لم يستطع أصلان فهمَ معنى ذلك التعبير، فشعر بالقلق. كانت فيفيان غالبًا ما تعتمر تعبيرًا غامضًا كهذا.
“لا أعرف حقًا…”
“وما معنى ذلك؟”
“آه، أقصد أنّني لا أعرف مشاعري. ليس هناك معنى آخر، فقط هكذا…”
بدا أنّ فيفيان عاجزة عن استيعاب الأمور.
لم تنكر أنّ سبب تعلّمها لغة القارّة الشرقيّة لم يكن ذلك. و مع ذلك، تردّدت دون أن تقدّم إجابة واضحة.
‘هل يمكنني أن أحتفظ بالأمل؟’
لم تطلبْ من الأمير أن يتركها تغادر.
كانت فيفيان الآن بجانبه، على مسافةٍ قريبة يمكن أن يصلها بيده إذا مدّها.
“أصلان؟”
“نعم.”
فركَ أصلان خدّ فيفيان ببطء بأصابعه، كما لو كان يتأكّد من شيء، بينما كانت هي تتذمّر قائلة إنّ ذلك يدغدغها.
رغمَ تذمّرها من هذا المزاح، كانت عيناها الزرقاوان تنظران إليه بوضوح.
‘هناك أمل.’
هل هناك طائر أزرق يحطّ على قلبه ويرفرف بأجنحته؟ شعر بحكّة خفيفة في حلقه و انتفاخ غريب في صدره دون سبب واضح.
“فيفيان.”
“ماذا؟”
“عندما نذهب إلى بلاكفورد، قد تواجهين الكثير من الإزعاج. سأبذل قصارى جهدي لتكوني مرتاحة، لكنّها قد لا تكون مثل العاصمة. هل هذا مقبول بالنسبة لك؟”
يا إلهي، لم يكنْ هذا ما أردت قوله.
ماذا لو رفضتْ فيفيان؟ ماذا لو قالت إنّها لا تريد العيش في بلاكفورد، أو إنّها لم تخطّط أبدًا للذهاب إلى تلكَ الأرض الملعونة التي تعجّ بالوحوش؟
“لماذا تسألَ هذا الآن؟”
مال رأس فيفيان باستغراب.
تنقّل نظره بين شعرها البلاتينيّ الناعم الذي يشبه ضوء القمر المذاب، و أهدابها الرقيقة كأجنحة الفراشة، وشفتيها الحمراوين الجذّابتين كحبّة رمان مقطوفة.
“إنّ ذهابي إلى بلاكفورد هو بلا شكّ قدري.”
“……”
“في الحقيقة، شعرتُ بالخوف قليلًا في البداية. أليس المكان يُدعى قلعة الجدار الجليديّ التي لا يخرج منها أحد حيًا دون إذن؟”
عندما قالت فيفيان إنّها شعرت وكأنّها لن تتمكّن من الخروج من هناك أبدًا، ظهرَ الاستفهام على وجه أصلان.
‘لماذا لا يمكنها الخروج حيّة؟ تتحدّث وكأنّني سأحبسها في القلعة.’
غرق َأصلان في أفكاره للحظة، ثمّ تنهّد.
‘آه، هل تخاف من الوحوش؟ شرحي كانَ ناقصًا.’
كما تقلق فيفيان، كانت الوحوش قد اجتاحت المنطقة الشماليّة بأكملها في الماضي. لكن بفضل جهود أصلان و فرقته، تقتصر الآن مناطق ظهور الوحوش على أقصى شمال بلاكفورد.
لكن بالنسبة لمن لا يعرفون الوضع الداخليّ، لا يزال يُنظر إلى بلاكفورد كأرض الموت.
“لا داعي لأن تقلقي من أيّ شيء. في أرضي، لا يمكن لأحدٍ أن يمسّك…”
تحرّكت أصابعه الخشنة التي كانتْ تداعب خدّها المحمّر بحذر إلى ذقنها.
حتّى تحت ضوء القمر الباهت، كانت شفتاها لا تزالان حمراوين وجذّابتين، لدرجةِ أنّه أراد أن يبتلعهما دون أن يترك أثرًا.
‘لكن ليس بعد.’
هل شعرَ أنّ صبره قد وصل إلى حافة الانهيار؟ بدا أنّ ابتسامة فيفيان أصبحتْ متوتّرة قليلًا.
“هيا، لنعد إلى قاعة الاحتفال.”
مسحَ أصلان وجهه بعنف و أمسكَ بيدها.
يجبُ أن يذهبا إلى مكان مزدحم. قبل أن يفقد عقله و يفعلَ شيئًا طائشًا بها.
‘يمسّني؟ لماذا لا تردّ؟ هل هذا إعلان تعذيب؟!’
بدا أنّ صوتًا يتحدّث عن الهروب جاء من خلفه وهو يتحرّك، لكنّ أصلان، الذي كان منشغلًا بأفكاره، لم ينتبه إليه.
* * *
رنّ صوت أحذية غاضبة في الرّدهة الفاخرة. كانت الإمبراطورة، على غير عادتها، قد فقدت رباطة جأشها.
“جلالة الإمبراطورة…”
“ابتعدوا جميعًا. ألم أقل اخرجوا!”
حاولتْ الخادمات اللواتي كنّ يتبعنها التحدّث بحذر، لكنّ الإمبراطورة أمرتهنّ بقسوة ودخلت إلى غرفة الاستقبال.
أغلق الباب الضخم خلفها بلا صوت.
“يا للكارثة.”
مرَّ أسبوع منذ حادثة هيمينا. خلال هذه الفترة القصيرة، حدثت تغييرات كثيرة في الإمبراطوريّة.
أوّلًا، تمَّ حلّ مشكلة القارّة الشرقيّة، وهي أكبر مشكلة سياسيّة، بشكلٍ كامل.
أصبحت العلاقات الدبلوماسيّة بين البلدين رسميّة، مما يتيح توقّع تجارة مستقرّة، وتولّت البحريّة الشرقيّة مسؤوليّة مكافحة القراصنة، بينما تقتصر الإمبراطوريّة على تقديم الدعم الماليّ و اللوجستيّ.
كانَ الإمبراطور راضيًا جدًا عن هذه النتائج.
“هذا لا يمكن أن يحدث. كم كافحت لإزاحة ذلك الوحش القذر، وفجأةً يحدث هذا في يوم واحد…!”
أصبحت مكانة أصلان السياسيّة أكثر رسوخًا بشكلٍ ملحوظ.
بسبب هذا الحدث، استحوذ على تأييد الشعب والنّبلاء على حدّ سواء.
كانت منظّمة الجريمة في أزقّة مينيرفا تُسبّب ضررًا كبيرًا للشعب، لكنّ تعقيدات المصالح جعلت من الصعب التدخّل.
لكن أصلان قضى عليهم جميعًا في أقلّ من شهر.
فضلًا عن ذلك، أقنع الأمير رافي مع الأميرة ومنع الحرب، فكان إنجازه عظيمًا.
“هذا الطفيليّ، أقوى من الحشائش! يسعى جاهدًا لعرقلتي في كلّ خطوة!”
كلّما زادت مكانة أصلان، برزت نظريّة عجز وليّ العهد أيضًا.
كانَ الجميع يعلمون أنّ العلاقة بين الأمير الثاني و العائلة الإمبراطوريّة ليست جيّدة، لذا لم يكن من الممكن سلب إنجازات أصلان.
“ماذا أفعل؟ ماذا…”
“أمّي.”
بينما كانت الإمبراطورة تتجوّل في غرفة الاستقبال بقلق، ظهرَ الشّخص الوحيد القادر على تهدئة غضبها.
يبدو أنّ الخادمات استدعينه بنظرة ذكيّة.
“يوهانس، ابني!”
“ما الذي أغضبكِ هكذا؟ أخبريني.”
“ما فائدة القول؟ لا يمكنني التخلّص منه.”
يجب أن تقتصر لعنة الشيطان على شخصٍ واحد في كلّ جيل.
يُحدّد الملعون من خلال دم العائلة الإمبراطوريّة، وعند موته، تنتقل اللعنة إلى شخص آخر في نفس الجيل.
“لا تقلقي، أمّي.”
“كفى مواساة. يقال إنّه سيغادر إلى بلاكفورد اليوم، ولا أجد مبرّرًا لمنعه. ماذا أفعل؟”
“مهما اتّسع القفص، يبقى قفصًا. هل الطائر داخله حرّ حقًا؟ تصرّفات أصلان الطائشة لن تدوم طويلًا.”
“هل تقصد…”
لمعَ وجه الإمبراطورة بنظرة متألّقة. رسم يوهانس ابتسامة ناعمة.
“نعم، التحضيرات تكاد تكتمل.”
“هل السّحر جاهز أخيرًا!”
“لقد رشونا العديد من الجواسيس حول أصلان. هم من أهل الشمال، فلن يلاحظ أحد شيئًا.”
توقّفت الإمبراطورة أخيرًا عن التجوّل بشكلٍ مضطرب.
“لكن هل يكفي ذلك؟ أليس ذكيًا وماكرًا؟ منذ صغره كانَ كذلك. لم أستطع أبدًا أن أمنحه عاطفة.”
“لقد بذلتِ قصارى جهدكِ لتأديبه. كيف لا أعرف؟”
لتعليم الوحش، يجبُ استخدام العصا.
يجب تعليم من لا يفهم الكلام الخضوع والإذلال لسيّده أوّلًا.
لكن أصلان لم يخضع أبدًا. مع مرور الوقت، ازدادت عيناه شراسةً و تمرّدًا.
فأُرسلَ أخيرًا إلى بلاكفورد كحلّ أخير، لكنّه، كما يليق بوحشٍ ملعون، اتّخذها موطنًا وأصبح ملك الوحوش.
“لا تقلقي، أمّي. طيشه لن يدوم طويلًا. سيدرك أصلان مكانه الحقيقيّ في النهاية.”
“آه…”
تحتَ قدمي ابنها الوحيد.
ذلكَ هو المكانُ الوحيد المسموح للوحش القذر.
لمع عينا الإمبراطورة بالنشوة وهي تمسك بغطاء الطاولة.
* * *
تأرجحت الستائر الطويلة المعلّقة من السقف مع هبوب الريح.
استيقظت فيفيان ببطء وهي مدفونة تقريبًا في سريرها الكبير. تدحرجت دمعة راكدة على خدّها.
‘هذا الحلم اللّعين…’
كانَ هذا اليوم الخامس لها في بلاكفورد. خلال هذه الأيام الخمسة، ظلّتْ ترى أحلامًا متواصلة.
عندما تستيقظ، لا تتذكّر شيئًا من محتواها. فقط شعور بالوحدة، و كأنّها تمشي على جليد رقيق، وإرهاق يبقى كالبقايا.
دونَ سببٍ واضح.
“سيّدتي، يبدو أنّكِ رأيتِ كابوسًا آخر.”
“نعم.”
“ألا يجب أن تخبري السّيد؟”
فركت فيفيان عينيها ونهضت بجسدها الثقيل. كان عليها القيام بالكثير منذ الصباح.
اقتربتْ خادمة لخدمتها صباحًا.
كانت الخادمة التي اختارتها فيفيان بنفسها، امرأة شماليّة عاديّة ذات شعر بنيّ ونمش.
“لا تخبري أصلان.”
“لكن هل أنتِ بخير؟ يبدو أنّ الأمر يزداد سوءًا…”
“قد يحدث هذا عندما يتغيّر الفراش. لا داعي لإزعاج شخصٍ مشغول.”
منذ وصولها إلى بلاكفورد، توقّعت أن تقلّ مراقبة أصلان، لكنّها بلغت ذروتها.
كأنّ لديه عينين في مؤخّرة رأسه، فإذا خرجت خطوة خارج المبنى، يهرع إليها و يُعيدها إلى غرفة النوم.
يُدقّق في ملابسها، طعامها، عدد المدافئ، وحتّى درجة حرارة الشاي…..
يُهدّدها بأن تبقى في غرفة النوم لتكون آمنة و ترتاح، بل و كتبَ تعويذة عزل باهظة الثمن في الغرفة، لا يستخدمها إلّا الإمبراطور أو الإمبراطورة.
‘يا له من ناكر للجميل! من أجل من أتعب هكذا؟’
بسببِ هذه القيود، تأخّرت خطّتها لاستمالة الجواسيس، التي كانت ستنتهي في يوم واحد، إلى خمسة أيام.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 81"