كان من الواضح أن هيسيوس سيستمر في الهذيان لو تُرك وحده.
عندما قاطعته فيفيان، ارتجفت كتفاه كمن أُصِيب، ونظرَ إليها.
“ماذا؟”
“قلتُ إنّني شعرتُ بهِ أيضًا. ذلك الشّعور الغريب.”
لكنكَ لم تشاركني المعلومات، فظننتُ أنّني الوحيدة التِي تجدُ الأمرَ غريبًا.
عَلى أيّ حال، كنتُ أعلَم منذ البداية أنكَ مهووس بأموَالي، لذا دَعْنا لا نضيّع الوقت في التبريرات و ننتقل مباشرةً إلى صلب الموضوع.
“اللّحظة التي شعرتُ فيها بالغرابة لم تكن منذ فترة بعيدة.”
“يا أميرة، أنتِ…”
“واجهتُ وحشًا سحريًا فِي الغابة تنبعثُ منه طاقة سوداء كثيفة ، لكن عندمَا لمسته، اختفت الطّاقة فجأةً كمَا لو لم تكن موجودة.”
لم تستطعْ فيفيان الإفصاح بأنّ ذلك الوحش كانَ أسلان، فاكتفت بمداعبة رأس روبين. كانت تأمل أن يُساء فهم الأمر بشكل مناسب.
بيْنما كانت تروي تَجاربها بمزيج مِن الحقائق، لاحظت أنّ الطّرف الآخر صامتٌ بشكلٍ غريب.
“هيسيوس؟”
رفعت فيفيان نظرها و أمالتْ رأسها بدهشة.
كانَ وجه هيسيوس أحمر كالطماطم الناضجة، و كأنّه عَلى وشك الانفجار.
بعد أن نادته عدّة مرّات ، مسَحَ وجهه بكفّيه و كأنّه يغتسل، ثمّ ضربَ مسند الأريكة دون سبب.
“آه، هذا… أممم.”
“….؟”
“ظننتُ أنكِ تصدقين هراءهم، هاه… هوو.”
تجعّد جبين فيفيان بشدّة.
كلّ ما أرادته كانَ السّؤال عن ظاهرة امتصاص الطّاقة السّحرية التِي تحدثّتْ عنْها ريجينا، و التي قد تؤذي جسدَها.
هل يستحقّ هذا أن يتحوّل الشّخص إلى طماطم؟
“هيسيوس، هل أنتَ مريض؟”
“لا، أنا بخير.”
“يبدو أنّ لديكَ بعض الحمّى…”
قبل أن يتمكّن هيسيوس مِن الفرار، وضعتْ فيفيان يَدها على جبهته.
احمرّ وجهه أكثر، و كأنّه سينفجر حقًا.
“انظر، أنتَ ساخن. أعلم أنكَ ساحر عظيم، لكن هذا لا يعنِي أن تهملَ صحّتك.”
اختلط بريق غريب في عيني هيسيوس و هو ينظر إليها، لكن فيفيان، التِي لمْ تلحظ ذلك، واصلت:
“يقال إنّ السّحر يُستخدم فِي العلاج، لكنه يقتصر على الإصَابات الخارجيّة، أليس كذلك؟”
“هل أنتِ قلقة عليّ؟”
“و هل هذا سؤال؟”
عليكَ أنْ تعيشَ طويلًا و بصحّةٍ جيّدة لتصبحَ خادمي المخلص الثّاني بعد ديلان.
“كلما رأيتكِ، أجدكِ أكثر إثارة للاهتمام. كيف يمكنكِ القلق عليّ؟ أنا، الوحيد في هذه القارة الذي وصل إلى مرتبة السّاحر الأعظم.”
اختفى هيسيوس، الذِي كانَ ينظر إليها كما لو كانت فأرًا يقلق على قطة، فِي لمح البصر.
كانتْ يدها لا تزال على جبهته، لكنّهَا وجدتْ الفراغ تحتها، و كانَ هيسيوس يقف بالقرب منها، متقاطع الذراعين.
“أنا بالأحرى قلقٌ عليكِ، يا أميرة. أنتِ تتسبّبِين بكلّ أنواع المشاكلِ وحدكِ، فمن سيحميكِ إن لم أكن أنا؟”
“حسنًا، أصلان…”
تجعّدت عينا هيسيوس بشدّة لسببٍ ما عند سماع الجواب.
نظر إلى خاتم إصبعها اليسرى، ثمَّ انتقلت عيناه إلى معصمها الأبيض النحيل.
“ماذا عن السّوار الذِي أهديتكِ إيَّاه؟”
“آه.”
سوار التوباز الأزرق الذي قدمه هيسيوس كهديّة عيد ميلاد.
بما أنّ هذا أول لقاء لهما منذ ذلك اليوم، كانَ من المفترض أن ترتديه وفقًا لتقاليد الدّوائر الاجتماعيّة. لكنها لم تتوقع أنْ يهتمَّ هيسيوس بهذه التّفاصيل الصّغيرة.
“تركته في غرفة النوم. لم أكنْ أخطّط للمجيء إلى هنا اليوم. سأرتديه في المرة القادمة.”
“من الأفضل أن ترتديه دائمًا.”
“لماذا؟”
“لأنّه ليسَ مجرّد إكسسوار عادي، بل قطعة سحرية.”
عندما لمس هيسيوس الجدار و هوَ ينطق بكلمة تنشيط خفيفة، ظهرت دائرة سحرية فضية، وكشفت عن فضاءٍ جديد تمامًا.
كانَ المكان يشبه مكتب هيسيوس، لكنّه مقلوب يمينًا ويسارًا كمَا لو كان عالمًا داخل مرآة.
كانتْ الكتب القديمة متناثرة بشكل فوضويّ، و على جدار كبير كانت ورقةٌ ضخمة معلقة ، مغطاة بحروف و رموز غامضة.
“لم يدخل هنا أحدٌ غيري مِن قبل، لذا المكان فوضويّ قليلًا.”
ركل هيسيوس كومة من الكتب عند المدخل و دَخل، ثم استدار نحو فيفيان و مدَّ يده.
“تفضلي، يا أميرة. لديّ شيء أريدُ أن أريكِ إياه.”
“هل يمكنني الدّخول؟ ألم تقل إن أحدًا لم يدخل من قبل؟”
“حسنًا، لا مانع.”
عندما أمسكت فيفيان يده بتردّد، جذبها هيسيوس فجأةً إلى داخل الفضاء الفرعي.
“انتظر…!”
“إذا لم ترغبي في أن تتوهي، لا تتركي يدي.”
“ماذا؟!”
نظرت إليه فيفيان بذعر، لكن هيسيوس عاد إلى مظهره المعتاد المرح و المتعجرف.
“هاها، أنا أمزح.”
يا له من وغد!
بينما كانت فيفيان تفكّر جديًا في ضربه، مسح هيسيوس الورقة الضخمة المعلقة على الحائط بيده.
“هل تعرفين ما هذه الدّائرة السحريّة؟”
لم يكن سؤالًا ينتظر إجابة، إذ وَاصل دون انتظار:
“إنّها صيغة فكّ تشفير النّجمة الخماسية. تلك الموجودة على صدرك.”
فتحت فيفيان عينيها بدهشة و نظرت إليها.
كانت دائرة سحريّة ضخمة، ربّما بضعفي طولها. لكنّها كانت ناقصة في أماكن عديدة، و بعض الأجزاء كانت فارغةً تمامًا.
“وهذا الجزء بالذّات هو الإجابة على سؤالكِ.”
لحسن الحظ أو لسوءه، الجزء الذي أشار إليه هيسيوس كان مملوءًا بالكتابات.
“إنها صيغة سحرية مكونة من عدّة تعاويذ متراكبة. وهي مصمّمة لتُفعَّل فقط تحت شروط معينة، وهذه الشروط معقدة و صعبة للغاية. حتى بالنّسبة للسّحر الأسود، إنّها على مستوى مذهل.”
طوى هيسيوس ذراعيه كما لو كانَ مرتاحًا أخيرًا.
نظرت فيفيان إليه بنظرة تطالب بالتّفسير، لكنه وقفَ مذهولًا ثم مَال برأسه متأخرًا.
“ألا تفهمين؟”
هل يفترض بها أن تفهم؟
بينما كانت على وشك أن “تطلب” -أو تهدّد- بتفسير أكثر تفصيلًا، خطرت في ذهنها فجأة فكرة.
“هل الشّرط المحدد هو دم إليونورا؟”
“بالضبط، دم إليونورا النقي.”
“إذن، ماذا لو نُقشت هذه الصيغة على إليونورا أخرى؟ على سبيل المثال، أختي غير الشقيقة إيريس؟”
“بما أنّها تملك دم إليونورا الفرعي، فهي مفتاح ناقص. الدّائرة السّحرية ستُفتح، لكنها ستكون ناقصة جدًا.”
أوضح هيسيوس أنّ الدّائرة السحريّة هي قفل، و دم إليونورا هو المفتاح.
أشار إلى شكلٍ صغير داخل الدّائرة السحرية الضخمة و واصل:
“هذا الجزء… ببساطة، هو دائرة سحريّة تمتصُّ القوة السحرية. و يبدو أنّها تستهدف بشكل خاص الطاقة السوداء.”
تحرّكَ و أشار إلى مكانٍ آخر فِي الجهة المقابلة.
“و هذا الجزء يعملُ كقناة لتصريف الطّاقة السحرية التي تمتصّينها خارج الجسم. هناك مئات من هذه الدّوائر الصّغيرة مترابطة لتشكّل النجمة الخماسية.”
“هل تعني أنّها متصلة بشكل عضوي؟”
“بالضبط. لهذا قلتُ إن التّعامل مع النّجمة الخماسيّة صعب. في العادة، يمكن تدميرها بصبّ كمية هائلة من القوة السحرية، لكن…”
إذا أخطأوا في لمس جزء واحد دون فك الدائرة بالكامل، قد يؤثر ذلك سلبًا على الأجزاء الأخرى.
‘ربما حتى على حياتي.’
شعرت بحدسٍ قوي بأنها وقعت في ورطة حقيقيّة.
في شجرة عائلة إليونورا، كانت هي وأليكس الوحيدان اللذان يملكان دمًا نقيًا بعد المؤسسة الأولى.
و مع ذلك، من بين كلّ الاحتمالات، نُقشت هذه العلامة على جسدها، مَع لعنة غامضة فرضها الشّيطان أستاروت على المؤسسة الأولى.
‘أليس هذا بمثابة إخباري ألاَّ أعيش؟ لا أرى أيّ مخرج لي!’
لو كانت هذه لعبة، لكانت على مستوى “وضع النار الجهنمية المتطرف”، أصعب من الوضع الصعب.
“حتّى هذَا المستوى يُعدُّ صعوبة كبيرة في فكّ التشفير، لكن المشكلة أن اثنين من السحر الأسود تراكبا في جسد واحد، ممّا أدى إلى تشابك الدوائر.”
كان هيسيوس لا يزال يحدّق في الورقة الضخمة.
“من اجل المزيد من التّفاصيل، هناكَ جزء يتحكّم سلبًا في مشاعر الآخرين تجاهكِ… ربّما لهذا السبب تعرضتِ لكل هذه الكراهية.”
“…..”
“هناك مئات من التعاويذ العليا، مثل السّلاح النهائي، متراكبة. لا يجرؤ ساحرٌ عادي حتى على لمسها.”
من كلامه، بدا أن عليها الاستلقاء في نعش و إغلاقه. كانت كارثة كاملة بلا أمل أو حلم.
‘ما زلتُ حيّةً بعينين مفتوحتين، و هو يريد إرسالي إلى القبر؟’
سأجعل هذا الفم المزعج يصمتُ إلى الأبد.
بينما كانت تمدّ يدهَا نحو رقبة هيسيوس دون وعي، اقتربَ منها فجأةً بابتسامة مشرقة.
“لكن لا داعي للقلق. أنا لستُ مثل هؤلاء السّحرة العاديين.”
“آه…!”
“فكرةُ أن تموتي أمام عينيّ تجعلني أشعرُ بالضيق لسببٍ ما.”
أخفت فيفيان قبضتها خلف ظهرها بسرعة.
ابتسمت بخجل، فأومأ هيسيوس برضى.
“مع وجود ساحرٍ موهوبٍ و موثوق مثلي، لا داعي للقلق. سأضمنُ ألاّ يَخِيبَ إيمانكِ بي، على عكس بعض الأشخاص.”
تغيّرت نظرتُه إلى خاتم إصبع يدها اليسرى إلى نظرة استياء دونَ أن يدرك، لكن فيفيان، التي كانت مرتاحة لتجاوز الموقف، لم تلحظْ ذلك.
“آه، بالمناسبة، أضفتُ هدية صغيرة لكِ مع أمر الترياق. هل أعجبتكِ؟”
“…؟”
“يبدو أنّهَا نجحت، إذ انّ المدينة مليئة بالثناء عليكِ.”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 69"