“اشتريتُ واحدًا في طريقي لأنّه بدا جميلًا .”

 

“اشتريتِه؟”

 

“لأنّني شعرتُ أنّه سيناسب الخاتمَ الذي أعطيتنَي إيّاه… ما بك؟”

 

ابتسمت فيفيان بتردّد وأخفتْ ذراعها خلفَ ظهرها.

 

هل لاحظَ أنّ السّوار هو أداة سحريّة؟ 

 

شعرتْ بالذّنب وهي ترى أصلان يحدّق بها بنظرات ثاقبة.

 

“هل هو سيّء؟ إنْ لم يكن مناسبًا، يمكنني الآن…”

 

“لا، ليس كذلك.”

 

عندما أطرقت فيفيان عينيها بحزن، أمسكَ بها أصلان بسرعة. لكنّ نبرة صوته كانتْ لا تزال تحملُ شيئًا من التردّد.

 

كانت تنوي أنْ تنكر معرفتها بالسّوار إذا استمرّ في السّؤال، لكنّه لحسنِ الحظ لم يُصرّ و غيّرَ الموضوع.

 

“هل تتذكّرين الرّهان الذي عقدناه في الجنوب؟ بخصوص زواجنا.”

 

“…..”

 

أليس من الأفضل أنْ نكمل حديثنا عن السّوار بدلًا من هذا؟!

 

أطلقتْ غريزة فيفيان إشارات تحذير، لكنّ أصلان واصلَ كلامه دونَ اكتراث.

 

“لم نكمل العام بعد، لكن إن كنتِ موافقة، أودّ أن نُقيم الزّفاف قبلَ حلولِ الشّتاء.  أنا أريدُ رؤيتكِ ترتدينَ فستان الزّفاف في أقرب وقت.”

 

تسلّلت أصابع أصلان الخشنة ببطء بين أصابع فيفيان.

 

“ستكونين أجملَ عروسٍ في العالم. سيطمع الجميع بكِ، لكنّني سأحميكِ مهمَا كلّف الأمر، فيفيان. حتّى لو كانَ الثّمن حياتي.”

 

“م، مهلًا…”

 

ارتعدت فيفيان و أصابتها القشعريرة بسبب لمسة أصلان الحميميّة.

 

حاولتْ سحبَ يدها، لكنّها كانت كأنّها عالقة بين حجرين ، فاستسلمت بسرعة و واصلتْ الكلام.

 

“كخطيبة لكَ ، أحم ، كخطيبتكَ، من الطّبيعي أن أعيش في بلاكفورد… لكنّني قلقة بعض الشيء.”

 

أكّدت مرّتين على كونها “خطيبة” و كأنّها تتظاهر بالاختناق.

 

“سمعتُ أنّ الشّمالَ يصبح شديد البرودة في الشّتاء حتّى أنّ الطّرق تنقطع. أرغب حقًا في العيش هناك، لكن إن تفاقم مرضي ، سأصبحُ عبئًا عليكَ، أصلان.”

 

“فيفيان.”

 

“أنا ممتنّة لمشاعركَ حقًا. لكنّني أعتقد أنّ البقاء في مينيرفا سيكونُ أفضل. لا أريد أن أكون عبئًا عليك.”

 

“…..”

 

لم ينبسْ أصلان بكلمة. يبدو أنّ كلامها أثّر به.

 

راقبتْ بانتصارٍ كيفَ انسحبت أصابعه بصمت، لكنّه فجأة أمسكَ بخصرها.

 

“كنتِ قلقة بشأن أمر تافه كهذا.”

 

“ماذا تعني؟”

 

“لا تقلقي. لن تشعري بالبردِ أبدًا. بعد الزّواج، لا أنوي أن أدعكِ تغادرين غرفة النّوم لشهر على الأقل.”

 

ماذا؟

 

“حتّى يتحوّل جلدكِ الأبيض إلى أحمر متورّد…”

 

هل هذا تعذيب؟!

 

أخرجَ أصلان كلماته ببطء و هو يداعب خصرها، لكنّ فيفيان كانت مصدومة من إعلانه المفاجئ عن التعذيب.

 

في القصّة الأصليّة، قتل أصلان فيفيان إليونورا ، الشّريرة، بطريقة مروّعة.

 

[كانَ جلد فيفيان الباهت يلمع بالدّماء.

 

كانَ جسدها محترقًا و مشوّهًا بالسّياط دون أن يبقى منه جزء سليم، لكنّها لم تصرخ و استمرّتْ بلعن إيريس حتّى النّهاية.

 

أصلان، الذي سئِمَ منها تمامًا، قطعَ رقبتها بالسّيف.]

 

أدركتْ فيفيان متأخّرة أنّ يد أصلان لا تزال على خصرها. شعرت و كأنّه يلمّحُ إلى أنّه سيقطّع خصرها، فارتجفتْ من الرّعب.

 

“تسك، خصركِ نحيل جدًا، لا أدري إن كان سيصمد.”

 

… لمْ يكن تلميحًا، بلْ إعلانًا.

 

بينما كانت تُفكّر في كيفيّة التعامل مع أصلان، سمعت حركةً خارج الباب.

 

“فيفيان، هل أنتِ بالدّاخل؟”

 

“أختي!”

 

ظهر شعاع من الأمل.

 

نهضت فيفيان بحماس عند رؤية إيريس، فأرخى أصلان ذراعهُ عنْ خصرها على مضضٍ.

 

“لحسنِ الحظّ لم نفترق.”

 

بدتْ إيريس أكثرَ إشراقًا منذ آخر مرّة. يبدو أنّ تعلّمُها للسّحرِ في قصر الدّوق أثّر إيجابيًا عليها.

 

“لديّ شيء أريد قوله. أردتُ أن تكوني أوّل من يعلم.”

 

“ما هو؟”

 

“أتمنّى أن تُهنّئيني.”

 

جمعَت إيريس يديها أمام صدرها و تنفّستْ بعمق.

 

بدت سعيدة للغاية، لكنّ إحساسًا سيّئًا باغت فيفيان.

 

‘لا تقل لي إنّها تلقّت عرض زواج؟ ديلان، أين هذا الوغد؟!’

 

حتّى أصلان، الذي كانَ ينتظر بملل، بدا وكأنّه شعر بنفسِ الإحساس، فاستقام في جلسته.

 

“أفكّر في الذّهاب إلى الشّمال.”

 

“لماذا فجأة…؟”

 

“بعد توصيتكِ ، بدأتُ تعلّم السّحر، أليس كذلك؟ قالت معلمتي انّ أفضل طريقة لإتقان تدفّق الطّاقة السّحريّة هي الذّهاب إلى أرض مليئة بالسّحر.”

 

الأرض الأكثر غنىً بالسّحر في الإمبراطوريّة كانت أقصى شمال بلاكفورد، المعروفة بجحيم الأرض.

 

شعرت فيفيان بالنّدم فجأة.

 

لكن قبل أن تتحدّث، مرّر أصلان يده ببطء على كتفها.

 

“هذا جيّد. كنتُ قلقًا بشأن بقائكِ في بلاكفورد دون معارف، لكن الآن…”

 

“ماذا تعني، سموّك؟”

 

“أنا و فيفيان نخطّط للذّهاب إلى بلاكفورد قبل الشّتاء. إن وافقتِ الأميرة على رعاية فيفيان، سأوفّر كلّ ما يلزم لكِ و لمعلّمتكِ.”

 

“حتّى لو لم تقل ذلك، سموّك، سأعتني بأختي الوحيدة بالطّبع.”

 

استاءت إيريس و سحبتْ فيفيان إلى جانبها.

 

أصبحت خطّة فيفيان للبقاء في العاصمة بحجّة العائلة في خطر.

 

لكن لا بأس بعد. لا يزال أليكس، الذي أصبح قائدًا مهمًا في فرقة الفّرسان، موجودًا.

 

بما أنّه يُعرف بعاطفته تجاه أخته، إذا تمسّكت به، لن يستطيع أصلان فعلَ شيء.

 

“آه، الجميع هنا؟”

 

في تلك اللّحظة، انقسمت شجيرات الحديقة الطّويلة.

 

ظهر أليكس من بين الأوراق الكثيفة، و قفزَ فوق درابزين الشّرفة و دخلَ الغرفة بثقة.

 

“سيبدأ عرض الألعاب النّاريّة قريبًا، ماذا تفعلون هنا؟”

 

“أليكس، لماذا خرجتَ من هناك…؟”

 

“الطّريق كانَ معقّدًا، فقرّرتُ شقّ طريق مباشر. الفارّس الحقيقيّ لا يسير في الطّرق المعبّدة فقط. افتتاح طريق جديد بعد وقت طويل منعش حقًا.”

 

تجاهلتُ صرخات البستانيّين التي بدت وكأنّها تصل من بعيد.

 

“على أيّ حال، لمَ لا تخرجون؟ ستفوّتون المشهد الرّائع.”

 

“حسنًا…”

 

شرحت إيريس المحادثة باختصار.

 

استمع أليكس بهدوء نادر، ثمّ هزّ كتفيه ببساطة.

 

“إذن سأغادر أنا أيضًا.”

 

“ماذا؟!”

 

“هل يمكنكَ اتّخاذ قرار بهذه السّهولة؟ إن غادرتَ أنتَ أيضًا، ماذا عن العائلة؟”

 

لم يبقَ من سلالة إليونورا المباشرة سوى الأخوة.

 

إن غادر أليكس العاصمة، فإنّ عائلة إليونورا، الشّاهدة على تاريخ الإمبراطوريّة، ستنهار.

 

مع ذلك، ضحكَ أليكس بثقة.

 

“ألم أقل لكِ؟ الفارّس الحقيقيّ لا يسير في الطّرق المعبّدة. لا يمكن لآثار العصور القديمة أن تقيّدنا.”

 

“أخي…”

 

“لمَ التّفكير المعقّد؟ تغيير المكانِ لا يغيّر قيمتنا الحقيقيّة. المكان الذي نكون فيه هو إليونورا.”

 

بدت صورة أخيها و هو يتحدّث بثقة موثوقة و جذّابة. شعرت فيفيان بالحرارة في عينيها، لكن…

 

“هناك حشرة على كتفكَ، أليكس.”

 

“آه!”

 

قطع صراخ أليكس الحماسة في لحظة.

 

سعلت فيفيان بخفّة و سحبت ذراع أصلان.

 

“هيّا نذهب قبل بدء الألعاب النّاريّة. قد لا نجد مكانًا.”

 

“أتمنّى أن تتذكّري أنّ مرافقكِ هو الدّوق الأكبر.”

 

كانَ يعني أنّ الجميع سيخفضون رؤوسهم و يتنحّون. 

 

تعيش السّلطة!

 

في طريقها إلى قاعة الاحتفال، رأت فيفيان وجهًا مألوفًا بين النّاس الذين ينحنون باحترام. كانا الماركيز باستيان و زوجته.

 

“سمعتُ أنّكِ تولّيتِ منصب وصيفة. كنتُ قلقة ألّا أراكِ قبل مغادرتي.”

 

“ما الأمر؟”

 

“بعد انتهاء هيمينا، سأغادر إلى منزل عائلتي. أخي أصيب في حادث سقوط من حصان. سأبقى هناك لبضع سنوات للرّاحة.”

 

أضافت سيليا، مبتسمة بهدوء، أنّ الماركيز سيتبعها قبل الشّتاء. كانت عائلتها تعيش في منطقة قريبة من الشّمال.

 

أدركت فيفيان أنّها مهما حاولت، لن تستطيع البقاء في العاصمة.

 

“التقيتُ بصديقة عزيزةٍ بعد وقت طويل، و يؤسفني أنّنا سنفترق. سأكتب لكِ كثيرًا، أعدكِ.”

 

“لا بأس، سيليا.”

 

“ماذا؟”

 

“لأنّني سأغادر إلى بلاكفورد مع أصلان أيضًا.”

 

هذا العالم الملعون اتّحد ليبعدها تمامًا.

 

＊ ＊ ＊

 

كانت هيمينا احتفالًا وطنيًا كبيرًا للتّعبير عن الامتنان للوفرة بعد موسم الحصاد الخريفيّ.

 

لكنّها كانت أيضًا حدثًا سياسيًا مهمًا يجمع النّبلاء المحليّين و الأجانب.

 

توافد الكثيرون إلى القصر الإمبراطوري، ومع مرور الأيام، انتشرت شتّى الشّائعات.

 

و مِن بينها، كانتْ القضيّة الأكثر إثارة هي تدمير أزقّة العاصمة الخلفيّة بشكل كاملٍ على يد مجهول مؤخرًا. كانَ هذا أمرًا غير محمود بالنّسبة للعائلة الإمبراطوريّة.

 

توقّفت خطوات الإمبراطورة و هي تسير في قصر الإمبراطور.

 

“سمعتُ أنّ الأمن في الأزقّة الخلفيّة مضطرب للغاية هذه الأيّام. كيف يمكننا حلّ مشكلة العبوديّة هكذا؟ هل هناكَ نيّة لحلّها أصلًا؟!”

 

تردّدَ صوت هيرمون الغاضب في أرجاء الرّدهة.

 

عبست الإمبراطورة و فركتْ جبينها. فيفيان، الوصيفة التي كانت تتبعها، دارتْ عيناها الكبيرتان بدهشة.

 

‘هل يعقلُ أن أصادفه فِي مثل هذا المكان؟!’

 

كانَ الأمر كصاعقةٍ في سماء صافية.

 

كانتْ الإمبراطورة متّجهة إلى القاعة الرّسميّة للإمبراطور، حيث يُعقد الاجتماع.