كانت ريجينا قلقةً وهي تسندُ كتفيّ فيفيان.

“كيف يجرؤ أحدٌ ما على تجنّبكِ أمي… أقصد، فيفيان؟ سأتولّى أمر هؤلاء الأوغاد بنفسي. تفضّلي، اجلسي هنا.”

“شكرًا، ريجينا.”

شعرت فيفيان بقليل من التردّد عندما سمعت صوت طقطقة من فوق رأسها، و كأن ريجينا ستتعامل مع الأمر فعلًا، لكنّها قررت عدم التفّكير كثيرًا طالما أن حياتها ليست المعنية.

‘الأهمّ في العالم هو أنا، طالما أنني لست المتضررة فلا يهمّ’

بإشارة من يد ريجينا، وُضعت أمامها كوبٌ من الشاي الدافئ و الكعك.

كانَ من الواضح أنّها ساحرة ماهرة، لأنها ألقت تعويذة دونَ حتى نطق الكلمات، ممّا يعني أنها ليست بمستوى هيسيوس لكنها تملك مهارة كبيرة.

“بفضل توسطكِ في صفقتنا مع السيدة، تضاعفت أرباحُ نقابتنا بشكلٍ هائلٍ مؤخرًا.”

لمعَت عينا ريجينا مثلَ النجوم في سماء الليل وهي تتذكّر الأرباح.

“بفضل ذلك، قلّت المهامّ الخطرة التي نتلقاها، و الجميع ممتنون لكِ جدًا، فيفيان.”

بدا أن وجه ريجينا أضاء عند ذكر “الأرباح” وليس “المهام الخطرة”، لكن فيفيان قرّرت تجاهل ذلك.

ربما لم تكن ريجينا صادقة تمامًا، لكن السحرة الآخرين بدوا ممتنين فعلًا.

“لا داعي للشكر. لقد تلقيتُ الكثير من المساعدة من هيسيوس أيضًا.”

“إن تنفيذ المهام الموكلة إلينا أمر بديهيّ.”

ظهرت ابتسامة ماكرة على شفتي ريجينا وهي تداعب ذقنها.

“بالطبع، هَذه هي المرة الأولى التي أرى فيها هيسيوس يتعلّق بمهمّة بهذا الشكل. لقد كان يضغط على الجميع بشدّة بشأن ترياق الدواء الذي تناولتِه…”

لم تكن ريجينا وحدها، بل حتى السحرة المحيطون بها كانوا ينظرون إلى فيفيان بنظرات مليئة بالتّأمل و التوقع، لكنّها كانت غارقة في أفكارها ولم تلحظ ذلك.

‘الآن، عندما أفكّر في الأمر، في هذه المرحلة من القصة الأصلية، كان من المفترض أن تبدأ أختي بإيقاظ قوتها السحرية.’

في القصة الأصلية، اقترب هيسيوس من البطلة بسبب فضوله تجاه دم إليونورا، و عَلّمها كيفية استخدام الطاقة السحرية.

لكن فضوله قد أُشبعَ بدم فيفيان، ممّا أزال أي صلة بينهما.

‘لكن، ماذا لو خلقتُ أنا رابطًا جديدًا؟’

كانت أمامها الآن ثاني أقوى ساحرة بعد هيسيوس، و هي تبدي إعجابًا واضحًا بِها.

على عكس القصة الأصلية التي كانت فيها إيريس في أوج انحطاطها، أصبحت إيريس الآن شخصية مفعمة بالحيوية، لكنّها لا تزال جميلة بما يكفي لتأسر قلب ريجينا.

و أمّا المال، فيمكن لفيفيان أن تدعمهما سرًا.

“إن رؤية ريجينا وهي تستخدم السحر تبدو رائعة جدًا. هل يمكن لأيّ شخصٍ تعلّم السحر؟”

“حسنًا، يعتمدُ ذلك على الحالة. إذا كانت مهارة السيف هي جوهر التدريب البدني، فإن الطاقة السحرية هي جوهر العلم.”

أوضحت ريجينا أنه، كما أنّ هناك حدودًا للأشخاص غير الموهوبين رياضيًا مهما تدرّبوا، فإن الأشخاص غير الموهوبين فكريًا لن يتمكنوا من تجاوز حدودهم مهما درسوا.

“لكن، بما أنكِ نبيلة، يا فيفيان، فمن المؤكد أنكِ أتقنتِ الأسس العلمية بالفعل. دعيني أرى…”

قبل أن تتمكّن فيفيان من التوضيح أنها ليست كذلك، وضعت ريجينا يدها على قمة رأسها.

يبدو أنّها كانت تحاول قياس حجم “الإناء” من خلال دفع الطاقة السحرية عبر نقطة ما.

“همم؟”

تغيّر تعبير ريجينا الواثق قليلًا إلى تعبير غامض. أزالت يدها، مالت رأسها بدهشة، ثم وضعت يدها مرة أخرى.

“ما هذا…؟”

“ما الأمر، ريجينا؟”

“هل هناك مشكلة مع الأميرة؟ هل أحاول أنا؟”

بدأ السّحرة، الذين كَانوا متحمسين لرؤية اهتمام فيفيان بالسّحر، يميلون رؤوسهم بدهشة.

بما أنّهم كانوا في نقابة السحرة، فهذا يعني أنهم ليسوا سحرة عاديين، و بالتالي استطاعوا بسهولة اكتشاف مشكلة في تدفق الطاقة السحرية.

تردّدت ريجينا للحظة و كأنها كانت على وشك قول شيء، لكنها توقفت لبرهة.

“يبدو أن… لا، ربما بسبب السل، أصبح التدفق مسدودًا. غالبًا ما تتعطل الطاقة لدى اصحاب الأمراض المزمنة.”

“أليس بسبب ذلك الدبوس؟ أشعر بطاقة سحرية منه، آه!”

“هذا ليس دبوسًا، بل عنكبوت.”

بصق روبين، الذي كان نائمًا بهدوء على صدرها، خيوطًا نحو السّاحر الذي أشار إليه.

كان تحذيرًا واضحًا بأنه إذا لمس فيفيان، سيتعرّض لعقاب شديد.

“لم يتحرّك عندما لمسته ريجينا، فلماذا يهاجمني أنا فقط؟!”

بدا الساحر و كأنه يشعر بالظّلم، لكنه لم يستطع سوى تحمّل هجومِ خيوط العنكبوت.

كان روبين، رغم حجمه الصغير بحجم قبضة اليد، قويًا للغاية، ولم يتمكّن السّاحر من قطع الخيوط مهما حاول.

لكن في هذه المرحلة، بدأ السحرة يشعرون بشيء غريب.

“هل هو وحشٌ سحريّ؟”

“لكننا لم نشعر بأيّ طاقة سحرية حتّى فتح عينيه.”

“يا أميرة، من الأفضل أن تضعي ذلك العنكبوت جانبًا للاحتياط…!”

عند سماع كلمة “ضعيه جانبًا”، تصاعد هجوم روبين بشراسة أكبر. رفع جسده بصلابة وحدّق بشدة بعيونه الثمانية.

تحوّل وجه السّاحر المقيّد بالخيوط إلى شحوب مخيف. كان يفقدُ طاقته السحرية.

“ما الذي جعلكِ تدعينني بهذه العجلة؟”

في تلك اللحظة، هبّت ريح فضية داخل الغرفة.

ظهر هيسيوس فجأةً كما لو كان يشقّ الفضاء، وخطا بهدوء دون صوت.

عبس و هو ينظر يمينًا ويسارًا، ثم رفع زاوية فمه فجأة.

“كالعادة، لا يوجد يوم هادئ حول الأميرة.”

بإشارة من يده، أزال خيوط العنكبوت التي لم يستطع السحرة قطعها بجهد، وهدّأ روبين الغاضب بعمق.

كانت قوته السحرية ساحقة لدرجة أن حتى فيفيان، الجاهلة بالسّحر، لاحظتها.

“حسنًا، هذا يجعل الأمور ممتعةً بالنسبة لي.”

“ألا ترى وجودنا؟”

“ما الذي يثير الإعجاب في وجوه أراها كل يوم؟”

“لكنّ رؤية فيفيان كلّ يوم ستكون مبهجة.”

تجاهل هيسيوس مزاح ريجينا السّاخر و وقف أمام فيفيان.

على عكس القصة الأصلية حيث كان يظهر دائمًا بمظهر طفل، كانَ يحتفظ مؤخرًا بمظهر شخص بالغ.

“لنصعد إلى الطابق العلوي، يا أميرة.”

“هل سوف يسْتأثرُ السيد بالأميرة؟ هذا غير عادل!”

“أليست هناك غرفة استقبال في الطابق السفلي؟”

“اصمتوا.”

وسط هتافات السّحرة المعترضين، فرك هيسيوس أذنيه بضجر.

على الرغم من كونه سيّد النقابة العظيمة وساحرًا لا يُضاهى في استخدام الطاقة السحرية، بدا أنه يتعامل مع السحرة الآخرين بطريقة وديّةٍ نسبيًا.

بينما كانت فيفيان تحدّق فيه بدهشة لهذا الجانب غير المتوقع، شعر هيسيوس بنظرتها و حثّها مجددًا.

“إذا بقينا هنا، ستنفجر طبلتا أذنينا.”

كانت فيفيان تتفهم أهمية السمع جيدًا، فقامت من مكانها دون اعتراض.

بينما كانا يصعدان إلى الطابق العلوي، تبعتهما ريجينا بسلاسة.

توقّفَ هيسيوس فجأة.

“إذا كان لديكِ أمر، قوليه الآن.”

“مَا هذا التّشدّد؟ حسنًا، لا أحد يسمع هنا، لذا لا بأس.”

لكنها، للاحتياط، ألقت تعويذة غامضة قبل أن تواصل.

“هل سمعتَ عن الأجسام التي تمتص الطاقة السحرية؟ قد تبدو مِثل مقاومة للسّحر للوهلة الأولى، لكنها في الواقع تمتصُّ الطاقة السحرية كإسفنجة تمتصُّ الماء.”

“أجل.”

“كنتَ تعلم، أليس كذلك، هيسيوس؟ لكن يبدو أن الشخص المعني لا يعرف شيئًا.”

عبس هيسيوس.

كان مِن الغريب أن مساعدته، التي لا تحرّك ساكنًا إلا من أجل المال أو الجميلات، تتدخّل بهذا الشكل.

“آه، فهمت.”

نظر إلى فيفيان للحظة، ثمّ أومأ برأسهِ كما لو أنه اقتنع بشيء و واصل المشي.

كان المكان الذي وصلوا إليه مألوفًا. كان مكتب هيسيوس الذي زارته فيفيان لأوّل مرة بسبب طلبها.

عندما أُغلقَ الباب، واصلت ريجينا الحديث دون تردّد.

“بل إنها تمتص حتى طاقة الوحوش السحرية. ذلك العنكبوت الذي يتظاهر بأنه دبوس صدر، هو على الأرجح وحش سحري من نوع أراكني!”

ربما يستمتع هذا المخلوق سرًا بتظاهره بأنه دبّوس.

نظرت فيفيان إلى صدرها. رمشَ العنكبوت بعيونه بهدوء عندما تقاطعت نظراتهما.

في هذه الأثناء، استمَرّ الحديث بين ريجينا و هيسيوس.

“إذا استمرَّ امتصاص الطاقة السحرية بهذا الشكل العشوائي، فلن يتحمله إنسان عادي. قد يؤدي ذلك إلى إجهاد الجسم.”

كانت فيفيان تستمع بإحدى أذنيها وتتجاهل بالأخرى، معتبرة أنّ الأمور الغريبة ليست جديدة، لكنها فتحت عينيها فجأة.

كيفَ يمكنها تجاهل شيء قد يؤذي جسدها، وهو أثمن شيء في العالم بالنسبةِ لها؟

“أنتِ تتحدثين كثيرًا أمام العميلة، ريجينا.”

جلس هيسيوس بهدوء ، متقاطع السّاقين دائمًا ذقنه بيده. لكن عينيه كانتا تراقبان فيفيان بوضوح وهي تدير عينيها بقلق.

لاحظت ريجينا ذلك و توقّفت للحظة، ثم أطلقت تنهيدةً غامضة.

“صحيح. إنّها مسألة تخصّ فيفيان، لذا من المؤكد أن السيد سيتعامل معها ببراعة.”

“…..”

“لكن اشرح لها بشكل صحيح. أليس من واجب السّيد تصحيح أخطاء أعضاء النقابة؟”

“لا أتذكر أيّ واجب كهذا.”

“إذا كنتَ غير راضٍ، ارجع بالزمن إلى يوم تأسيس النقابة الذي تغيبتَ عنه بمحضِ إرادتكَ.”

أطلقت ريجينا سيلًا من الشتائم على سيدها الموقّر، وفي الوقت ذاته، وجّهت ابتسامةً لطيفة ودافئة لفيفيان قبلَ أنْ تغادر المكتب.

بمجرّد أن أُغلق الباب، اندفعت فيفيان نحوه.

“حسنًا، اشرح الآن!”

“أشرح ماذا؟”

“هل ستتعامل معي هكذا؟ سمعتُ كل شيء من السّحرة الآخرين!”

كانت تعني أن هيسيوس يبذل قصارى جهده في المهام التي تكلفه بها.

بالطبع، هذا متوقع. حتى السّاحر العظيم لا يمكنه تجاهل ثروتها الهائلة.

لقد أعطته مبلغًا كبيرًا بالفعل، و ستُعطيه المزيد فِي المستقبل.

‘من المفاجئ و الممتع أن يكون مهووسًا بالمال، لكن…’

لماذا لا يشاركها المعلومات بشكلٍ صحيح؟

“ماذا سمعتِهم يقولون؟”

“ألا تعرف؟”

“مهما كان ما سمعتِه، فكلّه هراء. إنهم يتخيلون ويتكهنون بأنفسهم. أنا أعرف شعوري بنفسي…”

و مع ذلك، بدا تصرف هيسيوس مشبوهًا.

تلاشى جوّه المعتاد الذي ينظر إلى العالم بازدراء، وجفت شفتاه كما لوْ كانَ مذنبًا بشيء.

“لقد فقدوا عُقولهم جميعًا من كثرة حبسهم في الداخل للدراسة.”

“ماذا؟”

“ديدان الكتب المزعجون.”

هل هَذا ما يقوله ساحر يُفترض أنه يمثّل جوهرَ العلم؟

عندما رأى هيسيوس تعبير فيفيان الغريب، سَعل بإحراج.

“أم، على أيّ حال، ليس صحيحًا. أن أكون مهووسًا بكِ أو ما شابه، أنا أجلسُ هنا براحة وأجني المال، لذا يبدو أنهّم يشعرونَ بالملل. ربّما أقوم بأرسالهم قريبًا لقتلِ وحوشٍ سحريّة…”