كان دييغو رئيس خدم قصر الدّوق الأكبر بلاكفورد، يدير منزل العاصمة منذ أكثر من عشر سنوات.
كان قليل الكلام، حذرًا في تصرّفاته، و دقيقًا في عمله، مما جعله يحظى بثقة الدّوق العميقة. لكن في موقف كهذا، كان محتارًا حول كيفيّة التّعامل.
‘آه، حقًا. حفل بلوغ لن أنساه أبدًا، لقد كان مبهرًا حقًا.’
ضحكت السّيّدة بسخرية و كأنّها لا تصدّق، ثمّ خفّفت من تعبيرها عندما رأت الصبيّ المرعوب.
في تلك اللحظة، أمرت الخدم بمعاملة الطّفل بلطف.
‘ابن غير شرعيّ؟ سموّك، هل تقول إنّكَ خنتَ أختي؟!’
لكن لسوء الحظ، شهد دوق إليونورا، الذي جاء و هو يحمل هديّة عيد ميلاد مفاجئة – قائلًا إنّها قطّة يتيمة، لكنّها بدت أشبه ببومة – ذلك المشهد .
غضب الدوق بشدّة، و أخذ السّيّدة و غادر إلى قصر الدّوقيّة.
حاول السيّد إيقاف السّيّدة بعجلة، لكنّها هدّدته بفسخ الخطوبة إن لمسها ، فتوقّف عن الكلام و تجمّدت خطواته.
منذ ذلك الحين، أصبحت طباع السيّد أكثر قسوة، و أجواء القصر اصبحت أشبه تسير على جليد رقيق منذ أيّام.
“عدتَ باكرًا. هل رأيتَ السّيّدة هذه المرّة؟”
“لا. الأميرة غاضبة جدًا، لم تسمح لي حتّى بدخول البوّابة…”
خلعت إيما، التي عادت لتوّها من قصر الدوق إليونورا، معطفها و هزّت رأسها.
كانت ترسل الخدم لكنّهم يُعادون دون مقابلتها، فظنّت أنّ ذهابها بنفسها قد يغيّر الأمر، لكن لم يتغيّر شيء.
تنهّدت إيما بهدوء و أضافت رأيها بحذر إلى دييغو المنكسر
“من حقّها أن تفعل ذلك. من في العالم سترحّب بابن زوجها غير الشّرعيّ؟”
كانت نظرة إيما تحمل لومًا خفيًا، و كذلك نظرات الخادمات الأخريات.
كان ذلك متوقّعًا، فالسّيّدة كانت محلّ إعجاب خدم القصر.
بطبعها الكريم، أقنعت السيّد لإنقاذ السّير ديلان الذي كان معلّقًا رأسًا على عقب في ساحة التّدريب، و حلّت نزاعات إقطاعيّة الشّمال بخفّة بفضل شبكتها الواسعة.
بل إنّها هدّأت طباع السيّد القاسية، فمنذ وصولها أصبحت أجواء القصر أكثر نعومة و حيويّة.
حتّى وفد الشّمال، الذين كانوا ينظرون إليها بعدم رضى، بدأوا يكنّون لها الودّ بعد سلسلة الأحداث
.
“لقد بالغ السيّد. أهمَلَ السّيّدة طويلًا، وها هو الآن…”
“أفهم مشاعركِ، لكن احترسي في كلامكِ.”
“أنا منزعجة. شقيقها الدّوق غاضب جدًا، فكيف ستكون حالة السّيّدة؟ وهي بصحّة ضعيفة، ماذا لو انهارت؟”
“علينا أن نمنع ذلك.”
هدّأ دييغو إيما و الخادمات المعترضات واحدة تلو الأخرى، و اتّجه إلى المكتب.
للتأكّد إن كان روبين ابن حقيقي، كان يجب مقابلته و التّحدث معه، لكن السيّد رفض حتّى رؤية وجه الصبيّ منذ أيّام.
‘السيّد الذي لم يسمح لامرأة بالاقتراب منه، متى حدث هذا…؟’
هزّ دييغو رأسه. التّفكير الآن لن يغيّر ما حدث.
الآن، عليه إقناع السيّد لمقابلة روبين و التأكّد من نسبه، وإن كان صحيحًا، عليه معالجة الأمر.
عدّل رئيس الخدم نظّارته و أسرع نحو المكتب حيث الرّياح الباردة تهبّ.
* * *
كانت فيفيان جالسة عند النّافذة، مستندة بذقنها، غارقة في التّفكير. مرّت ثلاثة أيّام منذ جرّها أليكس إلى منزل العائلة.
“ما هذا الموقف بحقّ…؟”
شعرت بالذهول.
ظهور ابن أصلان غير الشّرعيّ، أن يراها أليكس تحديدًا فتعود إلى قصر الدّوقيّة، إيريس و سيليا يتناوبان على مواساتها منذ أيّام، و أصلان الذي لم يظهر ولو مرّة.
كلّ شيء بدا غير واقعيّ.
“ابن غير شرعيّ لأصلان؟ لم يكن موجودًا في القصّة الأصليّة…”
تذكّرت فيفيان ملامح الصبيّ.
عينان ذهبيّتان نادرتان حتّى في العاصمة، شعر أسود كالليل، بشرة بيضاء كأهل الشّمال، و لهجته تحمل نبرة الشّمال.
يبدو في الخامسة أو السّادسة، و عند التدقيق، كان الأمر يتطابق تقريبًا مع الفترة التي نُفي فيها أصلان إلى الشّمال.
“مثاليّ جدًا. مثاليّ للغاية.”
حتّى يوم ظهوره كان يوم بلوغها.
لو أراد حقًا أن يُعترف به كابن لأصلان، لفكّر في علاقته مع زوجة أبيه المستقبليّة و تجنّب ذلك اليوم.
أن يظهر في يوم يزدحم فيه قصر الدّوق الأكبر بالنّبلاء، كأنّ هناك نوايا أخرى…
“لكن الطّفل لا يتجاوز الخامسة أو السّادسة، والزّر الذي أحضره دليل حقيقيّ… لا، لمَ أفكّر بهذا أصلًا؟!”
أوقفت فيفيان أفكارها و هزّت رأسها بعنف.
سواء كان روبين ابنًا حقيقيًا أم لا، لا يعنيها الأمر.
على أيّ حال، هي و أصلان متّفقان مؤقّتًا لمصالح سياسيّة، علاقة ستنتهي بانفصال نظيف عندما يحين الوقت.
“لكن لمَ أشعر بهذا؟ لم أكن أتوقّع شيئًا من أصلان كخطيب!”
حاولت فيفيان بجهد تهدئة الدّم المتدفّق إلى رأسها و هي تلوّح بيدها.
الخيانة ليست أمرًا غريبًا في مجتمع النّبلاء. ألم تقل ذلك بنفسها؟
فضلًا عن أنّ أصلان، بمظهره الجذّاب، لا بدّ أنّه كان محاطًا بالنّساء في كلّ الإمبراطوريّة.
“بالتّأكيد هكذا…”
رغم جهودها، نما شعور بالخيانة مجهول المصدر، و أخذ يسيطر على عقلها تدريجيًا.
‘إن كان هناك من يزعجكِ، طعنيه و اقتليه، أيًا كان. أنا سأتولّى التنظيف.’
هل يمكنني قبول هذا العرض الآن؟
تنهّدت فيفيان مجدّدًا و أدارت نظرها، و اخذت عيناها تلمعان.
في ركن غرفة نومها، كان فستان البلوغ يتألّق على المانيكان.
بسبب غضب أليكس، جُرّت إلى قصر الدّوقيّة دون أن تتمكّن من تغيير ملابسها.
“إنّه قلق عليّ، فلا يمكنني لومه…”
في الظّروف العاديّة، كانت ستعود إلى قصر الدّوق الأكبر خلسة.
لكن عندما رأت أليكس يلوم نفسه أمام صورة الدّوقة السّابقة لعجزه عن حماية أخته الوحيدة، لم تستطع مغادرة المكان.
في القصّة الأصليّة، انضمّ أليكس إلى جيش يوهانس للانتقام من أصلان الذي قتل أخته.
إن لم يُحلّ هذا الأمر جيّدًا، قد يتسبّب في شرخ كبير بين أليكس و أصلان.
“آه، رأسي يؤلمني! لا أعرف. فليأتِ المذنب بنفسه ويحلّ الأمر!”
بسبب عبثه اللاواعي، دمّر حفل بلوغها الذي يحدث مرّة واحدة في العمر.
صحيح أنّها خطّطت لإفساد الحفل بنفسها، لكنّها قرّرت تجاهل هذه التّفاصيل الصّغيرة.
داعبت فيفيان القطّة التي أهداها إيّاها أليكس، لكن عجزت عن مقاومة الأفكار المتشابكة وقامت من مكانها.
“سأصفّي ذهني بالتّنزه.”
كانت حديقة قصر الدّوقيّة متّصلة بجبل صغير، جزء من سلسلة جبال تحيط بالعاصمة مينيرفا.
لذا، كانت فيفيان في الماضي تطلق الوحوش و تربّيها بحريّة.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 53"