“لقد كان الأمر متعبًا بالنسبة لي . كان الدوق الأكبر يحيطكِ كما لو كنت جوهرة ثمينة، فلم أجد فرصة للاتصال بكِ بسهولة.”
“بسبب بقايا السحر الأسود؟”
“نعم. بما أن السيدة من كبار العملاء لدينا، لم يكن من السهل إرسال شخص ليس ساحرا ، ولا يوجد تقريبًا أحد من السحرة قادر على خداع عينَي الدوق الأكبر، لذا كان من المحتم منذ البداية أن أتصرف بنفسي.”
بعبارة أخرى، كان تسلل هيسيوس بهيئة صبي الطريقة الوحيدة تقريبًا للاتصال بها.
أخفضت فيفيان صوتها. لم تكن تعلم متى ستعود الخادمات اللاتي أرسلتهن، لذا وجب التزام الحذر.
“هل وجدتَ طريقة لفك الدائرة السحرية ؟”
“لقد ظهرت مشكلة غير متوقعة. يبدو أن فك الرموز سيستغرق وقتًا أطول مما كنت أعتقد.”
“هل السحر الأسود صعب إلى هذا الحد؟ ظننت أنه لن يكون مشكلة لساحر بمستواك.”
“السحر الأسود صعب، نعم، لكن بالنسبة لي ليس مشكلة فعلية. إنما المشكلة غير المتوقعة التي ذكرتها هي…”
انخفض صوت هيسيوس أكثر.
“الشيطان أستاروت.”
لمعت عينا هيسيوس كبريق الزواحف. شعرت فيفيان بعزيمته القوية في ألا يفوته حتى أدنى رد فعل منها.
لكنها لم ترمش حتى.
رغم أن الاسم غير المتوقع فاجأها، إلا أنها كانت قد خاضت مؤخرًا صراعًا على الحياة و الموت مع الأسد الأسود، الذي لا يختلف عن تجسيد ذلك الشيطان.
على عكس الناس الذين لا يزالون يخشون اسم أستاروت، كانت صورة ذلك الكائن في ذهن فيفيان قد تحولت إلى شيء لطيف نوعًا ما.
هيسيوس الذي لاحظ ذلك أطلق صفيرًا معبرًا عن الإعجاب.
“الدائرة السحرية المحفورة عليكِ لها علاقة مؤكدة به. سيكون من الجيد لو استطعنا تتبّع المسار الذي نُقِشت به. ألا يخطر ببالكِ شيء؟”
“دعني أرى… لا شيء محدد.”
استحضرت فيفيان النجمة الخماسية المقلوبة التي رأتْها على أصلان عندما كان في جسد أسد أسود. كان نقش النجمة على جسدها يشبه ذلك لكنه مقلوب من الأعلى للأسفل.
ثم تذكرت النقش المحفور على قلب البطلة في القصة الأصلية.
في الأصل، وُصف ذلك بأنه الوسيلة الوحيدة لجعل أصلان الوحش هادئا، وكذلك العقد الذي يربط مصيرهما سويًا.
‘لكنني لم أقم بعلاقة جسدية مع أصلان. لا يمكن للنقش أن يتكون.’
نظرت خلسة إلى هيسيوس الجالس أمامها.
“لقد رهن أحدهم حياتكُ. سحر أسود شرس. إن تم تفعيل هذه الدائرة، سوف ينفجر قلبكِ و تموتين.”
“تلك الدائرة هي ما يكبح مرض السل لديكِ. السحر الأسود يمتلك رغبة في التملك أقوى مما نتخيل. لا يحب أن تموت الأضحية بسبب أسباب خارجية.”
لكن لم يكن بإمكانها تجاهل الاحتمالات.
فالشرح الذي سمعته من هيسيوس في لقائهما الأول يشبه كثيرًا “النقش” في القصة الأصلية.
إذا كانت شروط تفعيل الدائرة هي موت أصلان، وإن كان عدم تدهور حالتها خلال الأشهر الماضية بسبب ذلك النقش…
إذن، فمعظم التساؤلات التي راودتها يمكن تفسيرها.
و يجب ألا يُكشف هذا السر.
‘إن خان الشخص الذي نُقش عليه، يُفسَخ العقد، و سيموت أصلان بانفجار قلبه. لا يمكن لأي أحد أن يعرف أن أصلان تم نقشه عليّ.’
أصلان بالكاد يثق بها و يُحكم حصونه ضدها. إن عرف الحقيقة، فقد يتصرف بشكل لا يمكن التنبؤ به.
تظاهرت فيفيان بعدم تذكّرها لشيء وهزّت رأسها.
“لا أعرف حتى متى ظهرت هذه الدائرة. هل قطعتَ كل هذا الطريق فقط لتسألني ذلك؟”
بالطبع لا. شعرت فيفيان بأن هيسيوس يخفي شيئًا. كان عليها أن تكشفه أولًا.
في القصة الأصلية، كان هيسيوس فخورًا جدًّا بنفسه.
وكما توقعت، انزعج من سؤالها الاستفزازي وابتسم ساخرًا.
“عرفت سبب عدم اكتمال السحر الأسود الذي أصابكِ . الجواب يكمن في دمكِ.”
“دمي؟”
“لأنكِ من النسل النقي لعائلة إليونورا، لم يتمكن السحر الأسود من التفعّل بالكامل.”
كانت والدة فيفيان من فرع إليونورا الرئيسي، و والدها من فرع جانبي مرتبط بها من الدرجة الثامنة.
وبما أن كلا الوالدين ينحدران من سلالة إليونورا، فهذا ما جعل دم فيفيان الأقرب إلى إليونورا الأولى، حسب شرح هيسيوس.
“وبهذا تأكدنا أن الشيطان أستاروت قد استخدم حيلة ما على إليونورا أيضًا. لا يمكن نقش تعويذتين من السحر الأسود في نفس الجسد، لذا السحر الثاني أصبح غير مكتمل.”
لم تكن فيفيان تتوقع هذا. لم يكن هذا التفسير موجودًا في القصة الأصلية.
لا تعرف ما الذي حدث حقًا. لماذا نُقشت هذه العلامة اللعينة عليها تحديدًا؟
لكنها تأكدت من شيء واحد.
‘إن مات أصلان، سأموت أنا أيضًا!’
عمر من عليه النقش يتبع من قام بالنقش.
كانت تنوي البقاء بجانب أصلان لفترة مؤقتة للحصول على علاج للسل، لكن الأمر لم يعد بهذا البساطة.
لأن أصلان في القصة الأصلية يخسر في المعركة النهائية أمام ولي العهد.
“متى ستنتهي من كسر تعويذة النجمة الخماسية؟ لا تقل لي إنها ستستغرق سنوات؟”
“همم، لا أدري.”
بينما كانت هي على وشك أن تُجن من القلق، كان هيسيوس يلمس ذقنه بعينين ضاحكتين وكأنه يستمتع بالأمر.
لم تعد تحتمل. قررت فيفيان أن تُفهمه بقبضة يدها.
وفجأة، دوى وقع خطوات ثقيلة من خارج الممر.
كان أصلان يقترب.
‘تبًّا، يجب أن أتحرك بسرعة…’
نظرت فيفيان بسرعة إلى الجهة المقابلة. كان هيسيوس، الذي كان جالسًا بكل هدوء حتى لحظة، واقفًا الآن وهو يحمل شريط قياس و مفكرة، يرمش بعينيه.
لابد أنه أدرك اقتراب أصلان من خلال طاقته السحرية.
‘لأني تجرأت على إغضابه قليلاً قبل قليل… لا ينسى الإساءة أبدًا. هذا الساحر الوغد!’
حدقت فيه فيفيان بغضب و نهضت بسرعة.
ضحك هيسيوس بصوت منخفض و وضع ذراعه حول خصرها. مر شريط القياس الرفيع فوق ثوب النوم.
و في تلك اللحظة، فُتح الباب فجأة.
“فيفيان، كيف حالكِ الآن؟”
دخل أصلان إلى غرفة النوم كعادته، لكنه توقف فجأة.
حدق بها و كأنه مسحور وهي تقف بثوب نوم رقيق في وضح النهار، ثم حول نظره بسرعة إلى الرجل الذي كان يقف بالقرب منها بمودة واضحة.
كان قد سمع من ديلان عن مساعد في مشغل الخياطة، لكنه افترض تلقائيًا أنه سيكون امرأة. لذا أصبحت نظرات أصلان حادة.
“سمعت أنكِ كنتِ تسعلين.”
اقترب منها بخطوات واسعة و لـمس خدها بلطف. وفي الوقت نفسه، أصبحت نظرته إلى هيسيوس أكثر حدة.
“لماذا لا تستريحين و تقفين رغم تعبك؟”
“كنت بحاجة إلى قياسات دقيقة للثوب الذي طلبته. وقد انتهينا للتو.”
نظرت فيفيان إلى أصلان بطرف عينيها. كانت عيناه لا تزالان مركّزتين على هيسيوس.
‘لماذا ينظر إليه هكذا؟ قال إنه أخفى طاقته السحرية، هل اكتشف شيئًا؟’
الساحر اللعين كان لا يزال يبتسم بلا مبالاة، و كأنه لا يدرك الموقف.
تظاهرت بالبحث عن رداء لتغطي به كتفيها، بينما دفعت هيسيوس بعيدًا عنها.
“شكرًا لك. أرسل تحياتي للسيدة سكارليت، يمكنكَ الذهاب الآن.”
“سأعود لزيارتكِ”
كان هذا الرد بصفته الساحر الكبير هيسيوس، لا كمجرد مساعد في مشغل الخياطة.
أومأت فيفيان برأسها بخفة، وفجأة وضع أصلان سترة كبيرة على كتفيها.
نزع معطفه الخارجي و لفه حولها، ثم احتضنها من الخلف بكل طبيعية.
“كم عمرك؟”
“ستة عشر عامًا، سيدي الدوق.”
“ما اسمك؟”
“ميغيل، سيدي.”
كان صوت أصلان خاليًا من المشاعر، كما يفعل عادةً مع مرؤوسيه.
لكن، لو كان الأمر كذلك، لما كان ليستجوب من كان على وشك المغادرة بمثل هذه الأسئلة عديمة الجدوى.
اشتعل التوتر في داخلها.
لحسن الحظ، بدا أن هيسيوس قد حضّر أجوبته مسبقًا، إذ أجاب دون تردد.
“هل هناك نقص في الموظفين في مشغل الخياطة؟ كيف يرسلون شابًا مثلكَ لأخذ مقاسات سيدة مرموقة؟”
“يوجد العديد من المساعدين يتدربون تحت إشراف السيدة سكارليت، لكن يتم تخصيصي فقط للسيدات من الطبقة الراقية.”
“ولماذا؟”
“لأن السيدات يحببن الفتيان الوسيمين و اللطيفين مثلي. إنه سر من أسرار نجاح مشغلنا.”
بدت كلماته عشوائية، لكنها كانت منطقية بشكل مفاجئ.
‘صحيح، من الأفضل أن يكون جميلاً و لطيفًا.’
أومأت فيفيان برأسها دون وعي، مما جعل العروق تبرز في يد أصلان التي كانت تحيط بكتفها.
“آه، فهمت.”
“إن لم يكن لديكَ المزيد من الأسئلة، أستأذن بالانصراف.”
أخفضت فيفيان ذراعها و حركت كفها بخفة خلف ظهرها، كي لا يراها أصلان، مشيرة لـهيسيوس أن يغادر بسرعة.
لحسن الحظ، فهم الإشارة، و ابتسم لها ابتسامة مشرقة و انحنى مودعًا.
“حظًا سعيدًا، آنسة.”
تمتم بالكلمات دون صوت وهو يغلق الباب.
“ما هذا الهراء؟”
بالطبع، لم تدرك فيفيان المعنى الخفي في كلماته. جلست على الأريكة و أطلقت تنهيدة ارتياح عميقة و هي تشعر أنها نجت من شكوك أصلان.
“يبدو أنكِ حزنت على رحيل ميغيل.”
كانت عيناه الذهبية ناعمة كالعسل، و يده التي كانت تحيط بكتفها كانت ناعمة كالريش.
ومع ذلك، شعرت فيفيان بقشعريرة غريبة لا تعرف سببها.
‘همم، ربما لأن النافذة مفتوحة؟’
تذكرت أن الخادمة سألتها قبل قليل إن كان من الممكن فتح النافذة للتهوية.
نسيت سؤال أصلان و اقتربت من الشرفة.
مدت يدها إلى مقبض النافذة الذي كان أعلى بقليل من طولها، فرأت من خلال الزجاج هيسيوس و هو يغادر القصر.
شعر بنظراتها، فالتفت و ابتسم و لوح بيده.
‘لماذا يتصرف و كأننا أصدقاء؟’
توقفت حركتها و هي تميل برأسها بفضول، وإذا بيد تمتد من خلفها و تقبض على مقبض النافذة بدلًا منها.
“و الآن أنتِ تودعينه شخصيًا قبل رحيله.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 34"