قرار أصلان بأن يتخذ فيفيان زوجة كان مفاجئًا للغاية في نظر التابعين له.
لقد طارد الآنسة التي كانت تحاول الانتحار ودخل الغابة. و لم يظهر لثلاثة أيام.
وفي حين كان الجميع، من خدم وفرسان، يدورون في دوامة من القلق، ظهر أصلان من جديد حاملاً فيفيان إليونورا المغمى عليها بين ذراعيه.
قال انه لا يمكن أن يسمح لها بالبقاء في فندق أو ما شابه ، و أمر على الفور بشراء قصر.
لم يكن هناك مجال للاعتراض. بالنسبة للتابعين، فإن أوامر أصلان كانت بمثابة أوامر قاطعة.
فعلوا ما بوسعهم لتلبية تطلعات سيدهم.
جعلوا القصر الفاخر أصلًا أكثر فخامة. وكان من المقرر أن يصل خدم متمرسون جُلبوا خصيصًا من العاصمة للاعتناء بفيفيان.
هز أصلان رأسه برضا و هو يستمع لشرح من أحد التابعين.
“أحسنت.”
“و متى تنوي التوجه إلى الشمال يا سيدي؟”
“لن يكون ممكنًا في الوقت الراهن. سأبقى في الجنوب حتى تتعافى حالة فيفيان.”
“عفوًا؟”
توقف الرجل الذي كان يسير خلف أصلان و كأنه سمع شيئًا لا يمكن تصديقه.
“هل لديكَ اعتراض؟”
“لا يا سيدي. فقط، كنت أظن أنكما ستتحركان بشكل منفصل…”
“حتى في نظركَ يبدو الأمر كذلك، أليس كذلك.”
رفع أصلان شعره ببطء إلى الأعلى. وخرجت من فمه ابتسامة مريرة بطرف شفتيه المتصلبتين.
كان يعرف السبب الذي يجعل فيفيان ترفض الزواج به.
فخلال السنوات الثلاث التي كانا مخطوبين فيها، تجاهل وجودها بالكامل. كانت العلاقة من البداية محكومة باعتبارات سياسية، ولم يكن يملك حق الاعتراض حينها.
و بدلًا من أن يحميها بصفته خطيبها، أهانها علنًا أمام الناس، و سخر منها على أنها امرأة بلا دموع ولا مشاعر.
دون أن يدرك أنها كانت تحتضر.
حين يفكر الآن، فإن تجاهله لفيفيان كان أشبه بصرخة أخيرة يائسة من داخله.
لكي يقنع نفسه بأنه لا يطارد ظلها كلما رآها، كان يجرحها بلا ذنب.
‘من الطبيعي ألا تثق بي. فأنا لا أستطيع أن أخبر فيفيان بأي شيء. لا شيء على الإطلاق.’
سر لا يمكن البوح به لأي أحد. قلعة مبنية على الأكاذيب وزالنفاق. و خطيبته الرقيقة و العزيزة محاصرة في أعماقها.
كيف له أن يتحدث وكأن لا شيء قد حدث؟
بعد أن احتقرها هكذا، الآن يأتي و يقول انه يحبها؟
هذا الوحش البغيض، ارتكب جريمة لا تُغتفر.
“لكن هذا لا يعني أنني سأدعها ترحل.ذ
“عفوا؟!”
“لا، كنت أتكلم مع نفسي. على أي حال، هناك أمر عليكَ القيام به.”
توقف أصلان عن السير. و كانت نظرات عينيه تلمع بشكل مرعب.
“عليك أن تبحث عن عائلة إليونورا من البداية. هذه المرة، أريد معرفة كل شيء حتى عن حياتهم الخاصة بأكملها.”
“أمرك سيدي.”
إن دوق إليونورا الحالي هو صهر أُدخل إلى العائلة من فرع جانبي، و زوجته هي حفيدة الدوق السابق من الدرجة الثامنة.
رغم أن الدوق السابق كان لديه ابنة يمكنها وراثة العائلة ، إلا أنه أتى بصهر ليتولى الأمر.
كانت الابنة موهوبة، لكنها ولدت ضعيفة جسديًا، فلم تكن قادرة على تحمل المسؤولية.
لكن قرار الدوق السابق قاد العائلة نحو الانهيار. فالدوق الحالي عديم الكفاءة، و جشع للغاية.
ولذلك، تم تخطي الدوق الحالي في مسألة تركة الدوق السابق و تم وريثها مباشرة فيفيان و شقيقها.
“من غير المرجح أن يقف الدوق مكتوف الأيدي وهو يرى ذلك.”
كان حدس أصلان يخبره بأن هناك شيئًا غير طبيعي.
لماذا تم التستر تمامًا على مهارات فيفيان المتميزة في المبارزة؟ لماذا لم تتخذ العائلة أي إجراء بينما كانت سمعة فيفيان تتدهور في المجتمع الأرستقراطي؟
ولماذا لم يلحظ أحد أن ابنة الدوق وصلت إلى هذه المرحلة المتقدمة من مرض العضال؟
“إن كنت محقًا في ما أظنه، فحينها…”
* * *
كانت ليلة ساكنة تتلألأ فيها النجوم في السماء. الجميع خلد إلى النوم، لكن شخصًا واحدًا، فيفيان، لم تستطع النوم أبدًا.
أبعدت الخادمة التي أرادت خدمتها، وجلست عند النافذة لتستعرض وضعها الحالي.
“المشكلة الأكبر التي أواجهها الآن، هي بالتأكيد مرض السل.”
كانت مريضة بالسل، محكومًا عليها بالموت. كانت تعاني من أعراض حادة، وأحيانًا تفقد وعيها عندما تسوء حالتها.
قال الطبيب انها ستعيش عامًا، لكنه لم يكن رقمًا ثابتًا. فلو أجهدت نفسها، قد تموت قبل ذلك.
لكنها كانت لا تزال على قيد الحياة.
‘ما الذي حدث بحق الجحيم؟’
في الجبل، كانت بالكاد مغطاة بملابس رقيقة تتعرض للمطر والرياح، بل وتعرضت لهجوم قاتل مأجور.
كانت متأكدة من أنها ستموت، لكن توقعاتها أخطأت تمامًا.
مهما فكرت، لم تستطع أن تجد سببًا. كل ما خطر ببالها كان أنها نجت بمعجزة تخص انتقال روحها.
صحيح ، في العناية استحوذت على جسد شخص آخر، فما الذي قد يكون مستحيلًا بعد ذلك؟
“أنا سعيدة لأنني نجوت. سعيدة جدًا. وإن عشت طويلًا فسيكون أفضل بكثير.”
في الحقيقة، في منتصف أحداث الرواية الأصلية “لعنة أستاروت”، تم تطوير علاج لمرض السل.
وكان هذا أول شيء تذكرته بمجرد انتقالها للجسد. لكن كان هناك مشكلة خطيرة بشأن ذلك العلاج.
‘الشخص الذي طور الدواء هو زميل أصلان. لا توجد فرصة أن يعطيني الدواء.’
ففي الرواية الأصلية، ذُكر العلاج فقط ليُظهر أن البطل استطاع أن يكسب حليفًا يمكنه علاج حتى الأمراض المستعصية.
لذا، كانت قد تخلت عن فكرة الحصول على العلاج. لأنها تعرف أن أصلان يكرهها و يراها مجرد حشرة.
“لكن الآن تغير الوضع . ربما، مجرد احتمال، زواج أصلان بي ليس بالأمر السيئ تمامًا.”
فإذا ظلت بجانبه لمدة عام حتى يتم تطوير الدواء، فقد تسنح لها الفرصة للتواصل مع ذلك الزميل سرًا.
ستكون تلك فرصة للتخلص من هذا السل اللعين.
“لابد أن الأمر كان مؤلمًا جدًا، لكن كيف تركت فيفيان جسدها يصل إلى هذه الحالة؟”
مع أنها ليست في موضع يسمح لها باللوم كمن استحوذت على جسد غيرها، إلا أنها لم تستطع كبح التذمر بعد أن عانت أكثر من شهر من أعراض السل اللعين.
بعثرت شعرها وهزت رأسها.
“النجوم كثيرة في السماء. إنها جميلة فعلًا.”
“لم أكن أعلم أنكِ تستمتعين بمشهد الليل.”
في تلك اللحظة، سمعت فجأة صوت من اتجاه الحديقة. كان أصلان يقف تحت نافذتها مباشرة.
ربما كان يتمرن، فقد كانت خصلات شعره الأسود، مبتلة بالعرق.
وكان بلا قميص، و كتفاه العريضان، و صدره الصلب، وذراعاه المشدودتان بارزة، كلها بدت خطيرة للغاية.
و حتى عيناه الذهبيتان اللامعتان، بدت كأنها لوحش كامن في الظلام.
“لو كنت أعلم ذلك، لخرجت معكِ.”
“لا، كنت أفكر فقط.”
“على أي حال، لا يمكنني أن أغفل عنكِ للحظة واحدة حتى. هواء الليل بارد…”
“أنا بخير. اهه، كح كح!”
تغير تعبير وجه أصلان الذي كان ينظر إلى فيفيان للحظة.
رمى السيف الذي كان يحمله و قفز فوق الشرفة العالية دفعة واحدة. كانت بعلو طابقين.
تراجعت فيفيان إلى الخلف مندهشة، لكن أصلان كان أسرع منها في الإمساك بكتفيها.
“أرأيتِ؟ أنتِ لستِ بخير.”
“كان ذلك للحظة فقط. لم أستطع النوم…”
“أين الخادمة التي تراقب الغرفة؟”
أصبحت نظرات أصلان حادة و هو ينظر حوله. بدا وكأنه سيعاقبها فورًا بسبب مغادرتها لمكانها.
هزت فيفيان رأسها بسرعة.
“لا تفعل ذلك. الخادمة كانت تنفذ أمري فقط.”
“أي أمر؟”
“أنا لا أحب وجود أحد بجانبي أثناء وقت الراحة. لذا طلبت منها أن تغادر.”
“إن كنتِ تقولين ذلك…”
ضيق أصلان ما بين حاجبيه وكأنه يتحقق من صدق كلامها، ثم حملها فجأة بين ذراعيه.
تململت فيفيان طالبة منه أن يُنزلها، لكنها وجدت نفسها موضوعة على السرير بعد أن أزاح الغطاء و سار بخطوات واسعة.
“ماذا هناك أيضًا؟”
“ماذا؟”
“أخبِريني بكل شيء، فيفيان. هناك الكثير من الأشياء التي لا اعرفها عنكِ.”
“سموك؟”
هذا مستحيل. في الرواية، كان أصلان قد زرع جواسيس في عائلة إليونورا وراقب كل تحركات أفرادها بدقة.
حين أدرك دوق إليونورا ذلك، كانت العائلة بأكملها قد وقعت بالفعل في يدي أصلان.
حتى أن أصلان كان قد علم بوجود الابن غير الشرعي قبل أن تعرف فيفيان نفسها بذلك.
لكن الكلمات التي خرجت من فم أصلان كانت مختلفة قليلًا.
“حتى اليوم، كنت أظن أنكِ ستقبلين بزواجي منكِ بسعادة.”
من المؤكد أن فيفيان في القصة الأصلية كانت كذلك. كانت تتشبث بأصلان بكل وسيلة ممكنة من أجل الزواج به. وكانت سمعتها السيئة قد نشأت من ذلك التصرف.
‘لكن الوضع مختلف الآن. عرض الزواج من أصلان بالنسبة لي سيف ذو حدين.’
حقيقة أن أصلان قد أصيب بلعنة الشيطان و يتحول إلى أسد أسود كانت من أكثر الأسرار المخفية.
حتى ولي العهد، خصم أصلان، كان ليرسل القتلة فورًا لو انكشف أمر تلك اللعنة، إذ أن لعنة أستاروت كانت مسألة حساسة للغاية للعائلة الإمبراطورية كلها.
‘و أنا أُعتبر شاهدة محتملة على ذلك.’
قبل أن تفقد وعيها، كان أصلان قد تحول إلى أسد أسود، لكنه استعاد شكله البشري عندما استيقظت، مما يعني أنه عاد إلى هيئته الأصلية أثناء خروجهما من الجبل.
لو كنت شخصًا عاديًا، لتمت تصفيتي على الفور لمجرد وجودي هناك.
لكن الخادمة كانت قد أخبرتني قبل قليل.
‘بسبب وصيتي، أصلان يتعرض لهجوم سياسي.’
للأسف، كانت فيفيان قد ورثت ثروة هائلة من والدتها المتوفاة و عائلة والدتها. وكانت من أغنى نساء الإمبراطورية، بعد أفراد العائلة المالكة المباشرين.
و لأنها ذكرت اسم أصلان في وصيتها كمسبب لانتحارها، فقد كان من الطبيعي أن يثير ذلك شكوك أعدائه السياسيين.
“بعد أن رفضتِ طلبي، فكرت كثيرًا. كنت دائمًا أحصل على ما أريده بالقوة، لذا فكرت أن أفعل ذلك هذه المرة أيضًا.”
همس أصلان بهذا، و نظراته تومض بشدة.
ارتعش ظهر فيفيان ببرودة، كغزال يواجه وحشًا مفترسًا.
“في الحقيقة، خطتي لا تزال سارية. أريد أن أجعلكِ زوجتي في أسرع وقت ممكن. زوجة حقيقية، لا أحتاج أن أتحاشى أعين الآخرين حين أقضي الليل معها.”
“ق-قضاء الليل معًا، لماذا يجب أن…”
تلاقت نظراتهما، فانحنت عيون أصلان بشكل جذاب.
التعليقات لهذا الفصل "8"