مسح خوان العرق البارد الذي غمر جبينه بينما كان يتذكر طلب ولي العهد.
“قال نفس كلام الأمير الثاني. أن أنقذ الآنسة مهما كلّف الأمر…”
كان خوان يعمل في مصنع صباغة كيميائية صغير في أطراف القارة سابقًا. و اكتشف مصادفة أن هناك خصائص غريبة في صبغة وردية جافة.
حيث أنّ وحشًا بريًا أكلَ الصّبغة التي سقطت على الأرض، و ظلّ يركض بلا تعب لأيام قبل أن يموت بعد أن خرجت رغوة من فمه.
ومنذ ذلك اليوم، سرق خوان طريقة صنع الصبغة و هرب.
تظاهر بأنه طبيب جاء من قارة أخرى، و اشتهر بسرعة في الإمبراطورية بعد أن نجح في منح مرضى لا أمل في شفائهم طاقة زائدة.
و لحسن الحظ، صمد البشر أكثر من الحيوانات، و لم يتم اكتشاف خداعه.
و بينما بدأ خوان يجمع الثروات في غمضة عين و يفكر في الانتقال إلى مستوى أعلى، اتصل به ولي عهد الإمبراطورية.
و قد عرض عليه منصب الطبيب الملكي، و وعده بثروة و سلطة مدى الحياة إن أنقذ شخصاً ما.
“هناك شخص مهم جداً بالنسبة لي. امرأة أرغب في إنقاذها و إبقائها بجانبي.”
لم يكن ليفوّت مثل هذه الفرصة الذهبية.
و الأهم من ذلك، أن ولي العهد بدا طيبًا و متعاطفًا. كان يشتهر بمسامحته لأخيه الذي ينافسه على العرش، و كان انطباعه الأول مطابقًا لتلك السمعة.
‘سأقول ببساطة انني فعلتُ كل ما بوسعي و فشلت. ماذا يمكنهم أن يفعلوا؟ لو كانت هناك ضمانات في الطب ، لكان النبلاء يعيشون لآلاف السنين!’
اعتقد أن الأمور ستمضي هكذا…
و لكن حين عاد خوان إلى الواقع، حدّق في المشهد أمامه بذهول. رفّ حديدي سميك قد انطوى مثل ورقة.
و قد حدث هذا فقط عندما أمسك به الأمير الثاني بيده.
‘رغم أنهما مخطوبان، إلا أنني سمعتُ أن علاقتهما سيئة. فلماذا تدخّل الآن ؟’
كلما فكر في الأمر، لم يستطع إلا أن يشتم في داخله.
كانت مجرد نظرة من الأمير الثاني تكفي لخنقه بضغط هائل. مجرد تذكر ذلك الموقف جعله يرتعد.
لو أخطأ قليلاً، فلن ينجو. كان خوان يملك حدساً حاداً منذ زمن.
‘إءا تحسّن الآخرين من دون أن يحدث ذلك عند الأميرة، فسيجعلهم ذلك يشكّون بالتأكيد.”
يبدو أنه يجب عليه تغيير الخطة. سيأخذ ما يريد مرة واحدة ثم ينسحب في الوقت المناسب.
‘في النهاية، سأعطي هذه الدواء للأميرة أيضاً…’
رفع خوان كيس الأدوية الذي تشتت تحت الرف المنهار بوجه متجمد.
* * *
في هذه الأثناء، كان ظهر فيفيان مبللاً بالعرق البارد.
لم تكن قد التقت الماركيز باستيان من قبل، لكنها رأت صورة له معلقة في القاعة عندما دُعيت إلى حفلة الشاي.
‘من كان هذا الشخص مرة أخرى؟’
شعرت أنها سمعت الجواب من كبير الخدم من قبل، لكنها لم تنتبه بسبب تركيزها على معلومات سيليا باستيان.
“الأميرة إليونورا؟”
“آه، تحياتي للماركيز باستيان.”
حين لم تجب فيفيان لفترة، ناداها الماركيز مجدداً.
عادت إلى رشدها فجأة و انحنت له، فردّ الماركيز التحية رأسه.
“هل زوجتكَ في جلسة علاج حاليًا؟”
“نعم، هذا صحيح.”
“لا بد أن الأمر متعب بالنسبة لك.”
“لا، على الإطلاق.”
“……”
ساد صمت محرج بين الاثنين.
في الظروف العادية، كان من الممكن تبادل بعض الكلمات الخفيفة ثم المغادرة بشكل طبيعي.
لكن كلّما تذكرت فيفيان الضجة التي حدثت في قصر الماركيز، شعرت بالإحراج و أرادت أن تختبئ تحت الغطاء.
حتى الآن، كان كل ما تفكر فيه هو الهروب قبل أن تظهر زوجة الماركيز، و لم تكن في مزاج لتبادل الأحاديث.
أما الماركيز…
‘لا بدّ أنه يريد توبيخي بشدة لإدخال الإشاعات إلى قصره!’
بمجرد النظر إلى وجهه، يبدو صارماً بشكل لا يسمح حتى لإبرة بالمرور.
“تقول زوجتي ان نظرها تحسن كثيراً بعد تناول الدواء. ماذا عنكِ يا اميرة؟”
“آه؟ أ… أنا لم أتناوله بعد.”
كان خبراً سعيداً أن الماركيزة استفادت من مكملات العيون.
لكن أكثر ما كان يشغل بال فيفيان هو ما يجري في الممر. فقد كان شعورها قوياً بأن سيليا باستيان ستظهر في أية لحظة.
“قالت لي زوجتي إنكِ أحببتِ دواء السعال الذي أعطاكِ إياه طبيبنا.”
“آه… لا أعرف كيف أعتذر للسيدة…”
بينما كانت فيفيان منجرفة في أفكارها، استعادت وعيها فجأة.
“لا، أقصد… أنا ممتنة حقاً لما فعلته السيدة في ذلك اليوم.”
“لا بأس. في الحقيقة، كانت تنتظركِ لتعطيكِ الدواء بنفسها، لكن للأسف لم تتزامن الأوقات.”
“شكراً لكَ على كل حال.”
“هذا من أجلكِ.”
لاحظت فيفيان أخيراً الحقيبة النسائية التي كان يحملها الماركيز طوال الوقت.
و من شكلها، بدت و كأنها حقيبة زوجته. أخرج منها حزم الأدوية المغلفة بعناية بشريط.
شعرت بالذهول قليلاً، إذ ظنّت أن كلامه كان مجرد مجاملة.
“أعتذر لطرح هذا الموضوع فجأة، لكن لديّ طلب منكِ . زوجتي خجولة قليلاً، لذا لا تستطيع قول ذلك بنفسها.”
بدأ الماركيز الكلام بشكل غير مباشر.
“سمعت أن حفل بلوغكِ سيكون الشهر المقبل. ستحتاجين إلى وصيفات يساعدنكِ…”
“ماذا؟”
لم تكن تتوقع أبداً هذا الموضوع يخرج من فمه.
في الإمبراطورية، كان حفل البلوغ حدثًا مهمًا لا يقل عن حفلات الزفاف.
وكانت فرصة عظيمة لعرض العلاقات الاجتماعية، لذا عادة ما يُطلب من شخصيات مرموقة مرافقة صاحبة الحفل.
لكن فيفيان، التي كانت مريضة بالسل، قطعت علاقتها بالمجتمع الراقي.
لم يكن لديها حتى ضيوف مدعوين ، و كانت قد طلبت من أختها غير الشقيقة ، إيريس ، أن ترافقها فقط.
“أودّ أن تقترحي على زوجتي أن تكون إحدى وصيفاتكِ في حفل بلوغك.”
تجمدت فيفيان مندهشة، و أخدت ترمش بعينيها في ذهول.
ربما فسر الماركيز رد فعلها بشكل آخر، فتابع حديثه.
“أعلم أنني كرجل قد طلبتُ طلبًا وقحًا. لكني لم أر زوجتي متحمسة إلى هذا الحد منذ وقت طويل. لا بد أن ذلك بفضل الأميرة.”
“……”
“لو سمحتِ لسيليا بأن تكون وصيفتكِ في حفلة البلوغ، فسأرد لكِ الجميل بما يليق باسم عائلتي.”
كان لدى هذا الطرف المال و السلطة أيضًا. أما شرفهم فقد دُفن في الوحل، لكن ذلك لم يكن عائقًا أمامهم ليعيشوا حياة مريحة.
ومع ذلك، أومأت فيفيان برأسها بسلاسة.
كان السبب هو أن صورة سيليا باستيان وهي تركض حاملة دواء السعال في ذلك اليوم في منزل الماركيز قد ظلت عالقة في ذهنها بشكل غريب.
“سأرسل شخصًا إلى السيدة قريبًا. لكنني أوافق على طلبكَ، سيدي الماركيز، ليس من أجل المكافأة.”
“أعرف طبيعة الأميرة النبيلة التي لا تتحمل الظلم. لذا فلتعدّي هذا شكرًا شخصيًا مني لا علاقة له بموضوع الوصيفة.”
لم تكن تعرف ما هي المكافأة التي يقصدها الماركيز، لكن في كل الأحوال لن تخسر شيئًا من قبولها.
أومأت برأسها، و غادر الماركيز بعد أن قال شيئًا غامضًا عن أنّ أمور الشمال ستحل قريبًا.
و هكذا، حلّـت فيفيان دون أن تدري مشكلة أخرى من مشاكل أصلان.
* * *
بعد عدة أيام، كتبت فيفيان رسالة إلى الماركيزة باستيان و هي غير واثقة تمامًا مما تفعل.
وضعت الرسالة المكتملة في الظرف لكنها لم تستطع إخفاء شعورها بعدم الارتياح.
‘هل من الصحيح أن أفعل هذا حقًا؟’
بما أن الماركيز طلبَ منها ذلك، فقد كتبت الرسالة، لكنها لم تستطع تصديق أن زوجته تريد حقًا أن تكون وصيفة.
عندما فقدت السيطرة في منزل الماركيز و جعلت الناس يجثون، كانت الماركيزة تنظر إليها بعيون واسعة كأرنب مذعور.
كانت تبدو حقًا كحيوان عشبيّ خائف أمام وحش هائج.
‘حسنًا ، الأمر ليس من مسؤوليتي. الماركيز هو من طلب ذلك. و إذا كان لديها اعتراض، فلتذهب و تشتكي لزوجها…’
بعد أن ختمت الظرف بالشمع، نهضت فيفيان من على الطاولة و كأنها أنهت كل شيء بالفعل.
‘بصراحة، أشعر بالفضول لمعرفة ما هي المكافأة التي تحدث عنها الماركيز.’
رغم أنها أخبرته أنه لا حاجة للمكافأة، لكن من طبيعة البشر أنهم يفكرون بهذه الطريقة.
و بما أنه ذكر اسم العائلة، فمن المؤكد أن الماركيز قد حضّر هدية فاخرة جدًا لحفل البلوغ. ربما شيء مثل جوهرة ثمينة.
‘مبدئي هو أن أرحّـب بالمال الذي يدخل و أمنع المال من الخروج.’
كانت تومئ برأسها بسعادة عندما دخل أصلان من الخارج.
كان يحمل صينية و كوب ماء.
“هل هو الدواء؟ كان بإمكانكَ أن تطلب من الخادمات فعلها، لماذا تكلف نفسكَ عناء ذلك؟”
“إذا تركته لهن ، فلن تتناولي الدواء لأنه سيء المذاق.”
“مم، متى قلتُ ذلك؟”
رمشت فيفيان كأنها تسمع بذلك لأول مرة في حياتها. كان ضميرها قد مات منذ زمن بعيد.
ربما أعجبه كذبها اللطيف، فابتسم أصلان و جلس على الطرف الآخر من الطاولة. ثم كاد أن يفتح كيس الدواء بنفسه لكنه توقف فجأة.
“لونه غريب.”
“أليس كذلك؟”
ذلك الدجال بدأ يصف لها الدواء المريب فجأة، ولا أحد يعرف ما نيته.
لحسن الحظ، كانت لا تزال تملك الكثير من مكملات العيون التي أعدتها مسبقًا، لذا أعطتها لإيما، بينما أخفت الدواء الحقيقي في أسفل الدرج.
“لا تقلق، أريته للطبيب الخاص بنا أيضًا.”
“لقد سمعت عن ذلك. حتى هو قال انه لم يرى مكونات مثل هذه من قبل.”
“لأن خوان من قارة أخرى. لا تضغط على الأطباء كثيرًا.”
أما بالنسبة لطبيب قصر الدوق، فقد أعطته الدواء الحقيقي.
لأنه سيتمكن بسهولة من تحليل مكوناته، و كان من الخطير أن يُكشف أمرها .
لكنها أوصته عدة مرات بألا يتناوله لأنه قد يكون قاتلًا لمن لا يعاني من أي مرض. و كان هذا بالضبط ما يقوله خوان لمرضاه.
“آه، طعمه سيء!”
“أحسنتِ.”
شربت فيفيان الدواء و الماء الذي قدمه أصلان دفعة واحدة. و عندما ارتجف جسدها قليلاً، ناولها أصلان قطعة شوكولاتة صغيرة وضعها على شفتيها.
ظل يحدق في شفتيها اللتان احمرّتا مثل ثمرة ناضجة و كأنه مسحور.
“قلتِ إنك ذاهبة لاختيار فستان حفل البلوغ اليوم. هل أذهب معك؟”
“أختي ستنزعج.”
‘سنكون عائلة قريبًا، لذا يجب أن نكون مقربين.”
“ليس فقط بسبب أختي… في الحقيقة، لا أريد أن يرى أصلان الفستان عليّ.”
“و لماذا؟”
نظرة أصلان ، التي كانت دافئة كأشعة شمس منتصف الصيف، تجمدت فجأة بشكل خطير.
التعليقات لهذا الفصل " 43"