كانت فيفيان تَمشي في شارعِ التّسوق مع غروب الشمس، مستعيدة في ذهنها إنجازات اليَوم.
‘بالمناسبة، أودّ أن تكوني أنتِ، يا ريجينا، معلّمة إيريس في السحر.’
‘أنَا؟’
‘نعم، سيَكون شرفًا كبيرًا لإيريس أنْ تتعلّم منكِ.’
في منتصف القصّة الأصلية، استيقظت قوة إيريس السّحرية و أصبحت ساحرة. وُصفت في العمل بأنّها تمتلكُ مهارةً فائقةً في التّحكم بالطاقة السحرية.
‘إذا انغمستْ في التّعلم و الْتقَتْ بالكثيرِ من النّاس، ألن تتغير مشاعرها تجَاه ديلان قليلًا؟’
في الحقيقة، ربّما كانَ هذا الهدف أكثرَ أهميّة…
على أيّ حال، شعرت بالفخر لأنّها قدّمت معلمة جيدة لأختها، لكن جسدها كانَ ثقيلًا من كثرة التجوال طوال اليوم.
“أنا متعبةٌ للغاية. عربة الخيل الخاصّة بي لا تزال في متجرِ الخياطة، أليس كذلك؟”
من المؤكّد أن السّيدة أبقت الفرسان هناك. بفضل بلاغتها و حكمتها، لم تكن فيفيان قلقةً كثيرًا.
المشكلة الوحيدة كَانت أنّ الطّريق للعودة طويلًا جدًا.
كانت النقابة و متجر الخياطة تفصلهما عدّة مبانٍ سكنيّة. حتّى لو سارت بخطى سريعة، فسيستغرق الأمر نصف ساعةٍ على الأقلّ.
‘حتى لو بكيتُ من التّعب، لا أحد سيُعيرني اهتمامًا. لذا عليّ أنْ أسرعَ فقط.’
كانت شوارع التّسوق، التي تستعدّ لحفل الخريف الراقص ، أكثرَ ازدحامًا من المعتاد.
بينما كانت فيفيان تضغط غطاء رأسها لإخفاء وجهها، سمعتْ فجأة صوتًا غريبًا مِن داخل زقاق.
“يا مربية، يا مربية! أين أنتِ؟ أنَا لم أعدْ أريد أن أتابع لعبة الغميضة بعد الآن.”
كان صبيًّا يبدو فِي العاشرة تقريبًا يتجوّل داخل الزّقاق.
لكن المارّة كانوا يمرّون بلا مبالاة، وكأن الصبي غير مرئيّ.
هل كانت قلوب سكّان العاصمة مينيرفا قاسيةً إلى هذا الحدّ؟ أمالت فيفيان رأسها بدهشة.
“يا مربية ، كفى، اخرجي الآن! أريد العودة…”
لم يكن الصبيّ يتحدث بلغة الإمبراطوريّة الشائعة.
‘لغة هيرمون.’
كانت لغة مملكة هيرمون، الواقعة في شرق القارة، بعيدة عن أستاروث.
عندما نظرتْ عن كثب، لاحظتْ أن بشرته السمراء و ملامحه تشبه بوضوح سكّان القارّة الشرقية.
لكنّه كانَ يرتدي ملابس رثّة من أستاروث، ولم يكن يحملُ أيّ زينة تدلّ على هويته.
‘لمس عبد من القارة الشرقية قد يكون خطيرًا.’
أدركتْ فيفيان أخيرًا لماذا يتجاهل النّاس الصبيّ.
غالبًا ما يكون أصحابُ العبيد من القارّة الشرقية متورطين في العالم السفلي.
كان امتلاك عبدٍ من تلك القارّة البعيدة دون إذن الإمبراطوريّة دليلًا على الثروة و النفوذ، وهو ما يُستخدم للتباهي.
‘لكن تجاهله هكذَا يَجعلني أشعرُ بعدم الرّاحة…’
بعد يومٍ طويل مِن التّجوال، كانَ جسدها ثقيلًا و تنفّسها صعبًا قليلًا.
لكن تجاهلَ طفلٍ صغير لم يبلغ بعد ، كان يُثقِل ضميرها. كانَ المارة يبذلون قصارى جهدهم لتجنّب الاقتراب من الصبيّ.
أخيرًا، استسلمت فيفيان و دخلت الزّقاق، وانحنت لتكون في مستوى عيني الصبي.
“أين والداك؟”
“أنتِ… هل تفهمين لغتنا؟”
“ليست صعبة كثيراً.”
لم تكن خبيرة، لكن إذا كانتْ تستطيع التّحدث بها بطلاقة، فمِن المؤكد أنّها لغةٌ سهلة.
“أين وليّ أمرك؟ الشّمس ستغرب قريبًا، ومن الخطر أن تكون وحدك.”
“لا أعرف. خرجتُ خلسة مع المربية و أضعت الطريق.”
“مربية…؟”
مربّية و هِي عبدة؟ هذا غريب.
“اقترحت المربّية أن نرى المدينة دون علم أخي، لكنني ضعتُ بين الحشود و فقدتُ يدها.”
“أين فقدتها؟”
“لا أعرف. لكن إذا ساعدتِني في العثور على مربّيَتي، سأكافئكِ بالتأكيد.”
لم ترَ فيفيان، أثناء سيرها عبر المدينة، أيّ امرأة تبحثُ عن طفل.
كانَ هناك شيء غريب. شعرت و كأنّها على وشكِ تذكّر شيء ما…..
في تلك اللّحظة، أصبحتْ عينا فيفيان أكثر حدّة.
“هاي، أيّتها الآنسة، ألم يخبركِ والداكِ ألَّا تلمسي عبدًا من القارة الشرقية؟”
“للأسف، والداي ماتا، لذا لم يخبراني.”
وقعَ ظلٌّ طويلٌ فوق رأسها من مدخل الزّقاق.
حاصر خمسة أو ستّة رجال ذوي مظهر مخيف فيفيان و الصبيّ في لحظة.
“يبدو أنكِ تعرفين لغة هيرمون. عمّا كنتِ تتحدثين مع هذا الصغير؟”
“لماذا؟ هلْ هناك شَيء لا يَجب أنٔ أسمعه؟”
“…..”
يبدو أنّها أصابت الهدف، إذ أصبحتْ نظرات الرّجال أكثرَ شراسة على الفور.
في صمتٍ ثقيل، أمسكت فيفيان بيد الصّبي وتراجعت ببطء.
“عندما أعطي الإشارة، اركض.”
كانَ الجوّ مشحونًا بالتّوتر.
تبادلَ الرجال النظرات بينهم، وسحبوا سيوفهم بتهديد.
“لماذا لا تخبريننا بكلّ ما سمعتِه من هذا الفأر الصّغير؟”
“أغلقي فمكِ و اتبعينا بهدوء. إذا أردتِ لومَ أحد، فعليكِ لومُ فضولكِ الزائد…”
“الآن!”
في لمح البصر، قفزتْ فيفيان و قطعت رقبة أحدِ الرجال.
استغلّت الفرصة اللحظية التي خلّفها سقوط الجسد الضخم، و ركضت هي و الصّبي بكل قوتهما.
تبعهما الرجال، الذين احمرّت أعينهم غضبًا، عن كثب.
“امسكوهما! امسكوهما!!”
يبدو أنّ هناك آخرين، إذ خرج رجالٌ مسلّحون بالسّيوف من بين الأزقة الضيقة.
“اللعنة، توقفا!”
تفادت فيفيان سيفًا قادمًا، و تسلّقت جدارًا، ثمّ طعنت سيفها مباشرة في رأس أحدهم.
فتحطّمَ رأسه إلى أشلاء.
‘ما الذي أعطاني إيّاه أصلان بحق الجحيم؟!’
كانتْ تعتقد أنّه سيف زينة عادي، لكن قوّتُه التدميريّة فاقت التّوقعات.
هبطت فيفيان بمرونة كالقطة، و أمسكت بمعصم الصّبي لمنعه من رؤية المشهد المروع، و ركضت عبر الأزقّة.
‘هذه مشكلة. أين أنا؟’
لكنها سرعان ما وصلت إلى حدّها.
لم تكن فيفيان تعرف جغرافيّة الأزقة. كانت الشوارع الضيقة متشابكة كخيوط العنكبوت، و كلما هربت، قلّت الحركة حولها.
“طريق مسدود!”
“ابقَ مختبئًا خلفَ ظهري.”
أعلن مبنى مهجور نصف منهار نهاية المطاردة.
أخفتْ فيفيان الصبي خلفها واستدارت بسرعة.
كانَ هناك اثنا عشر رجلًا يطاردونها.
‘هل يمكنني هزيمتهم؟’
الطّريقة الوحيدة للهروبِ هي العودة من حيثُ أتتْ، لكن الرّجال سدّوا الممرَّ الوحيد بإحكام.
‘لماذا لا تخبرينا بكلِّ ما سمعتِه من هذا الفأر الصغير؟’
لم يكن من الممكن التّخلي عن الصّبي والنجاة بمفردها.
إذا كانت ذاكرتها صحيحة، فإن عائلة هيرمون الملكية تقف وراء هذا الحادث. حتى لو كَشفتْ لهم عن هويتها كأميرة الآن، فلنْ يهتموا.
‘كنتُ غبية لأنّني تحدثتُ دون تفكير، اللعنة.’
ضغطت فيفيان غطاء رأسها أكثر لإخفاء وجهها.
“إنّه مجرّد طفلٍ تائه، فلماذا كلّ هذا؟”
“…..”
“أجيبوني!”
حاولتْ كسب الوقت بالحوار، لكن ذلكَ لم ينجح للأسف.
يبدو أنّهم ينوون إنهاءَ الأمر، إذْ قاموا بمحاصرتها. تراجعت فيفيان ببطء ونظرتْ خلفها.
القتال في مكان مفتوح كهذا لن يمنحها أيّ أمل.
‘إنّه خطير، لكن يجب أن أدخل المبنى المهجور وأستغلَّ هيكله الدّاخلي…’
كان المبنى المنهار يبدو وكأنه سينهار تمامًا بأقل صدمة، لكن لم يكن هناكَ خيار آخر.
لم تستطع شرح الخطة للصّبي بالتفصيل، لأنها لم تكنْ تعرف إذا كان الرجال يفهمون لغة هيرمون.
“ماذا سنفعل؟ لا يوجدُ طريقٌ للهرب.”
“تعالَ إلى هنا.”
تظاهرت فيفيان بحماية الصّبي، ثم أمسكت يده بسرعة و سحبته. قفزت داخل المبنى المهجور كأنها تتدحرج.
“اه، امسكوهما!”
“لكن إذا انهار…”
“ألم تسمع؟ امسكوهما!”
على عكس توقّعها بانّهم قد يتردّدون، اندفعوا خلفها مباشرةً.
كانت الأرضية وعرة بسبب الحطام. تعثّرَ الصبي، الذي داس على كومة من الطوب، و فقد يد فيفيان و سقط.
“آه!”
“هل أنتَ بخير؟ انهض بسرعة!”
“أووه، لا أستطيع. كاحلي لا يتحرّك…”
“امسك برقبتي، بسرعة!”
عانقَ الصبي، الذي كانَ يبكي و هو جالس، رقبة فيفيان بقوة.
يبدو أنّه شعرَ أنّها الوحيدة التي يمكنه الاعتمادُ عليها الآن. لأوّل مرة، خفّت نبرة الصبي، الذي كان يعاملها كغريبة.
“أختي، هل أنتِ بخير؟”
“لا تقلق، فقط ادفن رأسكَ في كتفي. لا تنظر “
مع حمل الصبي، وصلت فيفيان بسرعة إلى حدود طاقتها. علاوةً على ذلك، بدأ تنفّسها يصعب معَ بقائها في مكانٍ مليء بالغبار.
“هاه… يبدو أن هذه هي النهاية.”
“كادت امرأة واحدة تفسد كلّ خططنا.”
سمعت فيفيان سخرية الرجال و عضّتْ على أسنانها.
كان طريقًا مسدودًا.
“كنتُ أفكّر في استخدامها كعبدة لأنّها جميلة، لكن من الأفضل قتلها هنا.”
“نعم، إنه مؤسف، لكن لا فائدة من ترك خطر محتمل.”
“…..”
أخفت فيفيان الصبي الخائف في شق في الجدار المنهار و استدارت.
كانَ تنفّسها المتسارع مقلقًا، لكنّها عضت داخل خدها بقوة لإخفاء ذلك.
‘دخل خمسة منهم إلى المبنى. هذا العدد ليس مستحيلًا للتغلب عليه.’
إذا لمْ تُصَب بنوبة مرض السل، فقد تنجو بطريقةٍ ما.
تفادت هجمات الرّجال بصعوبة، مركّزة علَى النقاط الحيويّة. كان صوت السيف وهو يشقّ الهواء يثير القشعريرة.
“اللعنة، هذه المرأة الملعونة…!”
تفادت فيفيان سيفًا قادمًا بفارق ضئيل، و طعنت رقبة أحدهم.
“إذا أردت العيش، فعليك البدء بالتّوسل الآن!”
“سأريكِ ماذا يحدث عندما تتكلّمين بوقاحة!”
اندفع رجل غاضب، متخليًا عن التشكيل.
بينما كانت فيفيان تسحب سيفها لتقطع أنفاسه، شعرت فجأة…
“أوغ…”
كانت كتلة نارية تحترق في رئتيها، وارتفع شيء ساخن إلى حلقها.
“كف، كح!”
قبل أن تدرك ذلك ، كانَ الدم الأحمر يقطُر من ذقنها.
تفادت الهجوم الأوّل، لكنّها لم تستطع تفادي الثاني. أصيبت في بطنها و دُفِعتْ بعيدًا.
“كح، كح، آه!”
“لا أعرف ما هذا، لكن الأمر انتهى. يمكننا الآن مواجهة الآخرين بالخارج.”
بدأت نوبة السل. حاولت النهوض بيأس، لكن كلّما تحركت، زاد الدّم المتدفق من أنفها و فمِها.
حتّى عندما حاولت التنفس، كان الدم يملأ مجرى الهواء و يغلي.
“كح، آه!”
“أضعنا وقتًا كثيرًا. دعونا ننتهي منها بسرعة و نغادر.”
سقطَ ظلّ طويل فوق رأس فيفيان، التي انهارت كدمية انقطعت خيوطها.
هدّد نصل حاد شريانها السباتي بدقّة.
“ابتعد عن خطيبتي، الآن.”
في تلك اللحظة، اجتاحَ شعور بالقتل الخانق أكتاف الرّجال.
كانت عينا أصلان، المحمرّتين بالغضب، تتوهّجان باللّون الأحمر.
التعليقات لهذا الفصل " 70"