أسند أصلان ذقنه على قمّة رأس فيفيان كنوع من إظهار الإهتمام، كما لو كان يتودّد إليها.
“إنها غلطتي. أنا المخطئ.”
“أوو…”
بفضل ذلك، استفاقت فيفيان فجأة، و هي التي كانت على وشك أن تنساق بنعومة لكلامه.
ألم يكن قد أقرّ بطفل غير شرعي من تلقاء نفسه، بينما خطيبته لا تزال على قيد الحياة، تنظر إليه بعينين متّقدتين؟
“كان ذلك تصرفًا سيئًا.”
“ماذا؟”
” قد لا أبدو جميلة بما فيه الكفاية بالنسبة لك، لكن هذا لا يعني أن عليكَ أن تخونني.”
كانت خطبتهما منذ ثلاث سنوات، و يبلغ عمر الطفل غير الشرعي حوالي خمس أو ست سنوات، لذا، إن صح القول، لم يكن ذلك خيانة بالمعنى الحرفي.
لم تكن فيفيان ضيّقة الأفق لتلومه على تصرّفاته الحرّة عندما كان أعزبًا.
‘لكن كيف أتغاضى عن غضبي؟’
على أقل تقدير، كان على أصلان أن يهدّئ من غضبها.
نعم، بما أنّ روبين قد أفسد حفل بلوغها ، كان من الواجب على أصلان أن يواسيها.
‘حسنًا، كان من المفترض أن يُفسد الحفل أصلًا.’
ضغطت على ضميرها الصارخ بقوّة، ونفخت خدّيها بغضب.
“خائن. مستهتر. كازانوفا.”
((كازانوفا : تشير إلى شخصية تاريخية شهيرة ‘جياكومو كازانوفا’ و الذي كان معروفًا بعلاقاته العاطفية العديدة مع النساء. ))
“لكنني أعتقد أنكِ الأجمل، أنتِ أجمل من أيّ امرأة في العالم.”
“كاذب.”
“أنا جادّ.”
بدت تصرفاتها حتى و إن كانت تعبر عن تذمّرها ،في عيني أصلان محبّبة جدًا. ذابت عيناه الذهبيّتان كالعسل اللزج.
“لم أتقرّب من أيّ امرأة غيركِ. ولا أرغب بذلك أيضًا.”
“إذن، كيف تفسّر وجود روبين؟”
تقلّصت ملامح أصلان للحظة، و ارتبك. لاحظت فيفيان ذلك بحدّة، فتجعّد جبينها.
“أرأيت…”
في البداية، كانت تختبره نصف اختبار، لكن عندما رأته يعجز عن تقديم أيّ عذر ، شعرت بالإحباط . نظر أصلان إلى فيفيان، ثم أصدر أنينًا قلقًا.
“لا يمكنني شرح كلّ التفاصيل، لكن… إنه ليس بشريًا.”
“ماذا؟”
“إنه نوع من الوحوش.”
اتّسعت عيناها دهشةً.
كانت هناك وحوش ذات ذكاء عالٍ، لكنها قليلة جدًا.
علاوة على ذلك، حتّى لو كانت من فصيلة الوحوش الشبيهة بالبشر، فمن المستحيل أن تقلّد مظهر الإنسان و لغته بدقّة.
أضاف أصلان بسرعة، و كأنه فهم صمت فيفيان
“لا داعي للخوف. الآن، هو محبوس في قفص حديدي. ديلان يراقبه بنفسه. لن يتمكّن من لمس شعرة منكِ.”
“لست قلقة بشأن ذلك. من فعل هذا، و لماذا؟ هل كانوا يستهدفونك؟”
تذكّرت فيفيان أن الظروف المحيطة بروبين كانت مثاليّة بشكل مفرط.
في اليوم الذي ظهر فيه الفتى، كان هناك العديد من النبلاء يتردّدون على قصر الدوق الأكبر.
لو أنّه دخل قاعة الاحتفال عن طريق الخطأ ، لكان شرف أصلان قد تلطّخ بشدّة.
أن يقيم مأدبة فخمة من أجل خطيبته المحدودة العمر، ثم يظهر طفل غير شرعي فيها، لم يكن هناك حدث أكثر إغراءً لمحبّي النميمة من هذا.
“لا داعي للقلق بشأن أيّ شيء. فيفيان، سأحميكِ مهما كلّف الأمر.”
“هل تعتقد أنني لا أستطيع حماية نفسي؟ أنا قلقة عليك!”
“عليّ؟”
“لكنكَ منذ البداية تحاول التملّص من الموضوع! إن لم تكن تنوي قول شيء، فلا بأس. اتركني.”
أدركت أنها لا تزال في أحضانه منذ مدة.
ضربت فيفيان صدره بقبضتيها، مطالبةً إياه بإفلاتها.
بما أن عضلاته كانت قويّة كوحش ، شعرت و كأنها تضرب صخرة ببيضة ، لكن عندما قفزت كسمكة تُصطاد لتوّها ، اضطر أصلان لخفض جسده على مضض.
“أعرف الطريق من هنا . شكرًا لإيصالي.”
“فيفيان، لحظة!”
عندما بدأت تمشي دون الالتفات إلى الوراء، أصدر أصلان أنينًا آخر و تبعها.
“لم أقصد إهانتكِ. فقط، لم أرد أن أسبّب لكِ قلقًا لا داعي له.”
“…..”
“كخطيبكِ ، من واجبي حمايتكِ. أردتُ أن تعيشي بجانبي، تحت حمايتي، في أمان.”
توقّفت فيفيان فجأة.
لقد قالت بوضوح إنها قادرة على حماية نفسها. صحيح أن هناك وحوشًا مثل أصلان أو يوهانس حولها، لكنها هي نفسها لم تُهزم من قبل أحد.
لكن أصلان يعاملها و كأنها بشريّة ترتعد خوفًا من مجرّد وحش.
“حسنًا، انظر إليّ و تحدث. هيا.”
ظنّ أنها فهمت كلامه، فأحاط كتفيها بيده الكبيرة.
“كنتِ تسعلين بشدّة من قبل، من الأفضل أن تري الطبيب. هيّا بنا لنعد إلى القصر.”
“إذا واصلتَ هذا التصرّف، سأفكّر جديًا في اقتراح أخي.”
“اقتراح أليكس؟ أيّ اقتراح؟”
تجمّد صوته فجأة، و هو الذي كان يمسح كتفيها برقّة.
تلألأت عيناه الذهبيّتان و كأنها على وشك الانفجار.
“هل تقولين إنكِ ستلتقين برجل آخر بدلاً مني؟”
“رجل آخر؟ كيف عرفتَ بالهراء الذي قاله أخي؟ هل وضعتَ أحدهم لمراقبتي؟”
لكن انفجار أصلان توقّف قبل أن يبدأ.
أدرك من تعابير فيفيان المعبّرة أن شيئًا ما قد أسيء فهمه.
“اقترح أخي تدريبًا خاصًا. قال إنني أبدو ضعيفة، و أراد أن أتدرّب على المبارزة لتقوية جسدي…”
نظرت فيفيان إليه من أعلى إلى أسفل، و كأنها ترى حشرة تتلوّى على ظهرها.
كانت تعبيرها يقول إنها لا تطيقه.
“شعرتُ أنني أبدو ضعيفة جدًا في عينيك، ففكّرتُ أن أبذل مجهودًا أكبر.”
“أنا، لم أقصد ذلك…”
“لم تقصد ماذا؟ لا تتبعني! إن تبعتني، سأفسخ الخطبة!”
“فيفيان!”
صاحت فيفيان بصوت عالٍ و بدأت تمشي بسرعة كأنها تركض.
حاول أصلان ملاحقتها، لكنه توقّف فجأة عند كلمة “فسخ الخطبة”.
“اللعنة.”
نظر إلى خطيبته و هي تبتعد ، ثمّ عبث بشعره بخشونة ، عاجزًا عن فعل شيء.
* * *
بعد أن تخلّصت فيفيان من أصلان، كانت الآن…
“سيدتي؟!”
“آه.”
تقف عند الباب الخلفي لقصر بلاكفورد.
ركضت إيما، رئيسة الخادمات، مسرعةً لاستقبالها.
“لمَ أنتِ هنا بدلاً من الباب الرئيسي؟”
“لحظة فقط.”
“حتّى لو جاء عشرة أطفال غير شرعيين، أنتِ سيدة القصر بلا منازع. بما أنكِ عدتِ، سأتصل بالسيد…”
رفعت إيما صوتها، و الدموع في عينيها، و كأنها فهمت سبب وقوف فيفيان عند الباب الخلفي.
لم تظهر إيما، الهادئة و المتماسكة، أيّ عاطفة من قبل.
أصيبت فيفيان بالذهول داخليًا من هذا التغيير، لكنها استعادت رباطة جأشها بسرعة و أمسكت بإيما التي كانت تهرع إلى الداخل.
“لحظة، هل أصلان ليس في القصر؟”
“نعم.”
ابتهجت فيفيان داخليًا.
‘يبدو أن أصلان لن يخبرني عن الوحش أبدًا، لذا جئتُ لأكتشف بنفسي…’
في القصة الأصليّة، كان يحتجز القتلة و الأعداء في زنزانة تحت القصر، و يُعذّبهم بنفسه عند الحاجة.
من المؤكّد أن روبين محتجز بنفس الطريقة، لذا جاءت، لكنها كانت تتردّد حتّى اللحظة الأخيرة بسبب كبريائها.
“خرج السيد باكرًا هذا الصباح و لم يعد بعد.”
“حسنًا…”
“لا تحزني كثيرًا. السيد مشغول جدًا، لذا غالبًا ما يكون خارج القصر. ليس لأنه لا يهتمّ بكِ.”
بينما كانت فيفيان منهمكة في وضع خطّتها، تردّدت كلمات مواساة إيما كصدى في الهواء.
“تبدين شاحبة جدًا. كم عانيتِ خلال هذه الفترة…”
“همم.”
“السيد يبالغ حقًا. كان يجب أن يصطحبكِ بنفسه، لا أن يترككِ تدخلين من الباب الخلفي بمفردكِ.”
أنهت فيفيان تفكيرها.
أمسكت بيدي إيما، التي كانت تتحدّث بحماس، بقوّة.
“إيما، لديّ طلب صعب.”
“نعم؟”
“أريد ألا يعرف أصلان أنني هنا. أعني، أن…”
لم تكن قد أوضحت نواياها بعد، لكن إيما، بخبرتها الطويلة، فهمت على الفور.
“هل تقصدين عدم إخبار السيد؟”
“نعم، في الحقيقة… لستُ مستعدّة لرؤية أصلان الآن.”
كانت إيما، بعد دييغو رئيس الخدم، أقدم الخدم الموالين لأصلان.
تردّدت فيفيان و هي غير متأكّدة من كيفيّة إقناعها، لكن لحسن الحظ ، نجح عذرها المرتجل.
أومأت إيما برأسها، و كأنها تتفهّم مشاعر فيفيان.
“آه ، سيدة رقيقة القلب مثلكِ ، و السيد…”
في عيني إيما المتوسّطة العمر ، بدت فيفيان البالغة من العمر ثمانية عشر عامًا بريئة و ضعيفة.
‘ههه، لا أعرف ما الذي يحدث، لكن كلّ شيء يسير وفق الخطّة!’
دون أن تدرك نوايا فيفيان الماكرة ، قادتها إيما بحرص إلى غرفتها لترتاح حتّى تهدأ.
* * *
جالت فيفيان بنظرها في غرفة إيما. لم تكن بفخامة غرف النبلاء ، لكنها كانت واسعة و نظيفة، تليق برئيسة الخادمات.
“هل أنتِ متأكّدة أنكِ بخير؟ الغرفة قد تكون متواضعة جدًا بالنسبة لكِ…”
كانت إيما قلقة على فيفيان التي ستبقى بمفردها. على الرغم من أنّ إدارة قصر ملكي تتطلّب وجودها الدائم ، لم تستطع مغادرة الغرفة بسهولة.
“أنا بخير، إيما. حقًا.”
“أنا قلقة. إذا أصبتِ بنوبة سعال ولا أحد حولكِ…”
“لحسن الحظ، حالتي ليست سيئة اليوم. لا تقلقي يمكنكِ الذّهاب.”
بعد إلحاح متكرّر، غادرت إيما الغرفة على مضض.
عندما اختفت خطواتها في الممرّ، نهضت فيفيان، التي كانت تنتظر بهدوء، فجأة.
“أين قد يكون زيّ الخادمات؟”
كانت إيما تدير بعض المستلزمات الموزّعة على الخادمات بنفسها.
بعد تفتيش المخزن المتصل بالغرفة، عثرت فيفيان على زيّ خادمة يناسب قوامها النحيل.
‘سأتنكّر كخادمة و أتسلّل إلى الزنزانة تحت الأرض.’
مع غروب الشمس، سيعود أصلان إلى القصر، لذا لم يبقَ أمامها وقت كثير.
التعليقات لهذا الفصل " 61"