“أوه، انظري إلى كلماتي. لقد كنت قاسية في كلامي تجاه شخص يائس. أعتذر، يا سيدة سيليا.”
“…….”
“لكن لم أقصد شيئًا سيئًا. تفهمينني، أليس كذلك؟ إن رؤيتكِ تتعلقين بأمر ميؤوس منه ثم يخيب أملكِ مرارًا و تكراراً جعلني أشهر بالحزن من أجلكِ.”
تغير تعبير وجه الماركيزة، التي كانت تضحك مهما قيل لها سابقًا، ليصبح ثقيلاً و مكتئبًا. كانت تتظاهر بأنها بخير، لكن من الواضح أنها تأذت.
و مع تغير الأجواء، حاول الناس تبرير الأمر بإضافة كلمات من هنا وهناك.
“أنتِ تفهمينا يا سيدة سيليا، أنا بطبيعتي صريحة بعض الشيء، أليس كذلك؟”
“صحيح. لقد قالت ذلك بدافع القلق عليكِ، و لم تقصد أي إساءة بالتأكيد.”
“بالطبع.”
كانوا يظنون أن الماركيزة ستقول كعادتها انّها بخير. تمامًا كما في كل مرة.
و علاوة على ذلك ، كانت عيونهم جميعًا تلمع بابتسامات ساخرة.
كانت تلك النظرات الساخرة مألوفة بطريقة ما لفيفيان.
رغم أنها تراهم لأول مرة اليوم، إلا أنها شعرت بعدم الارتياح كما لو أن الحشرات تزحف على جسدها.
“مستوى منحطّ لا يُحتمل.”
“نعم؟”
“هل لأنني نبيلة رفيعة المستوى في مجتمع الطبقة ، ظننتم أنني سأجد تصرفاتكم ممتعة و أمنحكم دعمي؟ يا لِأحلامكم وردية.”
نظرت فيفيان إلى أظافرها المصقولة و ضحكت.
“لو كنتم ترغبون في كسب رضاي، كان من الأفضل أن تأتوا بشيء أكثر إبداعًا. مثلًا، ما رأيكم أن تصفعوا بعضكم أمامي؟ على الأقلّ سيكون ذلك أفضل من هذا.”
رفعت نظراتها بخفة.
“ماذا تفعلون؟ ألن تفعلوا شيئًا؟”
في اللحظة التي رسمت فيها ابتسامة ملتوية على شفتيها، اندفعت البارونة غاضبة عندما التقت نظراتها بفيفيان.
“آنستي، أليس هذا وقحًا للغاية؟ عليكِ الاعتذار فورًا!”
“أخي الأكبر يكون دوق إليونورا، و خطيبي هو دوق بلاكفورد، ما الذي يمكنكِ فعله إن تصرفتُ بوقاحة؟”
“إن أخبرتُ العائلة الإمبراطورية بهذا فلن يتم مسامحتكِ ، حتى وإن كنت أميرة…”
“آه، و هل لديكِ الحق في دخول القصر الإمبراطوري أصلًا؟ لقد قابلتُ ولي العهد قبل أيام، ففكري جيدًا، من برأيكِ ستُصدق العائلة الإمبراطورية أولاً؟”
كانت تعني أنها ستسبقها إلى قلب الحقائق لصالحها.
و أثناء قمع فيفيان للبارونة بكل سلاسة، أخفض الآخرون رؤوسهم دفعة واحدة، و كأنّ الأمر لا يعنيهم.
لاحظت فيفيان ذلك، فابتسمت بعينيها ببريق مرح.
“لماذا تتهربون جميعًا من نظراتي؟ هذا يجعلني حزينة.”
بمجرد أن تكلمت، رفع الحضور رؤوسهم مجددًا. لكن على وجوههم كانت هناك مشاعر خوف واضحة، و امتعاض كذلك.
و هذا أغضبها.
“لا تخبروني أنكم انزعجتم؟ أنا فقط أردتُ أن أنصحكم حتى لا تختفوا فجأة بعد أن تتطاولوا دون أن تدركوا مكانتكم. لكن، ربما كنت قاسية قليلًا مع أناس يائسين؟”
نظرة فيفيان الحادة كانت كفيلة بأن تُشعر من يراها بالقشعريرة.
فهي وُلدت كابنة مرموقة لأحد أعرق عائلات الإمبراطورية، و عاشت دائمًا على حافة سكين حاد وسط الغيرة و الإعجاب.
و بالإضافة إلى سمعتها كأسوأ امرأة في المجتمع الراقي ، كانت قادرة على إخضاع الحثالة بنظرة واحدة.
“هناك فرق في المكانة ، لذا لا تفكروا في التسلق نحوي بخبث.”
“…….”
لم يجرؤ أحد على رفع رأسه. حتى البارونة ، التي كان وجهها يتلون من الغضب و الخجل، لم تستطع النطق بكلمة.
ثم فجأة ، غيرت فيفيان تعبيرها في لحظة.
“حسنًا، تعرفون ما يجب فعله الآن، أليس كذلك؟”
كان ما تريده واضحًا. فقد كانت تردّ الإهانة التي تمّ توجيهها سابقًا إلى الماركيزة بطريقة ملتوية.
أولئك الذين لا يعرفون قدرهم لكن يملكون استيعاب، وقفوا بتردد من أماكنهم.
“سيدة سيليا، كنت قاسية في كلامي سابقًا، أنا أعتذر.”
“و أنا أيضا آسفة.”
و بدأت السيدات واحدة تلو الأخرى بالاعتذار، تبعًا لأول من فعلت.
لكن هذا لم يكن كافيًا ليرضيها. لأن فيفيان، التي نهضت ببطء ، وقفت خلف الماركيزة و رفعت كتفيها بلامبالاة.
“هل تظنون أن مجرد كلمة اعتذار تكفي؟”
“ماذا يجب أن نفعل…؟”
“اركعن.”
ابتسمت فيفيان بهدوء.
“بهذه الطريقة فقط ستصل مشاعركن الصادقة، ألا تظنون ذلك؟”
“أميرة، أنا لا أشعر بأي ضيق…!”
“شش.”
وضعت يدها برفق على كتف الماركيزة التي حاولت النهوض، و نظرت مجددًا إلى النساء الأخريات.
اركعن، أو تحملن عاقبة إغضابي.
لم يكن أمام السيدات سوى خيار واحد.
* * *
لم تمر سوى ثلاثة أشهر منذ أن اجتاحت العاصمة فضيحة الوصية، وها هي فيفيان مرة أخرى تصبح محور الجدل في المجتمع الراقي.
فما حدث في المستشفى، حيث أثارت الفوضى في مكان يجب أن يكون مهيبًا ، لم يكن كافيًا ، حتى انتشر خبر إجبارها لسيدات أكبر منها سنًا على الركوع في حفل الشاي الذي أقيم في قصر الماركيز باستيان في اليوم التالي.
كانت الإمبراطورة تتناول الشاي مع يوهانس وتتحدث عن تلك الشائعات.
“يقال إن الأميرة أثارت الفوضى في المستشفى، أليس كذلك؟”
“نعم، جلالة الإمبراطورة.”
“لأيّ سبب؟”
انحنت الوصيفة التي كانت تخدم الإمبراطورة وأجابت.
“حضرت بكامل زينتها، مما جذب أنظار الناس.”
” هل هذا كل شيء؟”
“بصراحة، لا أفهم السبب جيدًا أيضًا. تقول عمتي، التي كانت في المستشفى في اليوم نفسه، إن ما كانت ترتديه الأميرة كان فستانًا أزرقًا خاليًا من زينة.”
عمة الوصيفة كانت الكونتيسة إيفانا، إحدى الشخصيات البارزة في المجتمع.
و برغم خبرتها الطويلة و ذوقها الرفيع في الأمور الفاخرة، فإن بصرها قد تراجع كثيرًا مؤخرًا بسبب الشيخوخة، ما جعلها ترى الفستان الباهظ الثمن كأنه بسيط.
“و فوق ذلك، الشخص الذي أحدث الضوضاء فعليًا هو الحارس الشخصي للآنسة، ديلان، يقال إن الأميرة وبخته بصرامة و اعتذرت للماركيزة باستيان عن تصرفه بلباقة.”
“كما توقعت.”
أومأت الإمبراطورة و كأنها كانت تعرف كل شيء مسبقًا.
“بما أن جمال الأميرة باهر كزهرة، فلا عجب أن تجذب الأنظار مهما ارتدت، و إذا انتقلت القصة عبر أفواه الناس فستكبر ككرة الثلج، هذا أمر طبيعي.”
أومأت الوصيفة موافقة، ثم تابعت.
“لكن لا نعرف ما الذي حدث بالضبط في قصر الماركيز باستيان. حسب ما سمعته ، يبدو أنها أجبرت السيدات على الركوع بالفعل…”
“أنا أستطيع توضيح ذلك.”
تدخل يوهانس ، الذي كان يستمع بصمت ، بهدوء.
“أمّي، أنتِ تعرفين شخصية الماركيزة جيدًا، أليس كذلك؟”
سيليا باستيان نادرًا ما تظهر في المجتمع ، لذا لا يعرفها الكثيرون.
لكن الإمبراطورة كانت تعرف جيدًا أن سيليا طيبة و لطيفة إلى حد يجعلها فريسة سهلة لحثالة المجتمع.
“كما أنكِ تعرفين أيضًا حقيقة شخصية الأميرة، المخفية خلف الشائعات.”
“آه، الآن بدأت أفهم الصورة.”
كانت الأميرة تنتمي لطبقة النبلاء الرفيعة و تحمل كبرياء و صفات نبيلة بالفطرة.
و من المؤكد أنها لم تكن لتتغاضى عن الظلم الذي تعرضت له سيليا باستيان.
لاحظ يوهانس تغير ملامح الإمبراطورة، فأكمل حديثه.
“الناس يختارون ما يصدقونه ، لذا أعتقد أن الأميرة تمرّ بوقت عصيب.”
“هل تطلب مني مساعدتها؟”
“حتى من دون أن أطلب، أعلم أن والدتي ستتدخل من تلقاء نفسها.”
و رغم أنه رجل ناضج الآن ، فإن حديثه اللبق سرّ الإمبراطورة.
ابتسمت برضا.
“صحيح، لقد أنقذت حياتي مرتين ، لذا يجدر بي أن أرد الجميل و لو قليلاً.”
و بإشارة منها، اقترب فارس من خدمها بسرعة و انحنى.
“الشخص الذي نشر الشائعات لا بد أنه من السيدات اللواتي حضرن حفل الشاي، صحيح؟”
“كيف ترغبين بمعالجة الأمر؟”
“بما أن عائلاتهن ليست ذات شأن كبير، فافعل ما تراه مناسبًا. لا داعي لإبلاغي بالنتائج، فالأمر بسيط.”
“كما تأمرين، جلالتك.”
أي أن تسحقهن فلا يجرؤن على الظهور في العاصمة مجددًا. انحنى الفارس و غادر.
ثم أرسلت الإمبراطورة وصيفتها، وسألت يوهانس:
“سمعت أن الماركيز باستيان يحب زوجته بشدة، فلو علم بما جرى فلن يبقى صامتًا، أليس كذلك؟”
“نعم، أعتقد ذلك أيضًا.”
تولّت عائلة باستيان عبر الأجيال منصب كبير القضاة، و كان الماركيز يملك سلطة كبيرة على قوانين الإمبراطورية، أستاروت.
لكن نظرًا لحياده الشديد، فقد رفض عروض الإمبراطورة المتكررة.
“أخشى أن يؤدي هذا إلى أن جعله يمدّ يده نحو قوى مظلمة.”
“لا تقلقي ، والدتي. الماركيز يتمتع بشخصية صارمة و يفصل بوضوح بين حياته العامة و الخاصة، لذا حتى لو كافأ الأميرة شخصيًا، فلن يحدث ما تخشينه.”
انحنى طرفا عيني يوهانس و هو يضع فنجانه جانبًا بابتسامة هادئة.
“ثم حتى إن خفف حدوده قليلًا لأجل مكافأة ، فلا بأس. فالرجل الذي سيكون بجانب الأميرة في النهاية هو…”
لم يُكمل كلامه، لكن الإمبراطورة فهمت مغزاه.
“لو سارت الأمور كما نأمل ، سنكسب حليفًا قويًا بشكل غير متوقع. أخبر خوان أن يولي علاج الأميرة عناية خاصة. سمعنا أن مهارته الطبية عظيمة، لذا أنا واثقة أن أخبارًا جيّدة ستأتينا قريبًا.”
“نعم، سأبذل جهدًا أكبر.”
كل شيء كان يسير كما هو مخطط له. أومأ يوهانس برأسه بهدوء.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 40"