كانت ترتدي فستانًا أسود يصلُ إلى سَاقيها، و فوقه مئزر أبيض نظيف. زَيّنت ياقة العنق ببروش صغير، و عَدّلت غطاء الرأس ليغطّي جَبهتها حتّى ما فوق عينيها مباشرة.
“ينبغي أن يكونَ هذا كافيًا.”
كانت يداها ناعمتين و جسدها نحيفًا ، و هذا ما يُعدّ عيبًا بالنسبة لخادمة تتولّى الأعمال الشاقة، لكنها بدت مناسبة بما يكفي لخداع الآخرين مؤقتًا.
‘لا تخافي فيفيان. تقدّمت بشجاعة!’
خرجت فيفيان من غرفة النوم، مطأطئة رأسها، و سَارت بسرعة في الرواق.
أَمال بعض الخدم رؤوسهم بدهشة و هم ينظرون إليها، لكنّهم لم يتخيّلوا أبدًا أن سيدة القصر قد تتنكّرُ كَخادمة.
تذكّرَت فيفيان وصف الرواية الأصلية و توجّهت نحو الممرّ المؤدّي إلى السّجن تحت الأرض.
على السّطح، كان المكان يُعرف بأنه مخزن أسلحة الفرسان، لكنّه في الحقيقة مكان يحرسه نخبة فرسان أصلان بصرامة.
“أنتِ هناك، مَا الذي تفعلينه؟!”
“حسنًا…”
لكن فيفيان كانت تعرف طريقة لعبور هذا الممر دون استجواب.
لمست البروش المثبت على ياقتها بخفة ليظهر بوضوح، و هو رمز للإذن بالدخول إلى بعض الأماكن السّرية في القصر، يُمنح لقلة من الخدم.
“حسنًا، ادخلي!”
“شكرًا لك، سيدي الفارس.”
ما إن وضعتْ فيفيان قدمها في الداخل حتّى أُغلق الباب خلفها بقوة.
اختفى الضوء المتسرب من خلفها، و لَمعت عيناها ببطء لتتأقلم مع الظلام الدامس.
‘لو تعثّر أحدُهم هنا، سيكون ذلك مضحكًا نوعًا ما.’
بينما كانت تنتظر و تُفكر بأفكار خفيفة، بدأت الأشياء من حولها تظهر تدريجيًا في نطاق رؤيتها.
كان المكان قاتمًا بشكل لافت، رغم أنّها لم تعبر سوى باب واحد.
كان الدرج الحجريّ المؤدّي إلى الأسفل شديد الانحدار و بلا درابزين، و عندما وصلت أخيرًا إلى الطابق السفلي، اصطفت قضبان حديديّة تنضح بجو مخيف.
‘معظمها فارغ. لن يكون العثور على الوحش صعبًا.’
حَرصت فيفيان على خفض صوت خطواتها و إخفاء حضورها تحسبًا لأي طارئ.
بينما كانت تسير بحذر، اكتشفت درجًا يؤدي إلى طابق آخر. كلّما نزلت ، ازداد الدرج انحدارًا، و تسلّلَ البرد القارس من الجدران بشكل أقوى.
“كح، كح!”
سَدّت فيفيان فمها بسرعة لكتم صوت السّعال.
لكن جهودها بدت بلا جدوى ، إذ شعرت بنظرات حادّة تتّجه نحوها من مكان ما.
‘ما هذا؟ لاَ يبدو أنها عين واحدة أو اثنتين.’
للدقة، شعرت و كأَنّ أربعة أزواج من العيون تراقبها بنظرات متوهجة.
‘نعم، هَكذا تمامًا…’
حدّقت فيفيان في ثماني كرات ذهبية متوهجة في الظلام، ثمّ قفزت فجأة مذعورة.
“ما، ما، ما هذا؟”
التصقت فيفيان بالجدار المقابل و هي تتنفس بصعوبة.
أربعة أزواج من العيون ذات الحدقات المشقوقة عموديًا كانت ترمش بهدوء.
كان الكائن الغامض يذوب تمامًا في الظلام الدامس، فلَم ترَ فيفيان سوى عيونه المتلألئة.
‘ما هذا؟ ما هذا؟ ما الذي أَراه؟!’
سمعت صوت احتكاك مقزز، كأنّ شيئًا يتحرك.
“بيي.”
تلا ذلك صوت كأنّ معدنًا يُخدَش، ثم رمش ذلك الزوج من العيون الذهبية ببطء.
“بي.”
“آه، مخيف!”
أمسكت فيفيان بقلبها النابض بقوة، و اكتشفت متأخرّةً أنّ هناك قضبان حديدية تفصلها عنه.
“ما هذا بحق الجحيم؟”
“…..”
“هذا ليس هو الوحش، أليس كذلك؟ لا، لكن، هل الوحوش بهذا الهدوء؟”
“حسنًا، هذا متوقع. سأضعكَ على كتفي، فكن هادئًا، حسنًا؟ يجبُ أن نخرج أولًا.”
على الرّغم من أن الأمر كان مفاجئًا، فقد نجحت فيفيان في الحصول على الوحش الذي كانت تَبحث عنه.
وضعته بحذر على كتفها، و انتظرت حتى استقرّ، ثم تأكدّت من أنّه لن يسقط بعد بضع خطوات قبل أن تواصل السير.
‘من أين أتيت؟’
لكنّها توقفت قريبًا.
كان الظلام يعمّ المكان، و الممرات متشابكة كمتاهة. كانت تعتقد أنها تسير في الاتجاه الذي جاءت منه، لكن الدّرج لم يظهر مهما سارت.
“ماذا أفعل؟ أن أموت جوعًا هنا أسوأ من أن يراني أحد…”
المشكلة أنّ الصراخ هنا لن يُسمع في الخارج.
كانت في مكان يقع على عمق ثلاثة طوابق تحت الأرض تقريبًا، و قد تقدّمت بعمق في الممرات الطويلة.
“هل تعرف الطريق؟ أي شيء عن الخروج؟”
“…..”
“آسفة، أنا من كنتُ مخطئة لتوقعي شيئًا.”
بينما كانت تفرك ذقنها بحرج و تستعد للسّيرمجددًا، رنّ صوت حاد كأن شيئًا اصطدم بالقضبان. ثم سُمع صوت ارتطام ثقيل بالجدار الحجري.
لم تكن تعرف ما هو، لكن لم يكن لديها خيار آخر.
أخفت حضورها وتحركت بحذر نحو مصدر الصوت.
“إذن، هذا كل ما تريد قوله؟”
تردّدَ صوت مخيف كأن وحشًا يزمجر، جعل عمودها الفقري يرتجف.
اختبأت فيفيان بسرعة خلف جدار حجري.
“هل تتذكر ما قلتُه؟ إذا نجحتَ في علاج فيفيان، سأمنحكَ مكافأة تليق بذلك.”
“نعم، نعم!”
“لكن لكل شيء ثمن. لقد خنتَ توقعاتي بأسوأ طريقة ممكنة.”
ما إن انتهى أصلان من الحديث حتى سُمع صوت خدش عاجل للأرض. ثم صرخ أحدهم بيأس:
“أنقذني، سأفعل أي شيء. أرجوك، أرجوك، اِعفِ عن حياتي!”
“إذن، عالج مرض السّل الذي تعاني منه فيفيان.”
“إذا أنقذتني، سأجد طريقة مهما كلّف الأمر…”
“ها! هل ستستخدم ذلك الدواء المسموم اللّعين مرة أخرى؟”
سُمع صوت تكسر عظمة ضلع.
توقف الصوت الذي كان يتوسل بحرارة، وحلّ محله أنين مروّع ملأ السجن.
“آه، آه…”
“ستندم لأنكَ لم تمت على يد يوهانس. لن أدعكَ تموت بسهولة.”
“آه! توقف، أرجوووك…”
“حسنًا، لقد تعلمتُ الشفاء بالسحر بناءً على رغبة خطيبتي، لكن يبدو أنني لا أملك موهبة لذلك. أصبح الأمر أسوأ ممّا لو لم أفعل شيئًا.”
ضحك أصلان بمرح ظاهري، ثم صمت.
أثار هذا الصمت الغامض شعورًا بالخطر. رنّ جرس إنذار في رأس فيفيان.
“إنها شخص لا يُضاهى. تلك الفتاة الهشّة التي حتّى أنا أخشى لمسها، كيفَ تجرأتَ أنت…”
“…..”
“كيف تجرأتَ على إهانتها بذلك الدواء القذر؟”
مع تصاعد هالة سوداء من يد أصلان، أدركت فيفيان أنّها جاءت في توقيت سيئ للغاية.
‘ما هذا؟ ما الوضع هنا؟ أصلان الذي قيل إنه خرج، لماذا هو هنا؟!’
ضحك أصلان و تمتم بشيء، لكن أذني فيفيان لم تسمعاه.
كان عليها الهروب فورًا.
إذا لم تهرب، فقد تتلقى “سحر الشفاء العجيب” الذي لا يُفضل كعقاب على مشاهدتها مشهدًا سريًا.
‘ألم يُذكر اسم يوهانس للتو؟ يبدو أنّ الشخص الذي يُضرب من أصلان هو خوان…’
لم يكن موت خوان أو بقاؤه يَعٔنيها بشيء.
لكن أن تتورّط هي بجسدها الصغير و الثمين، في نزاع بين أصلان و يوهانس، كان مشكلة كبيرة.
منذ أن ذُكر اسم يوهانس، كانت فيفيان في حالة توتر شديد.
لم تكن تعرف كيف تطور الأمر حتى انتهى خوان، الذي كَان يفترض أن يُحاكم، هنا.
بينما كانت تحاول التحرك بهدوء، سمعت صوتًا
“سيدي!”
“يبدو أن فأرًا تسلّلَ إلى هنا.”
كان صوت أصلان هادئًا كمن يسحق نملة.
هذا الهدوء جَعلها تشعر برعبٍ أكبر.
حاولت فيفيان الاختباء في عمق الممر، لكن يدًا قوية سحبتها بسرعة.
“من أنتِ؟ حسنًا، بالطبع، لقد أرسلكِ يوهانس!”
رُميت فيفيان على الأرض الحجرية الباردة بلا رحمة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 62"