بينما كانت فيفيان لا تزال غارقة في النعاس، و عيناها مغمضتان، تحسّست بيدها جانب السرير بحثًا عن حبل الجرس.
لكن أطرافها كانت ثقيلة كما لو أنها غارقة في الماء، فلم تستطع بذل أي جهد.
تنهدت بعمق وفركت وجهها. كان عليها أن تستيقظ أولًا.
“لماذا كل هذا الضجيج منذ الصباح؟”
“كرر.”
شعرت بشيء يلامس صدرها و هي تكافح النوم. انت حركة التربيت الناعمة، و كأنها تهدّئها لتواصل النوم، لطيفة و هادئة.
“لا أريد سماع المزيد، لذلك ارجع!”
“سيدتي!”
تجعّد حاجباها بشدة. كان الصوت الذي ينادي ” سيدتي” بإلحاح منذ قليل يبدو مألوفًا بشكل غريب. أدارت رأسها ببطء.
الأسد الأسود، الذي كان يربت عليها كما لو كان يهدئ طفلًا لينام، التقى بعينيها بهدوء.
“همم؟”
“كرر.”
رمشت فيفيان بعيون مشوشة.
ثم ألقت نظرة سريعة إلى الأسفل.
توقّف الكف الذي كان يربت عليها ليهدئها، ثم انسحب ببطء نحو جسد الأسد الأسود.
‘هل هذا وهم؟’
بالتأكيد، لا بد أنه سوء فهم. أن يهدئ وحش إنسانًا لينام؟ هراء لا معنى له.
‘آه، لقد استيقظتُ تمامًا.’
هزّت فيفيان رأسها و مدّت قدميها خارج السرير.
لم تلاحظ أصلان، الذي كان يحدّق بظهرها ويصدر صوتًا كأنه يتذمر.
استدعت خادمة، اغتسلت بسرعة، و تزيّنت. عندما غادرت غرفة النوم، تبعها أصلان بشكل طبيعي من الخلف.
“ما الذي يحدث؟”
حتى وصلت إلى مدخل القصر، كان الجدال الصاخب لا يزال مستمرًا.
و كما توقّعت، كان أصحاب الأصوات المألوفة هما إيريس و ديلان. لم يمضِ سوى ليلة واحدة منذ أن طلبت من فارس بلاكفورد التنظيف، لكنه تحرّك بسرعة البرق.
“فيفيان، الأمر…”
“سيدتي!”
تقدّم ديلان نحوها وكأنه يتدحرج تقريبًا.
ألقى نظرة سريعة إلى ظهرها، ثم عاد بنظره إليها و تنهّد براحة عميقة.
“لقد قلقنا كثيرًا عندما غادرتِ القصر هكذا. يسعدني أنكِ بصحة جيدة.”
“……”
كتفت فيفيان ذراعيها دون أن تنبس بكلمة.
شعر ديلان بالحرج من رد فعلها البارد غير المعتاد، فأدار عينيه بتوتر.
“حسنًا، أعني، لديّ أمر مهم أود مناقشته معكِ، سيدتي. هذا المكان مليء بالعيون… هل يمكنكِ إخلاء المكان؟”
“حسنًا.”
كان الصباح مبكرًا، لكن الخدم كانوا يتنقلون بسرعة ليبدأوا يومهم.
لم تكن تعرف ما الذي يريد ديلان قوله، لكن من الواضح أنه ليس موضوعًا يُناقش في مكان كهذا. فكّت فيفيان ذراعيها و أومأت برأسها بهدوء.
“لنغيّر المكان أولًا. أليكس سيعود قريبًا بعد انتهاء تدريبه الصباحي.”
“شكرًا، سيدتي!”
لو رأى أليكس هذا المشهد، لما نجا ديلان بسلام.
المشكلة كانت تكمن في أصلان، لكن الشخص الذي سيُعاقَب هو ديلان.
يبدو أن ديلان كان يخشى أليكس، فبمجرّد ذكر عودته، اتخذ وضعية دفاعية و تفقّد محيطه بحذر. ثم التقى بعيني إيريس، التي كانت تقف خلفه بلا حراك.
“سيدي، أنتَ حقًا… تتجاهل كلامي حتى النهاية…”
“أعتذر، سيدتي. سأشرح كل شيء لاحقًا.”
كانت عينا إيريس، التي تحدّق بديلان بنظرة لوم، مغرورقتان بالدموع.
لم تفهم فيفيان ذلك، لكن ما كان أكثر غموضًا هو موقف ديلان.
لم يستطع حتى مواجهة عيني إيريس، وسحب يده التي مدّها بتردد. رغم كونه صاحب “الفم الكارثي” الأول!
‘ما هذا الموقف الآن؟’
شعرت بقشعريرة ترتفع على ذراعيها دون سبب واضح.
تجمدت يداها و قدماها، و كلّ ما أرادته هو الاندماج في الظلال و الاختفاء من هذا المكان.
على الرغم من كونه وحشًا، يبدو أن أصلان لم يكن مختلفًا كثيرًا في تفكيره. بل ربما، بما أنه وحش، كان أكثر حساسية لهذا الجو الغريب.
امتلأت عيناه الذهبيتان بالانزعاج.
كشّر عن أنيابه نحو ديلان، كما لو كان يريد مضغه كالعلكة.
‘مهما نظرتُ إليهما… لا، متى أصبحا في مثل هذه العلاقة؟’
كان ديلان يرافقها دائمًا كحارس أثناء التحضير لمراسم البلوغ، و كثيرًا ما التقى بإيريس خلال ذلك.
‘حتى لو كان الأمر كذلك، كيف وقعت أختي مع شخص مثله؟’
أصبحت نظرة فيفيان إلى إيريس مليئة بالشفقة. لم تلاحظ ذلك، لكن تعبير أصلان لم يكن مختلفًا كثيرًا. و هكذا، ظلوا يعانون من موجات القشعريرة لفترة طويلة.
* * *
في المبنى الملحق، حدّقت فيفيان بديلان، الذي كان يجلس أمامها مضطربًا.
كان المبنى غير مستخدم، ممّا جعله مثاليًا للحديث السري.
“لقد تم التعامل مع ما ذكرتِه الليلة الماضية بشكل جيد.”
كما توقّعت، لم يكن الموضوع مناسبًا ليسمعه الآخرون. داعبت فيفيان فرو أصلان، المستلقي بجانبها، ببطء.
“من الذي قد يكون استفزّه قِطّي اللطيف؟ لا يمكن أن يكون شيئًا يسبب مشكلة، أليس كذلك؟”
“نعم، كما خمّنتِ، سيدتي، كانت عصابة لصوص عادية. لن تسبب مشكلة، لكن من الأفضل ألا يراها أحد، لذا أزلتُ كل الأدلة.”
“عمل جيد.”
في القصة الأصلية، كان يوهانس يُخفي جميع القتلة الذين يرسلهم إلى أصلان تحت ستار اللصوص.
كان ذلك رسالة ضمنية لأصلان دون كشف هوية المتآمر للغرباء: “أنا أراقبكَ دائمًا”.
نظرت فيفيان إلى ديلان، الذي يكذب ببرود، بنظرة متجددة.
‘صحيح، حتى لو كانت شخصيته خفيفة كبذور الهندباء، فهو ذراع أصلان الأيمن وثاني قائد فرقة الفرسان. أنا أنسى ذلك أحيانًا.’
لاحظ ديلان تغيّر مزاجها، لكنه أساء تفسير السبب.
واصل بحذر بعد تردد:
“أردتُ توضيح سوء التفاهم معكِ منذ فترة، لكن الدوق أليكس كان عنيدًا للغاية، فلم تسنح الفرصة.”
“سوء تفاهم؟”
“الفتى الذي يدّعي أنه ابن سيدي غير شرعي.”
“آه…”
توقّفت فيفيان عن مداعبة أصلان.
عندما أصبح تعبيرها غامضًا، رفع الأسد الأسود، الذي كان يستمتع بلمستها، عينيه إليها بنظرة متصلبة.
“سيدي لم يخنكِ أبدًا. أقسم بشرفي كفارس أن هذا صحيح.”
“لنبدأ بتصحيح سوء التفاهم. لستُ غاضبة من أصلان.”
“لكن…”
“أعيش هنا لأن أليكس، كما قلتَ، عنيد جدًا. لا أريد أن تتضرّر العلاقة بين العائلتين، ولهذا يجب أن أهدئ أخي أولًا.”
على الرغم من أن الأمور لا تبدو و كأنها تتحسّن بعد.
تمتمت فيفيان بهدوء، متجاهلة نظرة أصلان الحادة، و واصلت
“لذا لا داعي لإجهاد نفسكَ لتوضيح سوء التفاهم. لم أتوقع شيئًا من أصلان منذ البداية.”
كبتت فيفيان الأسئلة التي بدأت تتشكّل في ذهنها بهذه الكلمات.
كررّت لنفسها أنها لم تتوقع شيئًا منه منذ البداية . كان أصلان بحاجة إلى خطيبة تحميه من الانتقادات السياسية، و كانت هي بحاجة إلى علاج السل الذي سيطوره أحد رفاقه في المستقبل.
على الرغم من أن الأمور تعقّدت بسبب الختم، إلا أن تفكيرها الأساسي لم يتغير كثيرًا.
“على العكس، أنا راضية تمامًا عن احترام أصلان لي كخطيبة. بناءً على تجربة السنوات الثلاث الماضية، كنتُ أعتقد أنها ستكون أسوأ تجربة معيشة ممكنة.”
“سيدتي، في ذلك الوقت…”
“لكن أساس علاقتنا هو صفقة. بقدر ما يظهر لي لطفًا، يجب أن أردّ له بالمثل. إذا كان ذلك الطفل حقًا ابن أصلان، فسأدرجه في سجل العائلة.”
صوتها البارد و الواقعي جعل ديلان، بل و حتى الأسد الأسود، يتوقفان للحظة.
بدت عينا ديلان وكأنه يريد قول شيء بشدة. تحرّكت شفتاه وهو يلقي نظرة سريعة على سيّده، لكن عيني أصلان الذهبيتين ظلتا مثبتتين على فيفيان.
شعرت فيفيان بالحرج من هذا الصمت، فحكّت ذقنها بإحراج.
“حسنًا، ما أهمية رأيي؟ على أي حال، لن أعيش طويلًا… أصلان سيتولى الأمر جيدًا.”
“المشكلة لم تكن روبين الآن.”
“ماذا قلتَ للتو؟”
“آه، لا شيء.”
تمتم ديلان لنفسه بإحراج ثم عدّل جلسته بسرعة.
“لن يغير كلامي رأيكِ، لكن أرجوكِ، ثقي بسيدي ولو مرة واحدة. إنه صادق معكِ الآن. في الماضي، كانت هناك ظروف…”
“كررر!”
“آه!”
فجأة، هجم أصلان، الذي كان صامتًا كتمثال، على ديلان.
سمعت صوت طقطقة أسنانه. تفادى ديلان الهجوم بفارق ضئيل و تكوّم في زاوية الأريكة مرتجفًا.
أمال أصلان رأسه فوق ديلان و هو يلمع بعينيه.
‘ماذا؟ هل أصلان جائع؟’
بما أن الأسد الأسود الضخم كان يحجب الرؤية، لم تستطع فيفيان رؤية ما يحدث. أمالت رأسها بحيرة، لكنها لم ترَ ما يفعلانه.
بعد صمت قصير وكثيف، تراجع أصلان، فقفز ديلان و عدّل جلسته.
“لقد قلتُ شيئًا لا داعي له. لا تهتمي.”
“حسنًا. لم أكن مهتمة من الأساس.”
في الحقيقة، كانت فضولية، لكنها لم ترغب في التشبث بالأمر بشكل مثير للشفقة، فأدارت رأسها و كأنها غير مبالية.
مشى أصلان ببطء واستقرّ خلف ظهرها بشكل واضح.
“هل أنتَ بخير، ديلان؟ تبدو مضطربًا.”
“قطّكِ يستمرّ في التّحديق بي… آه، لا شيء.”
حاول صاحب “الفم الكارثي” الأول، الذي شعر بالحرية بعد ابتعاد الأسد الأسود، أن يمزح، لكنه أغلق فمه بسرعة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 56"