” توقعتُ أن يكون هناك شيء مختلف عن ذي قبل بما أنّهم طلبوا لقاءنا، ولكن بما أنهم يثرثرون بنفس الكلام، فلا يمكنني أن أتحمّلَ أكثر! لنذهب!”
عندما دوى صراخُ مبعوث آخر بصوت عالٍ، عبست الإمبراطورة.
“من أين يأتي بمثلِ هذا الكلام؟ لا أفهم ما يثرثرون به على الإطلاق.”
“كيف يختارون شخصًا لا يستطيع حتّى الكلام بشكلٍ صحيح ليكون مبعوثًا؟ لا أعرف لماذا هيرمون بهذا القدر من الهمجيّة.”
مع سخرية الإمبراطورة الخافتة، عبّرت الوصيفات أيضًا عن استيائهن بالتتابع.
لكن فيفيان لم تستطعْ أنْ توافقهنَ الرأي على الإطلاق. فقد أصبحَ عقلها فارغًا تمامًا.
رأتْ الوصيفات المحيطات أنّ بشرتها متجمّدة بشكلٍ غير مريح، فسألنها بقلق.
“أليستْ نوبة أخرى على وشكِ الحدوث؟ ألم يكنْ من الأفضلِ أنْ ترتاحي أكثر و أنتِ مريضة؟”
“أنا بخير. فقط أشعر ببعض…”
رفعت فيفيان فمها المتصلب و تظاهرتْ بأقصى قدرٍ من الهدوء.
لم تكشف وجهها لهؤلاء الناس. و غطّتْ جسدها بعنايةٍ بعباءة كبيرة ، ولم تلمح أيّ شيء يمكن أن يكشفَ هويتها.
لم يكن هناك خيارٌ آخر أثناءَ القتال مع العدوّ ، لكن رافي كانَ مجرّد طفلٍ لم يبلغ العاشرة من عمره. في خضم المطاردة المحمومة، لم يكن لديه وقت لتذكرّ هويتها.
‘سأبقى صامتةً قدر الإمكان حتى لا ألفت الانتباه. سأتنكر كحماية أثناء مرورهم.’
نظرَ المحاربون الهيرمونيون المصطفون في الردهة إلى فيفيان ثمّ حوّلوا أنظارهم. كانَ الأمر سريعًا لدرجةِ أنّه حتّى فرسان الإمبراطورية المصطفين على الجانب الآخر لم يلاحظوا ذلك.
وأخيرًا، فُتح باب قاعة العرش و خرجَ رجلان بعنف.
كانَ أحدهما الجنرال غاليمت، والآخر كان وجهًا جديدًا، لكنه بدا و كأنه هامان، حفيد الملك.
“آه، أنا متعب. بما أنّ المحادثات لا تحرز أيّ تقدّم، لا أعرفُ كيفَ أشرحُ هذا للملك.”
“الجنرال كَبر في السّن و كثرت همومه. وإلا لكان شعره قد تساقط كله.”
“……”
“آه، لقد تساقطَ بالفعل. لا تنظر إلي بهذه النظرة. أنا آسف.”
مع نظرة غاليمت الحادّة و فروة رأسه الأكثر لمعانًا، أدارَ هامان رأسه بخجل.
ثم توقّفَ فجأة. انحنى فم هامان بشكل مشؤوم.
“مَنْ هذه؟ أليست هي إمبراطورة أستاروث النبيلة!”
“اطلب من جلالتها إحضار مترجم.”
“نعم، يا جلالة الإمبراطورة.”
“إنهم ينظرون إلى الناس و كأنهم حشرات. يا لها من امرأة سيّئة الحظ!”
استغلّ هامان حقيقة أن أهل الإمبراطورية لا يعرفون لغة هيرمون، وتمتم بأفكاره دون تصفية.
عند رؤية ذلك، تنهّدَ غاليمت فقط، قائلاً “بدأ الأمر مرة أخرى”، ولم يتدخّل أو يمنعه.
“حتّى النساء اللواتي يتبعن الإمبراطورة، كلهن سيئات الحظ. تمامًا مثل بعضهن البعض… انتظر لحظة، هناكَ وجه جديد اليوم، أليس كذلك؟”
توقّفَ صوت هامان الذي كانَ يتفحّص الوصيفات بسخرية.
دونَ أن يتمكّن أحد من إيقافه، أُمسكت فيفيان بقوّةٍ من معصمها وسُحبت إلى الأمام.
“جمالها كبير جدًا. لماذا لم أكتشف هذهِ المرأة من قبل، هاه؟”
يا له من هراء.
عضّت فيفيان شفتيها وهي على وشكِ أن تشتمه دون وعي. لو تمَّ اكتشاف أنها تعرف لغة هيرمون، لكانت هذه نهايتها.
“أنا معجب بها جدًا. سأتّخذُ هذه المرأة زوجةً سادسة عشرة لي. أبلغوا كلامي!”
صرخَ هامان على المترجم الذي ركض إليه بعد أن سمعَ الأخبار.
تفاجأتْ الإمبراطورة التي كانتْ قد ذُهلت للحظة من الموقف المفاجئ، وأومأتْ برأسها للفرسان فور سماع الترجمة.
و عندما رأوا الفرسان يسحبون سيوفهم، كشّر محاربو هيرمون عن أنيابهم بغضب.
“بما أن الإمبراطورة تُقدّرها كثيرًا، يبدو أنها من مكانة عالية، أليس كذلك؟ وما هذا الخاتم؟”
انتظر. انتظر. انتظر.
“ماسة زرقاء؟ هه، إذا أصبحت هذه زوجتي، سأمنحها مئات منها!”
كانَ خاتم خطوبة فيفيان جوهرةً نادرة تُصنف ضمن الخمسة الأوائل في القارة بأكملها.
بينما كانَ هامان يتفاخر بتبجّح غير لائق، رفع غاليمت رأسه فجأة، بعد أن كانَ ينفخ بفمه بازدراء.
“يا سيدي هامان، توقّف.”
“هل الجنرال يتذمّر مرة أخرى؟ لماذا الآن، بينما الأمور بدأت تصبح ممتعة؟”
“يرجى النّظر إلى الوضع المحيط! لقد انتقدَ الملك نفسه إسرافكَ مرّاتٍ لا تحصى، هل تنوي إحداث المشاكل حتّى في بلدٍ أجنبيّ بعيد؟”
نظر غاليمت سريعًا إلى يد هامان اليسرى الممسوكة، ثمّ أبعدَ فيفيان. ثم استدعى مترجمًا لنقل الكلمات.
“يقول الجنرال إنه يطلب السماح على ما بدر منه من سوء أدب تجاه السيدة النبيلة.”
“أنا بخير، من فضلكَ أخبره ألا يهتمّ.”
سمعَ غاليمت رد المترجم وطلب منه نقل الكلمات مرة أخرى.
“يقول الجنرال إن الخاتم جميل حقًا، لكنه لا يصل إلى جمال السّيدة النبيلة.”
نظرتْ فيفيان إلى قمة رأس غاليمت اللامعة.
شعر بنظرتها، فأومأ برأسه بوجه مليء بالثّقة العميقة.
‘إنه خاتم جميل حقًا. لكنه لا يصل إلى شخصيّة السيدة النبيلة.’
في هيرمون، كانت كلمة “شخصية” تحمل معاني متعددة.
فسّرَ المترجم كلمات غاليمت على أنها “جمال” لتناسب الموقف، لكن فيفيان استطاعتْ أن تشعرَ غريزيًا!
‘لقد انتهى الأمر.’
لا أعرف السبب. لا أعرف بالضبط ما هو سبب هذا القلق، لكن إشارة تحذير كانت تدق في رأسي: لقد انتهى أمري.
بعد ذلك، عادتْ فيفيان إلى غرفتها بمفردها، متظاهرةً بأنّها ليست بخير.
بمجرّد إغلاقِ الباب، كانت يداها تتجوّلان على الطاولة بعجلة.
“الورقة و القلم، أين هما؟”
يجب أن تغادر العاصمة بسرعةٍ كالريح. هذا هو طريقها الوحيد للنجاة. ف
ليتقاتل الهيرمون، أو الهرمون، فيما بينهم وليتدبروا أمرهم!
“آه، وجدته.”
كتبتْ فيفيان رسالة على عجل.
[أصلان، كيفَ تسير الاستعدادات للمغادرة إلى الشمال؟
آسفة على الإلحاح. لكنّني أرغبُ في المغادرة إلى بلاكفورد في أقربِ وقتٍ ممكن. يبدو أن العاصمة مكانٌ صعبٌ للغايةِ بالنّسبة لي لأتحمله و أنا مريضة.
بغضّ النّظر عن كيفية تفكيري في الأمر، أرغبُ في العيشِ في أرضكَ مدَى الحياة.]
أنهت الرسالة باقتراح جادّ،
لا تنتظر حتى انتهاء الهيمينا، بل ماذا عن المغادرة الآن؟
“روبين، هل يمكنكَ مساعدتي؟”
رفع العنكبوت الذي كانَ يتسلّق تنورة فيفيان بجدٍّ رأسه.
لقد تركته في القصر، لكن بطريقةٍ ما هرب و التصق بعنق ديلان، ثم انتقلَ إلى إيريس، ثم نزل سرًا في غرفة الإمبراطورة.
في هذه المرحلة، كانَ على فيفيان أن تعترف بأنها لا تستطيع التّخلص من هذا المخلوق الذي يظهر ويختفي بشكلٍ غامض.
“هل يمكنكَ تسليم هذه الرّسالة إلى أصلان؟ إنها مهمّة جدًا.”
“…..”
“إنها رسالةٌ لا يجب أن يراها الآخرون، والآن، لا يوجد شخص موثوق به… بل لا يوجد سوى أنت أيها العنكبوت. أرجوك.”
أغمض روبين عينيه بصمت، ثم لفَّ الرسالة و تسلّق الشجرة خارج النافذة.
اختفى العنكبوت الصّغير دون أثر في لمح البصر.
* * *
كانت خطوات غاليمت خفيفة وهو عائد إلى سكن الوفد. لا يعلم كم بذلَ من جهد لإخفاء مشاعره أمام هامان الماكر.
لأنه لو علمَ هامان، لكان حاولَ إيذاءها بالتأكيد.
“سيدي رافي!”
“الجنرال.”
فُتح باب غرفة النوم، و رفعَ الصّبي الذي كان جالسًا متربعًا رأسه.
كانَ رافي يتظاهر بالإصابة البالغة ليتجنب أعين العدوّ و ليقتلعَ نفوذ هامان من جذوره.
على الرّغم من أنه لم يبلغ العاشرة بعد، إلا أنه كان ملكًا ذكيًا و حكيمًا.
“كيف تسير الأمورُ مع أخي هامان؟”
“كما هو متوقّع، إنّه يسايرُ تحرّكات الإمبراطور، بهدف تمديد فترة إقامته. ربّما يهدفُ إلى اغتنام فرصةٍ أخرى خِلال ذلك الوقت.”
“هذا ثمن الثقة المفرطة بمن حولنا. لقد تذكرت كيف توفيَ والدي.”
سقطت عينا الصّبي بلا حول ولا قوة على السجادة.
إنها حقًا حياة معقدة للغاية ليتحملها طفلٌ عادي.
طوى غاليمت تعاطفه مع الصّبي في زاوية قلبه واستأنف حديثه.
“بالمناسبة، سيدي رافي، لديّ أخبار جيدة. يبدو أننا وجدنا الآنسة التي قابلناها من قبل.”
“أختي؟”
“نعم، قابلتها في القصر، و اتّضحَ أنها وصيفة الإمبراطورة. ولكن…”
في الواقع، كانَ جميع أعضاء وفد هيرمون، باستثناء هامان، يجيدون اللّغة المشتركة للقارّة.
لكنهم كانوا يتظاهرونَ بعدمِ الفهم لإضعافِ حذر جانب الإمبراطورية.
نقل غاليمت التّقرير الذي تلقاه من المحاربين إلى رافي بحذافيره.
كانَ صوته ينمُّ عن إعجابه بفيفيان.
“وهكذا، بينما كانت الإمبراطورة و الوصيفات يسخرنَ منّا، كانت تلك الشابة وحدها هي التي أظهرتْ عدم ارتياحها.”
“لقد ظننتُ أنّ أختي ستتصرّف هكذا.”
“إنها شابة مستقيمة و صادقة. لم أستطع إلا أن أعجبَ بها .”
“هل تعرفُ مَن هي؟ أريد أن أردّ لها الجميل بالتأكيد قبل أن أغادر.”
أومأ غاليمت برأسه و كأن الأمر طبيعي.
ثم فتحَ فمه بوجهٍ حذر فجأةً.
“يا سيدي رافي، لقد قلت قبل قليل إن خيانة هامان كانت ثمن الثقة بمن حولك. فهل لن تثق بأيّ شخص آخر بعد الآن؟”
“……”
اتّجهتْ عينا الصبي نحو غاليمت، وكأنه يدرس المغزى الحقيقي للسؤال.
كانَ الصّمت لحظيًا، لكنه بدا كالأبدية.
“حتى لو تعرّضت للخيانة، فسأستمع إلى نصيحة شخصٍ آخر. هذا هو طريق الملك الذي يجب أن أسلكه.”
“إنكَ رائع حقًا.”
ركعَ غاليمت المبهور عند قدمي الأمير.
* * *
كانَ جو قصر الدوق جادًا، و لكنه كان مضطربًا إلى حدٍّ ما.
كانَ الجميع يعملون ليل نهار في أعمال شاقة لتجنب عيون العائلة الإمبراطورية التي كانت تحاول إشراك أصلان في قمع القراصنة، لكن لم يشكو أحد.
كانَ ذلك بسبب أنهم سيغادرون أخيرًا هذه العاصمة البغيضة و يعودون إلى أرضهم، بلاكفورد.
“يا سيدي، أنا ديلان.”
عاد فرسان الدوق إلى القصر بعد أن كانوا يتجوّلون في الأزقة الخلفية متظاهرين بالاستعداد للحملة.
صرفَ ديلان جنوده وصعد إلى المكتب لتقديم تقريره. أومأ أصلان برأسهِ دون أن يرفعَ عينيه عن الأوراق.
موافقة ضمنية.
فتحَ ديلان فمه على الفور.
” أنا أبلغك. لقد قضينا تمامًا على أولئكَ الذين تجرأوا على إيذاءِ السّيدة.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 77"