“سمعتُ ذلك من التّجار أيضًا. بما أن ممتلكاتي تقع في الشّرق، فإنّ العديد من القوافل التجارية التي تتنقل بين القارات تتوقّف هناك…”
على الرّغم من أنّ الإمبراطوريّة و هيرمون لم تُقِيما علاقات دبلوماسية، إلا أنّ التّجارة المدنية كانت تتمُّ بحرية.
و لكن في الآونة الأخيرة، انتشر القراصنة في البحر الشرقي، مما تسبب في أضرار كبيرة لقوافل هيرمون التجارية.
بالإضافة إلى ذلك، تفاقمت مشكلة عبيد القارّة الشرقيّة التي انتشرت فِي الإمبراطورية، ممّا أدى إلى تصاعد الأصوات المطالبة بوقف كامل لجميع التبادلات هذه المرة.
“إذن، هل جاء لتقديم إنذار نهائي للإمبراطورية؟”
“لا أعرف نواياه الحقيقيّة، لكنها ليست أخبارًا جيدة لنا، أليس كذلك؟ حتى جلالة الإمبراطورة بدت قلقة للغاية.”
نظرًا لأن سلع القارّة الشرقية كانت تشكل جزءًا كبيرًا من السلع الكمالية، فإن قطع التجارة مع هيرمون سيؤدّي حتمًا إلى استياء النبلاء في الإمبراطورية.
و هذا بدوره سيرتبط مباشرة بدعم العائلة الإمبراطورية.
“سمعتُ أن جلالته قد أمرَ بالفعل سمو الأمير الثاني بقمع القراصنة. لحلّ مشكلة النهب.”
“مَنْ؟ أصلان؟”
“في هذه الأيام، يبدو أن ثقة جلالته بسمو الأمير قد زادت بشكل كبير. لا بدّ أنكِ سعيدة جدًا.”
“آه…”
بين السيدات النبيلات اللواتي كنّ يتحدثن بحسد، لم تعرف فيفيان أي تعبير يجب أن تظهره، فاكتفت بالابتسام.
‘ حسد ، هل يعتقدنَ ذلك حقًا؟’
كيفَ يمكنهم قمع قراصنة البحر وهم لم يُقِيموا حتى علاقات دبلوماسية مع هيرمون؟ إذا انتشرت الشائعات بأن الإمبراطورية ستقمعهم، فسيهربون فورًا إلى البحر.
و حتّى لو كانوا محظوظين بما يكفي للقبض على الهاربين، فإن عبور سفينة حربية إلى المياه الإقليمية لهيرمون سيتحوّل على الفور إلى حرب.
بمعنى آخر، سيتعيّنُ على أصلان محاربة القراصنة و أطرافه مقيدة.
‘هذا فخّ. حتى لو نجحَ في قمع القراصنة بضربة حظ، فإنّ الإمبراطور سيأخذ الفضل، و إذا فشل كما هو متوقّع، فسيلوم أصلان.’
كم مرّة مَرّ بمثلِ هذا الموقف؟
شعرت فيفيان بمدى الظلم و الاضطهاد الذي يعانيه أصلان لدرجة أنها لم تستطع التمييز بين ردود فعل النبيلات، هل هي حقيقية أم ساخرة.
“لنبذل قصَارى جهدنا جميعًا خلال فترة هيمينا. لقد تم تكليفنا بمهمّة مشرفة لخدمة كرامة الإمبراطورية، لذا يجب أن نرتقي إلى مستوى التوقعات.”
ربثّت الماركيزة، و هي الأكثر خبرة بين الوصيفات، على أكتاف السيدات النبيلات الشابات.
لقد حان الوقت للذهاب لتقديم التحية للإمبراطورة.
نهضت السّيدات النبيلات اللواتي كنَّ منغمسات في المحادثة واحدة تلو الأخرى، و عادت فيفيان إلى الواقع و تبعتهن خارج غرفة الاستقبال.
* * *
تم إعطاء كلّ وصيفة دورًا مناسبًا لها.
فاللاتي كُنّ على دراية بالوضع السياسي ساعدن الإمبراطورة في استقبال النبلاء، و اللاتي كنّ يجدن اللغات الأجنبية تولين المهام المتعلقة بالبعثات الأجنبية.
كانت أدوارهن أقرب إلى المرافقات منه إلى مجرد وصيفات.
“أيتها الأميرة، اجلسي بارتياح. لا يجب أن ترهقي نفسكِ و أنتِ مريضة.”
“و لكن…”
‘ألا يمكنكِ فقط أن تتركيني أقف؟’
لم تستطع فيفيان أن تنطق بأفكارها، فبكت داخليًا. كانَ دورها هو أنْ تكون رفيقة الإمبراطورة.
لمْ تطلب الإمبراطورة من فيفيان أيّ شيء.
كلّ ما فعلته هوَ إبقائها بجانبها، و مراقبتها بوجهٍ بدا راضيًا لسبب ما.
‘نعم، لا بدّ أنّها راضية. لا بد أنها راضية للغاية، الآن بعد أن تمكّنتْ من مراقبة و تعذيب خطيبة الأمير الثاني، الذي تتمنّى أن تمزّقها إربًا، بشكل قانوني! أنقذوني!’
النظرات الحسودة من حولها لم تدخل عيني فيفيان على الإطلاق.
كانت تشعر و كأنَّ مقعدها جمرٌ ملتهب.
“أن تُقْدِمَ الأميرة على فعل شيء يمكن لخادمة أن تفعله بسهولة، يا لها من مفاجآت تظهرينها كلّما رأيتكِ. لقد قامت الدّوقة الراحلة بتربية ابنتها بشكل ممتاز.”
“أ-أنا آسفة.”
‘كيف بحقّ الجحيم قامت الدوقة السابقة بتربية ابنتها؟ أن تعرض وصيفة الإمبراطورة نفسها للقيام بأعمال وضيعة، يا له من تناسق سيء.’
تُرجِمَ صوت الإمبراطورة تلقائيًا في ذهن فيفيان.
“أنا أيضًا أتعلّم الكثير من الأميرة، فهي لا تتوانى عن القيام حتّى بأبسط الأعمال من أجل جلالتك.”
“أشعرُ بالخجل لأنّني عملتُ براحة كبيرة حتّى الآن.”
كانت تلك اللحظة، عندما تحدثت الوصيفات الأخريات ردًا على رد فعل الإمبراطورة الإيجابي. عاد فارس كانَ قد أُرسل إلى قصر الإمبراطور و ركع أمام الإمبراطورة.
“لقد غادرَ مبعوث هيرمون قصر الإمبراطور للتو.”
بإشارة خفيفة من سيدته، واصل الفارس شرحه.
“المبعوث هو رجل يدعى هامان، حفيد الملك، و يقال إنه يتمتع بشخصية عدائية للغاية.”
“كيفَ كان الجو؟”
“كانَ الأمر كالمشي على الجليد الرقيق. يبدو أن غضب ملك هيرمون أكبر ممّا كان متوقعًا.”
لم يكن تعبير الإمبراطورة جيّدًا وهي تستمع إلى التقرير.
طالبوا بإعادة العبيد من القارة الشرقية و قمع القراصنة المتمركزين في الجزء الشرقي من الإمبراطورية. و أشاروا أيضًا إلى استعدادهم لخوض الحرب إذا لم يتم تلبية هذه المطالب.
“هيرمون أمّة عدوانية لدرجة أن طفلًا في الثالثة من عمره يمكنه أن يمسكَ سيفًا…”
على الرّغم من أنّها أنقذت لابي بالصدفة في المدينة، إلا أنّ الوضع بدا و كأنه يسير وفقًا للحبكة الأصلية في النهاية.
علاوةً على ذلك، ألم يكن هامان هو من حاول قتل لابي في القصة الأصلية؟
و بما أنها أوقفت خططه، فمن غير المرجح أن ينظر إليها بعين الرضا، لذا فقد تعقّدت الأمور بشكل كبير.
‘على الأقل، منْ حسن الحظّ أنّني غطيت وجهي جيدًا.’
لم يكن بوسعها إلاّ أن تكشف عن وجهها أثناء القتال، و لكن بخلاف ذلك، كانت مغطاة بالكامل بعباءة كبيرة.
قد يكون لابي قد رأى وجهها لفترة وجيزة أثناء هروبها، و لكن بما أنّه كان مجرد طفل يبلغ من العمر أقلّ من عشر سنوات، فمن المحتمل أنه لن يتذكر التفاصيل جيدًا.
كانَ عليها فقط أن تكون هادئة و منخفضة الصّوت، و كأنها ماء ممزوج بالماء، أو نبيذ ممزوج بالنبيذ.
“لكن لا يزال هناكَ مجال للمفاوضات، لذا سيبقى في الإمبراطوريّة خلال فترة هيمينا، أليس كذلك؟”
“نعم يا صاحبة الجلالة، أعتقد ذلك أيضًا.”
“يجب أن نولي اهتمامًا خاصًا لضمان عدم الاستخفاف بالإمبراطورية. ليس لدينا وقت نضيعه، لذا يجب أن أتفقد قاعة الولائم أولاً.”
“سنطيع أمركِ .”
كانَ سبب بقاء هامان في الإمبراطوريّة هو اغتنام فرصةٍ لقتلِ لابي، وليّ العهد، لكن الإمبراطورة، غير مدركة لذلك، نهضت من مقعدها، معلنة أنّها ستظهر قوة الإمبراطورية بوضوح.
كانت قاعات الولائم في القصر الإمبراطوري تجري تجديدات جديدة لهيمينا.
و على وجه الخصوص، كانت قاعة الولائم الخارجية التي يتجهون إليها قد بدأت للتو في أعمال بناء جديدة و كانت في مراحلها النهائية.
“يبدو تنسيق الحدائق هنا ناقصٌ بعض الشّيء. ما رأيكِ يا أميرة؟”
“أنا… كح! كح!”
تظاهرت فيفيان بالمرض بخفّة، و غطّت فمها بمنديل.
كان تتبع الإمبراطورة كقطيع السمك المملح بمثابة الجلوس على الجمر. في الواقع، لقد تركت معطفها عمدًا لإثارة الموقف.
“يا أميرة؟”
“كيف أجرؤ على إبداء رأيي أمام جلالتكِ، كح كح!”
عندما اشتدّ سعالها، تصلّبت تعابير وجه الإمبراطورة قليلًا. شعرتْالوصيفات المحيطات أيضًا بأنّ شيئًا غير عادي يحدث، فتقدمن لدعم فيفيان المترنحة.
الأمر يسير على ما يرام. الآن، يمكنها أن تعود بمفردها مستخدمة مرض السّل كذريعة…!
في اللّحظة التي انحنى فيها فم فيفيان بفرحٍ تحت المنديل.
“ألا تبالغين؟”
وضعت سترة كبيرة و ثقيلة على كتفها النحيل.
ظهر يوهانس، الذي كان قميصه مبعثرًا قليلاً وكأنه خلع سترته على عجل.
“يا أميرة، أنتِ ضعيفة بالفعل، و على الرّغم من أنه من الجيّد أن تكوني مجتهدة في واجباتكِ، إلاّ أن عليكِ أن تعتني بنفسكِ قليلاً أيضًا.”
“تحياتي لسموّ ولي العهد.”
تجاهل يوهانس تحيات الوصيفات المحيطات و نظر إلى فيفيان بوجهٍ قلق.
“…تحياتي لصاحب السّمو.”
“لا داعي لمثل هذه الشكليات بيننا، قفِي بسرعة. سوف تنهارين.”
فقط بعد أن انحنت فيفيان، أومأ يوهانس للذين انحنوا، مشيرًا إليهم بالنهوض.
ظهر تعبير بالرضا على وجه الإمبراطورة وهي تشاهد الاثنين يقفان جنبًا إلى جنب.
“لقد كرّست الأميرة نفسها بالكامل لمساعدتي. لم ترفع عينيها عنّي لحظة واحدة. لكنها لم تلاحظ حتى حالتها الصحية.”
كانَ هذا طبيعيًا بالطبع.
كان عليها أن تكون يقظةً و مستعدة، لانّها لا تعرف متَى سيأتي هجوم الإمبراطورة.
لم يكن بإمكانها أن تتعرّض للصفع أو سكب الماء عليها، أو أن تُحبس في مستودع مظلم مثل بطلة الرّواية الأصلية.
“أنا آسفة يا صاحبة الجلالة.”
لكن بمَا أنّها لا تستطيع قول الحقيقة، فقد أظهرت فيفيان تعبيرًا حزينًا مزيفًا.
ربّتت الإمبراطورة على كتف فيفيان بوجهٍ راضٍ للغاية، ثم التفتت إلى يوهانس. أومأ هو برأسه بذكاء.
“اعطني أمركِ يا أمي.”
“الأميرة ليست بخير، لذا أعتقد أنها يجب أن ترتاح اليوم، لكنني قلقة بشأن إرسالها بمفردها.”
“لا تقلقي. سأقوم أنا باصطحاب الأميرة بأمان إلى الداخل.”
“إذن يمكنني الاطمئنان.”
‘أنتِ قد تكونين كذلك، لكن أنا لست كذلك!’
تظاهرت بأنّها تسمح لها بالذهاب، واضعة في اعتبارها النظرات المحيطة، لكن مهارتها في إرسال مراقب معها كانت بارعة حقًا.
“الطقس جميل بشكل غير عادي. هل نمشي ببطء قليلاً؟”
تحدث يوهانس بلطف معها طوال الطريق العودة إلى قصر الإمبراطورة.
تمنّتْ لو أنّه يمشي بأسرع ما يمكن و يختفي مثل الضوء، لكن يبدو أنّه لم يكن لديه أي نية للقيام بذلك.
“هذا القدر يكفي. لا بد أنّكَ مشغول بواجباتكَ الرسمية، شكرًا لكَ على مرافقتي.”
كانت الوصيفات يستخدمن غرف ضيوف قصر الإمبراطورة كغرف نوم خاصّة بهن.
لم يكن بإمكانهن العودة إلى عائلاتهن حتى تبدأ هيمينا، وهو تقليد عريق في الإمبراطورية للحفاظ على الأسرار السّياسية.
وقفت فيفيان عند مدخل غرفة النوم و نظرت إلى يوهانس. ابتسم ابتسامة خفيفة عندما تلاقت عيناهما.
“بما أنّني وصلتُ إلى هنا، ألن تقدّمي لي كوبًا من الشاي؟”
“نعم؟”
“ربما لأنّ شمس الخريف حادة، أشعر بالعطش قليلاً.”
صراخها لجمع لعابها و ابتلاعه كاد يرتفع إلى حلقها.
بينما كانت تتحمّلُ مرارًا و تكرارًا و تختار بصعوبة ردًا مناسبًا للرفض، سمعت صوت تصادم معدني بالقرب من أذنها. كانت سترة يوهانس لا تزال على كتفها.
“ما زلت أرتدي هذا… أوه!”
“يا أميرة، هل أنتِ بخير؟”
فكرت في أن تعيد السترة و تجعله يسرع بالرّحيل، لكن شعرها علق بالدرع الكتفي.
حاولت سحبه، لكن لعدم رؤيتها له، تشابك أكثر.
“اثبتي مكانكِ. سأساعدكِ.”
“ولكن…”
“لا بأس.”
اقترب يوهانس بخطوات واسعة و سحب فيفيان نحوه.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 73"