That's Not What My Will Said - 58
استغلّ يوهانس الاضطراب المحيط به، ووضع ذراعه حول كتفي فيفيان بعناق واضح.
كأنّه يعانق شخصا يحبه حبًا لا مثيل له في العالم، بلمسة ناعمة كريشة طائر.
“…….”
مرّت لحظة صمت قصيرة، ثمّ انحنت زاوية عيني يوهانس بابتسامة ماكرة.
“آه، فهمتُ. هكذا إذن. من المتعبِ أن تكون محبوسًا في جسد وحش قذر. لا بدّ أنّك تتمنّى الموت.”
“غرررر.”
في هذه الأثناء، كانت فيفيان، المحصورة بينهما، تدير عينيها بقلق.
شعرت بحكّة على كتفها كما لو أنّ ذبابة استقرّت عليه، فضربتها لتطردها، لكن في تلك اللحظة القصيرة التي انتقل فيها انتباهها، ساد صمت مشؤوم بين يوهانس و أصلان.
إحساس خطير و غريب جعل شعر ظهرها يقف.
في تلك اللحظة بالذّات، فكّرت أنّ عليها فصلهما فورًا.
“آه ، من هذا؟”
نزل أليكس من السّلم المركزي، و هو يرتدي قميصًا خفيفًا و ينفض قطرات الماء من شعره. بدا و كأنّه قد انتهى لتوّه من الاستحمام ويستعدّ لتناول إفطاره.
“أقدّم تحيّاتي لسموّ الوليّ العهد.”
“صباح الخير، يا سيّد أليكس.”
“لا أعلم سبب زيارتكَ ، لكن لمَ لم تُعلِمنا مسبقًا؟ اليوم شعرتُ بالكسل عن استخدام الصّابون، فاكتفيتُ برذاذ الماء فقط.”
لو علمتُ بقدوم سموّكَ، لكنتُ استخدمتُ الرّغوة أيضًا.
عند اعتراف أليكس الصّريح، استدار بعض الحاضرين و هم يعضّون أسنانهم.
‘يا للأسف….’
لا بدّ أنّهم يتحمّلون بصعوبة كي لا ينفجروا، خوفًا من العواقب. دعمتْ فيفيان جهودهم في صمت، و حاولت تذكّر ما كانت تنوي فعله للتوّ.
‘أوه، ما الذي كنتُ سأفعله؟’
أجواء أليكس الهادئة و الطبيعيّة قطعتْ فجأة التوتّر الذي كان يعمّ القاعة.
لأسباب غير معلومة، أخفتْ فيفيان يدها التي كانت معلّقة في الهواء خلف ظهرها بهدوء.
“ههه، أحبّ هذه الطّباع فيك، يا سيّدي.”
في مثل هذه المواقف، من يغضب هو الذي يبدو أحمق.
أوقف يوهانس الفرسان الذين كانوا لا يزالون في حالة تأهّب، و أطلق فيفيان من قبضته.
عندها فقط أدركتْ أنّ يوهانس كان يعانق كتفيها. نفضتْ في الخفاء الجزء الذي لمسته يده، ثمّ هربتْ خلف أليكس، فتحرّك أصلان، الذي كان لا يزال يكشف عن أنيابه، مضطرًا ليتبعها.
* * *
بعد أن رافق أليكس وليّ العهد بترحيب حارّ إلى القصر، نظرت فيفيان بعينين متعجب ليوهانس، الذي بدا متعبًا لسبب ما.
كان يودّع أليكس بطبيعيّة و كأنّه صاحب المنزل.
“ألن تعود يا صاحب السمو؟”
“آه، في الحقيقة، أتيتُ لأتحدّث إليكِ، يا آنستي.”
“بالنّسبة لهذا، بدا أنّك استمتعتَ كثيرًا مع أخي آنفًا.”
“هل تقولين إنّني انجررتُ له؟”
بدلًا من مظهره الذّابل كزهرة الماغنوليا، استعاد يوهانس حيويّته الأصليّة بمجرّد اختفاء أليكس.
أدركتْ فيفيان هنا من هو العدوّ الطبيعيّ ليوهانس، لكنّها، رأفت به هو الذي بدا أخيرًا مفعمًا بالحياة.
“بالمناسبة، عن ماذا تريد التحدّث إليّ…؟”
“هل نجلس أوّلًا؟ آه، لا حاجة لكم أن تتبعونا.”
أمام غرفة الاستقبال الصّغيرة في الطّابق الأوّل، أشار يوهانس إلى الفرسان الذين كانوا ينوون مرافقته أن يتوقّفوا.
فتح الباب بأدب مريح و اصطحب فيفيان، ثمّ ألقى نظرة خاطفة على أصلان. لاحظت فيفيان نظرته، فأملت على الأسود الأسود.
“إذا كان هذا الصّغير يزعج سموّك، هل أرسله إلى الطّابق العلوي؟”
“لا داعي لذلك.”
ابتسم يوهانس.
“ما الذي يمكن أن يفعله مجرّد وحش؟ حتى لو كان ذكيًا ويفهم كلام البشر… فهذا كلّ شيء. لا يملك سوى الكشّر عن أنيابه و العواء بلا طائل.”
تمتم كأنّه ينصح أحدهم. كان صوته لطيفًا، لكنّ فيه برودة خفيّة.
نظرت فيفيان إلى وليّ العهد بشكّ، ثمّ هزّت كتفيها.
‘في الرواية الأصليّة، كان وليّ يقوم بزيارات فجأة ليثير الفتنة بين البطلة و أصلان.’
لكن أصلان الآن ليس في حالة الوحش غير العقلانيّ كما في تلك الفترة.
مهما قال يوهانس، طالما أنّها لا تتزعزع، فلن يكون هناك أيّ مشكلة.
“هل تلقّيتِ التحيّات التي أرسلتها بالأمس؟ لقد بدا الدّوق في حيرة، فأردتُ مساعدته قليلاً.”
“إذا كنتَ تقصد الصّور، فأتقدّم بالشّكر على النّيّة فقط.”
كما هو متوقّع، لم يكن شيئًا يُذكر منذ البداية. نظرت فيفيان ببطء على الأسود الأسود الملقى إلى جانبيها.
“لم يكن أي منها شيء.”
“بما أنّ جمالكِ يبهر الأنظار، فلن يلفت انتباهكِ أيّ رجل عاديّ.”
غمزت فيفيان بصمت.
ألقت رموشها الطّويلة ظلًا على عينيها الزّرقاء الشّفّة.
بدت بشرتها شاحبة كالشمع بسبب المرض، لكنّ خدّيها و شفتيها كانتا حمراءين ناضجتين كالثّمرة.
حدّق يوهانس في جمالها للحظة كالمنوّم، ثم أخفض عينيه بهدوء.
“لكن، ألم يكن بينهم من يناسب جمالكِ؟”
“لا، لم يكن هناك.”
هزّت رأسها بحزم.
بدت على وجه يوهانس لحظة من الإحباط، لكنّها كانت عابرة. سرعان ما استعاد رباطة جأشه و همهم برفق.
“سأبذل جهدًا أكبر في هذا. حسنًا، كلّ ما سبق كان مجرّد مزاح خفيف…”
غرقت عيناه في جدّيّة.
“يبدو أنّكِ اقتربتِ مؤخرًا من أخي. لا أعلم إن كان يجوز لي كعضو في العائلة قول هذا، لكنّني جئتُ لأنّني قلق عليكِ.”
كان تعبير يوهانس مقنعًا إلى حدّ ما.
“ربّما لم تسمعي بسبب عزلتكِ بسبب المرض، لكن مؤخرًا تنتشر إشاعة في الأوساط الاجتماعيّة.”
“تتعلّق بي؟”
“بالأحرى، تتعلّق بكِ و بأصلان.”
تحت كفّ فيفيان، ارتعشت عضلات الأسود الأسود. كأنّ أوتاره تنتفض كما لو كان على وشك الانقضاض.
“لا بدّ أنّكِ خمنتِ أنّ علاقتي بأحدٍ ما ليست جيّدة. في الواقع، بعد أن كتبتِ وصيّتين و اختفيتِ…”
“لقد سمعتُ بالفعل.”
“إذن، هل تعلمين كيف خرج أصلان من تلك الأزمة؟”
جاء إلى الجنوب متابعًا إيّاها، و تصرّف كخطيب حقيقيّ. كان الجواب بسيطًا، فاكتفت فيفيان بأمل الأسود بصمت.
لا يُعرف كيف فسّر يوهانس ردّ فعلها، فتمتم كمن يكشف سرًا.
“لا تثقي بأصلان. إنّه يستغلّكِ.”
“…….”
“و علاوة على ذلك، إذا متِّ، فإنّ الثّروة الهائلة التي تركها سلفكِ ستصبح كلّها ملكه.”
لم تفعل فيفيان سوى أن أغمضت عينيها بصمت.
كان الأمر متوقّعًا لدرجة أشعرتها بالإحباط، لكنّها أصغت على أمل أن يخرج بشيء جديد.
بينما تنظر إليه، أطلق يوهانس ضحكة غامضة.
“أنتِ صامتة منذ البداية. أفهمكِ. لا بدّ أنّ الأمر صعب التصديق لأنّكِ تسمعينه لأوّل مرّة. قلبي ليس مرتاحًا لهذا الحديث…”
“…لستُ مهتمّة.”
هزّت فيفيان رأسها بهدوء. تجمّدت ابتسامة يوهانس للحظة.
“ألم تفهمي كلامي؟”
“سموك أنتَ تقصد أنّ تغيّر أصلان المفاجئ في سلوكه كان بسبب الإرث الذي سأتركه.”
“يبدو و كأنّكِ تعتبرين ذلك محرك شيء تافه.”
مرّت لحظة من الحيرة على وجهه. لو كانت فيفيان الأصليّة في الرواية، لجنّت أو صرخت بنار الانتقام.
لكنّها لم تكن هي.
تلاعب يوهانس لم يؤثّر عليها أبدًا.
كان أصلان يملك أحد منجمي الألماس الوحيدين في هذه القارّة الشاسعة.
إذا كانت هي مليارديرة ورثت ثروة من سلفها، فثروة أصلان لا يمكن قياسها بأرقام.
لذلك، تمكّن من إخفاء وجود المنجم .
“أشكركَ على اهتمامكَ ، لكنّني بخير.”
كان الأمر سهلًا جدًا. لكن، تذكّرت مقولة “حتّى الجسر الحديدي يجب أن تطرق عليه”، فأجابت بحذر.
بسبب حذرها الزائد، ارتعش صوتها قليلاً، لكنّها شعرت أنّها أجابت بشكل.
“كح كح…!”
آه، ابتلعت ريقها بالخطأ أثناء الكلام.
لكن بما أن السعال أمام شخص يُعدّ تصرفًا غير مهذب، فقد أنزلت فيفيان رأسها وغطت فمها براحة يدها.
دخل إلى مجال رؤيتها موقد الحطب الذي بدأت نيرانه تخبو.
‘النار ضعيفة… هل يجب أن أنفث عليها بعض الهواء؟’
وللأسف، تسلل هواء بارد من النافذة المفتوحة قليلاً. وبما أن فيفيان كانت ترتدي ملابس خفيفة بسبب الصباح، فقد ارتعش كتفيها بهدوء من البرد.
و بفضل ذلك، اكتمل مشهد يمكن بسهولة أن يُساء فهمه، حيث كانت تخفض رأسها، تغطي فمها، و ترتجف.
“لا يمكن أن يكون قد عرف منذ البداية و مع ذلك أقدم على الخطوبة…”
عض يوهانس على أضراسه بصمت.
لكن قبل أن تلاحظ فيفيان ذلك، كان قد عاد إلى تعبيره اللطيف المعتاد.
“الواقع قاسٍ حقًا. الأميرة تفكر في أصلان كثيرًا، بينما أخي يتجاهل مشاعرها الصادقة و يدخل ابنه غير الشرعي إلى القصر. كم هو بارد القلب.”
كانت فيفيان تتردد في النهوض لتضخ الهواء في الموقد، ثم رفعت نظرها فجأة.
‘ماذا قال للتو؟’
لأنها كانت ضعيفة أمام البرد بسبب مرض في رئتيها، كانت بحاجة إلى الدفء، لكنها لم تستطع النهوض بتهور أمام ضيف في مكانته.
وأثناء تفكيرها الطويل، بدا أن يوهانس قال شيئًا ما.
ارتسمت على زاوية شفتيه ابتسامة لطيفة لا يمكن فهم معناها.
“تلك النظرة الحائرة على وجهك، يبدو أنكِ لم تكوني تعلمين فعلًا.”
رمشت فيفيان بصمت.
لم تستطع أن تقول بصراحة إنها لم تكن تستمع إليه، وكانت في موقف محرج، لكنها شعرت بالامتنان لأن يوهانس أكمل كلامه بنفسه.