لكن مثل هذه الأدوات السحرية تترك طاقة سحرية متبقية، مما يجعل استخدامها سرًا أمرًا صعبًا.
“لا يوجد أحد في إليونورا يمكنه استشعار الطاقة السحرية، لذا لا بد أن هيسيوس استخدم هذا أيضًا.”
كان هناك شرطان رئيسيان لاستشعار الطاقة السحرية:
الأول، أن يكون الشخص ساحرًا، والثاني، أن يكون فارسًا طور طاقة السيف إلى أقصى حد، مما يفتح الحاسة السادسة.
كلما زادت طاقة السيف القابلة للاستخدام، أصبحت الحاسة السادسة أكثر حساسية.
أصلان و يوهانس يندرجان تحت هذه الفئة، وكذلك أليكس، الذي كان فارسًا متميزًا يتبعهما.
لكن، بشكل غريب، لم يكن أليكس قادرًا منذ زمن على استشعار حتى أدنى أثر للطاقة السحرية.
“سمعتُ أن سلالة إليونورا المباشرة كانت عمومًا غير حساسة للطاقة السحرية. لكن أن يكون أليكس بهذا العمى التام، فهذا غريب بعض الشيء…”
كان أليكس بالفعل شخصًا غريب الأطوار، لذا لم يكن إضافة غرابة أو اثنتين ستغير شيئًا.
قررت فيفيان قبول الأمر على هذا النحو، لكن شيئًا ما ظل يقلقها.
تذكرت فجأة كلام هيسيوس السابق:
‘اكتشفتُ سبب عدم اكتمال السحر الأسود المفروض عليكِ. الإجابة كانت في دمكِ.’
‘بما أنكِ من سلالة إليونورا النقية، لم يتمكن السحر الأسود من التفعيل بشكل صحيح.’
السحر الأسود يتميز برغبة قوية في الاستحواذ و التملك تجاه المضيف، لذا لا يمكن وضع عدة تعاويذ معًا.
من هذا، استنتج هيسيوس أن إليونورا الأولى، مثل الإمبراطور الأول، كانت تحت لعنة الشيطان.
شعرت فيفيان بأن شيئًا على وشك أن يُعرف، لكنه لا يزال بعيد المنال.
“هل أنا مفرطة في التفكير؟ أن يكون فارس بارز مثل أليكس غير قادر على استشعار الطاقة السحرية على الإطلاق…”
حتى لو وضعنا جانبًا أن هذا يقلل من تقدير مهارات أليكس.
“هممم.”
في هذه الأثناء، كانت قد هربت من قصر الدوق الأكبر إلى إليونورا ، و بالتالي اختفى أصلان الذي كان يراقبها بعيون متوهجة، و ديلان الذي كان يتبعها كظلها.
هل هناك فرصة أفضل من هذه للتحقيق؟
“لا يوجد.”
نهضت فيفيان من مكانها أسرع من الضوء.
* * *
كانت مكتبة القصر الإمبراطوري تحتفظ بمجموعة هائلة من الكتب منذ ما قبل تأسيس الإمبراطورية وحتى الآن.
كانت فريدة من نوعها ليس فقط في الإمبراطورية، بل في القارة بأكملها، وكان العلماء من مختلف المجالات يتنافسون بشراسة للوصول إليها.
‘بالطبع، هذا لا ينطبق علي.’
هل لأنها خطيبة الأمير الثاني؟
ما إن وقفت فيفيان عند المدخل بوجه محرج، حتى اندفع مسؤول المكتبة و رحّب بها بانحناءة سريعة.
“لو أخبرتِنا مسبقًا، لكنا استقبلناكِ براحة أكبر، أعتذر حقًا.”
“لم آتِ لأحدث ضجة. قد أُسبب إزعاجًا لبقية الباحثين.”
“يا لها من روح طيبة ناعمة كألياف الحرير…!”
حقًا، هل كان ذلك فقط لأنها خطيبة أصلان؟
برقت عينا الموظف كنجوم الليل. شعرت فيفيان بالإحراج من مظهره، فتنحنحت بهدوء.
“كح، كح.”
“سيدتي، هل تشعرين بتوعك؟ اجلسي هنا وسأحضر لكِ شايًا دافئًا!”
ألقت فيفيان نظرة خاطفة على لافتة كبيرة بجانبها:
[ممنوع إدخال الأطعمة والمشروبات إلى المكتبة
العقوبة: الإعدام عند الضبط]
هل يحاول هذا الرجل التخلص مني إلى الأبد؟!
كنتُ أثق ببريق عينيك وقبعتك اللامعة!
“شكرًا حقًا. سأنتظر هنا.”
“سأعود على الفور!”
لا يمكن أن تموت هكذا. ما إن اختفى، نهضت فيفيان بسرعة و تراجعت.
لحسن الحظ، كانت المكتبة شاسعة كعدة ملاعب كرة قدم مجتمعة. حتى بالنسبة للموظفين، لن يكون من السهل العثور على شخص قرّر الاختفاء هنا.
لكن، على عكس توقعاتها…
“أليست هذه الأميرة إليونورا ؟”
“كنت أرغب في شكرك، ولم أعتقد أنني سأراكِ بهذه السرعة!”
“إذا كنتِ تبحثين عن شيء، فقط اسألي. لقد قضيت عمري في هذه المكتبة ولا يوجد شيء لا أعرفه.”
كان من الصعب أن تنجو. كل من رآها بدا سعيدًا جدًا لرؤيتها وبدأ يتحدث معها.
كما لو أن فيفيان إلينورا كانت تعلن عن وجودها هنا.
‘اللعنة، هل هذه مكتبة أم معسكر لتدريب القتلة؟ هل يريدون التّخلص مني بسلاسة!’
في النهاية، لم تستطع حتى الاقتراب من كتب تاريخ تأسيس الإمبراطورية، و قررت الهرب.
حتى عندما غادرت المكتبة، تبعها الباحثون كالزومبي.
“هاه، هاه، يا لهم من أشخاص عنيدين!”
سمعت صيحات عن منقذ حياتها و الترياق، لكن فيفيان، التي أرادت البقاء، هربت بكل قوتها.
و نجحت أخيرًا في التخلص منهم.
“لقد ضللتُ الطريق…”
المشكلة أنها نجحت فقط في التخلص منهم.
لم تكن تعرف مخطّط القصر أصلاً، و بينما كانت تهرب بشكل مستعجل، وجدت نفسها في جناح لم تره من قبل.
رغم أن الشمس كانت مشرقة في وضح النهار، كان هناك جو قاتم و مظلم.
كانت الشجيرات غير المعتنى بها ذابلة جزئيًا و ممتدة بشكل فوضوي، و كان الغبار يتطاير مع كل خطوة.
“كح، كح.”
كانت هذه أسوأ بيئة لمريضة السل مثلها.
عندما استدارت فيفيان للخروج بسرعة، توقفت.
كانت الأعشاب الضارة كثيفة لدرجة أنها لم تستطع رؤية الطريق. لم تكن تعرف من أي اتجاه جاءت.
“كح!”
و لزيادة الأمر سوءًا، كلما مشت، أصبح المشهد أكثر كآبة.
في زقاق ما، وجدت قفصًا حديديًا ملطخًا بالفرو الأسود والدم، و بعد قليل، رأت دائرة سحرية ضخمة محطمة.
في مركزها، كانت هناك سلاسل صدئة و كتلة معدنية غامضة ملقاة.
عند هذه النقطة، أدركت فيفيان أين هي.
‘قصر الأمير الثاني، حيث عاش أصلان في طفولته…’
هذا الهيكل الشبيه بالمتاهة صُمم لمنعه من الخروج، و لمنع الغرباء من الدخول لرؤيته.
إذا اكتشف أحدهم، حتى بالصدفة، الجانب الآخر لأصلان، سيدفع ثمن معرفة سر العائلة المالكة.
‘يجب أن أخرج من هنا.’
شعرت بشعور سيئ.
في تلك اللحظة التي رفعت فيها رأسها، سمعت صوت خطوات تقترب من الجهة الأخرى للحديقة.
اختبأت خلف عمود، وقبضت على مقبض سيفها استعدادًا لأي طارئ. كانت الخطوات تقترب.
‘قبل أن تُكتشف هويتي، سأفقده الوعي و أهرب.’
قد تكون ضلت طريقها، لكن من يتردد إلى قصر مهجور كهذا لن يكون شخصًا عاديًا. لا خير في أن يُكتشف أمرها.
كتمت أنفاسها وأخفضت جسدها.
‘اقترب أكثر… القليل فقط… الآن!’
عندما اقترب الصوت حتى أصبح على بُعد خطوات، انطلقت وضربت بسيفها.
صدر صوت حاد، لكن سيفها لم يصب شيئًا. لقد تفادى الشخص الهجوم بفارق بسيط.
وبينما كانت تحاول تنفيذ هجوم متتابع، حدث ذلك.
“فيفيان؟”
“آه!”
اتسعت عيناها عند سماع الصوت المألوف. بدا أصلان، الذي كان يستعد لصد الهجوم، مرتبكًا أيضًا.
“فيفيان، هذا خطر!”
توقفت فورًا عن الهجوم، لكن قوة اندفاعها أفقدتها التوازن.
كانت على وشك الاصطدام بجدار الحجري الصلب.
أغمضت عينيها استعدادًا للصدمة ، لكن…
“هوو…”
امتلأت رئتاها برائحة ذكورية قوية. في الوقت نفسه، سمعت تنهيدة خافتة من فوق رأسها.
“ما الذي كنتِ تفكرين فيه بحق الجحيم؟”
فتحت عينيها متأخرة، و رمشت في ذهول.
كان أصلان يحملها كما يحمل الأمير الأميرة. سيفه كان ملقى على الأرض بإهمال.
“ليس معكِ حراس. كيف دخلتِ إلى هنا؟”
“لقد… ضللتُ الطريق…”
“هذا ليس مكانًا لمريضة مثلكِ!”
صرخ أصلان، و هو يكبح غضبه.
ثم توقف فجأة. عندما رأى وجهها الشاحب بسبب السل، عض على أسنانه و أشاح بنظره.
“آسف. لم أقصد أن أقول هذا…”
غرق صوته المقطع في ثقل.
في صمت محرج، لاحظت فيفيان دائرة سحرية ممزقة بشكل حاد، كأن شيئًا قاسيًا مزقها.
كانت آثار التعذيب الذي تعرض له أصلان في طفولته تحت ستار التجارب.
“…….”
رفعت فيفيان رأسها بصمت. كانت شفتا أصلان، الذي أشاح بوجهه، مغلقتين بإحكام.
أخيرًا، فهمت تقلباته العاطفية المفاجئة.
في الرواية الأصلية، كان أصلان يكره تذكر طفولته بشدة. حتى للبطلة، منقذته الوحيدة، لم يكشف عن ماضيه أبدًا.
لذا، لا بد أن وجوده في مكان كهذا كان مزعجًا. مكان يستحضر كوابيس الماضي.
“لنخرج. يبدو المكان باردًا جدًا.”
“…حسنًا.”
عند ذكر البرد، استدار أصلان دون تردد، و هو لا يزال يحتضنها.
حركت فيفيان خصرها قليلاً.
“أستطيع المشي.”
“وجهكِ شاحب.”
“ذلك بسبب الخوف. أنتَ من صرختَ، أليس كذلك؟”
كان من الطبيعي أن يشحب وجه مريضة سل في مكان مليء بالغبار. لكن فيفيان رمَت اللوم عليه بسلاسة.
‘لم أفكر بوضوح من الخوف آنذاك، لكن أليس هذا موقفًا يفترض أن أغضب فيه؟’
كانت هذه أول مواجهة حقيقية منذ ظهور الابن غير الشرعي.
بما أنه عاد إنسانًا، توقعت أن يقدم تفسيرًا أو يطلب الصفح، لكنه لم يرسل حتى رسالة، بل كان يتسكع في القصر.
كلما فكرت، شعرت بالظلم.
تجعد ذقنها الصغير بغضب.
“تسك، من الذي يفترض به أن يغضب الآن…؟”
التقط أصلان تمتمتها الخافتة بحدة. عانقها بقوة أكبر، بصوت ألطف من قبل.
“لقد صرخت لأنني شعرت بالدهشة.”
“لمَ أنت الخائف؟ ألستَ من تبعني دون إذن!”
“أخطأتُ في فهم هويتكِ. كدتُ أؤذيكِ بيدي. فقط التفكير في ذلك جعل العالم يظلم أمام عينيّ.”
التعليقات لهذا الفصل " 60"