كان ولي العهد يوهانس من بين الأشخاص القلائل الذين يعرفون حقيقة اللعنة.
كان هو البطل الثاني في الرواية الأصلية، وكذلك الخصم الرئيسي، وكان أيضًا أحد الأطراف التي قادت نهاية الرواية إلى مأساة.
عندما يموت الشخص الملعون، تنتقل اللعنة إلى شخص آخر. لم يكن بالإمكان الاطمئنان لمجرد أنه وُلد كإنسان دون مشاكل.
ونظرًا لخاصية اللعنة التي تنتقل عبر سلالة العائلة المالكة، فإن احتمالية أن يكون الضحية التالية هو يوهانس، الذي كان من المفترض أن يُلعن أصلًا، كانت شبه مؤكدة.
‘لذا فإن أصلان ليس إلا قنبلة موقوتة بالنسبة لولي العهد. لا يمكنه أن يطمئن إلا إذا قيده و أمسك به في قبضته.’
رواية <لعنة أستاروت> تنتهي بهزيمة البطل أمام ولي العهد، و في النهاية يتم إيقاظ الشيطان.
ضحى بنفسه كقربان ليجلب نهاية البشرية.
السبب الذي دفع أَصلان لاختيار ذلك كان واضحًا.
لكي لا يُؤسر من قبل ولي العهد و يقضي حياته كجثة حية، ولكي يجعل أولئك الذين احتقروه يتذوقون نفس الألم الذي شعر به.
في اللحظة التي أفاقت فيفيان من أفكارها، سُمعت همسات مكبوتة من مكان قريب.
“هناك كهف هنا.”
“الأداة السحرية تتفاعل. الهدف بالداخل.”
“مهما حدث، لا تقتله. تذكر هذا… آآآه!”
“كروووو!”
انقضّ أصلان خارج الكهف دون أن يترك لفيفيان فرصة لمنعـه. ثم غرس مخالبه الهائلة مباشرة في قلب القاتل.
كان من الواضح أن القاتل تابع لولي العهد بناءً على المحادثة التي سمعها للتو.
في كل مكان يهجم فيه أصلان، كانت تصدح صرخات الموت المروعة. قُتل العديد من المغتالين وسقطوا كالذباب.
‘لكن، أليس عددهم كبير جدًا؟ إن لم أتدخل…’
كان يعاني من جرح كبير في خاصرته. لو دخل الجرح أعمق قليلًا ، لكان قد مزق أحشاءه ، فقد كان جرحًا خطيرًا للغاية.
و فوق ذلك، كان لسبب ما يقاتل و ظهره يسد مدخل الكهف.
رغم أن التحرك في مساحة أوسع دون قيود كان أفضل، إلا أنه كان يتصرف و كأنه لن يسمح لأحد بالدخول إلى الداخل.
ولم يكن غريبًا أن تتزايد الجروح الطفيفة على جسده.
بدأ المغتالون بتغيير أساليبهم، حيث قاموا بطعنه بشكل خفيف ثم يتراجعون مرارًا. كما بدأوا الهجوم من مسافة باستخدام الأقواس.
“الكهف في الداخل يبدو مشبوهًا!”
“لا بد أنه يخفي شيئًا هناك. اخترقوه!”
زمجر أصلان غاضبًا عندما سمع حديثهم. بدأ بريق عينيه الذهبيتين يتحول إلى اللون الأحمر.
‘هذا خطير. إن استمر في هذه الحالة، فلن يستطيع العودة إلى هيئة الإنسان أبدًا.’
لا يجب أن يُبتلع باللعنة. إذا فقد أصلان ذاته و أحيى الشيطان أستاروت بالكامل، فسيتنهي العالم.
فيفيان، التي كانت تعض شفتيها بقلق، قبضت في النهاية على خنجيها بإحكام. ثم غرست أحدهما في رقبة مغتال كان يهاجم أصلان من الخلف.
“آآاااه!”
“عد لرشدك، أيها، أيها الكلب! هل تريد أن تموت هنا؟!”
لم يكن بإمكانها أبدًا الكشف عن الهوية الحقيقية لأسد الليل.
أن تصبح هدفًا لولي العهد لأنها أدركت سر العائلة المالكة، أو أن تصبح هدفًا لأصلان، كانت ترفض كلا الأمرين .
لكنها لم تكن الوحيدة التي أدركت زلتها عندما نطقت بكلمة “كلب”. أشار إليها المغتالون بأصابعهم.
“كلب؟ من هو الكلب؟”
“يبدو أنها امرأة مجنونة.”
“نعم، كل من لديه أربع أرجل و فرو كثيف و لطيف هو كلب! يا معذبي الحيوانات!”
فيفيان ندمت بعد أن قالت ذلك.
صحيح أن أصلان لديه أربع أرجل وفرو كثيف.
لكن القول بأنه “لطيف” كان مبالغًا فيه لأنه كان مغطى بالدماء، و الأهم من ذلك أن الأسد من فصيلة القطط…
‘هممم، يبدو أنه يجب أن أقتلهم جميعًا لمحو هذا التاريخ المخجل.’
بصفتها شخصًا متعلمًا تلقى تعليمًا عصريًا، شعرت بالخجل.
لذا قررت أن تقتل كل الشهود، وإذا واجهها أصلان لاحقًا بشأن ذلك، ستنكر و تقول إنها لم تقل شيئًا. فلا شهود، لا دليل.
تفادت هجمات الأعداء بانسيابية وطعنت بخنجرها مباشرة في أماكن قاتلة.
بعد تصريحها عن “الكلب”، عادت عينا أصلان إلى لونهما الذهبي الأصلي، و استأنف الهجوم.
لكن رغم القتل المتواصل تحت المطر المنهمر، لم يكن هناك نهاية.
‘ولي العهد اللعين، أرسل عددًا كبيرًا بالفعل!’
بسبب حركتها العنيفة، بلغت حدود طاقتها. بدأت أنفاسها تثقل.
ولم يكن حال أصلان مختلفًا كثيرًا. الدم بدأ يتسرب من الضمادات التي لفّتها عليه. من الواضح أن الجرح ازداد سوءًا.
إن استمر الوضع هكذا، فالمصير الوحيد هو الموت بشكل عبثي.
قررت شيئًا في نفسها وتراجعت داخل الكهف.
“هاها، هل تهربين في النهاية؟!”
“الحقوها! تخلصوا من المرأة التي تعيق المهمة أولًا!”
تحولت الأمطار والانهيار الأرضي إلى نعمة مساعدة. خلال تفقدها الكهف سابقًا، اكتشفت فيفيان صدعًا هائلًا.
صدع هش يمكن أن ينهار بأقل صدمة.
‘نعم، ادخلوا.’
دون أن يعرف نية فيفيان، استشاط أصلان غضبًا وهو يحاول منع المغتالين من ملاحقتها. لكنه كان محاصرًا بمغتالين أيضًا.
و بينما كان يصطاد الأعداء بيأس، بدأت عيناه تكتسبان اللون الأحمر تدريجيًا. في تلك اللحظة شعر المغتالون بشيء غريب.
دووووم!
انهار الكهف في طرفة عين. دُفنت فيفيان، وكذلك جميع المغتالين الذين لحقوا بها.
سكون تام. صمت لم يُكسر مهما طال الانتظار.
اهتز الهدوء فقط بسقوط بعض الصخور المتأثرة بانهيار الكهف.
لكن هذا كان كل شيء. لم يكن هناك أي أثر للحياة داخل الكهف المنهار.
“كرووووو…”
أصلان الذي كان يحدق بشرود في أنقاض الكهف، أدار بصره نحو المغتالين.
توسعت حدقة أسد الليل إلى أقصى حد. وتحولت عيناه المليئتان بالغضب إلى شكل شبيه بعيني الزواحف. كان هذا دليلًا على تقدّم تحوله الشيطاني.
تراجع المغتالون بخوف.
وفي اللحظة التي كادت تبدأ فيها مذبحة مرعبة، تدحرجت بعض الصخور من جانب الكهف.
خرجت فيفيان المتعبة تمامًا من فجوة ضيقة، وهي تنفض التراب عن نفسها.
“آه، كدت أموت هذه المرة حقًا.”
“اللعنة، كانت خدعة؟!”
“هل تظنون أني لم أترك مخرجًا للهروب؟ أنا من يقرر أين أموت. و الآن ليس وقت موتي.”
تفاجأ المغتالون بظهورها المفاجئ و تبادلوا النظرات بسرعة.
معظم حلفائهم لم يعودوا قادرين على القتال، بينما الهدف و المرأة ما زالا واقفين. خصوصًا المرأة التي كانت تبتسم بثقة، و تلعب بالخنجر في يدها كما لو كان لعبة.
“سنرى لاحقًا.”
تمتم المغتالون بعبارات بالكاد مسموعة و تراجعوا بسرعة. انسحبوا كما ظهروا فجأة.
شعرت فيفيان بالارتياح لذلك.
للأسف، لم يعد لديها حتى القوة للتفاخر.
“آه! كح كح، هاك!”
انتابها ألم مختلف تمامًا عن كل النوبات السابقة. بدأ صدرها ينقبض كما لو أن شاحنة دهسته بالكامل.
في الواقع، لم تأخذ مرض السل على محمل الجد من قبل. ربما كانت واثقة بأن لديها وقتًا كافيًا حتى تصل إلى السنة التي ذكرها الطبيب المعالج، فظنت أنه لا بأس في أن تجهد نفسها قليلًا.
لكنها الآن أدركت. النهاية تقترب منها حقًا.
“هاه.”
انهمر المطر البارد على وجهها و هي ممددة بلا حول و لا قوة. لم تكن تملك حتى القدرة على تحريك إصبع واحد.
أغمضت فيفيان عينيها بهدوء.
كانت تظن أن أصلان، كوحش بلا عقل، سيطارد القتلة حتمًا، لكنه كان لا يزال يحوم بالقرب منها.
سمعت وقع أقدام ثقيلة تقترب منها.
“منذ أن علمت بإصابتي بمرض السل، كنت أجهز نفسي نفسيًا، لكنني لم أكن أريد أن أموت وحيدة بهذه الطريقة.”
“…….”
بينما كانت تتلاى كل حواسها ، شعرت بيد كبيرة ودافئة تمسح وجهها.
أن تشعر بأن المطر البارد و كأنه لمسة يد بشرية… يا للسخرية.
“انتهى الأمر حقًا الآن…”
ليس بعد، يا أميرة.
من وراء وعيها المتلاشي، شعرت وكأن أحدهم همس بتلك الكلمات.
* * *
“هل تقول ان أثر الأميرة اختفى هنا؟”
“نعم، على ما يبدو دخلت الغابة.”
مرّت خمسة أيام منذ استلام أصلان وصية فيفيان إليونورا، خطيبته بالاسم فقط.
وكان أيضًا اليوم الخامس على بدء هجوم جماعة ولي العهد عليه.
كان بيت دوق إليونورا من أعرق بيوت النبلاء في القارة. و كانت أهميته مذكورة مرارًا في كتب التاريخ.
في عصر اليأس حين كان كل شيء يُدمّر على يد الشيطان العظيم أستاروت، كان هناك بطل مجهول رفع سيفه أخيرًا. وبجانبه، كانت هناك صديقة.
ساعدته في القضاء على أستاروت، وحصلت على أراضٍ بالقرب من العاصمة تقديرًا لمساهتمها في المعركة.
كما تم الوعد بأن اسم “إليونورا” سيُخلد إلى الأبد في تاريخ القارة.
“فتاة من هذا البيت اختفت فجأة، و ذُكر اسمي في وصيتها، لذا ستكون هذه الحادثة طُعمًا مناسبًا لنهش لحمي.”
لهذا كان عليه العثور على تلك المرأة مهما كلّف الأمر.
حين امتطى أسلان حصانه، اتسعت عينا أحد فرسانه.
“سموك، أنتَ لا تنوي دخول الغابة بنفسك، أليس كذلك؟”
“و هل هناك مشكلة؟”
“أنتَ تعلم جيدًا، إنها خطيرة!”
كان المكان الذي فُقد فيه أثر الأميرة هو غابة في جنوب الإمبراطورية. وكان الجنوب في هذه الفترة في موسم الأمطار.
حتى قبل وصوله بعدة ساعات، وقعت انهيارات أرضية بسبب الأمطار الغزيرة المفاجئة. دخول الجبل الآن كان بمثابة انتحار.
“لقد فعلتِها في النهاية، أيتها الأميرة.”
قطب أسلان حاجبيه. ظن أنها قررت الموت فعلًا، لكنه سرعان ما هز رأسه نافيًا.
“فيفيان إليونورا تُحيي صاحب السمو الدوق.”
كان ذلك قبل ثلاث سنوات من الآن، في أول لقاء لهما كخطيبين.
رغم أنها لم تعد مرشحة قوية لتصبح وليّة العهد وأصبحت فقط خطيبة لأمير عادي، فإنها حافظت على وقارها دون اهتزاز.
لا تزال ملامحها في ذاكرته: عيناها الزرقاوان العميقتان كأعماق البحر تنظران إليه، و لم يتمكن حتى هو من قراءة المشاعر الكامنة فيها.
ذلك الثبات… شعر بالدهشة منه في الحقيقة.
حينها، ظن أنه ربما كان سيحمل لها قليلًا من الود، لولا أنها أُعطيت له من قِبل الإمبراطورة كما لو أنها تتكرّم عليه.
‘يبدو أنني أفكر بأشياء لا فائدة منها الآن.’
ابتسم أصلان بسخرية.
إنها ليست من النوع الذي يموت بسهولة. لقد وُلِدت قوية و عنيدة، وليست من الذين ينتحرون.
ألم تكن دائمًا تتصرف وكأنها تعتزم إذلاله؟ وهذه الحادثة ليست إلا امتدادًا لذلك.
“سأذهب وحدي. أنتم انتظروا أسفل الجبل.”
“لكن يا سيدي!”
كان الفرسان يهمّون بالاعتراض، لكنهم خفضوا رؤوسهم فور أن التقت أعينهم بعيني أصلان.
حين يواجهونه بنظراته، يشعرون و كأن وحشًا هائلًا يقف أمامهم ، فيجتاحهم شعور بالرهبة وضيق في النفس.
كأنهم أمام كائن يفوقهم بكثير ولا يمكن عصيانه.
تركهم خلفه و وجّه حصانه إلى الغابة.
وخلال بحثه عن أثر فيفيان إليونورا، واجه قتلة أرسلهم ولي العهد يوهانس.
في البداية، لم يعرهم اهتمامًا. كانت مثل هذه الأمور تحدث دائمًا، وكل ما عليه فعله هو قتلهم كالعادة.
حتى راودته فكرة بأن نشر رائحة الموت حوله سيسهل عليه تخويف الأميرة حين يعثر عليها.
“كهه…!”
وفي اللحظة التي لوّح فيها أصلان بسيفه الضخم بعد أن حرّك جسده بتكاسل، انقبض قلبه فجأة.
كان شعورًا مألوفًا بجسده، لكنه دائمًا ما يبعث على اليأس.
منذ ولادته وحتى هذه اللحظة، لم ينسَ ذلك الإحساس المروع حتى في أحلامه.
نظر إلى ظهر يده، فوجد شعرًا أسود قاتمًا ينمو فوقها. لقد بدأ ظهور اللعنة.
“كآآآآآآه!”
صرخة تشبه الموت دوّت بحزن في أعماق الغابة السوداء.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "4"