تفرّق الضّيوف إلى الأطراف ليفسحوا المجال في المنتصف لمشاهدة رقصة البطل الأولى. لكن وسط هذا كلّه، ظلّ يوهانس واقفًا في مكانه.
ضيّق أصلان حاجبيه بعدم ارتياح.
“أخي الأكبر؟”
“آه، أجل، هكذا إذن.”
حدّقت عينا يوهانس نحو أصلان، أو بالأحرى نحو يديه اللتين كانتا تحتضنان فيفيان بتباهٍ.
“يبدو أنّ عليك، يا أخي الصّغير، أن تتعلّم من جديد كيفيّة التّعامل مع السّيدات؟”
“و ما معنى هذا؟”
“معناه كما قلت. عند التّعامل مع سيدة، يجب أن تكون حريصًا في كلّ حركة. قد تكون معتادًا على وحشيّة ساحات الحرب في الحدود، لكن…”
حتّى في حركة بسيطة كخلع قفّاز أبيض، كانت حركات يوهانس أنيقة كتدفّق الماء.
“للمجتمع الرّاقي قواعده الخاصّة.”
ابتسم بلطف و مدّ يده بأدب أمام فيفيان.
“هل تسمحين لي برقصة واحدة؟”
“…..!”
رمشت فيفيان بعينيها بدهشة.
لكنّها لم تكن الوحيدة التي فوجئت بتصرّف يوهانس المفاجئ. استشعر الضّيوف الجوّ الدّقيق بين الثّلاثة، و بدأوا يتبادلون الهمسات بسرعة.
“ما الذي يحدث؟”
“من المعتاد أن تكون الرّقصة الأولى مع الخطيب، ولا يمكن أن يكون وليّ العهد غير عالم بذلك.”
“لكنّ الدّوق الأكبر لم يرقص مع الأميرة ولو مرّة واحدة حتّى الآن.”
تحوّلت أنظار النّاس مرّة أخرى نحو المنتصف. كانت النّظرات المتبادلة بين الأخوين، مع الأميرة بينهما، مليئة بالمعاني.
كان الدّوق الأكبر بطبعه ذا ملامح قاسية، فهذا ليس بجديد، لكن حتّى وليّ العهد لم يخفِ مشاعر أخرى تحت ابتسامته.
كانت نظرته إلى الاميرة بوضوح…
‘يريد قتلي. يطلق الليزر من عينيه ليحوّلني إلى فيفيان مشوية!’
بغضّ النّظر عمّا كان النّاس يتهامسون به، كان العرق البارد يتصبّب على ظهر فيفيان.
هذا العالم مختلّ. من الشّياطين إلى الوحوش الملعونة، كلّ شيء فيه مضطرب و مجنون من الأعلى إلى الأسفل.
في مثل هذه الحالات، عادةً ما يكون هناك كاهن أو قوّة مقدّسة كحلّ، لكن غياب مثل هذه الأشياء يجعل هذا العالم فاسدًا من الأساس.
‘إذن، ما الغريب في أن تطلق عيون البشر الليزر؟ إنّها تتوهّج و تومض من كلا الجانبين!’
شعرت فيفيان أنّ حظّها اليوم ليس جيّدًا على الإطلاق.
قيل إنّ بداية الحفل يعلنها المضيف، لكنّ الفرقة الموسيقيّة بدأت العزف من تلقاء نفسها، و أصلان، ربّما طمعًا في باقة الزهور المزيّنة بالمال، أخذها بالكامل.
ولم يكتفِ يوهانس بإثارة المشاكل كما في القصّة الأصليّة، بل اختار لحظة كانت فيها فيفيان في أحضان أصلان، فاضطرّت إلى مشاهدة عضلاته ترتجف غضبًا في الوقت الحقيقي.
‘اللعنة، أفضّل نهاية الشواء الكهربائي على نهاية السّحق…’
بينما كانت فيفيان تائهة في تيّار أفكارها، استمرّ الجوّ المتوتّر بين الأخوين.
“لا أفهم لماذا يتصرّف أخي، الذي يهتمّ بالآداب، بهذا الشّكل فجأة.”
“ألم تسمع ما كان النّاس يتهامسون به؟ لم ترقص مع الأميرة ولو مرّة من قبل. فكيف يُصدّقون الآن أنّك تتصرّف كخطيب حقيقيّ؟”
“أخي…!”
“كلّ ما أردته هو أن تضحك الأميرة اليوم دون قلق. فهذا يوم مميّز بالنّسبة لها.”
كانت كلمات يوهانس مقنعة إلى حدّ ما. عند التّفكير في طباع الأخوين المتناقضة، بدا ذلك أكثر منطقيّة.
الأخ الأكبر الذي يهتمّ دائمًا بمن حوله، و الأخ الأصغر الطّامع الذي يتربّص بمكانة أخيه.
و عندما يُضاف إلى ذلك إرث الأميرة الهائل، مالت الأفكار تلقائيًا إلى جانب واحد. حتّى أنّ بعض النّبلاء المسنّين نقروا بألسنتهم تأسّفًا.
‘كما توقّعت، الأمور تسير كما في القصّة الأصليّة.’
في هذه الأثناء، تنفّست فيفيان الصّعداء بهدوء داخليًا.
في القصّة الأصليّة، يحضر يوهانس حفل بلوغ البطلة.
يطلب منها الرّقص ليستفزّ أصلان، فيتمكّن من الرّقص معها أوّلًا، مما يدفع أصلان إلى الانفجار و تحويل قاعة الحفل إلى فوضى.
هذا يخلق شرخًا عميقًا بين البطلين، و يسقط سمعة أصلان إلى الحضيض.
‘يوهانس حقًا خصم مزعج إذا كان عدوًا. لو كنتُ فيفيان الحقيقيّة، ربّما كنتُ قد وقعتُ في كلامه.’
خلال ثلاث سنوات من الخطوبة، لم يرقص أصلان مع فيفيان ولو مرّة واحدة.
بل إنّه في كلّ حفل تحضره، كان يتم الرّهان بأموال خبيثة على ما إذا كانت سترقص فيفيان مع الدّوق الأكبر أم سيتم إهمالها.
بسبب جمالها اللافت، كان الرّجال يتجمّعون حولها دائمًا، بغضّ النّظر عن تقييم المجتمع.
لكن بما أنّ أصلان كان يتجاهلها بقسوة، بدأت مشاعرها تمتزج باليأس و الحقد تدريجيًا.
‘يوهانس استهدف هذه النّقطة. و إذا اخترته، يمكنني إذلال أصلان…’
أخفضت فيفيان نظرها. كانت عروق يد أصلان البارزة تحيط بخصرها.
شعرت بوضوح أنّه يكبح توتّره تحت ملامحه الجامدة.
في المقابل، كان يوهانس ينظر إليها بثقة، و كأنّه متأكّد من اختيارها له.
“يبدو أنّ الأميرة اتّخذت قرارها.”
“سموّك، أنا…”
في تلك اللحظة، بينما استدارت فيفيان للتحدّث إليه، شدّ أصلان، الذي بدا و كأنّه يرتخي، ذراعه حولها مرّة أخرى.
كان صدره، الملاصق لظهرها، يرتفع و ينخفض بقوّة.
“لا تذهبي.”
“أصلان؟”
“أعلم أنّني لا أستحقّ قول هذا. لم أتصرّف كخطيب حقيقيّ و لو مرّة.”
اختلطت في صوته عاطفة عميقة لا يمكن قياسها.
“و مع ذلك ، لا تذهبي.”
“…..”
“لا أستطيع أن أترككِ تذهبين.”
ربتت فيفيان على كتفه بلطف، بنيّة أن يرخي قبضته قليلًا، لكنّ أصلان، لسبب ما، شدّ ذراعيه حولها بقوّة أكبر.
رأى يوهانس ذلك، فأمسك بمعصم أصلان.
“دعها”
“و ماذا لو رفضت؟”
“هل تنوي إذلال الأميرة أمام النّاس مرّة أخرى؟”
تجمّد جسد أصلان للحظة. استغلّت فيفيان تلك الفرصة لتتحرّر من أحضانه و تقف أمام يوهانس.
“إذن، يا أميرة.”
ابتسم وليّ العهد بلطف و مدّ يده.
لكن بدلًا من أن تمسك فيفيان بيده، انحنت بأدب.
“لقد كرّستَ، يا سموّ وليّ العهد، جهودك دائمًا كابن العائلة الملكيّة الأكبر من أجل أمن الإمبراطوريّة. لم تتجاهل حتّى المشكلات الصّغيرة، لذلك أنا مدينة لكَ بالكثير، بما في ذلك قضيّة خوان.”
“لا حاجة لمثل هذه المجاملات بيننا…”
“أعلم أنّ سوء الفهم حول علاقتي مع أصلان قد سبّبَ لكَ قلقًا كبيرًا. وهذه المرّة أيضًا، تسبّبتُ في إزعاجكَ.”
تقلّصت عينا يوهانس قليلًا.
“أشكركَ على اهتمامكَ، يا سموّ وليّ العهد.”
بمدحها لطباع وليّ العهد اللطيفة، حوّلت طلب الرّقص إلى “تدخّل نابع من سوء فهم”، في رفض مثاليّ لا تشوبه شائبة.
“إذا كانت الأميرة ترى الأمر هكذا.”
لم يستطع يوهانس فعل المزيد سوى الإيماء برأسه.
بدا و كأنّ نظرته إلى أصلان قد اشتدّت للحظة، لكن عندما رفعت فيفيان رأسها، عاد إلى وجهه الهادئ المعتاد.
أومأت فيفيان إلى وليّ العهد بعينيها قليلًا، ثم استدارت لتواجه أصلان.
تمتم بصوت بعيد وكأنّه لا يصدّق:
“فيفيان…”
“ألم تقل إنّك ستتمسّك بي اليوم؟ إذن، الهروب الآن سيضعني في موقف محرج.”
وضعت فيفيان يدها بلطف على كتفه المتشنّجة.
حدّق أصلان في يدها الصّغيرة البيضاء للحظة. لمعت عيناه الذّهبيّتان بحرارة كأنّها قلب الشّمس.
كان ذلك ردًا كافيًا.
* * *
تحت أضواء الثريّا الكريستاليّة الضّخمة، تصاعدت حرارة قاعة الحفل بسرعة.
بعد أن أنهت فيفيان رقصتها الأولى بنجاح، استأذنت للحظات و صعدت إلى الطّابق العلوي.
سألت فيفيان إيما، رئيسة الخادمات التي تبعتها:
“هل وصل الفستان؟”
“نعم، مساعدة الخيّاطة تنتظر. كما أمرتِ، اتّخذنا التّدابير لضمان عدم مرور أيّ خادم أمام غرفة النّوم.”
“جيّد.”
كانت فيفيان قد طلبت إبقاء تحضير الفستان الثّاني سرًا حتّى الكشف عنه.
بفضل ذلك، كان الرّواق في الطّابق الثّاني هادئًا كأنّه ميّت.
توقّفت فيفيان فجأة عن المشي، وغطّت فمها وهي تسعل بخفّة.
“ها، أشعر بضيق في صدري.”
“هل أنتِ بخير؟ ربّما يجب استدعاء الطّبيب…”
“لا، لا أريد إثارة الضّجة. فقط أحضري الدّواء. سيكون من الأفضل لو كان الدّواء الذي أعطتني إيّاه سيليا.”
“سأحضره فورًا.”
فهمت إيما رغبة فيفيان في عدم إفساد الحدث الخاصّ، فأومأت برأسها وأسرعت في خطواتها.
عندما تباعدت أصوات الأقدام، أنزلت فيفيان المنديل الذي كانت تغطّي به فمها، و أغمضت عينيها بنظرة مغرورة.
“آسفة على الخدعة.”
فتحت باب غرفة النّوم و دخلت.
في الغرفة المظلمة التي انطفأت أنوارها، كانت طاقة سحريّة فضيّة متلألئة تتوهّج كاليراعات في كلّ مكان.
استدار هيسبوس، الذي كان جالسًا على إطار النّافذة ينظر إلى الخارج، عندما شعر بوجودها.
“لقد أتيتِ، يا أميرة.”
بما أنّ الحفل اليوم استُخدمَ فيه سحرة رفيعو المستوى و أدوات سحريّة، لم يكن لدى هيسيوس أيّ تحفّظ في إطلاق طاقته السّحريّة.
كان فستان السيدة يتألّق بضوء ساحر في إحدى زوايا الغرفة.
لكن فيفيان مرّت به دون أن تنظر إليه، و وقفت أمام هيسيوس.
منذ البداية، كانت خطّة تغيير الفستان مجرّد وسيلة لكسب الوقت.
“حقًا، أنتِ أوّل إنسانة لا يمكن التّنبؤ بها بهذا الشّكل.”
“هل هذا يزعجك؟”
“كلّا، بل على العكس. بفضلكِ، أصبحت أيّامي ممتعة للغاية.”
“أنا كذلك.”
اكتشف هيسيوس خلل الدّواء بسرعة فاقت توقّعات فيفيان.
عندما استُدعي على عجل عبر السيدة، نظر إليها بوجه متجهّم، على غير عادته.
‘توقّفي عن تناول الدّواء فورًا.’
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 50"