“هل توقعتِ أن تتسللي إلى هنا و تخرجي سَالمة؟”
غطّى غطاء الرأس، الذي انزلق نصفه من الصدمة، وجه فيفيان.
اقتربت خطوات مشؤومة منها ببطء.
“لكن هذه المرة، يبدو أنهم أرسلوا جاسوسة لا بأس بها. لولا هالة العنكبوت، لكنتِ تقريبًا نجحتِ في الإفلات.”
“…..”
“لقد أبطلتِ كلَّ سحر الكشف الذي وضعته في السجن. دعينا نكتشف الآن، خطوة بخطوة، كيفَ فعلتِ ذلك.”
الآن، عند التفكير في الأمر، بدت له إدارة السّجن مهملة للغاية.
افترضت أن حراسة المدخل الصارمة تعني إهمال الداخل، لكن يبدو أن الدّاخل كان محميًا بسحر أكثر صرامة.
لكن فيفيان لم تفهم.
لم يعترض طريقها شيء حتّى وصلت إلى الطابق الأدنى.
‘لم يكن هناك شيء، فمَا هذا الهراء عن سحر الكشف؟ لو كنتَ لا تريد أن يُكتشف أمرك، لمَ لمْ تدير المكان بشكل أفضل؟ اللعنة، هَذا ظلم، أشعر بالدموع تنهمر من عيني…’
ركع أصلان على ركبة واحدة، و أمسكَ كتفيها بقسوة، ممَّا جعل مفصل كتفها يصرخ و كأنّه سينخلع.
“من الأفضل ألا تقاومي عبثًا. إلا إذا كنتِ ترغبين في أن تُمَزّق ذراعكِ وأنتِ على قيد الحياة!”
قبل أن تتمكّن من المقاومة، جُرّت فيفيان بعنف.
“آه!”
أصدرت فيفيان أنينًا خافتًا من الألم، لكنّ تنفس أصلان الثقيل توقّفَ فجأة.
على الرغم من الظلام الدامس، تعرّفَ على الفور على رائحة جسدها الحلوة المتغلغلة في صدره.
“فيفيان؟”
“…..”
“هل هذه أنتِ… حقًا؟”
تجمّدَ كتمثال، ولمس وجهها ليتأكد. شعر ببلل دموعها على خدها الناعم.
“ديلان!”
“نعم، نعم! سيدي.”
مع صوت احتكاك الحجر بالفولاذ، أضاء المكان فجأة. ذُهل أصلان و ديلان من المشهد أمامهما.
كانت فيفيان ملقاة على الأرض كدمية. شعرها المرفوع تشابك و تفكك، و ركبتاها و ساقاها المجروحتان تنزفان دمًا.
لكن، أكثر من أيّ شيء، كانت خداها مبللة بالدموع.
“لا يمكن! هل أنا… كيفَ يمكنني أن أفعل هذا بكِ؟”
كان أصلان يبدو كما لو أنّ العالم انهارَ أمامه.
لم يجرؤ على لمس خطيبته الملقاة، و توقّفَ تنفسه كمن يُخنق.
‘هل كان اكتشافي لمشهد التّعذيب صادمًا له لهذه الدرجة؟ لو كنتَ تدير الأمور بشكل أفضل…’
غمرها شعور الظّلم، فلم تفكر حتى في مسح دموعها، و بدلاً من ذلك، رمشت بعينيها بحيرة.
تدحرجت دمعة أخرى على خدّها.
“آسف، لا تبكي، اللعنة!”
“أصلان…”
“أرجوكِ، لا تبكي.”
تردّدَ أصلان في مسح دموعها، ثم انتفض عندما رأى يده.
كانت يده ملطخة بالدماء، و عليها عنكبوت صغير يعضُّ معصمه بأنيابه بكل قوة.
تحولت ذراعه إلى بقع حمراء و زرقاء بفعل السم والدم.
أخفى أصلان يدهُ خلف ظهره.
“انتظر لحظة.”
لكن قبل أن يتمكّنَ من إخفاء يده، تمسكت فيفيان به وهي ترفع جسدها.
“ذراعك، السم…”
تحوّلت ذراع أصلان السميكة إلى اللون الأسود المزرق، و انتفخت عروقه كما لو أنّها ستنفجر.
كان مقاومًا لمعظم السموم، فإذا وصل إلى هذه الحالة، فهذا يعني أنّ السم قوي للغاية.
إذا مات أصلان، ستموت هي أيضًا بسبب الرابطة بينهما.
“فيفيان.”
“ابقَ ساكنًا.”
مدّت فيفيان يدها، فرمش العنكبوت بعيونه بهدوء و تسلّق يدها برفق.
عندما سحب أنيابه ، بدت الجروح على معصم أصلان أوضح.
مزقت فيفيان طرف تنورتها، و ربطت ذراع أصلان فوق المرفق بإحكام. ثمّ، دون تردد، وضعت شفتيها على الجرح.
“فيفيان، ماذا…”
“أمممم.”
أرادت أن تقول إنّه لا توجد جروح في فمها، لكنها شعرت أن أصلان سيهرب إذا أزالت شفتيها.
قامت بامتصاص السم و بصقته على الأرض، ثم عادت بسرعة إلى ذراعه.
صوتٌ غريب تردّد صداه على الجدران الحجرية الباردة.
“… فيفيان.”
أحمرّت عينا أصلان، و أشاح بوجهه عنها.
غَطّى عينيه بيده، لكن ذقنه كانت ترتجف. بما أنّه لا يرى، تركزت كل حواسه على نقطة التقاء شفتيها بجلده.
“…..”
نزف الدم من يده المعقودة بقوة كما لو كان يكبح رغبة ما.
لم يعد أصلان قادرًا على التحمل، فأمسكَ بذقن فيفيان.
قيّدَ ذقنها الصغير الهش في قبضته.
“هل أنتَ بخير؟”
كانت تنظر إليه بعيون بريئة، غير مدركة لما يدور في ذهنه، ممّا أثار غضبه أكثر.
“أتقلقين عليّ الآن؟ لقد كدتِ تموتين للتو. لو تأخرتُ في اكتشافكِ لحظة، لكنتِ قد متِّ. هل تفهمين؟!”
“أصلان…”
“كيف دخلتِ هنا بحق الجحيم؟ كيف تجاوزتِ المدخل؟ ولماذا هذا العنكبوت اللعين متشبث بكتفكِ كما لو كان بروشًا؟”
انهالت التوبيخات و الاستجوابات على رأس فيفيان كشلّال.
نظرت حولها طلبًا للمساعدة، لكن ديلان، الذي كان واقفًا خلف أصلان، اختفى دون أثر.
بل إن المعالج الزائف الذي كان يُعذب قد تبخّرَ أيضًا.
“و ما هذه الملابس؟ لماذا ترتدين زي خادمة رثّ هكذا؟ ماذا كانت تفعل إيما؟!”
انتبهت فيفيان فجأة و هي تُستجوب بشدة.
كان أصلان يشكُّ فيها.
كان من الطبيعي أن يحدث ذلك، فقد تمّ الإمساك في أعماق القصر، في أكثر اللحظات سرية.
كانت على وشك ركوب قطار الموت السريع.
“حسنًا، إذن…”
لكن ألم يكن طموحها المستقبلي هو أن تصبح خبيرة في البقاء؟ لقد أعَدّت عذرًا مسبقًا في حال اكتُشفت.
رمشت بعينيها بضعف و جعلت صوتها يرتجفُ قدر استطاعتها.
“عندما التقينا في القصر، بدا وجهكَ متعبًا لسبب ما. بدوتَ مريضًا و وحيدًا، فقلقتُ عليك.”
تصلّب وجه أصلان كما لو أنها أصابت الهدف.
أخفضت فيفيان عينيها متظاهرةً بعدم الملاحظة، و ظلّلت رموشها وجهها النحيف.
“لكن عندما وصلت، لم أجد الشجاعة لمواجهتك. تذكرت وجه روبين، و قلقت ماذا لو كنتَ قد كذبتَ عليّ.”
“…..”
“ثم كرهتُ نفسي لأنني أفكر بهذه الطريقة الجبانة، فقررت العودة، لكنني صادفت إيما.”
شعرت بضيق في التنفس من كثرة الكلام.
رفع أصلان ذقنها برفق و هي تهدئ تنفسها. انحنى، فاختلطت أنفاسهما بقرب.
“تابعي.”
يا للقسوة، حتى في لحظة يفترض أن تكون مؤثرة، يحثّها على استكمال الاستجواب.
تنهّدت فيفيان في داخلها، و مزجت الحقيقة بقطرة من الكذب، موضّحة كيف ارتدت زي الخادمة و دخلت ممر السجن.
“لم أستخدم ممرّ الخدم من قبل، فضِعت . فجأة، سألني أحد الفرسان عن سبب وجودي. شعرت بالإحراج…”
لمست فيفيان البروش بنفس الطريقة الطبيعية كما فعلت آنذاك.
عندما رآه أصلان ، زفر بهدوء كأنّه فهم أخيرًا.
“هذا ليس بروشًا للخادمات. إنه بروش خاص يرتديه القليلون. الزخرفة مختلفة قليلاً، لا يميّزها العامة.”
على الرغم من أنها كانت تعرف ذلك، تظاهرت فيفيان بالدهشة و أمالت رأسها.
أطلق أصلان تنهّدًا بقوة، كأنه منزعج أكثر.
“كنتُ أعلم أن لديكِ موهبة في ترويض الوحوش، لكن أن تروّضي وحشًا سحريًا أيضًا؟”
“وحشٌ سحري؟”
“هذا العنكبوت الذي يتظاهر بأنه بروش. هذا هو الوحش السحري الذي تحدثتُ عنه.”
تلقى العنكبوت نظرة أصلان، فرفع ساقه الأمامية كأنه يتحداه.
“يا له من وحش جريئ.”
زفر أصلان، و نظر إلى فيفيان مباشرة.
“بهذه الطريقة، قد يأخذكِ أي وحش دون أن تلاحظي. يجب أن تكوني أكثر حذرًا.”
“أنا حذرة بما فيه الكفاية…”
“حقًا؟”
بينما كان يمسح خدّها المبلل بالدموع بنظرات حزينة، رفعها فجأة بين ذراعيه.
تشبثت فيفيان بعنقه خوفًا من السقوط.
“أنزلني!”
“هل ستسيرين بهاتين السّاقين؟”
نظر أصلان إلى ركبتيها بعبوس، وعضّ شفتيه كأنه يكبح غضبه.
نظرت فيفيان إليه، وأدارت عينيها بخفة.
“ما زلتَ غاضبًا. آسفة لتجوالي دون إذن.”
“هل تعتقدين أنكِ تفهمين؟”
“نعم…”
كان أصلان غاضبًا لأنها تعرضت للخطر. بالأحرى، كان غضبه موجهًا نحو نفسه لإيذائها.
لكنّه لم يرد أن يتركها تذهب بعد أن جاءت إلى حضنه أخيرًا، حتّى لو كان ذلك بكلمات صحيحة.
حتّى لو اضطر إلى استغلال ضعفها بطريقة دنيئة.
“إذن، تعلمين أن عليكِ تهدئة غضبي، أليس كذلك؟”
“ماذا تريد مني أن أفعل؟”
“لا تعودي إلى إليونورا. ابقي بجانبي، حيث يجب أن تكوني…”
نظرت فيفيان إليه و هو يُقرّب جبهته منها.
فكّرَت للحظة إن كان يطلب منها أن تكون كيس ملاكمة لتفريغ غضبه بهذه الطريقة المحببة، لكن ذلك لم يغير شيئًا.
بما أن روبين اتضّح بأنّه وحش سحري، فلم يعد هناك سبب لهربها.
‘لكن العودة هكذا تجعلني أشعر وكأنّني خسرت.’
عبست فيفيان دون وعي.
أصبحت نظراته إليها مليئة بالقلق. مسح أصلان جبهته بنعومة على وجهها دون أن يدرك.
“هل توافقين؟”
شعر أصلان الأمامي دغدغ وجهها.
أخيرًا، ضحكت فيفيان بخفة فدفع وجهه بعيدًا.
“لكن عدني بشيء واحدًا.”
“أي شيء.”
“لا تخفِ عني مَن أرسل هذا الكائن، و ما هدفه.”
على عكس نظرات أصلان، قبل العنكبوت أصابع فيفيان البيضاء النحيلة بسرور و هي تلمسه.
“…إذا كنتِ ترغبين في ذلك.”
كان دور فيفيان و أصلان قد تبدل، لكن أصلان، مثل روبين، قرّرَ قبول ذلك بسرور.
التعليقات لهذا الفصل " 63"