في تلك اللّحظة، كانت فيفيان تُحدّق بدهشة في متجر الخيّاطة الخاص بالسيدة، الذي كان يعجّ بشحدٍ هائل من الناس.
كانت السيدة سكارليت مصمّمة أزياء تتصدّر صيحات الموضة في العاصمة، وَ مع تزامن فترة حفل الخريف الراقص، كان مِن الطبيعيّ أن يكون المكان مكتظًا بالزبائن.
“حسنًا، لكن هذا كثير جدًا…”
وَ مع ذلك، لم تستطع فيفيان أن تتقبّل مشهد الحشود التي تُحيط بالمبنى المنخفض ذي الثلاث طوابق بطبقات عديدة. كانَ المشهد فوضويًا تمامًا.
‘لا أَملكُ القوّة لاختراقِ هذا الحشد.’
كَانت محظوظةً إن لم تُسحق وسط هذا الحشد المجنون وَ تودّع الحياة.
ابتلعت فيفيان ريقها و بَدأت تخطو خطوات إلى الوراء بشكل طبيعي، لكن في تلك اللحظة بالذات:
“ألستِ الأميرة إليونورا؟”
“حقًا، إنها الأميرة؟”
“لقد جاءت المنقذة التي وَزّعت التّرياق؟!”
تصاعدت الضّجة حتى أصبح من المستحيل تمييز الأصوات.
شعرت فيفيان أنّها سمعت شيئًا عن “توزيع الترياق”، لكن بما أن فيفيان إليونورا كانت إحدى أبرز مثيرات المشاكل و الشريرات في الإمبراطوريّة، فإن أي شيء “توزّعه” لن يكون سوى ضغينة بالتأكيد.
‘يا إلهي، ما هذا؟ لا أريد أن أُطعن بسبب شيء لم أفعله!’
كانَ يَجب أن تأتي مع ديلان رغم الإزعاج!
بَينما كانت تُحاول الفرار بسرعة، انقسمت الحشود فجأة كَما لو كان البحر الأحمر ينفصل، وظهرت السيدة من الدّاخل و عيناها تتلألأ بحيوية.
“أوه، أميرة، كنتُ أنتظركِ منذ الصباح بعد أن تلقّيتُ خبرَ قدومكِ؟”
“لقد أخطأتِ الشخص.”
“ههه، تنكّرٌ ممتع!”
حَاولت فيفيان تجاهل النّظرات بارتداء عباءتها بإحكام، لكن ذلك لَم يجدِ نفعًا مع حدّة نظر السيدة. تقدّمت السيدة بثقة عبر الحشد المنقسم، وأمسكت بفيفيان وَحدها، ثُمّ دخلت بها إلى المتجر.
“دبوس صدر تجريبي للغاية، أليس كذلك؟”
بينما كانت فيفيان ترفرف بعينيها بدهشة، استقرّت عينا السيدة عَلى صدرها.
كان روبين، الذي تسلّل خلسة دون أحد يعلم متى، متمسّكًا بمكانه و كأنه ينتمي إليه. لقد تأكّدت من تركه في غرفة النوم، لكنّها لم تفهم كيف تسلّلَ وراءها.
فركت فيفيان جبينها المتألّم و قالت:
“إنه ليس دبوسًا، بل عنكبوت. قد يعضّ إن لُمسَ بطريقة خاطئة، فكوني حذرة…”
“يا إلهي، مذهلٌ حقًا! تحويل عنكبوت إلى جزء من الموضة، نظرتي للأشخاص لا تخيب أبدًا!”
“لا، إنه يعضّ حقًا…”
“قد يكون من الممتع أن نستلم الحشرات لهذا الموسم. إنه الخريف على أي حال!”
غرقت السيدة في عالمها الخاص، وهي تلمس رأس العنكبوت بأصابعها برفق. لكن رد فعل روبين كان مفاجئًا.
فقد كانَ هذا العنكبوت، الذي يرفعُ جسده بقوة و يبصقُ خيوطه بمجرد اقتراب أصلان، يتقبّل لمسات السيدة بتسامح نسبي، رغم أن عينيه المتدحرجتين كانتا تبدوان غيرَ راضيتين تمامًا.
“بما أن موعد هيمينا قد اقترب، فإن الزبائن كثيرون. لكننا أعددنا مكانًا مريحًا في الطّابق العلوي لتستريحي.”
استعادت السيدة رباطة جأشها متأخرة وقادت فيفيان بنفسها.
في المرّة السّابقة، كانت الأقمشة المضيئة معروضة في الطابق الثاني فقط، لكنّها الآن وصلت إلى الطابق الأول.
لاحظت السيدة نظرات فيفيان وأضافت بسرعة:
“منذ حفل بلوغكِ، تدفّقت الطلبات من الزبائن. الأميرة إليونورا هي الشخصية الأكثر تألقًا في الدوائر الاجتماعية للإمبراطورية، فهذا متوقّع.”
“ليس بسبب حفل بلوغي، بل بسبب مهاراتكِ الرائعة، يا سيدة.”
“أقسم على حياتي المهنية كمصمّمة، إن انتشار شائعات فستان السحر بهذه السرعة و الفعالية يعود لشهرتكِ، أميرة.”
واصلت السيدة، التي كَانت تسير في المقدمة للإرشاد، الكلام وهي تنظر حولها:
“مساعدتكِ في تحقيقِ حلم حياتي بصنع فستان سحريّ، وكذلك أمر الترياق هذه المرة. لقد حصلنا على الكثير منكِ، أميرة. أنتِ حقًا رائعة.”
“سيدتي، ما الذي تتحدثين عنه منذ قليل؟ الترياق؟ ما علاقتي به…”
شعرتْ فيفيان بشيء غريب. كَان هناك تناقض ما في كلامها.
لقد أوكلت أمر الترياق إلى هيسيوس لضمان عدم كشفِ اسمها. لم يكن مِن مصلحتها أن يُسجّل اسمها في التاريخ، لأنها كانت تخطط للاختفاء بهدوء مثل نسيم الربيع يومًا ما.
“الأميرة متواضعة جدًا، أليس كذلك؟”
ابتسمت السيدة وهي تفسر حيرة فيفيان بطريقتها الخاصة، ثم واصلت شرحها.
و عِندما انتهت، انفجرت فيفيان أخيرًا.
* * *
اندفعت فيفيان من الباب الخلفي لمتجر الخياطة، و كأنّها ستقسمه نصفين، و عيناها تشتعلان غضبًا.
‘سمعتُ كلّ شيء. لقد كلّفتِ نقابة السحرة بصنع الترياق، بل و دعمتِ توزيعه بأقل الأسعار لمن يحتاجه، أليس كذلك؟’
‘مَن، مَن قال ذلك؟’
‘ساحر صغير كان يتظاهر بأنه مساعد في متجر الخياطة ويتعامل معكِ.’
هيسيوس، ذلك الساحر اللعين؟!
كيفَ يمكن أن يُفسدَ الأمور بهذه الطريقة؟!
كان دواء خوان المزيّف حدثًا ذا تأثير كبير لدرجة أنه سيُسجّل في تاريخ الإمبراطورية. ليس فقط لأن رجلًا عاديًا خدع النبلاء و العائلة الإمبراطورية، بل لأن الأضرار الناتجة عن الدواء كانت هائلة.
و الآن، يبدو أنّ اسمها قد ارتبط بهذا الأمر.
‘شاطئ الزمرد الخاص بي! حلم المنتجع الجنوبي…’
اندفعت فيفيان نحو نقابة السحرة كالسّهم.
بما أنّها خرجت فجأة من الباب الخلفي، لم يلاحظ حاشيتها اختفاءها و كانوا لا يزالون يحرسون الطابق الأوّل من المتجر.
و بفضلِ ذلك، تمكّنت من الوصول إلى نقابة السحرة دون أي عوائق.
“هوو، اهدئي.”
توقّفت فيفيان لتلتقطَ أنفاسها المتسارعة، و هي تستعد للإمساك بشعر هيسيوس.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 67"