غربتْ الشّمس وغرقَ العالم في ظلامٍ دامس. كانت فيفيان جالسةً على السّرير، تنظر إلى السّماء المضاءة بالقمر.
‘لا أرى أيّ طريق.’
بعد حادثة غرفة الطعام، نزلت فيفيان إلى القرية لمقابلة جواسيس يوهانس. كانت تبحث عن أيّ تلميح لاستمالة إيسيدورا، لكنها لم تجدْ شيئًا يُذكر. كان الجواسيس، كقاعدةٍ، لا يعرفون شيئًا عن بعضهم البعض.
“رأسي سينفجر.”
ستتولّى فيفيان المستقبليّة الأمر بطريقةٍ ما.
توقّفت فجأةً وهي تستعدّ للاستلقاء على السرير، إذ شعرت بإحساس مشؤوم يتسلّل إليها.
‘سأرى كابوسًا اللّيلة أيضًا، أليس كذلك؟’
اقتربَ مرور أسبوع منذ وصولها إلى بلاكفورد. خلال هذه الفترة، رأت كوابيس كلّ ليلة دون انقطاع.
عندما تستيقظ، كانت لا تتذكّر التّفاصيل، لكن المشاعر تبقى عالقة، فتصبحُ كلّ صباح حزينة و مكتئبة.
وكأنّ تغيير الفراش جعلَ حالتها الجسدية سيّئة أيضًا.
“…..”
احتضنت فيفيان الوسادة وهي تنزل من السّرير ببطء.
كانَ الوقت متأخّرًا، فكانَ الرّواق هادئًا خاليًا من أيّ حركة. عبرت فيفيان الرّواق الواسع وطرقت الباب المقابل برفق.
“ما الأمر؟”
“أصلان، هل أنتَ نائم؟”
همستٍ بحذر عند شقّ الباب، لكن فجأةً سمعت صوت شيء يسقط بعنف.
“آه!”
“أصلان؟ هل أنتَ بخير؟”
“……”
بعد صوت ضجيج، انفتحَ الباب فجأة.
يبدو أنّ أصلان كان قد انتهى لتوّه من الاستحمام، فكان وجهه محمّرًا قليلًا. كانَ شعره مبللًا ومبعثرًا، وكان يرتدي قميصًا بشكل عشوائيّ، تنبعث منه رائحة خفيفة للصابون.
نظر إليها وهو يلهث، ثم عبس.
“لمَ خرجتِ بملابس خفيفةٍ هكذا؟”
“إنّه الرواق المقابل فقط…”
“جسمكِ بارد. اللّعنة، تعالي بسرعة.”
سَحبها أصلان إلى داخل غرفته، و وضع رداءً كبيرًا على كتفيها، ثم ألقى بالحطبِ في المدفأة بشراسة.
لم يرفع رأسه راضيًا إلا بعد أن أصبحت الغرفة دافئة إلى حدّ الاختناق.
‘لكن، ما هذا الفراش البائس؟ حتّى الأرواح الشريرة ستهرب!’
كانت غرفة أصلان عمليّة بشكلٍ صارم.
كان هناك سلاح ضخم على الجدران الحجرية الرّمادية، و هناك هيكل خشبيّ يحمل درعًا. نظرًا لقامة أصلان الضخمة، كانَ الهيكل كبيرًا، مما أضفى إحساسًا بالرهبة.
لم ترغبْ في النّوم في غرفتها، لكن النوم بمفردها في غرفة أصلان لم يكن مغريًا أيضًا.
‘يبدو أنّ شيئًا أسوأ مِن الأرواح قد يظهر هنا.’
جلست فيفيان على حافّة السّرير، وهي تحتضن وسادتها بقوة. رفعَ أصلان حاجبًا وهو يراقبها.
“ألا يمكننا النوم معًا؟”
كان سريرها واسعًا، لكن سرير أصلان بدا كملعب رياضيّ.
إضافة كائنٍ صغير مثلها في الزاوية لن تُسبب أي إزعاج.
“سأنام هنا بهدوء دون حراك.”
“مستحيل.”
“لا أتحدّث أثناء النوم…”
“ممنوع تمامًا.”
تجهّمَ وجه أصلان، معبّرًا عن رفض قاطع.
لكن كلما زادَ رفضه، اشتعلت رغبة فيفيان. قرّرت أن تنامَ على هذا السرير مهما كلّفَ الأمر.
زحفت من زاوية السّرير إلى المنتصف ببطء.
“فيفيان.”
“لا أسمع.”
“اخرجي، بسرعة!”
استلقتْ فيفيان في وسط السّرير، و هيَ تنظر إلى أصلان بعيونٍ متلألئة. كانت الغرفة دافئة، أو ربّما احمرّت وجنتاه و أذناه من الحرارة.
“استلقِ بسرعةٍ هنا.”
“كيف سأتحمّل هذا…”
عضَّ شفته السّفلى و هو يمسح وجهه بحرج. تردّد حول السّرير، ثم رفعها فجأةً بين ذراعيه.
“سأعيدكِ إلى غرفتكِ.”
“لا، أريد النوم معك!”
تلوّتْ فيفيان كسمكةٍ طازجة.
خوفًا من إيذائها، لم يستطع أصلان الإمساكَ بها بقوة.
أفلت فيفيان، و تشبّثت بالملاءات، و هي تلهث بقوة.
‘حتّى لو كنتُ خطيبته بسبب الواجب فقط، هذا كثير! السّرير واسع جدًا، وهو بخيل!’
فرزتْ أفكارها قبل أن تخرجها من فمها.
“بسبب تغيير الفراش، لا أستطيع النوم.”
“أغمضي عينيكِ و حاولي.”
“لا أريد النّوم بمفردي. أريدُ شخصًا بجانبي.”
بالطبع، لا ينبغي أن يكونَ هذا الشّخص روحًا شريرة.
عندما دفنت وجهها في الوسادة بخجل، جلسَ أصلان على السّرير، و هو يشعرُ بشيءٍ غريب.
“ما الأمر؟”
“……”
“فيفيان، انظري إليّ. هيا.”
مرّرَ يده بحذر على شعرها البلاتينيّ المتناثر.
“لمَ لا تريدين النوم بمفردكِ؟ أخبريني.”
“ربّما لأنّ الغرفة واسعة جدًا، أشعر بالوحدة. في منزل العاصمة، كنتُ أشعر بوجودكَ خلفَ الستارة…”
“هذا كل شيء؟”
“و ما الذي قد يكون غير ذلك؟”
صراحةً، كانَ الاعتراف بخوفها من الأشباح محرجًا جدًا.
ليستْ طفلة تتدلّل، أن تقول إنّها تخاف الأشباح ولا تستطيع النّوم بمفردها.
لم تستطع النّطق بذلك مهما حدث.
“ها، يجب أن أبذل جهدًا خارقًا لأتحمّل.”
تمتمَ أصلان بشيءٍ غامض، ثم زحف إلى السرير. وضع رأس فيفيان على ذراعه.
“الوقت متأخّر. نامي الآن.”
“حسنًا…”
هل هذا بسببِ دفء جسمه؟ شعرت بإحساسٍ ناعم كأنّها تغرق في الماء.
احتضنته فيفيان وهي تتلوّى.
“لحظة، لا تقتربي كثيرًا. إنّه خطر.”
“خطر؟ اماذا…”
“من الأفضل ألا تسألي. لستُ مستعدًا لإزعاجكِ بعد.”
كان شعور يده الكبيرة وهي تمرّر على جبهتها لطيفًا. فكّرت أنّها لن ترى كابوسًا الليلة، ثم غرقت في نومٍ عميق.
* * *
في الفجر الباكر، قبلَ شروق الشمس، شعر أصلان بحركةٍ خفيفة في الرّواق خارج الغرفة.
فتحَ عينيه ببطء وهو يحتضن فيفيان النائمة. تألّقت عيناه الذهبيتان في الظّلام.
تنهّدَ بأسف، ثم خرجَ من السّرير بحذر لئلا يوقظها.
“سمعتُ أنّكَ استدعيتني، سيدي.”
“صحيح.”
عندما فتح الباب، انحنت خادمة ذات شعر بنيّ. كانت الخادمة التي اختارتها فيفيان لتكونَ خادمتها الخاصّة.
“كيف حالُ فيفيان مؤخّرًا؟ هل تتأقلم جيّدًا مع بلاكفورد؟”
كانَ مظهر فيفيان اللّيلة الماضية يقلقه.
كانت تراقب تعابيره، ترفض النوم بمفردها، وتتردّد في الإجابة عن أسئلته.
كانت صورتها وهي تحتضن الوسادة وتهزّ رأسها رائعة، لكن مشاهدة ذلكَ كلّ ليلة قد تجعله يذبل.
“سيّدتي تتأقلم جيّدًا. الشعب لا يتوقّف عن مدحها…”
“أنا مهتمّ بأمور أخرى. هل تأخذ دواءها؟ وماذا عن طعامها؟”
“سيّدتي قليلة الأكل، لكن لا مشكلة في وجباتها. وهي تأخذ دواءها بانتظام.”
نظرَ أصلان إلى الخادمة التي أجابت بأدبٍ بعيون باردة.
“وماذا عن نومها؟ أعرف أنّ فيفيان حسّاسة تجاه الفراش.”
“كما قلت، سيدي، إنّها مرتاحة مع فراشها.”
“لا تعاني من الأرق أو أيّ شيء من هذا القبيل؟”
“عادةً تنامُ بمجرّد استلقائها.”
“حسنًا.”
تجمّدَ وجه أصلان.
كانت فيفيان تكره الدّواء المرّ. في منزل العاصمة، كانتْ تتسلل لتتخطّى الدواء عندما لا يراقبها أحد.
حتّى لو كانت الخادمة غير منتبهة، فهذا مقبول، لكن…
“بسبب تغيير الفراش، لا أستطيع النوم.”
“لا أريد النّوم بمفردي. أريد شخصًا بجانبي.”
كانت الخادمة تكذب عليه.
الخادم الذي يخدع سيّده يُطرد خارج القلعة. لكن كذبها كان هادئًا جدًا.
لو لم تأتِ فيفيان إلى غرفته، لكانَ صدّق تقريرها.
‘إذن، إنّها ليست خادمة عاديّة.’
إمّا أنّها غير منتبهة بشكلٍ مفرط، أو لديها نوايا أخرى غير خدمة سيّدتها. في كلتا الحالتين، ليست مناسبة لتبقى بجانب فيفيان.
بينما كان أصلان غارقًا في أفكاره، تحدّثت الخادمة فجأةً.
“سيّدتي محظوظة جدًا.”
“ماذا تعنين؟”
“أنتَ تهتمّ بكلّ شيء، من طعامها إلى ملابسها وحتّى نومها، رغم أنّكما لستما زوجين رسميّين بعد.”
“هذا ليس شأنكِ.”
“آه! أعتذر، أعتذر.”
أدركت أنّها تجاوزت حدودها، فانحنت بسرعة.
“إذا لم يكنْ هناك المزيد…”
“اذهبي. واستمري في الاهتمام بفيفيان بعناية.”
“سأفعل، سيدي.”
راقبَ أصلان ظهر الخادمة وهي تغادر مرتبكة.
بما أنّها تعمل في قلعة بلاكفورد، فهويتها السطحيّة مؤكدة، لكن التحقيق التقليديّ لن يجدي نفعًا.
“سأرى من يحاول خداعي، و سأتحرّى بعناية من الآن فصاعدًا.”
* * *
ربّما بفضلِ نومها مع أصلان، استيقظت فيفيان دون كوابيس لأوّل مرّة.
كانت أشّعة الصباح المشعّة على السرير ساطعة. شعرت برأس صافٍ وجسم خفيف بعد نوم عميق. كانت تشعر أنّها قادرة على فعل أي شيء.
حتّى هذا الصباح، على الأقل…
“البرد! أنا أتجمّد!”
“تحمّلي.”
“قبل أن أتعلّم امتصاص الطاقة السحريّة، سأموت متجمّدة!”
“البشر لا يموتون بهذه السهولة.”
هذا الوغد!
صرخت فيفيان وهي تواجه الرّياح القارسة.
وافقت دون تفكير عندما اقترح هيسيوس بدء الدروس اليوم، لكنه نقلها فجأة. عندما أفاقت، كانت تقف في جبال بلاكفورد.
“لا مكان أفضل من هنا لتعلّم التحكّم بالطاقة السحريّة. إنّ حركتها هنا نشطة جدًا.”
إذا كانت الطاقة السحريّة كثيفة جدًا، يصعب التحكّم بها، وإذا كانت ضعيفة جدًا، فهي غير مناسبة للتدريب.
لهذا يُعتبر الشّمال أرض الأحلام لمتدرّبي السّحر.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 86"