أطلقَ ديلان كلماتٍ لاذعةٍ كما لو كان يطالب أصلان بمواجهة الواقع بوضوح.
“في وقتٍ حرجٍ كهذا، لا يمكننا أن نضيّع الوقت دون فعل شيء، أليس كذلك؟”
“……”
“حتّى الآن، إمّا أن تهرع إلى قصر إليونورا وتتوسّل إلى السيدة، أو أن تضغط على روبين لتعرف من وراء الأمر!”
“اخرس.”
بينما كان أصلان يمضغ ألمًا يمزّق أحشاءه، نهض من مكانه.
حين حاول ديلان مساعدته بسرعة لأنه كان يترنّح، تماسك أصلان و وقف ثابتًا وهو يعضّ على أسنانه.
كان الألم يجعل أعصابه مشدودة إلى أقصى حدّ.
“الهدف، أعرفه بالفعل.”
“ماذا؟”
تذكّر أصلان الطاقة السحريّة المتبقّية الكريهة التي شعر بها من الفتى، و التي كانت كثيفة بشكل مقلق.
بسبب استخدام أداة سحريّة قويّة لتزيين مراسم البلوغ بفخامة، لم يتمكّن من اكتشافها في ذلك الوقت، لكن في اليوم التالي، شعر بها فورًا.
لم يكن لديه نية لإخفاء هويته منذ البداية.
‘لقد استهدف فيفيان ليؤذيني. ليفصلها عنّي…’
بمجرّد أن أدرك الهدف، لم يكن من الصعب استنتاج من يقف وراء الأمر.
المشكلة كانت فيما يلي.
‘كم من الجراح ستُصاب بها بعد الآن؟’
في اللحظة التي تجنّبت فيفيان يده، أراد في الحقيقة أن يمنعها من الرحيل و يُبقيها بجانبه.
كان يرغب في تجاهل رفضها، و أن يحتفظ بها لنفسه فقط، يقيّدها و يسيطر عليها، هذا الدافع الجامح سيطر على عقله.
شعر بهذه الرغبة الوحشيّة تجاه فيفيان، التي حاولت الفرار بسبب جروحه.
‘امتلكها. قيّدها و سيطر عليها.’
تمكّن من كبح هذا الدافع مرّة واحدة، لكن هل سيستطيع قمع هذه الرغبات في المستقبل؟
‘هيهيهي، أنتَ ستصبح أنا قريبًا.’
على الرغم من علمه أن عليه أن يتحوّل إلى وحش سحريّ على الفور لمنع عواصف أشدّ وطأة، ظلّ أصلان يكبت الصوت الذي يهمس في أذنيه مرارًا و تكرارًا.
في هذه الحالة، إذا تحوّل إلى وحش سحريّ فقد عقله، فقد يؤذيها بيده.
لم يشعر بالخوف حتّى عندما تُرك وحيدًا في أرض الموت، لكن إذا استيقظ يومًا ووجد دماءها على يديه…
“هوو.”
بينما كان يفرك وجهه كما لو كان يطرد أفكاره، تجمّد أصلان فجأة.
طاقة سحريّة قويّة لا يمكن كبحها اندلعت ، و غطّت جسده بسرعة.
آه، كم هو بائس.
صورة فيفيان في ذاكرته تتفتّت كالسراب.
أصبحت رؤية أصلان سوداء تمامًا.
* * *
اخدت فيفيان تنظر بعيون معقّدة إلى الوحش الأسود الذي يتبعها بحذر من الخلف.
‘ هو مغطّى بالدماء، أليس كذلك؟’
خرجت للتنزّه بمفردها لتصفية ذهنها، لكنها صادفت أصلان، نقطة بداية همومها، في توقيت مثالي.
على الرغم من أنّه كان في هيئة وحش و ليس إنسانًا، إلا أنّ ذلك لم يجعل منظره المزعج يبدو فجأة جذابًا.
قست نظرات فيفيان و استدارت ببرود، أو حاولت الاستدارة.
لكنها لو لم ترَ الأشياء المتناثرة تحت قدميه، لفعلت ذلك.
كان هوس يوهانس بالفعل شيئًا لا يُطاق.
‘يجعل قلب المرء يضعف…’
رؤيته مغطّى بالدماء واقفًا وحيدًا في الجبل مع الرياح جعلتها غير قادرة على تجاهله ببرود.
بقلبٍ متردّد، نزلت فيفيان من حصانها و سارت ببطء. ثم بدأ أصلان يتبعها بخفّة من الخلف.
أصبح قلبها أضعف.
‘عندما يعود إنسانًا، سنرى.’
كان هناك جدول ضحل يجري بالقرب منها. جلست فيفيان أمامه و أشارت إلى الأسد الأسود.
“تعالَ إلى هنا.”
“……”
“هكذا.”
اقترب الوحش بحذر، و هو يتلفت حوله. أمسكت فيفيان برقبته بقوة.
“لنغتسل.”
“كرر؟”
“كيف لطخت نفسك هكذا، يا صغيري المدلّل؟”
غمرت فيفيان يدها في الماء و مسحت وجه أصلان بقوة. أصبحت راحتها حمراء في لحظة.
عندما رأى أصلان ذلك، تصلّب جسده وحاول التراجع.
“أوه، لا تريد الاستحمام؟ أليس كذلك؟”
“كررر!”
“لا تريد الاستحمام؟ هل الماء مزعج؟”
كانت كلمات فيفيان لطيفة، لكن تصرفاتها لم تكن كذلك.
أمسكت برقبة الوحش بقوة و رشّت الماء عليه.
كانت تخشى أن ينفض الوحش بعنف، لكن لحسن الحظ، وقف ثابتًا بقدميه الأربع على الأرض، متمسكًا بصبر.
يبدو أن الماء لم يعجبه. كان جسده يرتجف كلّما لمست يدها.
“هيا، ادخل هنا. يجب أن نغسل قدميك أيضًا.”
وقفت فيفيان و نظرت إلى الجدول. كان عمقه يصل إلى ربلة الساق، لكن الطقس أصبح باردًا مع دخول الخريف.
لم يكن من السهل عليها الدخول إلى الماء.
‘إذا لم يحالفني الحظ، فقد أصاب بالبرد.’
و مع ذلك، لم تستطع ترك أصلان يتجوّل هكذا.
كانت محظوظة لاكتشافها له أولاً، وإلا كان سيُعتبر وحشًا مؤذيًا و يُعامل بقسوة.
حاولت فيفيان دفع أصلان برفق إلى الجدول، لكنه لم يتحرّك، فتنهّدت.
“بالطبع، لن تدخل وحدك مهما حدث. هل ستدخل معي إذا دخلت؟”
“……”
“ماذا؟”
“كرر.”
قبل أن تدخل فيفيان الماء، و بعد أن خلعت حذاءها و أخذت نفسًا عميقًا، لوى أصلان جسده و حجب طريقها.
أنزل رأسه و دفعها بعيدًا عن الجدول، ثم دخل الماء بمفرده بثقة.
تشابكت قدماه بالماء الأحمر.
“هل أنتَ بخير وحدك؟”
“كرر.”
عندما اقتربت فيفيان و هي تميل رأسها، كشف أصلان عن أسنانه قليلاً كما لو كان يمنعها من دخول الماء.
بدا كتهديد، لكن، بشكل غريب، لم يكن مخيفًا على الإطلاق. كانت عيناه الذهبيّتان اللتين تنظران إليها تلمعان بنور ناعم كأشعة الشمس.
جلست فيفيان على صخرة بجانب الجدول و ضمّت ركبتيها.
‘ماذا أفعل الآن؟’
لقد خرجت من القصر دون إخبار أحد، لذا لم تستطع البقاء بعيدًا لوقت طويل. لكن ترك أصلان في حالة الوحش السحريّ هكذا لم يكن مريحًا.
بسبب معرفتها بحالته، حيث كان محاصرًا في أعماق وعيه بسبب الشيطان.
الوحدة القارسة، و الخوف من ألا يعود إنسانًا مرة أخرى.
“كرر؟”
خرج أصلان من الجدول، ينفض الماء من جسده، و فرك خدّه بكاحلها. ثم اقترب منها بهدوء و جلس بجانبها.
كان كبير الحجم، لكن تصرفاته كانت لطيفة كحيوان أليف.
كانت عيناه الناعمتان، اللتين تنظران إليها، تجعل من الصعب تصديق أنه وحش شرس.
دون تفكير، بدأت فيفيان تداعب رقبته برفق. أغمض أصلان عينيه بنعاس، كما لو كان راضيًا عن لمستها.
‘إذا غادرت، سيظلّ يتجوّل في الجبل وحيدًا.’
بعد أن كبح تحوّله إلى وحش سحريّ لفترة طويلة بعد مهرجان الصيد، من يدري كم من الوقت سيبقى في هذه الحالة هذه المرّة؟
نظرت إلى السماء، كانت الشمس تميل نحو الغروب. سيعمّ الظلام قريبًا.
‘إذا تركته هكذا، سأظلّ قلقة. لحسن الحظ، فيفيان في القصة الأصليّة كانت تربّي الوحوش.’
على الرغم من أن هذا يجعل هروبها من القصر بلا معنى.
اتّخذت فيفيان قرارها، فقامت من مكانها و نفضت الغبار عن بنطالها.
“……”
نهض أصلان قليلاً، و تبع نظرها إلى السماء. نظر إلى الشمس الغاربة، ثم عاد بنظره إليها.
كان هناك لمحة غامضة في عينيه.
“كررر.”
نهض الوحش بالكامل و فرك خدّه في حضنها. بينما كانت فيفيان تستمتع بمودّته، توقّفت فجأة.
‘لحظة.’
القطط تفعل هذا لتفرز هرموناتها و تعلن امتلاكها، لكن أصلان كان وحشًا ذا شهيّة كبيرة.
إذا فكّرت من منظور آخر…..
‘هل يعني أنني وجبة الستيك الخاصة به؟ يريد جعلي أنضج و يمنع الآخرين من الاقتراب؟!’
تراجعت فيفيان دون وعي بخطوات خفيفة، و اخذت تنزلق بعيدًا عن الوحش بحركة سلسة.
لكن أصلان لم يتحرّك من مكانه. وقف بثبات و نظر إليها بعيون هادئة.
‘كأنّه يودّعني.’
بالطبع، هذا غير ممكن.
“هيا، تعالَ معي.”
“كرر؟”
“لا تنظر إليّ هكذا. إذا صبرت قليلاً، سأعطيك شيئًا ألذّ منّي بكثير.”
“كرر.”
هزّ أصلان رأسه في توقيت مثالي، كما لو كان يقول إنه لا يوجد شيء ألذّ منها، مما جعلها تشعر بالقشعريرة.
‘هاها، لماذا أفكّر في أشياء سخيفة منذ قليل؟’
حاولت فيفيان تهدئة عينيها الضبابيّتين وأشارت إلى أصلان.
كان الغسق الأحمر يتسلّل إلى الجبل. لقد حان وقت العودة حقًا.
* * *
خدم قصر إليونورا تقبّلوا الأسد الأسود الذي جاء مع فيفيان بسهولة.
قبل أن تصاب فيفيان بالسلّ، كانت تربّي الوحوش كالكلاب العادية، و كان أصلان يتبعها كخروف وديع.
حرصت فيفيان على إبقاء أصلان بجانبها تحسبًا لأي طارئ.
“مدهش، إنه حقًا وديع.”
“أليس كذلك؟”
حتّى إيريس، التي كانت متردّدة حتّى النهاية، نظرت بعيون مندهشة إلى فيفيان و هي جالسة على الأريكة بهدوء، و الأسد الأسود مستلقٍ على الأرض، واضعًا ذقنه على فخذها.
يبدو أنه راضٍ عن الوضع، يفرك خدّه في حضنها بنعاس غير مهتم عن ما يقال حوله.
التعليقات لهذا الفصل " 54"