أمر أصلان الخادم بإحضار الدواء، ثم عاد ليدلّك رأس فيفيان بلطف.
“ما رأيكِ أن ترتاحي لبضعة أيّام؟”
“لم يبقَ سوى القليل حتّى يوم الحفلة.”
“جسدكِ له الأولويّة. لقد كدتِ تسقطين للتّو.”
“و هل تسمّي ذلك سقوطًا! كنتُ متعبة فجلستُ على الأريكة بسبب ألم قدامي.”
“دعيني أرى.”
لم يمهل أصلان فيفيان فرصة للاعتراض، فجثا على ركبة واحدة أسفل الأريكة. و رغم ذلك، وبسبب حجمه الكبير، كادت عيناه أن تتساوى مع عيني فيفيان الجالسة على الأريكة.
عيونه المشتعلة التي بدت و كأنها تذيب الشّمس، تفحّصت وجه فيفيان ببطء.
كأنّه يتأكّد حقًا ما إذا كانت فيفيان التي في حضنه بخير.
بينما تفحّص ملامحها الدّقيقة كالدّمية، رفع يده الضّخمة بحذر طرف ثوبها حتّى ركبتيها.
“قدمكِ متورّمة بالفعل.”
أنزل أصلان بصره، ثم وضع قدم فيفيان البيضاء الصّغيرة على فخذه.
خلع حذاءها، دون تردّد، و بدأ يدلّك قدمها برفق. كانت يده الخشنة تنزلق على بشرتها النّاعمة.
“آه!”
“هل يؤلمكِ؟”
“لا، إنّه…”
أدارت فيفيان عينيها دون قصد.
في اللحظة التي لامس فيها يده ساقها، شعرت بدغدغة غريبة و خفيّة تسري في ظهرها. رغم برودة هواء اللّيل، شعرت بحرارة غامضة.
أصبحت حركة يده التي تدلّك ساقها أكثر لطفًا.
“بعد انتهاء التّدليك، سآخذكِ إلى السّرير. من الأفضل أن ترتاحي مبكّرًا اليوم.”
“هذا يكفي، أنا بخير الآن.”
“فيفيان؟”
“في الحقيقة، هناك أمر أودّ مناقشته معك.”
في تلك اللحظة، طرقت إيما الباب حاملةً الدّواء. سارعت فيفيان بإخفاء ساقيها تحت ثوبها و سمحت لها بالدّخول.
“لا يمكنني اتّخاذ قرار دعوة الضّيوف بمفردي. سأغيّر ملابسي و نواصل الحديث.”
“إذن، انتظريني في غرفة نومي.”
“سآتي سريعًا.”
أفرغت فيفيان الدّواء، ثم استدعت الخادمات اللواتي كنّ في انتظارها.
بدأت زينة الشّعر تُنزَع شيئًا فشيئًا، و فُكّت الأشرطة التي كانت تشدّ فستانها. استرخى تعبيرها تدريجيًا، لكن عينيها التقتا بأصلان الذي كان لا يزال واقفًا أمام السّتارة.
كان أصلان ينظر إليها بنظرات متّقدة لسبب غامض.
مالت برأسها و هي تتلقّى مساعدة الخادمات.
“ما بك؟ هل تريد قول شيء؟”
“لا، فقط أتساءل إن كنتُ سأتمكّن من الصّبر حتّى حفل الزّفاف.”
تمتم بكلمات غامضة و هو يتنهّد، ثم اختفى خلف السّتارة.
‘ما الذي سيصبر عليه؟ الغضب؟ الحنق؟ الانزعاج؟’
بينما كانت فيفيان تفكّر في معنى كلامه، نادتها الخادمات بأصوات مرحة.
“سيّدتي، انتهينا الآن.”
بعد أن فكّت شعرها الطّويل و ارتدت ثوب نوم خفيف مع رداء، شعرت بجسدها أخفّ وزنًا.
ارتدت فيفيان خفًّا أبيض ناعمًا واتّجهت عبر الممرّ إلى غرفة النّوم.
ما إن رفعت السّتارة، حتّى تحوّل المكان الزّاهي إلى فضاء قاحل خالٍ من الدّفء.
كان ذلك لأنّ أصلان يكره التّرَف، فلم يضع سوى الأثاث الضّروري.
“هل انتظرتَ طويلًا؟”
“لا بأس.”
كانت جميع الأثاث في غرفة النّوم ضخمة تناسب حجمه. لكن، على عكس الجوّ القاحل، كان هناك أريكة صغيرة ناعمة في الوسط، واضح أنّها مخصّصة لفيفيان.
“إرسال الدّعوات أمر مزعج.”
كان تحديد حجم حفل سن البلوغ بشكل معتدل هو المشكلة.
في البداية، لم ترغب في تعقيد الأمور أو جذب الانتباه، ففكّرت في فعل ما يفعله الآخرون.
لكنّها أغفلت قوّة عائلتي إليونورا وبلاكفورد.
مجرد دعوة أتباع العائلتين كان كافيًا لتجاوز حجم حفل بلوغ أيّ نبيل عادي، ممّا جعل اختيار المدعوّين أمرًا صعبًا للغاية.
“بالمناسبة، كيف سارت أمور الشّمال؟ بدوتَ مشغولًا لفترة، يبدو أنّك حللتَ الأمر.”
“كلّ ذلك بفضلكِ.”
مؤخّرًا، كثرت لقاءات أصلان مع الماركيز باستيان على انفراد.
كلاهما كان معروفًا بعدم اهتمامه بالتّواصل الاجتماعي، لكن بفضل مساعدة فيفيان لزوجة الماركيز، بادر الأخير بمدّ يد الصّداقة.
لكن فيفيان، التي لا تهتم بأمور الخارج، هزّت كتفيها وتفحّصت القائمة التي اختارها أصلان.
“إذن، سأقرّر قائمتك بهذا الشّكل. يجب أن أسأل أخي أيضًا، لذا أرسل شخصًا إلى إليونورا غدًا.”
“حسنًا. هل تحتاجين شيئًا آخر؟”
“و…”
قبل أن تتكلّم، ألقت فيفيان نظرة خاطفة على أصلان.
في الحقيقة، دعوة الضّيوف لم تكن صعبة، إذ يمكنها تكليف أصلان أو أليكس بذلك.
‘المشكلة الحقيقيّة هي العائلة الإمبراطوريّة، و بالأخص يوهانس.’
في الرّواية الأصليّة “لعنة أستاروت”، حضر يوهانس حفل بلوغ سن رشد البطلة دون دعوة، و حاول التّفريق بينها و بين أصلان، جاعلًا إيّاه يشكّ في قلبها.
بالطّبع، لم تكن فيفيان البطلة، بل مجرّد شريرة عابرة…
‘لكن كلّ ما حدث للبطلة في الرّواية وقع لي بطريقة مشابهة.’
رغم أنّ الحفل سياسيّ بطبيعته و لا يحضره أفراد العائلة الإمبراطوريّة المباشرون، إلّا أنّ تصرّفات يوهانس المتهوّرة تجعل من الصّعب التّخلّي عن الحذر.
“أصلان، أظنّ أنّه يجب إرسال دعوة للعائلة الإمبراطوريّة…”
“لا داعي لذلك. لن يأتوا على أيّ حال.”
كما توقّعت، تجمّد صوت أصلان بمجرّد ذكر العائلة الإمبراطوريّة.
إرسال دعوة دون إذنه قد يثير سوء تفاهم. كان من الأفضل أن تطرحه مسبقًا.
“أعلم أنّهم لن يأتوا، و لا يجب أن يأتوا أصلًا.”
“إذن، انتهى الأمر.”
“لكن، أصلان، أنا متعبة. أن أُجرَّ إلى شائعات لا أساس لها، و أن أُذكر بأمور لم أفعلها…”
أخفضت فيفيان عينيها متعمّدة.
كان فكّ أصلان مشدودًا، و لم يبدُ أنّه سيتجاوب معها بسهولة.
‘حسنًا، سأنتقل إلى المرحلة المتقدّمة إذن.’
تزامن تأثير الدّواء مع صوتها المبحوح، و أضافت ارتعاشة طبيعيّة بخلع خفّها بهدوء.
عندما تعرّضت قدمها للهواء البارد، انتابها القشعريرة.
“في هذا الحفل، عن ماذا سيتم انتقادي؟ أيّ شائعة سخيفة ستنتشر عنّي؟ أنا خائفة.”
“فيفيان.”
“أريد أن أتعامل مع دعوة العائلة الإمبراطوريّة بما يتماشى مع الأعراف، لكن إن كنتَ لا تريد ذلك، فلن…”
لم تكمل فيفيان جملتها.
احتضنها أصلان بقوّة، ممسكًا بكتفيها.
تسرّب عبير المسك الذي يشبه رائحته إلى رئتيها، و شعرت بعضلاته المشدودة عبر قميصه الرّقيق. كانت تلك العضلات التي كادت تخنقها يومًا.
تنفّست فيفيان بعمق من التّوتّر.
كأنّه يطمئنها، وضع يده الدّافئة على عنقها النّحيل.
“إذا بكيتِ، لا أعرف ماذا أفعل.”
لم تفهم من أين استنتج أنّها تبكي، لكن فيفيان كتمت تساؤلاتها و دفنت وجهها في صدره.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 47"