“الحديث أمر جيد، لكن صحة السيدة تأتي أولا! إذا ارتحتِ في غرفة النوم، سأقوم أنا برفع التقرير إلى سموّه.”
“لستُ متأكدة إن كان هذا ممكنًا…”
“ثقي بي و اتركي الأمر لي.”
شعرت فيفيان لأول مرة أن وجود ديلان الثرثار الزائد عن اللزوم مطمئن. يبدو أن كونه الرجل الثاني في فرقة الفرسان التي يقودها أصلان لم يكن مجرد كلام فارغ.
أومأت فيفيان برأسها كما لو كانت مكرهة.
ثم صعدت إلى غرفة النوم، و بدّلت ملابسها إلى شيء مريح و استلقت لترتاح قليلاً، فإذا بخطى مألوفة تُسمع خارج الردهة.
يبدو أن أصلان أنهى حديثه و صعد إليها.
“سأدخل الآن، فيفيان.”
“لقد دخلتَ بالفعل.”
“كنتُ مستعجلاً.”
انفتح ستار البيلود الذي يتظاهر بأنه مجرد ستارة بين غرفة فيفيان و أصلان على مصراعيه.
استقبلته فيفيان و هي جالسة براحة على رأس السرير. حين التقت أعينهما، مشى أصلان بخطى واسعة و جلس على طرف المرتبة.
“…..”
لكنه لم يقل شيئًا.
فقط عيناه الذهبيتان، اللتان أصبحتا أكثر عمقًا، راحتا تجولان ببطء على وجهها.
شعرت بوضوح بنظراته تسير على ملامحها الرقيقة.
أدارت فيفيان رأسها بشكل طبيعي و كأنها ترتب شعرها خلف أذنها.
‘ما هذه الأجواء التي تشبه الاستجواب؟ لا يكون ديلان قد قال شيئًا خاطئًا؟’
عندما تتذكر سجله الحافل بالحماقات، فهذا احتمال وارد جدًا. لقد كانت مجنونة لانها وثقت به ولو للحظة.
‘اللعنة، كيف يمكنني تدارك الأمر؟ لا أعلم حتى ما قاله ديلان!’
بينما كانت فيفيان تكرر التنفس لتُهدّئ الأدرينالين المتصاعد، عضّ أصلان شفته السفلى و مَرر يده بعنف في شعره الأمامي.
“رؤيتكِ تتألمين هكذا… يجعلني أشعر أنني لم أكن جديرًا بثقتكِ…”
“نعم؟”
كانت منشغلة بلعن ديلان داخليًا، فلم تسمع ما قاله أصلان.
رمشت فيفيان بعينيها الكبيرتين كغزال لتحاول أن تبدو بريئة قدر الإمكان. و رغم أنه كان تصرفًا محرجًا ، إلا أنها كانت مستعدة لفعل أي شيء لتبديد شكوك أصلان.
لكن تعبير وجه أصلان أصبح أكثر امتلاءً بالحزن.
أمسك بيدها الموضوعة فوق اللحاف الحريري بحذر شديد.
“لقد أخبرني ديلان. من نوبة المرض التي أصابتكِ في السوق، إلى ذهابكِ لطلب المساعدة من يوهانس لأنكِ لم تعودي تحتملين الألم.”
“…..”
“حتى مثل هذه الكلمات العادية كأن أقول لكِ ‘لماذا لم تشتكي فقط إن كان الأمر صعبًا؟’ لا أستطيع أن أقولها لكِ الآن بثقة. لا أملك حتى الجرأة للنظر في وجهك.”
رمشت فيفيان مجددًا بعينيها.
لم يكن ذلك مقصودًا هذه المرة. لم تكن تفهم ما يقوله أصلان أصلًا، فلم تجد غير أن ترمش.
‘رغم ذلك، يبدو أن ديلان أوصل الرسالة بشكل جيد، أليس كذلك؟’
كان يبدو أن نظرات أصلان تعكس تعاطفًا لا شكوكًا.
حتى و إن كانت خطيبته لأسباب سياسية، إلا أن تراكم الاحتكاك يولد نوعًا من التعلّق، حتى لو لم يكن حبًا.
فهم تحت سقف واحد منذ عدة أشهر بالفعل.
“أنا آسفة جدًا. كنت أعلم أنكَ على علاقة سياسية سيئة مع سمو ولي العهد، و مع ذلك، بدافع أناني، ذهبت إليه.”
“لا تفكري في الأمر هكذا. أنا بخير، فقط فكّري في شفائكِ.”
كان رد فعل أصلان أكثر تسامحًا مما توقعت. بدا قلقها من شكوكه في غير محله تمامًا.
لكن كما يقال، لا تعبر الجسر حتى تتأكد من صلابته.
قررت فيفيان أن تنتزع تأكيدًا واضحًا قبل المضي في أي خطوة.
“حسب ما فهمت من ديلان، فقد حاول أصلان أيضًا الاتصال بذلك الطبيب. فقط، لم ترد أن تخبرني خوفًا من أن أصاب بخيبة أمل إن لم تكن الشائعات صحيحة…”
“ذلك الأحمق قال لكِ أشياء لا لزوم لها. لقد سبقني يوهانس وحسب.”
صرف أصلان نظره عن عينيها، وراح يدلك مؤخرة رقبته. رغم أنها حركة بسيطة، إلا أن العضلات و الأوتار البارزة أسفل قميصه الخفيف كانت مخيفة.
تجاهلت فيفيان بصعوبة الذكريات السيئة المرتبطة بتلك العضلات، و ربتت برفق على ظهر يده.
“ليست كلمات لا لزوم لها. لقد عرفت أن أصلان بذل جهدًا لأجلي.”
“….”
“بالنسبة لي، العملية لا تقل أهمية عن النتيجة. ربما ترى ذلك سخيفًا كجندي عاش وسط المعارك، لكن…”
“حقًا، هكذا ترين الأمور.”
كرّر أصلان كلماتها كمن سمع شيئًا يصعب فهمه.
في عينيه الذهبيتين ظهرت لمحة من الحيرة، ومعها راحة لا يفهمها حتى هو.
أما فيفيان، فكانت مشغولة بالهتاف داخليًا من الفرح، فلم تلاحظ تغيره.
‘انتهى الأمر. يمكنني الآن أن أعبث بذلك الطبيب المزيّف كما أشاء دون أن تكون لأصلان علاقة بالموضوع!’
لم تستطع كبح الابتسامة التي تسللت من بين شفتيها. ارتسمت على وجهها انحناءة جذابة.
‘لكن، لماذا ينظر إليّ أصلان هكذا؟’
شعرت فيفيان بجو غريب.
كانت نظرات أصلان مشتعلة كأنما يريد التهامها في أي لحظة.
‘لماذا تنظر لي و كأنكَ ترى شريحة لحم مشوية فاخرة؟ هل أنتَ وحش أم ماذا…’
حقًا، لم يكن من النوع الذي يمكن تخفيف الحذر أمامه، و لو للحظة.
أسرعت فيفيان لتغطية ابتسامتها بمبرر سريع.
“أتمنى حقًا أن يكون العلاج فعالًا ضد السل كما يُقال. بذلك سأتمكن من حضور حفل البلوغ القادم بأفضل حال.”
بينما كان يحدق بخطيبته، ازدادت نظراته الذهبية عمقًا.
و في الوقت ذاته، اشتعلت في رأس فيفيان إنذارات خطر حمراء.
‘أنا بلا طعم، أيها الإنسان!’
طبعًا، لو سألها أحد كيف تعرف ذلك فلن تملك جوابًا، لكنها تؤمن بذلك بشدة.
تسللت فيفيان بهدوء إلى داخل اللحاف.
و لم تنسَ التذمر بأنها مرهقة للغاية لتُرسل له تلميحًا واضحًا بضرورة المغادرة.
“لقد عانيتِ كثيرًا اليوم. ارتاحي جيدًا، فيفيان.”
“أنتَ أيضًا، نوماً هنيئًا.”
عاد أصلان، الذي كان يُماطل حول السرير، أخيرًا إلى غرفة نومه، وتخلَّصت فيفيان من تهديد أن تكون نهايتها كقطعة لحم بعدما عانت من نظراته الملتهبة كالوحش.
* * *
بعد عدة أيام من ذلك، سُمِعَ خبرُ تعيين الطبيب الملكي الجديد في مستشفى مينيرفا العام في العاصمة.
‘اللعين يوهانس، يبدو أنه استخدم عقله هذه المرة.’
كانت فيفيان قد أنهت حمامها الصباحي، و فكّرت وهي تتصفح الصحيفة التي جلبها كبير الخدم.
‘إنها خطوة إدارية جريئة جدًا. أن يُنقل طبيب يعالج أفراد العائلة المالكة إلى مستشفى عام، يمكن استغلال هذه الحقيقة جيدًا لزيادة الدعم الشعبي…’
مع أن علاج مرض عضال يستحق أن يُسلّط عليه الضوء بشكل كبير، إلا أن الصحيفة لم تذكر أي شيء عن خلفية الطبيب.
لابد أن يوهانس وضع في حسبانه احتمال ألا ترقى مهارات ذلك الطبيب لتوقعات الناس.
‘وإذا حدثت أي مشكلة، يمكنه أن يخرج منها تمامًا وكأن لا علاقة له بالأمر، وإذا اتضح لاحقًا أن مهارته الطبية رائعة فعلًا، فحين تُكتشف الحقيقة سيتلقى المديح لتواضعه.’
المعلومة الوحيدة التي كُتبت في الصحيفة هي أن الطبيب الجديد كان سابقًا من أطباء العائلة الملكية، و أنه سيعالج النبلاء و العامة على حد سواء في جناح كبير.
‘لكنني لست من النوع الذي يبقى مكتوف اليدين.’
عادةً لا يحرص الأشخاص الذين يتمتعون بامتيازات استثنائية على نشرها على نطاق واسع. لا بد أن يوهانس افترض أن فيفيان ستفعل الشيء نفسه.
فمن الطبيعي أن يهتم النبلاء من العائلات المرموقة بآراء من حولهم و سمعتهم.
‘لكن للأسف، لا أملك ذلك النوع من الكبرياء.’
فبمجرد أن تنتهي هذه الأمور كلها، و تقوم بتغيير هويتها و تنزل إلى منتجع في الجنوب، ستودّع ماضيها إلى الأبد!
“يجب أن أستعد للخروج. أصلان ذهب إلى القصر الإمبراطوري منذ الفجر، أليس كذلك؟”
“نعم، ظهرت مسألة طارئة متعلقة بإقليم الشمال كان يجب التعامل معها على الفور. وقد قال إنه يعتذر عن عدم تمكنه من الالتزام بموعد الإفطار معكِ ، سيدتي.”
يبدو أن هناك شيئًا ما يحدث مؤخرًا في منطقة بلاكفورد. فقد أصبح من المعتاد أن يلتقي أصلان برجاله أو يدخل القصر الإمبراطوري.
‘ و هذا ما جعل حركتي أكثر سهولة.’
وضعت فيفيان الصحيفة جانبًا ونهضت من على الأريكة.
“سأذهب إلى المستشفى، لذا استعجلي في التحضير. و بما أنه مكان يتطلب الجدية، سأكتفي باصطحاب ديلان كحارس.”
“نعم، سيدتي.”
يبدو أن كبير الخدم كان قد تلقى توجيهات مسبقة بشأن الطبيب، فقد سارت الاستعدادات للخروج بسلاسة دون أي أسئلة مرهقة إضافية.
دخلت فيفيان إلى غرفة الملابس واختارت فستانًا بلون أزرق فاتح مائل للخضرة.
كان التصميم بسيطًا ، لكن القماش المستخدم في صنعه من أفخر أنواع الأقمشة، لدرجة يصعب الحصول عليه حتى في القصر الإمبراطوري. قد لا يلاحظ الناس العاديون ذلك، لكن من يملكون ذوقًا راقيًا لن تفوتهم هذه التفاصيل.
سألت فيفيان ديلان اختبارًا له:
“ما رأيكَ في فستاني؟”
“يا إلهي، يبدو أن سيدتي لا تملك حتى طاقة لارتداء فستانها. فستان بسيط خالٍ من الزينة مثل هذا… يا له من شيء كئيب…”
تمامًا كما توقعت.
لم تخبره فيفيان بثمن الفستان المذهل، و ركبت العربة. شعرت ببعض الانزعاج من نظرات الشفقة التي أطلقها ديلان، لكنها قررت تجاهلها.
تغير المشهد خارج النافذة بسرعة.
فالشارع المزدحم بالمباني والناس أصبح أقل ازدحامًا شيئًا فشيئًا، ودخلوا منطقة شبيهة بالغابات، تُشبه مناطق المصايف. لم يكن من السهل تصديق أن هذا المكان لا يزال ضمن العاصمة.
“كلما رأيته، بدا فعلًا و كأنه مصيف. يبدو أن هذا المستشفى يجمع بين وظيفة العلاج ومكان للاستجمام.”
و بعيدًا خلف الأفق، ظهر مبنى أبيض ضخم فاخر.
كانت فيفيان قد تساءلت عن سبب مجيء النبلاء، الذين لديهم أطباءهم الشخصيون، إلى هذا المستشفى. لكنها فور أن رأت المبنى، زال كل ذلك التساؤل على الفور.
و بعد أن تقدمت العربة قليلًا، وصلت أخيرًا إلى مدخل المستشفى.
“سيدتي، انتبهي لقدميكِ من فضلك.”
تجاهلت فيفيان تحذيرات ديلان المبالغ فيها، ونزلت من العربة.
بفضل ثرثرة ديلان المتواصلة، بدأت أنظار كثيرة تتجه نحوها حتى قبل أن تنزل من العربة.
‘جيد جدًا.’
بمجرد أن رفعت طرف فمها بابتسامة خفيفة و خطت قدمها خارج العربة، اتسعت أعين من حولها بدهشة شديدة.
كان الفستان الأزرق الفاتح يتلألأ تحت ضوء شمس الظهيرة، مما جعل بشرة فيفيان البيضاء الرقيقة أكثر إشراقًا و شحوبًا.
نصف من الحضور سحرهم السعر المذهل للفستان كما خطّطت له ، بينما النصف الآخر فُتن بشكل غير متوقع بجمالها الفاتن.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 37"