“بالطّبع. لقد مزّقنا جحر الفئران بشكلٍ كامل، فلن يتمكّنوا من وضع أقدامهم في العاصمة مجدّدًا.”
لم يقتصر الأمر على الذين استهدفوا فيفيان فقط، بل تعقّبوا المنظّمات التابعة، والمنظّمات المعادية، وكلّ من له صلة و لو طفيفة بالأزقّة الخلفيّة، وقضوا عليهم بلاَ رحمة.
لم يكن هناك حاجة لأوامر أصلان، فقد سحبَ ديلان وفرسان بلاكفورد مطارقهم بأنفسهم.
كانَ شعورهم بالواجب لحماية سيّدتهم العزيزة يدفعهم للعمل بلا هوادة.
“لكن، سيّدي، هناكَ أمرٌ غريب.”
“ما هو؟”
“أثناءَ تدميرِ جحر الفئران، عثرنا على عدد كبير من العبيد من القارّة الشّرقيّة. هذا ليسَ مفاجئًا بحدّ ذاته، لكن…”
تذكّرَ ديلان مظهر العبيد.
كانوا جميعًا هزيلين و جياعًا، لكنّ عيونهم كانت مليئة بنظرات كراهية موجّهة لشخصٍ ما.
“لقد خُدعنا من هامان. لقد خُدعنا من هامان.”
“ماذا؟”
“لا أعرف المعنى بالضّبط، لكنّهم كرّروا هذه العبارة.”
لم يكن بين الفرسان من يتحدّث لغة هيرمون. وخوفًا من تحوّل الأمر إلى قضيّة سياسيّة، لم يستدعوا مترجمًا، كما أضاف.
مسحَ أصلان ذقنه ببطء وهو يستمع إلى تقرير ديلان.
“هامان، أهو ذلك الرّجل من وفد المبعوثين؟”
“قد يكون مجرّد تشابه أسماء، لكنّنا نعتقد أنّه على الأرجح الشّخص نفسه.”
كانَ يعني أنّ التّحقيق قد يكشف عن شيءٍ ما.
عندما سألَ ديلان عن كيفيّة التّعامل مع العبيد، أجابَ أصلان بلامبالاة.
“لا يبدون مفيدين جدًا، لكن احتفظْ بهم تحتَ إدارتنا مؤقّتًا. إن كانوا نقطة ضعف هامان، فقد يصبحون ورقةً نستخدمها في قضيّة هيرمون.”
“حسنًا، سيدي.”
بينما كانَ ديلان يغادر المكتب بعد انحنائه، اهتزّت نافذة ضخمة و تسرّبت طاقة سحريّة مقلقة.
“وجدتُكَ.”
هبطَ فتى ذو شعر أسود وعينين ذهبيّتين على إطار النّافذة. اختفت خيوطُ عنكبوت شفّافة كأنّها ذابت في الهواء.
قبل أن يتمكّنَ ديلان من إيقافه، تقدّمَ روبين بخطواتٍ واثقة و وقفَ أمام أصلان.
“خذ.”
“ما هذا فجأة؟ كنتَ دائمًا تلتصق بسيّدتي كالعلقة.”
“رقبتك، تبدو غير مريحة. اجعلها أقصر.”
“ما هذا الهراء… هل تعني؟!”
في اللّحظة التي أدرك فيها ديلان أنّه استُخدم كوسيلة نقلٍ للعنكبوت ، لاحظَ أصلان أنّ خطّ اليد على الرّسالة مألوف بشكل غريب.
كانتَ يده تتحرّك بسرعة وهو يفتح الختم.
“سأعود إذن.”
“انتظر. ما الذي حدثَ في القصر؟ فيفيان لم تُظهر لي ضعفًا من قبل. مهما حاولت، لم تعتمدْ عليّ أبدًا.”
“لا أعرف. فقط، اقتحمتُ المكان. كانتْ ترتجف. كانت خائفةّ من شيء ما.”
“ما الذي في الرّسالة؟”
تجمّدتْ تعابير ديلان عندما ألقى نظرة خاطفةً على الرّسالة.
بدت كشكوى عاديّة عن إرهاق حياة العاصمة، لكنّ ديلان أدركَ أنّ هناك ما هو أكثر.
في تِلك اللّحظة، وصلَ تقرير عاجل من جاسوس في القصر.
فكَّ ديلان الرّسالة من ساق طائر الزّاجل وقدّمها لأصلان.
[سيّدتي. تعرّضت للتحرّش من المبعوث هامان في قصر الإمبراطور.]
“كانت فيفيان ترتجف، خائفة؟”
انتفخت عروق يد أصلان و هو يعتصر الرّسالة.
مهما حَاول، كانتْ فيفيان دائمًا ترفع درعًا أمامه.
كأنّها لن تكشف عن جانبها الضّعيف أبدًا، كانت تبتسم وتقول إنّها بخير حتّى وهي تنزف و تنهار.
إذا كانت فيفيان قد اهتزّت لهذه الدّرجة… آه، ماذا كنتُ أفعل بحقّ الجحيم؟
“أولئكَ العبيد من قبل.”
“نعم، سيدي.”
“حقّق فيهم بدقّة، و اكشفْ كلّ شيء حتّى أدقّ التّفاصيل. سأقضي على هامان من هذه الأرض. سأجعله يتوسّل الموت.”
اندفع أصلان خارجًا نحو الإسطبل.
كانَ قلبه يعتصر من القلق.
كانَ عليه أن يرى بأمّ عينيه أنّ فيفيان بخير. أن يحتضن جسدها الهشّ و يهدّئ ظهرها المرتجف بلطف.
لن يتركها وحيدةً في ذلك الجحيم بعد الآن.
* * *
“أصلان؟”
رفعتْ فيفيان رأسها وهي جالسة على السّرير تهزّ لعبة جرس لروبين.
كانَ أصلان، بمظهرٍ غير معتاد وملابس مبعثرة، يلهث عند الباب المفتوح.
“فيفيان.”
توقّف روبين، الذي كانَ يطارد الجرس بحماس، وبصق خيط عنكبوت كأنّه فقد اهتمامه.
دون اكتراث، ركض أصلان نحوها ونظر في عينيها.
“هل أنتِ بخير؟”
“…..”
لم تعرفْ فيفيان كيف تجيب، فأغمضت عينيها ببطء.
ماذا يعني بـ”بخير”؟ إن كان يتحدّث عن انعكاس الضّوء على قمّة رأس غالميت الأصلع، فلا تزال عيناها تؤلمانها قليلًا بسبب البريق الشديد.
“أنا أسألكِ، هل أنتِ بخير…”
“بالطّبع.”
“عيناكِ محمرّتان.”
مدّ أصلان يده بحذرٍ ولمس زاوية عينيها الجافّتين بأطراف أصابعه.
‘يبدو أنّهما محتقنتان فعلًا. شعرتُ وكأنّني أنظر إلى الشّمس مباشرة.’
في اللّحظة التي التقت فيها عيناها بقمّة رأس غالميت، ظنّت أنّ هناك شمسين في السّماء. كلّما تذكّرت ذلك، شعرت بأنّ التّأثير كانَ مذهلًا.
ارتجفتْ فيفيان وهي تعود إلى الواقع.
عندما ابتسمت بتردّد، رفعَ أصلان، الذي كان متجمّدًا، زاوية شفتيه قليلًا.
“حسنًا، لا تفكّري في الأمر بعد الآن. سأتولّى الباقي.”
لم يكنْ هناكَ سببٌ لرفض عرضه بالتّصرف بنفسه، مهما كان الأمر.
أومأت فيفيان برأسها بتردّد.
تفحّصَ أصلان تعابيرها بعناية ثمّ زفر براحة.
“سأبقى في القصرِ لبعض الوقت أيضًا. فلا داعي للقلق. هيمينا حدثٌ يحدث مرّة واحدة في السّنة، فلنستمتع به.”
“لكن لديّ عمل الوصيفة.”
“لن تضطري للقيام بتلكَ المهزلة بعد الآن. لقد حسمت الأمر مع الإمبراطورة في طريقي إلى هنا. بعد ما مررتِ به، كانَ يجب أن أقلب كلّ شيء رأسًا على عقب، لكن…”
برزَ فكّ أصلان وهو يكبح غضبه.
ثمّ، عندما شعرَ بنظرة فيفيان، أرخى فكّه المشدود و ابتسمَ بتكلّف.
“التّحضيرات للذّهاب إلى الشّمال في مراحلها الأخيرة. الوجهاء و الرّعايا ينتظرونكِ بحماس لا يمكنكِ تصوّره.”
“أنا؟”
“ستحبّين بلاكفورد بالتّأكيد.”
كانَ وجه أصلان ، و هو يقول ذلك، مليئًا بالتّوقّع بشكلٍ نادر.
* * *
بعد ذلك، غادرتْ فيفيان قصر الإمبراطورة و عاشت في غرفة ضيوف منفصلة داخل القصر. كانت غرفة فاخرة مخصّصة للنّبلاء رفيعي المستوى المشاركين في هيمينا.
كاحتفالٍ بشكر وفرة الخريف، أقيمت الحفلات الرّاقصة من الصّباح حتّى الفجر.
لكن أصلان كانَ مشغولًا ليل نهار بأمرٍ ما، فكان من الصّعب رؤيته، بينما تذرّعت فيفيان بصحّتها ولم تشاركْ في أيّ من الفعاليّات، مفضّلة البقاء في غرفتها.
‘لكن اليوم، للأسف، لا يمكنني فعل ذلك.’
كانَ الحفل الرّاقص في اللّيلة الأخيرة تقليدًا يحضره جميع الضّيوف.
“يا إلهي، الأميرة إليونورا! سمعتُ عن جمالكِ، لكنّكِ اليوم رائعة حقًا.”
“شكرًا على الإطراء، الكونتيسة إيفانا.”
عند دخولها قاعة الاحتفال، رفعت فيفيان زاوية فمها الذّابلة بصعوبة.
بعد اليوم، ستنتهي قصّة هامان و القمّة البرّاقة. ستنتقل إلى الشّمال!
ردّت فيفيان على التّحيّات المحيطة بلباقة واستقرّت في ركنٍ من القاعة.
‘إن اقتربتم منّي، سأعضّ.’
كانت تودّ لو تضع لافتة كبيرة ، لكن بسبب حجمها، لم تستطع إحضارها، فاكتفت بإظهارِ وجه متعب لردع أيّ اقتراب.
“بالمناسبة، أين أصلان؟ لقد أصرَّ أن يحضر هذا الحفل على الأقل.”
كانَ أصلان يخوض حاليًا مناورة خطرة مع العائلة الإمبراطوريّة.
كانَ الإمبراطور مصمّمًا على إرساله لقمع القراصنة. كانَ يخطّط للتّضحية بالأمير الثّاني لكسب ميزة دبلوماسيّة مع هيرمون.
كانت كلّ خطوة تحتاج إلى حذر.
ظنّت فيفيان أنّ الأمر يتعلّق بقضيّة سياسيّة أخرى، فلم تستطع رفض طلبِ أصلان.
‘هل كان عليّ فقط إظهار وجهي في الحفل؟ لقد توتّرت عبثًا.’
كانت قد أحضرت حتّى قفّازًا مسنّنًا لاستخدامه إذا لزِمَ الأمر.
بينما كانت فيفيان تغوص في الأريكة بأسف، أصبحتْ المنصّة الرّئيسيّة، حيث يجلس الإمبراطور والإمبراطورة، صاخبة.
“هل هذا قراركم النهائيّ؟ تجاهلتم كلّ مطالبنا و تريدونَ فقط توسيع التّجارة؟”
“ألم أقل إنّني سأرسل الأمير الثّاني المفضّل لديّ قائدًا لجيش القمع؟”
“حتّى الرّضيع يعلمُ أنّ قوّة بحريّة الإمبراطوريّة لا تساوي نصف نصف قوتنا. أنتم تخطّطون للتّظاهر بالقمع فقط، أليس كذلك؟”
تحوّلت أنظار جميع الضّيوف نحوَ مصدر الضّوضاء.
صمتَ الإمبراطور بعد أن طُعن في الصميم، وكانت الإمبراطورة تقول شيئًا، لكن المسافة جعلت الصّوت غير واضح.
“يبدو أنّهم فشلوا في التّوافق مع هيرمون”
“هذه مشكلة كبيرة. ليس فقط بسبب بضائع القارّة الشّرقيّة، لكن إن اندلعت حرب، كيف سنتعامل مع العواقب…”
“كانَ يجب أن نعقد علاقات دبلوماسيّة مع هيرمون منذ البداية. التّجاهل لأنّ الأمر غير عاجل أدّى إلى هذا.”
بدأت أصوات السّخط تتعالى بين النّبلاء.
كانَ صعود هيرمون كقوّة مهيمنة في القارّة الشّرقيّة في عهد الإمبراطور السّابق. لكن الإمبراطور تجاهل دائمًا نصائح وزرائه بإقامة علاقاتٍ دبلوماسيّة معهم.
“…..”
عمَّ توتر خفيفٌ في القاعة. تظاهر الجميع بعدم الاكتراث، لكنّهم أصغوا إلى الضّوضاء على المنصّة.
“هل ظننتم أنّنا لا نعلم؟ كم تجاهلتمونا و عاملتمونا كبرابرة؟”
“إذن، هل تقولَ إنّك لن تتبع اقتراحنا؟”
“لا يمكن أن تستمرّ المحادثة هكذا. صبرنا نفد! أنا، هامان ليموراي ماودي، أعلنُ في هذا المكان الحربَ على الإمبراطوريّة!”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 78"