“ركّزي. يجب أن تشعري بالطّاقة السحريّة المتدفّقة حولكِ بكلّ جسمكِ.”
“إذا فعلتُ هذا، هل سأتمكّن من استخدام السحر؟”
“مستحيل. لقد وُلدتِ بدم لا يستطيع استخدام السّحر. ما تتعلّمينه الآن هو نوع من الخدعة باستخدام نجمة القلب.”
فتحتْ فيفيان عينيها فجأةً وهي تشعر بالطاقة السّحريّة أو الرياح القارسة.
“إذن، ليس سحرًا؟ إذن لا فائدة منه!”
لم تتوقّع أن تكونَ قادرةً على التنقّل كما يفعل هيسيوس.
لكنها كانتْ تأمل على الأقلّ في إطفاء النار عن بُعد قبل النّوم أو جلب كأس ماء دون لمسها.
ضحكَ هيسيوس ساخرًا عندما سمع آمالها.
“طموحاتكِ عالية جدًا، يا أميرة.”
“هل تسخر مني؟”
“احم، لا، بالطّبع لا.”
توقّفَ عن الضّحك عندما رأى فيفيان تعتصر قبضتها، وأصبح جديًا.
كان قد تعلّمَ من تجربته السّابقة أنّ القوة الجسديّة قد تتفوّق أحيانًا على السحر.
“على أيّ حال، لن يكونَ عديم الفائدة. خاصّة هنا في بلاكفورد، على عكس العاصمة. على سبيل المثال، قد تظهر وحوش سحريّة داخل القلعة.”
حتّى لو لم تستطع هزيمة وحشٍ سحريّ، يمكنها امتصاص الطاقة السحريّة لشلّ حواسه مؤقتًا.
أو يمكنها استخدام امتصاص وإطلاق الطاقة لتحويل اتّجاه الوحش.
أمالت فيفيان رأسها متعجّبة من تفسيره.
“وحوش سحريّة؟ مستحيل. أصلان يحمي بلاكفورد كقلعة حديديّة.”
“لا أحد يعرف ماذا يخبّئ المستقبل.”
تفاخر هيسيوس وكأنّه يقول ‘انتظري وسترين’، لكنها لم تستطع تخيّل ظهور وحوشٍ سحريّة في القلعة.
‘لكن ربّما يمكنني منعُ تحوّل أصلان إلى وحش…’
اتّجهت أفكارها نحو ضرورة تعلّمِ امتصاص الطاقة السحريّة.
“فكّري كأنّك تملئين زجاجة ضيّقة بالماء. النّجمة هي الزجاجة، و الطّاقة السّحريّة هي الماء.”
وضع هيسيوس يده على قمّة رأسها لتعزيز تدفّق الطاقة.
“تذكّري جيّدًا الطاقة التي تدور في نقاط الجسم السبع. يُطلق عليها المانا.”
“أشعر بشيءٍ غريب. دافئ و مثير للحكّة…”
“هذا هو! أنتِ حسّاسة للطّاقة السحريّة أكثر ممّا توقّعت.”
بينما كانتْ تشعر بالغرابة والدفء، كانَ هيسيوس مبتهجًا.
بدت تصرفاته غريبةً بعض الشيء، لكنها قرّرت عدم التّعليق خوفًا من أن تُترك وحيدة في الجبال القارسة.
* * *
منذ ذلكَ الحين، تسلّلت فيفيان بعيدًا عن أعين أصلان للتدرّب يوميًا.
بما أنها كانتْ تستخدم الدائرة السحريّة المحفورة في جسدها فقط، لم يستغرق تعلّمُ امتصاص الطاقة وقتًا طويلًا.
بعد أيام، اقترحَ هيسيوس زيادةَ الصعوبة ونقلها إلى مكانٍ جديد.
“هذا الجرف اكتشفته ريجينا. إنّه أحد الأماكن التي تكون فيها تدفّقات الطّاقة السحريّة غير طبيعيّة.”
راقبت فيفيان هيسيوس وهو يتحكّم بالطاقة من مسافة.
بمجرّدِ أن مدّ يده، دارت الطاقة السحريّة كأنّها تهرب. كانَ مشهدًا نادرًا أن لا تطيع الطّاقة نداء ساحر عظيم.
‘أليس هذا صعبًا جدًا بالنّسبةِ لي؟’
بدأتْ الطًاقة المحيطة بالانضمام تدريجيًا إلى التدفّق الذي خلقه هيسيوس.
كانَ مشهد الطاقة الفضيّة الضخمة وهي ترقص فوق الجرف المذهل مذهلًا.
في لحظة سحرتها الرؤية، اقتربتْ فيفيان دون وعي.
“……”
ارتخت الطّاقة التي كانتْ تدور حولَ هيسيوس وبدأت تتجمّع حول فيفيان.
تراجعتْ مصدومة، لكن كميّة الطاقة زادت أكثر. لاحظَ هيسيوس الخلل واستدار إليها.
“يا أميرة؟”
“لم أفعل شيئًا…”
كانت الطّاقة كثيفة لدرجة أنّها لم تستطع رؤية الأمام.
حاولتْ التحكّم بها كما تعلّمت، لكن ذلكَ كان صعبًا بسببِ الحجم الهائل للطاقة.
بينما كانت تدير عينيها مرتبكة، انقسمت الطاقة الكثيفة كالدّخان إلى نصفين.
ظهرَ هيسيوس بينها و مدَّ يده.
“إنّه خطر. أمسكي يدي!”
“يا إلهي…”
عندما تمّت تصفية المشهد، رأت الموقف بوضوح.
خلفها كانَ هناك جرف عميق. يبدو أنّها تحرّكت إلى حافّة الجرف وهي تتراجع.
بينما كانت تنظر إلى الأسفل متردّدة، نقر هيسيوس لسانه بقلق. أمسكَ ذراعها وسحبها إلى مكانٍ آمن، ثم أطلقَ موجة من التوبيخ.
“هل قرّرتِ الموت؟! قلتُ لكِ أمسكي يدي، فلمَ تنظرين إلى الجرف؟”
“كانَ هناك شخصٌ هناك.”
تحت الجرف، كانَ هناك شخص فاقد للوعي.
يبدو أنّه نجا من الموت لأنّه علقَ بأغصان شجرة أثناء السّقوط، لكنه لن يصمد طويلًا هكذا.
‘إذا كانت ذاكرتي صحيحة، فهذا الشّخص…’
كان ليام، رفيق أصلان في القصّة الأصليّة، بلا شكّ.
كانَ طبيبًا يجوب القارّة لجمع الأعشاب النادرة.
في بلاكفورد، استمرّ في نشاطه، لكنه زلّ قدمه و سقط من جرف، لينقذه أصلان و يصبح تابعًا مخلصًا له.
وبدعمِ أصلان، نجح في صنع علاج للسلّ، المرض المستعصي.
علاجٌ حقيقيّ للسلّ.
‘يا لها من مصادفة أن يكون هذا الجرف هو ذلك المذكور في القصّة! لقد وجدته أخيرًا.’
يقولون إنّ المحظوظ يجد حلوى حتّى لو سقطَ للخلف. هذا كان حالها تمامًا.
إذا أنقذتْ ليام، لن تخافَ الموت بالسلّ حتّى بعد إزالة النجمة.
“يا للأسف. لمَ أتَى إلى مكانٍ وعر كهذا؟”
“يجب إنقاذه.”
“إنقاذه؟ نحن؟ لمَ؟”
رمشَ هيسيوس بعينيه كأنّه لا يفهم. أصرّ على أنّ التورّط في أمورٍ مزعجة لن يجلب فائدة، وحثّها على مواصلة التدريب.
“ما الفائدة التي سأجنيها من إنقاذه؟”
“لقد أنقذتَني للتوّ! لم تكن هناك فائدة، ومع ذلكَ هرعتَ مذعورًا عندما كدتُ أسقط.”
“لأنّكِ الأميرة بالطّبع…”
تبدّلَ تعبير هيسيوس إلى الحيرة للحظة.
كأنّه يفكّر ‘لمَ أنقذتُها؟’، وبدا يفكّر بجديّة.
‘سنتحدّث لاحقًا، أيّها الوغد.’
أدركتْ أنّه لا يمكن توقّع تعاون حقيقيّ منه.
استدارت فيفيان دون نقاشٍ إضافيّ. كان عليها إنقاذ ليام لتبقى هيَ على قيد الحياة، فلم يكن هناك وقت للتردّد.
اقتربتٍ من حافّة الجرف و انبطحت. كان عليها إيقاظ ليام أولًا.
“مرحبًا، هل أنتَ بخير؟ افتح عينيك!”
“…..”
“استفق! ستموت هكذا!”
تردّدَ صوتها في الجرف الحادّ. اهتزّت الأرض، و سقط! حجر صغير مباشرةً على رأس ليام.
“آه!”
فتحَ ليام عينيه مع صرخةٍ قصيرة.
نظرَ حوله مرتبكًا، ثم تنهّدَ بعمق كأنّه أدرك الوضع.
“الأرض هنا ضعيفة. إذا بقيتِ هكذا، ستسقطين أنتِ أيضًا. تراجعي.”
“كيف ستتسلّق إذن؟”
“……”
أمسكَ ليام بالكرمة التي تلفّ جسده بقوة بدلًا من الإجابة.
بدت نيته التسلّق، لكن عندما ضغط، تساقطت الحصى. كانَ ذلك مستحيلًا.
“اللعنة، هل هذه النهاية؟”
“سأساعدك. لا تستسلم!”
“ألا تخافين؟ قد تموتين وأنتِ تحاولين إنقاذ غريب.”
“صحيح، أنا خائفة. لكن…”
الموت بالسلّ أكثرُ رعبًا.
بعد كلّ هذا العناء للوصول إلى شاطئ الزمرد، الموت و أنا أتقيّأ دمًا سيكون أكثر ظلمًا!
بالطّبع، لم تستطع قولَ ذلك صراحةً، فعضّت شفتيها وبدأت تقطع الكرمات وتشبكها بإحكام.
“يا آنسة…”
“أغلق فمك. يجب أن تعيشَ مهما كلّف الأمر. سأنقذك!”
تذكّرت كيف ربطَ أصلان عقدة عسكريّة بشعرها الثّمين قبل أيام. حينها أرادت قتله، لكن لم تتوقّع أن تكونَ مفيدة بهذه الطريقة.
علّقت فيفيان الكرمة على غصن قويّ ليكون بمثابة بكرة، و انبطحت مجدّدًا عندَ حافة الجرف.
“هل يمكنكَ الإمساك بها؟”
“إذا أخطأتِ، قد تسقطين أنتِ أيضًا.”
“لا تستطيع تحريك ساقيكَ الآن. لا يمكنكَ التسلّق بمفردك دون دعم.”
كانت ساقا ليام متدلّيتين في الهواء، مكسورتين من الصّدمة على ما يبدو.
بينما كانت فيفيان تستعد لسحب الكرمة، ظلّ هيسيوس واقفًا يراقب دون تدخّل.
نظرت إليه طالبة المساعدة، لكن تعبيره لم يتغيّر. كان رفضًا واضحًا.
‘عندما أعود إلى القلعة، سأطرد هذا الوغد أوّلًا.’
عليه أن يرتجف في البرد خارجًا ليتعلّم درسًا.
“سأبدأ بالسّحب الآن!”
في اللّحظة التي أمسكَ فيها ليام بالكرمة بقوة، دوّى صوت مشؤوم في الجرف.
قبل أن تسحب، بدأت الأرض تتشقّق. يبدو أنّ الأرض، التي كانت هشّة منذ سقوط ليام، وصلت إلى حدّها.
“يا آنسة، إنّه خطر!”
“تمسّك جيّدًا…!”
أمسكتْ فيفيان طرف الكرمة و جرت بأقصى سرعتها نحو الجهة المقابلة. لكن التشقّقات انتشرت أسرع منها.
انهارت الأرض تحت قدميها، وفي لحظة طُرحت في الهواء، سمعت صوتًا.
“ألم أقل لكِ؟ التورّط في أمورٍ مزعجة لا يجلب شيئًا جيّدًا.”
أمسكَ هيسيوس خصرها بقوة، وهو يعبس. تناثرت الطاقة السحريّة الفضيّة حولهما ببريق.
“لمَ…”
“لا تنظري إليّ هكذا. حتّى أنا لا أعرف لمَ تدخّلت.”
نقرَ بلسانه بانزعاج، ثم نفّذ انتقالًا فوريًا.
التعليقات لهذا الفصل " 87"