بينما كانت فيفيان تتخبط في مستنقع عقد الزواج، أحاطها أصلان بذراعيه ومسح على كتفيها ببطء كما لو كان يهدئها.
“قد يبدو الأمر مفاجئًا بعض الشيء. لكننا بالفعل مخطوبان، وكل ما في الأمر أننا قدمنا موعد الزواج قليلاً، لذا آمل أن تتفهمي ذلك.”
أجاب أصلان على سؤاله السابق بجملة “نحن مخطوبان بالفعل”.
كانت لمسة يده على كتفها حذرة كما لو كان يتعامل مع زهرة حساسة، لكن فيفيان لم تستطع أن تأخذ كلماته على محمل الجد.
كان ذلك طبيعيًا. كيف يمكنها الوثوق بكلمات رجل يغيّر تعبير وجهه في لحظة ولا يخفي انزعاجه؟ رجل أكثر حساسية من السمكة المنتفخة!
‘هل يحاول إبقائي بجانبه لمراقبتي؟ ليرى إن كنت قد اكتشفت هويته الحقيقية أم لا؟’
حقيقة أن أصلان قد تلقى لعنة أستاروت كانت من أسرار الإمبراطورية.
حتى في القصة الأصلية، كل من رأى شكله المتحوّل إلى أسد أسود اللون قُتل دون استثناء، بغض النظر عن مكانته او مرتبته. ولم تكن هي لتكون استثناء.
مدّت فيفيان وثيقة عقد الزواج مجددًا إلى أصلان.
“الأمر مفاجئ جدًا. أحتاج إلى بعض الوقت للتفكير.”
“كنت أظن أنكِ ترغبين في الزواج بي أيضًا.”
“عليّ أن أطلب إذن والدي أولاً…”
“سأرسل أحدهم إلى العاصمة. إن استخدمنا أسرع الخيول ، فسيصل في غضون أسبوع.”
تدفقت عرق بارد من ظهر فيفيان. حاولت جاهدة التفكير بعذر مناسب، لكنها لم تجد شيئًا جيدًا. وكل ما حاولت قوله كان يُقابل بعقبات.
توسلت فيفيان إلى عقلها المتوقف.
‘أرجوك، أرجوك، ساعدني لإيجاد طريقة جيدة!’
لكن المعجزة لم تحدث.
وفي اللحظة التي كانت فيفيان تصرخ يائسة في داخلها، عض أصلان شفتيه وكأنه يحبس غضبه و أعطى الأوامر للخدم.
“اخرجوا جميعًا.”
“نعم، سيدي.”
لا تذهبوا! و إن ذهبتم ، خذوا هذا الرجل معكم!
لكن هذه الأمنية أيضًا لم تتحقق. خرج جميع الخدم من الغرفة بصمت كما لو كانوا مدًا ينحسر.
طَق، أُغلِق الباب، ولم يبقَ في غرفة النوم الواسعة سوى فيفيان و أصلان.
لكن على عكس طرده للخدم بحزم، لم يتمكن من التحدث بسهولة.
حرّك شفتيه عدة مرات وكأنه يبحث عن الكلمات المناسبة ، ثم ناداها أخيرًا.
“فيفيان.”
رفعت فيفيان نظرها فورًا. بعد أن اعتادت على مناداته لها بـ”أنتِ” أو “أميرة”، سمعت اسمها لأول مرة، فشعرت و كأنها طالبة على وشك أن تُوبّخ، فارتجف عمودها الفقري.
و عندما تلاقت أعينهما، بدا أن أصلان أيضًا لم يكن مرتاحًا، فقد احمر وجهه و أشاح بنظره عنها، وهو تصرف غير معتاد منه. رغم أنها لم تعرف السبب، لكنها أيقنت أنه غاضب.
أظلمت نظرات أصلان الذي جلس عند طرف السرير .
“يبدو أنكِ تتهربين من الرد ، مما يعني أنكِ لا ترغبين بالزواج بي، أليس كذلك؟”
كان القميص الذي يرتديه أصلان رقيقًا ، فكان جسده الطويل و عضلاته واضحة تمامًا.
“من فضلك، استمع إلي. قد لا ترى ذلك سموك، لكن جسدي وصل إلى حدوده. إن بذلت مجهودًا بسيطًا أسعل دماً، وقد أغيب عن الوعي أيضًا.”
كان أصلان قد رأى حالتها من قبل، لكن حينها كان في هيئة الوحش، و لا بد أنه لا يتذكر شيئًا.
أكدت فيفيان على كلمتي “تسعل دمًا” و”إغماء” بوضوح.
“سأعترف. لقد رغبتُ في سموك. بشدة ويأس، حتى إنني كنت مستعدة لفعل أي شيء كي أتزوجك.”
“أعلم ذلك.”
رغم أن بطلة القصة الأصلية لم تظهر بعد، ما يعني أنها لم تفعل “أي شيء” بعد ، لكن استجابة أصلان السريعة جعلتها تشعر بطعم مرير في فمها.
“إذن، أنتِ لا تريدين الزواج بي؟”
“نعم.”
“لأنكِ على وشك الموت، تريدين التخلي عن كل شيء.”
بالضبط، يا لكَ من رجل سريع البديهة!
في اللحظة التي أومأت بها فيفيان بقوة و قد زال عنها عبء التبرير، حدث ذلك.
“فيفيان، لا يمكنكِ رفضي لهذا السبب فقط. أنتِ تعرفينني جيدًا. أنا رجل جشع أكثر منكِ. إن أردت شيئًا، فلا بد أن أحصل عليه.”
“ماذا…؟”
“وقّعي.”
اقترب أصلان بخطوات واسعة، و أمسك بكتف فيفيان بيد ، بينما أمسك يدها اليمنى برفق لكن بثبات. أما يده الأخرى ، فمدّها بسرعة ليلتقط وثيقة عقد الزواج الذي كان ملقى.
كان الأمر غريبًا حقًا. فهما الاثنان بشريّان، لكنها شعرت كما لو كانت محصورة داخل قفص من حديد لا تستطيع الحراك.
“لا ترفضيني. لا أريد أن أجنّ…”
بدأ أصلان يحرك يدها بقوة ، و كان أول حرف من اسم فيفيان قد كُتب بخط جميل.
“سأنقذكِ. مهما كلف الأمر ، سأجعلكِ تعيشين.”
همس بهذه الكلمات لنفسه ، و كأنه يقطع وعدًا على نفسه لا عليها . كانت عيناه الذهبيتان تتوهج بشيء مخيف.
أخذت فيفيان تتخبط في حضنه بقوة محاوِلة الفرار، لكنها سرعان ما استسلمت و هزّت رأسها بيأس.
“حتى إن قلتَ ذلك، لقد فات الأوان. لقد قال الطبيب أيضًا ان لا علاج للسل!”
“سأقطع لسانه. كعقاب على هرائه أمامكِ…”
“لم يكن هراء!”
كانت على وشك أن تجنّ.
في القصة الأصلية، كان أصلان يكره فيفيان بشدة. ورغم ذلك، فإنه يصر على الزواج منها الآن بشدة. و لم يكن هناك سبب واضح لذلك سوى شيء واحد.
‘إنه يشك بي . يعتقد أنني رأيت تحوله من أسد أسود إلى إنسان!’
في اليوم الذي تُوقّع فيه وثيقة الزواج ، كانت ستصبح بلا شك سجينة.
سيرافقها مراقبون بحجة حمايتها، وحتى في غرفة نومها لن تكون قادرة على التصرف بحرية أو التحدث بارتياح.
‘يجب أن أوقف هذا. لا زواج!’
و في تلك اللحظة ، بدأ الاسم الأوسط لفيفيان يُكتب على الوثيقة. و كانت رقبتها في خطر شديد.
صرخت فيفيان بيأس.
“سـ، سأقول للناس إنني من طلبت فسخ الخطوبة من طرف واحد. سأقوم بتدبير كل شيء حتى لا يتضرر اسم سموك!”
“لا يهمني ذلك على الإطلاق. ما يشغلني الآن أمر آخر. يبدو أن رفضكِ لطلبي بالزواج سببه شيء مختلف.”
سبب آخر؟ لا يمكن أنه قد أدرك أنني أعلم بهويته الحقيقية؟
تمتم أصلان قائلاً مثلاً أن هناك رجلاً آخر ، لكن فيفيان ، المشغولة بالنجاة، لم تسمع ذلك.
“لا؟ لا، بالطبع لا. لماذا تقول شيئاً غير منطقي هكذا فجأة؟”
“بالفعل.”
“أنا فقط ، أظن أن هناك شريكة أفضل بكثير منّي تليق بسموك. على سبيل المثال، أنتَ ، حتى لو تزوجتم من شخص آخر، فسأكون سعيدة و أهنئكم بكل سرور!”
و بسبب العجلة في الكلام، كان هناك بعض الزلات، لكنها كانت صادقة تماماً.
حتى لو تزوج أصلان من فتاة أخرى بدلاً من البطلة، فلن يهمها. إذا لزم الأمر، يمكنها حتى أن تقدم حفل زفافه و تغني الأغنية الافتتاحية.
لكن يبدو أن صدق فيفيان لم يصل إلى أصلان. فردة فعله الأولى كانت—
“فيفيان ، هل أنتِ جادة؟”
ظهر عليه تعبير من الدهشة و كأنه لم يتخيل قط أنها قد تفكر هكذا.
“دعيني أقس حرارتكِ. يبدو أن حالتكِ ليست على ما يرام.”
“لا، أنا طبيعية تمامًا…!”
هزّت فيفيان رأسها بقوة ، لكن موقف أصلان كان ثابتًا.
أجبرها على العودة إلى الفراش ، و وضع منشفة مبللة على جبينها ، ثم ابتعد أخيرًا بعدما بدا عليه الرضا.
“أدركت أنكِ لستِ في حالة ذهنية مناسبة للتفكير المنطقي. سنتحدث عن هذا الموضوع بعد بضعة أيام.”
هل هذا الرجل جاد؟!
“من الأفضل أن تتهيئي ذهنياً في هذه الأثناء. في الواقع، لقد أرسلتُ بالفعل رسولاً إلى العاصمة. من أجل الحصول على موافقة رسمية من الإمبراطور على زواجنا.”
“……”
“حسناً، إنها مجرد إجراءات رسمية.”
قبّل أصلان جبين فيفيان المذهولة بهدوء، ثم غادر الغرفة.
* * *
“اللعنة.”
خرج أصلان من غرفة النوم و سار في الممر الخالي و هو يبعثر شعره بخشونة.
كان وجهه يحترق وقلبه على وشك الانفجار. لم يستطع التهدئة إلا بإطلاق الشتائم.
اللحظة التي لمست فيها شفتاه جبينها، و تلاقت فيها عيناها بعينيه.
“سأجن فعلاً.”
بعد بضعة أيام، ستصبح فيفيان زوجته.
ومع ذلك، كل موضع لمسته نظراتها كان يحترق، و لم يستطع استعادة هدوئه. شعور لا يمكن التعبير عنه بالكلام كان يبتلعه.
توقف أصلان فجأة عن السير. شعر بالاحتقار لنفسه لأنه يفكر بهذه الطريقة تجاه مريضة تظهر عليها علامات المرض بوضوح.
أليس هذا فعل حيوان قذر؟
‘صحيح، أنا لم أكن إنساناً منذ البداية.’
وحش بشع مقزز يرتدي قناع الإنسان.
تحت هذه القشرة الرقيقة، تكمن فقط الغرائز الفوّارة و رغبة التدمير.
لكن لم يكن الوقت مناسباً للغرق في الاحتقار الذاتي. عليه أن ينقذ فيفيان بأي ثمن. وإن لم يكن هناك طبيب في الجنوب قادر على علاج السل، فعليه أن يبحث في القارة كلها.
لم يعد يريد أن يرى فيفيان و هي تستسلم بهدوء للموت .
“يا سيدي.”
في تلك اللحظة ، انحنى أحد أتباع أصلان، الذي كان يبحث عنه، أمامه.
“تم الانتهاء من تصليحات القصر. و رغم أننا اشترينا القصر الجنوبي على عجل و لم نتمكن من تجديده بالكامل، إلا أنه مناسب تمامًا لإقامة الآنسة من أجل أن ترتاح و تشفى.”
“فيفيان ليست آنسة. كن دقيقًا في استخدام الألقاب.”
“أعتذر، لقد أسأتُ بالحديث عن السيدة.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "7"