نظرَ كلٌّ من إيريس وريجينا إلى ظهور السيد المفاجئ أثناء تناول الطعام، و عيناهما ترمشان بصمت.
في الصّمتِ الغريب الذي خيّمَ على الغرفة، ازدادت حواجب أصلان تقطيبًا.
“سألتُ ماذا تفعلُ بـخطيبتي.”
تجاوزتْ نظراته الثّاقبة فيفيان، لتنتقل إلى ميغيل الذي كانَ يلفُّ شعرها.
كانتْ المسافة بين الرّجلين قريبةً جدًا بشكلٍ مفرط.
أدركت إيريس و ريجينا الخطر متأخرين، فابتسمتا بخجل.
“صاحب السّمو، صباح الخير.”
“صباح الخير، يا سيّد القلعة.”
مع التّحية، ركلتْ ريجينا ساقَ ميغيل تحت الطاولة. تيبّس كتفُ الصبيّ الذي بدا مستاءً بعضَ الشيء.
“كنتُ أربط شريطة السّيدة التي انحلّت للتو.”
“ليس هذا ما أتساءل عنه. سؤالي هو لماذا أنتَ في بلاكفورد.”
“حسنًا، بما أنني أصبحتُ خياط السّيدة الخاص، أليس هذا أمرًا طبيعيًا؟”
“ماذا؟ هل يعني هذا أنّ ذلكَ الخيّاط…”
على عكسِ ابتسامة ميغيل المشرقة، كانَ أصلان هذه المرّة هو مَن تصلّبَ وجهه فِي حيرة.
فيفيان، التي كانتْ محصورة بينهما، لم تفهم شيئًا و رمشتْ بعينيها.
لقد أخبرتُ دييغو أمس بوضوحٍ أنّني أرغبُ في توظيفِ خيّاطٍ جديد.
‘ماذا حدث بحقّ الجحيم؟ ألم يتمّ إيصال الرّسالة؟’
لا أعرف أين سارت الأمور بشكلٍ خاطئ، لكن المؤكد هو أنّ طردَ هيسيوس الآن لن يعودَ عليها بأيّ فائدة.
أمسكتْ فيفيان بأصلان الذي كانت تنبعث منه هالةٌ قاسية.
“أنا آسفة. كانَ يجب أن أطلبَ إذنكَ أولاً، لقد وظفتُ خياطًا من تلقاء نفسي…”
كانَ كبير الخدم الأكبر سنًا بين العاملين في القلعة. لم يكن من الغريبِ أن يُصاب بالنّسيان في هذا العمر.
المنطقة المحيطة كانت مليئة بالجبال الصخرية المغطاة بالثّلوج، وكانَ من المحزن جدًا أن يتمّ طرد دييغو و تحمّلُه المسؤولية.
لذلك، قرّرتْ فيفيان إلقاء اللّوم على شخصيّة أصلان السّيئة بدلاً من دييغو.
‘كيف يمنع خطيبته من توظيف خيّاط من تلقاء نفسها!’
“بلاكفورد مِلككَ، و قد تصرفتُ من تلقاء نفسي دون أن أعرف مكانتي. أتفهم غضبكَ. لقد كنتُ وقحة…”
“فيفيان! لا، أبدًا لا. لماذا أغضب منكَ!”
“لكنكَ غضبتَ بمجرّدِ رؤية ميغيل.”
“ذلك، ليس هذا.”
تعثّر أصلان في كلماته، و هو يمسكُ كتف فيفيان و كأنه يتوسل. بدا وكأنّه أدركَ أخيرًا أن لديه مشكلةً في شخصيّتِه.
أخفضت فيفيان رأسها لإخفاء تعبير الانتصار، ثم تدخّلَ ميغيل الذي كانَ يراقب من الخلف.
“إذن لا توجد مشكلةٌ الآن، صحيح يا سمو الدوق؟”
“هذا سيكون صحيحًا عندما تتمتع بمهارة و مؤهّلات مناسبة. ألم تكن مجرّد مساعد؟ لا يمكنني أن أوكّل ملابس أميرة إلى مثلِ هذا الشّخص.”
“لا تقلق بشأن المؤهّلات. السيدة ستضمن مهارتي.”
حسنًا، كانَ من البديهيّ أن ملابس السيدة ستُستبدل باسم ميغيل.
كانَ هذا الشّخص يبتسم بجمالٍ و بريق وكأن الأمر لا يعنيه. لكن أصلان بدا أكثر غضبًا بسبب هذا المنظر.
سمعتْ فيفيان صوت أنفاسه الصاخبة فوق رأسها مباشرة.
‘سأكشف كلّ شيء!’
كانت على وشكِ أن تتعلّم كيفية امتصاص الطاقة الشيطانية، لكنها وجدتْ نفسها عالقةً في عراك بين حوتين.
كانت تتلوّى لتحرّر نفسها مِن قبضة أصلان، عندما دخلَ دييغو إلى غرفة الطعام و انحنى.
“يا سيدي، كل هذا خطئي. السّيدة ليست مخطئة على الإطلاق.”
“لماذا لم تقلْ لي أنّ هذا هو الخيّاط؟”
“لقد دخلَ و خرجَ من منزل العاصمة عدّةَ مرات، ولديه رسالة توصية من السّيدة، لذلك اعتبرتُ هوّيته مؤكدة.”
“ليستْ الهوّية هي المشكلة…!”
توقفَ أصلان فجأةً عن توبيخه بصوتٍ منخفض.
لفّ ذلكَ الرجل، الذي بدا و كأنه فتى جميل، شعر فيفيان حول إصبعه بابتسامة متواصلة. بل و لمعت عيناه ببريقٍ و كأنه يتباهى.
“سأربط الشريطة مرّةً أخرى، سيدتي.”
“سأطلب من الخادمة أن تفعل ذلك. فقط دعها.”
“لن يكون سهلاً، أليس كذلك؟ شعر الأميرة ناعم كالحرير.”
نظرت فيفيان إلى هيسيوس الذي تصرّف فجأةً كصديقٍ مقرّب بعينين متسائلتين، ثمّ اقتنعت.
كانَ أصلان يحدّقُ بها من الخلف.
كانَ عليها أن تتظاهر بأنها مقرّبةٌ قدر الإمكان لتجنّب الشّك.
يبدو أنّ المشكلة كانت في هويته غير المؤكدة.
تمتمَ هيسيوس الذي كان يعبث بالشريطة بصوتٍ منخفض.
“يا أميرتي، هذا أصعب مما اعتقدت.”
“ألا تعرفُ كيفَ تربط شريطة؟”
“لديّ سحر، فلماذا أقوم بعملٍ يدوي؟”
كانَ العالم على وشكِ رؤية أوّل خياط لا يستطيع ربط شريط.
قبلَ تلكَ اللّحظة التاريخيّة، كانَ الاثنان يفكران مليًا و رأساهما متقاربان، عندما سقطَ ظلٌّ ضخم عليهما.
“ماذا تفعلان و أنتما قريبان بهذا الشكل؟”
“…..”
توهّجت عينا أصلان، الذي كانَ يمسكُ كتف ميغيل، باللّون الأزرق.
في اللّحظة التي بدت و كأن الأمور ستنتهي، دفع ميغيل بقوّة و وقفَ أمام فيفيان. و قد أمسك الشريطة الوردية الفاتحة بإحكام، والتي كان قد انتزعها منها.
“سأفعل ذلك.”
“هل تستطيع؟”
“ربط العقدة ، أي فارسٍ يمكنه فعل ذلك.”
تمتمَ بغضب، ثم صمتَ وكأنه يركّز.
بيديه الكبيرتين المليئتين بالأوردة البارزة، تشابكت الشريطة الصغيرة المصنوعة من الدانتيل.
أصبح شعرها البلاتيني الذي كانَ ناعمًا كالحرير قبل قليل، أشعثًا كالمكنسة.
“آه.”
“أصلان، هل أنتَ بخير؟”
“أستطيع أن أفعل ذلك.”
لا أعتقد ذلك.
وهكذا، بعد فترةٍ طويلة من الصّبر، تم الانتهاء من شيء يشبه العقدة. كانت الشّريطة الدانتيل اللامعة نصف ممزقة و متهالكة.
“الشّريطة غريبة. مَن صنعَ هذا الشيء؟ هل هو ذلك الفتى ؟”
“إنّها أنا.”
“إنها شريطةٌ رائعة حقًا. يا لها مِنْ عملٍ فنيّ عظيم يظهر الفنّ و المعاناة.”
“…..”
نظرت فيفيان إلى الشّريطة الممزقة و تذوقت مرارة في فمها. لم تكن متأكدة من الجانب الفني، لكن المعاناة كانت واضحة جدًا.
بما أن الجوّ بينهما أصبح محرجًا، تدخّل كبير الخدم بذكاء.
“يا سيدي، جميع الاستعدادات للاستطلاع قد اكتملت.”
“هل مرّ الوقت بالفعلِ بهذه السرعة؟”
كانَ من المفترض أن يذهب بعيدًا اليوم، لذا كان عليه أن يسرع قليلاً.
همهمَ أصلان بانزعاج، ثم همّ بمغادرة غرفة الطعام، لكنه تذكر شيئًا، فاستدار و انحنى ليطلب من فيفيان.
“أنتِ الدّوقة الكبرى المستقبليّة و سيّدة هذه الأرض. يجب ألا تسمحي بوجود أيّ شخص خطير حولكِ أبدًا.”
“لا تقلق. سأكون حذرةً دائمًا.”
“احذري خاصّةً من الرّجال الذين يشبهون الفتيان الوسيمين. الذين يبتسمون دائمًا و يتحرّكون بلطف كأنهم لسان في الفم. عادةً ما يكون هؤلاء الأشخاص مختلفين من الدّاخل و الخارج.”
هل يقصد يوهانس؟
بما أنّها كانت على علم تام بالعداوة بين ولي العهد وأصلان، أومأتْ فيفيان برأسها موافقة.
“إذن، سأذهب.”
“اعتنِ بنفسك.”
“بل أنتِ مَن عليكِ ذلك، لا تتخطي الدواء، و استريحي جيدًا في السرير.”
تردّدَ أصلان، وهو يحدّق بشدّةٍ في ظهرها، ثم استدار! على مضض.
كانت إيريس و ريجينا قد اختفيا دون أثر، و كأنهما هربا، ومدَّ هيسيوس لسانه نحو الباب المفتوح، ثم لوى فمه بمرح عندمَا التقت عيناهما.
كانَ الوضع كارثيًا بشكلٍ عام.
“سيدتي، لماذا لم تلوميني؟”
“ماذا تقول فجأة؟”
عندها، اقتربَ كبير الخدم الذي كان يحمل تعبيرًا غريبًا لسببٍ ما.
“كنتُ أنا مَن نقل أمر توظيف ميغيل إلى سيدي. كان يجب عليكِ ذكر ذلكَ عندما قامَ سيدي بلومكِ.”
“لماذا يجبُ أن أفعل ذلك؟”
“أنتِ سيّدة القلعة يا سيدتي. ليسَتْ هناك فائدة من الشّجار مع سيدي.”
أضاف دييغو بإلحاح، قائلاً إنها يجب أن تستخدم مرؤوسيها لحماية نفسها، أليس كذلك، كما يفعل النّبلاء الآخرون؟
نظرت فيفيان إلى كبير الخدم المسنّ بصمت.
‘لو كان خادمًا آخر، لفعلتُ ذلك بالطّبع. لكن دييغو…’
هذا الاحترام اللّعين المتأصل في جسدها تجاوز حاجز المكانة.
عندما فكّرتْ في كبير الخدم المسنّ وهو يُطرد عاريًا إلى خارجِ القلعة و يتجوّل في الجبال الصخرية المغطاة بالثلوج، ارتفعَ ضميرها الذي كان مدفونًا في الأعماق.
بالطّبع، كانَ الكشف عن هذه الحقيقة بهذه الصراحة أمرًا وقحًا للغاية، لذلك فكّرت فيفيان في عذرٍ مناسب.
“أنتَ شخص مهمّ جدًا لأصلان. لن يتأثر بغيابي، لكنه سيشعر بفراغٍ كبير إذا لم تكن موجودًا.”
“ليس كذلك. سيدي يحتاجكِ أكثر من أيّ شخص آخر.”
“شكرًا لكَ على كلماتكِ.”
كانَ كبير الخدم شخصًا ذا خبرة كبيرة. لو طالت المحادثة، لكان هذا العذر الواهن قد انكشفَ بسرعة.
ابتسمت فيفيان بتوتّرٍ و قطعت الحديث. عندما أشارت إلى أنها ترغب في الراحة، لم يمنعها هو أيضًا.
“سأرسل لكِ شايًا دافئًا.”
“شكرًا لكَ، دييغو.”
صعدتْ إلى الطابق العلوي، وغادرَ ميغيل الذي كان يقف بلا حراك، قائلاً إنه سيقوم بقص الملابس.
بقي كبير الخدم وحده و تمتم لنفسهِ بصوتٍ منخفض.
“إنها شخص مستقيم للغاية و لا يجيد المماطلة.”
‘السّيدة لا تعرف كيف تحمي نفسها. لذلك، لا بد أنها تحمّلتْ الانتقادات و الإهانات وحدها في العاصمة.’
“إذا لم أحمها هنا على الأقل…”
لكنّها الآن في بلاكفورد.
حتّى لو لم يتدخل هو، فمن المؤكّد أن هناك جيشًا من الموالين للسّيدة، لكنه شعرَ برغبةٍ في إظهار شيء ما، بصفته أقدم خادم للسّيد.
‘هاها، ماذا سيحدث إذا تشاجرا الاثنان كزوجين؟’
ربّما سيقف معظم الخدم، بما فيهم هو، إلى جانب السّيدة.
ضحكَ دييغو و هوَ يخطو بخطوات واثقة، قائلاً إن موقع السّيد قد يصبح مهتزًا بعض الشّيء.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 85"