عندما استعادت فيفيان وعيها، وجدت نفسها مستلقية في غرفة نوم لم ترَ مثلها في حياتها.
كانت غرفة نوم فاخرة إلى حد لا يُصدق. صحيح أن غرفتها في قصر الدوق كانت واسعة وجميلة، لكن هذه الغرفة كانت تفوقها فخامة بمراحل.
‘هل هذه المرة حقًا أنا ميتة؟ هل نلتُ مكافأة لأني عشت حياتي بلطف؟!”
لو أنكرت أنها كانت مشوشة لكانت كاذبة.
لكن بينما كانت تحدق في الأثاث والديكورات التي تصرخ “أنا باهظة الثمن”، شعرت بالحماس يغلي في جسدها، فلم تستطع البقاء ساكنة.
كل هذا لي؟!
وفي اللحظة التي مدت فيها فيفيان قدمها خارج السرير على عجل، انفتح باب الغرفة فجأة، وتفاجأت لدرجة أنها أصيبت بسعال شديد.
“آه، كح كح!”
“سيدتي، هل أنتِ بخير؟ لقد استيقظتِ بالكاد بعد أسبوع، فلا يجب أن ترهقي نفسك…!”
“كح كح!”
دار رأسها بشدة. لم تكن تعرف من تقصد الخادمة بـ”سيدتي”، وكل ما أرادته كان بعض الماء، رغم أنها كانت تبكي في داخلها فقط لأنها اختنقت.
في هذه الأثناء، هرع أصلان إلى غرفة النوم بعدما شعر بضجة، و صرخ في الخدم الذين كانوا يتخبطون، يأمرهم بجلب الطبيب فورًا.
وبفضل ذلك، هدأت الغرفة قليلاً عندما وصل الطبيب مسرعًا.
“لقد تطور مرض السل بشكل كبير. جسد السيدة أصبح ضعيفًا جدًا.”
“يمكنكَ علاجه، صحيح؟”
“عذرًا، لكن أعتقد أن السيدة لن تتمكن من تجاوز عام واحد على الأكثر.”
بعد أن فحص فيفيان بعناية مرارًا، قدم الطبيب نفس التشخيص الذي قدمه طبيب عائلة إليونورا.
“المرض ليس من النوع الصعب تشخيصه، ولو تم اكتشافه في مرحلة مبكرة، لكانت الأمور أفضل. لا أفهم لماذا لم يكتشفه أحد في عائلة إليونورا.”
“……”
“سأكتب وصفة لتخفيف أعراض السل من أجل تخفيف ألم السيدة. لكن بما أنه لا يوجد علاج جذري، سأبذل جهدي فقط لجعل أيامها المتبقية مريحة قدر الإمكان…”
بدأ صوت الطبيب الذي كان يتحدث بهدوء يخفت شيئًا فشيئًا.
الطاولة التي كان أصلان يستند عليها انشقت إلى نصفين بصوت قوي.
أطلق أصلان تنهيدة عميقة وكأنه هو من تلقى حكمًا بالإعدام، لا فيفيان. خفض كتفيه الممتلئتين بالعضلات، و أخذ يمسح وجهه الجاف مرارًا دون أن يعرف ما يجب عليه فعله.
ثم مرر يده خلال شعره، وكأنه يحاول كبح الغضب الذي اشتعل داخله، و استأنف كلامه.
“إذًا، لا يوجد علاج؟”
“ن-نعم.”
“لقد خاب ظنِي فيكَ كثيرًا. سمعت أنكَ أفضل طبيب في الجنوب، لكن هذا الرد التافه هو كل ما لديك؟”
جلس أصلان على حافة سرير فيفيان وكأن هذا مكانه الطبيعي.
بفضل جسده العضلي و المضبوط إلى أقصى الحدود، غاص جانب واحد من الفراش بعمق.
و ما كانت فيفيان ترى أمامها إلا ظهره العريض المشدود كأنه سينفجر. لكنها استطاعت أن تدرك بوضوح أن الطبيب والخدم الذين يقفون أمامه كانوا يتصببون عرقًا باردًا.
“……”
حتى أنفاسهم باتت حذرة. وبما أن لا أحد يصدر أي صوت، ساد الصمت غرفة النوم الفسيحة كأنها ميتة.
‘هل يُفترض بإنسان يحمل قوة أستاروت أن يتصرف هكذا؟ هذا أشبه بمجزرة للأبرياء.’
شعرت بثقل في قلبها و كأنها أصبحت فجأة سبب المشكلة. وفي اللحظة التي كانت فيها فيفيان تدير عينيها في حيرة وسط هذا الصمت الخانق، حدث ما لم تتوقعه.
“إذًا أخبرني بمن يستطيع علاجه.”
“م-مرض السيدة لا علاج له، لذا…”
“هذا ليس الجواب الذي أريده.”
بدأت هالة سوداء تتصاعد من جسد أصلان تدريجيًا. فركت فيفيان عينيها ظنًا أن ما تراه مجرد هلوسة، لكن المشهد لم يتغير.
لا تعرف السبب، لكن بما أنها تعرف أنه تحت لعنة أستاروت، لم تشعر بأن هذا مؤشر جيد.
بل على العكس، كان هناك الكثير من الشهود هنا.
‘إذا تحوّل إلى الأسد الأسود هنا… فسيقتلهم جميعًا ليمنع تسرب الخبر. و لا أظن أنني سأكون استثناء. ربما أكون أول من يُقتل كعبرة.’
بينما كانت فيفيان تحرك أصابعها بقلق، لم تستطع الانتظار أكثر، فأمسكت بذراعه.
“صاحب السمو الدوق…”
كان صوتًا صغيرًا و هشًا يكاد يتحطم. ومع ذلك، توجهت نظرات أصلان، التي كانت تقتل الطبيب، نحوها بسرعة.
عيناه اللتان كانتا تشبهان رياح سيبيريا الباردة، قد هدأت في طرفة عين، كأنها نسيم ربيعي دافئ.
صُدم الطبيب والخدم الذين شهدوا هذا التحول السريع في شخصية سيدهم، لكن فيفيان، التي لم تكن تعرف بذلك، انحنت برأسها عميقًا.
‘لقد ناديتُه، لكنني لا أعلم ما الذي يجب أن أقوله!’
رأت الهالة السوداء المحيطة بأصلان تختفي كأنها ذابت في الهواء. كان من حسن الحظ أنه استعاد وعيه، لكن هذه المرة، هي التي واجهت الخطر.
في القصة الأصلية، كان أصلان يكره فيفيان بشدة.
كرهها أكثر من الحشرات، حتى أنه فسخ خطبته بها بينما كانت تموت بسبب السل، وخطب أختها غير الشقيقة، البطلة الأصلية، على الفور.
كانت سمعة فيفيان في المجتمع سيئة للغاية، لكن في تلك الحادثة بالتحديد، ساد شعور عام بالتعاطف تجاهها، و كانت تلك لحظة تركت فيها ذكرى مهينة كادت تقتلها.
‘حتى أنها حاولت قتل أختها غير الشقيقة بطلة الرواية رغم علمها بأنها ستُطرد من العائلة.’
لهذا، لم تستطع فيفيان أن تفهم لماذا وضعها أصلان في غرفة فخمة كهذه.
لو تركها تموت في الغابة، لكانت عملية فسخ الخطوبة أسهل بكثير.
‘بالطبع، أنا ممتنة له على إنقاذي، وعلى إزالة الأوساخ عني و إلباسي ، وحتى على استدعاء الطبيب…’
بينما كانت مشاعر الخوف و الامتنان تتصارع داخلها، قررت فيفيان في النهاية أن تبتسم بابتسامة مشرقة علامة على “الامتنان”.
لكنها في المقابل، خفضت عينيها لتوضح أنها لا تنوي تحدي سلطة أصلان.
“أنا بخير. لا أشعر بشيء.”
“لا تشعرين بشيء؟”
“لقد اعتدتُ على الألم منذ وقت طويل. أنا أعرف جسدي أكثر من أي أحد. كح كح!”
حاولت التعبير عن مشاعر مزدوجة في وقت واحد، لكنها لم تعتد على ذلك، فعادت للسعال مرة أخرى. ارتجف كتفا فيفيان وهي تحاول تهدئة أنفاسها المتقطعة.
ساد الصمت الثقيل أرجاء الغرفة من جديد. وكان وجه أصلان مشوهاً بغضب شديد ، كما لو كان على وشك قتل أحدهم.
‘لماذا لا يقول شيئاً؟ هل لم يفهم مقصدي جيداً…؟’
وفي الوقت نفسه، شعرت فيفيان بالتوتر من هذا الصمت غير المتوقع وهي تحدق بالأرض. الصوت الوحيد الذي بلغ أذنيها كان صوت تنفس الخدم المتوتر.
‘سأجن. هل من غير القانوني في هذا البلد أن تُظهر تعبيرين في آن واحد؟’
بدأت تخشى على سلامة عنقها.
لم تستطع الاحتمال أكثر، فرفعت نظرتها بحذر، لكنها تجمدت على الفور.
قبل لحظات كانت قد أمسكت بذراع أصلان لتمنعه من التحول إلى وحش، لكنها لا تزال تمسك به بنفس الوضعية.
ولذا، من الطبيعي أن يكون منزعجاً. لا يمكن أن تكون ملامسة امرأة يكرهها كما يكره الحشرات أمراً مريحاً له.
“آه.”
في اللحظة التي سحبت فيها فيفيان يدها المصدومة بسرعة، أمسك أصلان بمعصمها النحيل.
بسبب حرارة جسده، احترق الجلد المتلامس بينهما.
“لماذا تتجنبين نظراتي؟”
“آه، ذلك…”
“انظري إليّ مباشرة.”
أظلمت عيون أصلان و هو ينظر إلى فيفيان.
مثل وحش مفترس يستعد للصيد، كانت نظراته مشبعة برغبة في التملك.
لكن المواجهة بينهما لم تدم طويلاً. لأنها نظرت إلى معصمها الممسوك.
معصم ضعيف و رفيع في قبضة كف كبيرة وقوية.
رغم أن أصلان كان يمسك بها بخفة كما لو كانت دمية زجاجية قابلة للكسر، فإن من يراه من الخارج سيظنه يضغط على فيفيان بقسوة.
تنهّد أصلان وهو ينقر لسانه، ثم أنزل يده ببطء كما لو كان يربت على ظهر يدها. حاول أن يخفف من تعبير وجهه القاسي و تابع كلامه.
“أعتقد أنني ضغطت عليكِ كثيراً. لا بد أنكِ تفاجأتِ لأنكِ لم تسمعي شرحاً كافياً.”
بعد أن شعرت فيفيان بالارتياح، أومأت برأسها بحماس. بالطبع، لم تُظهر ذلك بل فعلته في داخلها فقط.
“هذا المكان هو قصر ريفي أملكه في الجنوب.”
“نعم؟”
تفاجأت فيفيان و سألت دون قصد.
فالإقطاعية التي يملكها أصلان تقع في شمال الإمبراطورية. كما أن مؤيديه متمركزون هناك.
بمعنى آخر، لا توجد له أي صلة بالجنوب.
‘الجنوب هو بالأحرى منطقة ولي العهد، أليس هذا خطيراً؟’
بدا أن أصلان أدرك تساؤلاتها، لكنه لم يُبدِ أي نية للإجابة عنها.
بل وضع يده على مؤخرة رقبته و كأنه يشعر بالحرج، ثم غيّر الموضوع بسرعة.
“لقد دخلتِ إلى العائلة للمرة الأولى بصفتكِ زوجتي، و أنا آسف لإبقائكِ في مكان متواضع كهذا. فور تحسن حالتكِ الصحية، سننتقل إلى منزلنا في العاصمة.”
رمشت فيفيان بعينيها بدهشة.
كان هناك جزء من كلام أصلان لم تفهمه إطلاقاً. مهما فكرت، لا تستطيع فهمه!
“زوجة؟ ماذا تقصد بـ…؟”
“بمجرد أن نصل إلى العاصمة سنقيم مراسم الزواج فوراً. ستكونين أجمل عروس في العالم.”
مراسم؟ أي مراسم؟ من الذي سمح بإقامة مراسم؟
كانت فيفيان مذهولة للغاية فلم تلاحظ النظرة التي كان يرمقها بها أصلان.
حتى أنها لم تلاحظ يده التي كانت تفتح و تغلق بلا جدوى و كأنه يريد معانقتها فوراً.
“لكن بما أنني أريد إعلان أنكِ أصبحتِ زوجتي في أقرب وقت ممكن، وقعي هنا أولاً.”
ما ناولها إياه أصلان كان شهادة زواج.
والأدهى أن اسمها في الوثيقة قد تغيّر فجأة إلى “فيفيان إليونورا أستاروت” بكل طبيعية.
‘هذا الرجل؟!’
وسط هذا المهرجان المتنوع من الهراء، أعلن دماغ فيفيان الإضراب عن العمل.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "6"