تمتم أصلان بصوت منخفض و كأنّه يمضغ الكلمات، ثمّ انفجر أخيرًا. كاد يمسك يوهانس من ياقته و هو يصرّ على أسنانه، لكن في تلك اللحظة تدخّل النّبلاء الذين أدركوا خطورة الوضع بين الأخوين.
“كفى، كلاكما توقّفا!”
“ما هذا الوقاحة تجاه سموّ وليّ العهد؟ رجاءًا، اهدآ!”
“لكن في كلام سموّ الأمير الثّاني بعض الصّحة.”
كانت المشكلة أنّ الذين تدخّلوا لفضّ النّزاع انقسموا هم أنفسهم في الرّأي.
“بعض الصّحة؟ هل تشكّكَ في شخص ما الآن؟”
“أليس كلامه صحيحًا؟”
تصاعدت الفوضى أكثر فأكثر، فقد كان عدد النّبلاء المتورّطين في القضيّة كبيرًا.
مع شهرة خوان كطبيب بارع، لم يقتصر الأمر على المرضى، بل تناول حتّى الأصحّاء أدويته.
كان منهم من توقّف بعد جرعات قليلة، لكن آخرين أصبحوا مدمنين، غير قادرين على العيش بدونها.
خدشت فيفيان ذقنها بحرج خلف ظهر أصلان. كان الحفل يتّجه نحو كارثة بقوّة. لهذا كانت تحضيرات حفل البلوغ متعبة.
ففي النّهاية، لن يكتمل أصلًا.
‘حسنًا، على الأقل نجح بشكل مبهر بمعنى آخر.’
أدارت فيفيان نظرها بهدوء.
على الجدار المقابل لقاعة الحفل، كان خادم ذو شعر فضّي متّكئًا و ذراعاه متشابكتان، ينظر إليها مباشرة. رغم أنّ وجهه غريب، استطاعت بفضل “عين الحقيقة” التي يمتلكها أن تتعرّف على هويّته بسهولة.
‘شكرًا لك.’
شكّلت فيفيان الكلمة بشفتيها دون صوت.
‘لا داعي.’
رفع هيسيوس رأسه بغرور، ثمّ وقعت عيناه للحظة على معصمها. لاحظت ذلك، فرفعت سوار التوباز الأزرق كأنّها تتباهى به.
بدا و كأنّ عيني هيسيوس اهتزّتا للحظة، لكن قبل أن تلحظ، كان قد اختفى بالفعل.
يظهر و يختفي كالرّيح.
أعادت فيفيان نظرها إلى قاعة الحفل التي تحوّلت إلى فوضى.
“… هذا يتعلّق بشرف العائلة الملكيّة، لذا يجب أن نكون أكثر حذرًا في التّحقيق. لمَ لا نكل الأمر إلى محكمة مينيرفا؟”
“أنا موافق. أليس هناك شخص مناسب لهذا موجود الآن؟”
يبدو أنّ النّبلاء اتّفقوا على معارضة تولّي العائلة الملكيّة التّحقيق. اقترحوا الماركيز باستيان، القاضي، ليكون المحقّق.
تحت أنظار الجميع، شدّد باستيان ملامحه.
“هذه ليست قضيّة يمكن حسمها هنا بسرعة.”
“لقد أدارت عائلة باستيان سلطة القضاء في الإمبراطوريّة لأجيال، لذلك سلطتكَ كافية.”
إذا تولّى الماركيز التّحقيق، فلن يكون ذلك سيّئًا لفيفيان.
رغم أنّ الدّواء استُبدل في الطّريق، يعتقد الماركيز أنّ سيليا تناولته. لذا، لن يخضع لضغوط سياسيّة في التّحقيق.
كلّ شيء يسير وفق الحسابات.
باستثناء واحد: خطيبها الذي لا يمكن توقّع تصرّفاته.
“أصلان، هل أنتَ بخير؟”
أمسكت فيفيان يد أصلان، الذي لا يزال يلهث غضبًا، و جذبته إلى خلفيّة القاعة.
لم تهدأ الهالة السّوداء المتصاعدة حوله.
“تبدو بحالة سيّئة.”
“بل أنتِ…”
نظر إليها أصلان بوجه مليء بالكلام. فتح فمه كأنّه سينفجر، لكنّه عبث بشعره و أغلقه مرّة أخرى.
قادته فيفيان إلى رواق خالٍ من النّاس.
كانت الشّموع المضاءة نادرة، فكان المكان مظلمًا. في الظّلال الكثيفة، لمعت عيناه الذّهبيّتان فقط.
“رأسي يكاد ينفجر. أشعر بالغضب لدرجة الجنون.”
“بسبب سموّ وليّ العهد؟”
“بل أنتِ، ذلك الدّواء اللعين…!”
ارتجفت قبضته المشدودة. لاحظ نظرتها، فاستدار.
“أريد أن أكون وحدي. إن تكلّمت الآن، سأجرحكِ مجدّدًا.”
“ليس صحيحًا.”
نظرت إليه بعينين مضطربتين. مسحت ذراعه كأنّها تعزّيه، لكن الضّباب الأسود تصاعد بكثافة أكبر.
“ليست نيتي الغضب عليكِ. لم أرد هذا. أنتِ من يجب أن تكون الأكثر قلقًا.”
“…..”
“أنا آسف.”
نظرت فيفيان إلى أصلان دون كلام.
بدا ظاهريًا أنّ غضبه هدأ، لكن الضّباب الأسود كان يتصاعد بشكل مقلق. لم تستمع لما يقوله. كلّ ما فكّرت به هو تهدئة هذا الرّجل الوحشيّ.
“حفل البلوغ يحدث مرّة واحدة في العمر، و قد دُمّر تمامًا. أردتُ أن أجعلكِ أسعد امرأة في الإمبراطوريّة اليوم…”
“ليس صحيحًا. نجح حفل بلوغي بشكل رائع.”
“تقولين هذا بعد رؤية تلك الفوضى؟”
كان الرّواق الذي يقفان فيه متّصلًا بالقاعة، فكانت أصوات النّبلاء المرتبكين تتردّد بصخب.
وضعت فيفيان يدها بلطف على خدّ أصلان الذي يحدّق في القاعة.
كان عليها أن تشتّت انتباهه بأيّ طريقة ليهدأ غضبه.
“ألم ترقص معي بنفسك ؟!”
“ماذا؟”
تجعّد حاجباه باستغراب. ابتسمت فيفيان بلطف.
“لا تعلم كم كنتُ سعيدة اليوم.”
“بهذا فقط؟”
أومأت برأسها بحماس.
عندما ربّتت على خدّه، بدا غضبه يهدأ. استرخى جسده بالكامل و أسند جبهته على كتفها.
“حسنًا، سأرقص معكِ كمّا ترغبين…”
“عيد ميلادي لم ينته بعد.”
جذبت فيفيان خصره.
رجل بطول مترين تقريبًا لا يمكن أن ينجذب بقوّتها، لكنّها بذلت قصارى جهدها لعزله عن فوضى القاعة.
“لنصعد إلى غرفة النّوم. أريد أن أرقص معك.”
“في غرفة النّوم؟”
أومأت فيفيان مجدّدًا.
كانت غرفة النّوم في أكثر مكان منعزل و هادئ في القصر. هناك، لن يكون هناك ما يثير غضبه.
“أريد أن أكون معكَ وحدنا. دون أيّ إزعاج…”
“هل تعنين ما تقولين؟ آه، هذا يقودني للجنون.”
لم تلحظ فيفيان عيني أصلان اللتين اشتعلتا كوحش، و أمسكت يده و تقدّمت بعزم.
كان رواق القاعة متّصلًا بممر خلفيّ يستخدمه الخدم.
خطّطت للخروج دون أن يراها أحد و الصّعود للدّرج خلسة.
لو لم ترَ رئيس الخدم و رئيسة الخادمات ينظران حولهما بقلق نادر، لكان ذلك ممكنًا.
“إيما؟”
“سيّدتي، لمَ أنتِ هنا…؟”
فوجئت إيما و كأنّها لم تتوقّع وجود فيفيان، فاتّسعت عيناها.
لم يكن ذلك الشّيء الغريب الوحيد.
“اخفِه، بسرعة!”
من خلف زاوية الممر، سمعت همسات خافتة من الخدم و صوت أثاث يتحرّك.
عند هذه النّقطة، شعر كل من فيفيان، و أصلان الذي كان خلفها، أنّ شيئًا غريبًا يحدث.
“ما الذي كنتم تفعلونه؟”
كانت كلمته الواحدة كافية لتثير القشعريرة. إذا شعرت فيفيان بذلك، فما بالك بإيما و باقي الخدم؟
“أحضره.”
“سيّدي، لو تحدّثنا لاحقًا على انفراد…”
“أصبحتَ كثير الكلام مؤخرًا، دييغو.”
رفض أصلان نصيحة رئيس الخدم الحذرة بكلمة واحدة.
‘ما الذي يحدث حتّى يتصرّف الجميع هكذا؟’
لم تفهم فيفيان نظرات الشّفقة التي ألقيت عليها. ولم تفهم أكثر النّظرات التي كادت تعاتب أصلان، سيّدها.
بينما تبادل الخدم النّظرات متردّدين، بدأ أصلان يتحرّك بنفسه.
“طفل؟”
مالت فيفيان رأسها بدهشة.
على صندوق كبير لتخزين المؤن، كان يجلس صبيّ يبدو في الخامسة أو السّادسة.
شعره أسود قصير، و عيناه ذهبيّتان، يذكّرها بشخص ما.
“آه…”
نظر الصبيّ حوله بعينين مرعوبتين، ثمّ رأى أصلان، فكاد يتدحرج و هو ينزل من الصّندوق.
أمسك بزرّ ذهبيّ بإحكام عند صدره، ثمّ مدّه بحذر.
“آه، هذا تذكار تركته أمّي…”
“ما هذا؟”
نظر أصلان إلى الصبيّ المتردّد عند قدميه ببرود، ثمّ أدار نظره إلى رئيس الخدم.
نظر دييغو إلى فيفيان بشفقة للحظة، ثمّ أطرق مستسلمًا.
“اسم الصبيّ روبين، وهو يدّعي أنّه ابنكَ غير الشّرعيّ.”
“ابني غير الشّرعيّ؟ ما معنى هذا؟”
“تأكّدنا أنّ الزّر الذي يحمله مطابق للأزرار المستخدمة في ملابسكَ.”
أدرك أصلان عندها لمَ أراد رئيس الخدم التّحدث لاحقًا.
كانت خطيبته، التي تحتفل بعيد ميلادها الثّامن عشر، تشهد كلّ هذا.
“فيفيان، هذا سوء فهم.”
“…..”
“صدّقيني. أنا بريء تمامًا!”
“واه، حقًا.”
نظرت فيفيان إلى أصلان كما لو كانت ترى دودة تتلوّى… لا، كصرصور لامع بقشرته السّوداء.
لم تستطع أن تسامح رجلًا يعبث بأهوائه، مهما كان.
“حفل بلوغ لن أنساه أبدًا، لقد كان مبهرًا حقًا.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 52"