“آه، أشعر و كأنّني ضُربتُ بعنف.”
“كنتِ فاقدة للوعي لأربعة أيّام. من الطبيعيّ أن تشعري بالثقل. هل تستطيعين الحركة؟”
حاولتْ فيفيان النهوض، لكنها انهارت. لم تتمكّن من الحركة، كانت مرهقةً تمامًا.
“أختي، سأغادر أولًا…”
“إلى أين؟ لن تذهبي. ابقي بجانبي.”
أمسكتْ إيريس يدها بقوة.
“ذهب أليكس لجمعِ أعشاب لكِ. خرجَ عند الفجر، سيعود قريبًا.”
“هل رافقه حرّاس؟ إنّه دائمًا يذهب إلى أماكن خطرة، أخشى أن يصيبه مكروه.”
“سمعت من ديلان أنّ مهارات أليكس مذهلة، هو من بين أفضل الأشخاص في الإمبراطوريّة.”
أضافتْ إيريس أنّه لا يبدو كذلك، فضحكت فيفيان بخجل.
‘أختي، لقد نسيتِ لقبه المرعب.’
حتّى لقب “الكارثة” أصبح عذبًا الآن.
التعليقات لهذا الفصل " 88"