5. حفل بلوغ فيفيان سن الرشد المذهل
نظرت فيفيان حولها متسائلةً إن كانت قد ضلت الطريق.
لكن هذا المكان كان بالقرب من معسكر عائلة إليونورا، ولم يكن هناك سبب لوجود أصلان هنا.
“فيفيان.”
انخفض كتفا أصلان المرفوض بانكسار طفيف.
كانت فيفيان قد تفاجأت بظهور أحدهم بينما كانت تتخيل مشهد إعدامها، لكنه يبدو أنه فسر تصرفها بطريقة مختلفة.
“أعرف أنني أخطأت في حقكِ. وأعلم أن غضبكِ لم يهدأ بعد.”
“…..”
“لكنني شعرت بالقلق حين علمت أن الإمبراطورة قد دعتك. لم أستطع تحمّل فكرة أن تكوني قد تعرضتِ لشيء سيء.”
و مع أن فيفيان لم ترد عليه، فإن كتفي أصلان العريضين انخفضا أكثر.
لكن السبب وراء صمتها لم يكن كما ظن.
لقد تصادم أصلان مع العائلة الإمبراطورية. كانت طفولته مليئة بالذكريات القاسية التي يصعب النظر إليها، و كان مركز تلك الذكريات هو الإمبراطورة نفسها.
فكيف لها أن تقول له بكل بساطة إنها ذهبت إلى تلك المرأة و شربت الشاي و أكلت البسكويت والكعك، بل وتم تقديم طبيب لها أيضًا؟
‘لو أنني لم أكن أعلم شيئًا مثل الآخرين، لربما كان الأمر مختلفًا، لكنني أعلم…’
كان أصلان ينوي أن يقدم لها عرض الزواج المهين ذاك. بل وكان يُعدّ حفل الخطوبة من دون أن يستشيرها.
كان مزعجًا إلى درجة أنها أرادت أن تضربه بمضرب بيسبول مليء بالمسامير، لكنها بدأت تشعر بانفراج في مشاعرها و هي تراه حالته القلقة تلك.
عندما اقتربت منه خطوة، انخفض نظر أصلان بلا حول.
“هل تعرف أنكَ أخطأت؟”
“نعم.”
نظرت فيفيان إلى أصلان.
كتفاه العريضان و مليئان بالعضلات، خصره المشدود مثل وحش.
حتى و هو يرتدي الزي الأسود، كان جسده المصقول واضحًا للعيان. كان جسد محارب تم تدريبه حتى أقصى الحدود.
‘هل أنا ضعيفة أمام الرجال الوسيمين؟’
شعرت بأن غضبها انخفض قليلاً مقارنةً بالسابق.
أمسكت فيفيان بيده التي كانت قد أبعدتها عن غير قصد في وقت سابق. فقد شعرت بالذنب لأنه ترك يده المرفوضة معلقة في الهواء دون أن يعرف ما يفعل بها.
“إذن أخبرني ما هو خطؤك.”
“كدت أسبب لكِ إحراجًا شديدًا. في المرة القادمة، سأقدم عرض زواج يسعدكِ حقًا…”
كان رده غير مُرضٍ. فأبعدت فيفيان يدها عنه ببرود.
“….”
لكن رؤية أصلان متجمّدًا دون أن يعرف ماذا يفعل جعل قلبها ينقبض.
فهي تعلم أن طريقته في بناء العلاقات مع الآخرين تختلف كثيرًا عن الناس العاديين.
لذا قررت أن تعطيه فرصة أخرى.
“فكر جيدًا. لقد عشت حياتي كلها أُقاد بكلام الناس و شائعاتهم. ألا تعرف حقًا لماذا أنا غاضبة؟”
وبينما كان أصلان يتأمل تلميحها بعناية، فتح فمه وقال:
“رغم أن الأمر يخص علاقتنا نحن الاثنان، إلا أنني حاولت أن أستمع لطرف ثالث لأجعل الأمور أسهل.”
“وماذا أيضًا؟”
“فيفيان، أنا…”
أمسك أصلان بـيد فيفيان بتردد، فاقتربت المسافة بينهما أكثر من السابق.
تنفّسه الساخن لامس جبينها، و شعرت بوضوح بحرارة جسده.
“لم أكن مهتمًا بمشاعركِ كما ينبغي. أعلم أن أليكس هو شقيقكِ الوحيد، لكن لم يكن من الصواب أن تسمعي عن خطوبتنا لأول مرة من شخص آخر.”
“هذه هي الإجابة الصحيحة.”
ابتسمت فيفيان بلطف، و في تلك اللحظة تركزت نظرة أصلان على شفتيها كأنه سُحر.
“لكن لو سامحتكَ بهذه السهولة فلن يكون للأمر معنى، أليس كذلك؟ لذا، لنتراهن. خلال اليومين المتبقيين، أمسِك لي أجمل وحش يمكن أن تجده.”
في القصة الأصلية، أمسك أصلان بأربعة وحوش مفترسة يتجاوز وزن كل منها خمسمئة كيلوغرام خلال مهرجان الصيد، و فاز بالمسابقة.
لكن أصلان الحالي لم يخرج للصيد طوال الأيام الأربعة الماضية.
و كانت الليلة الرابعة قد أوشكت على الانتهاء، مما يعني أن اليومين المتبقيين هما آخر فرصة له.
الفوز قد فات أوانه، لكن بما أنه أمسَك بغزال أبيض في اليوم الخامس، فكّرت أنه ربما يمكنها طلب ذلك منه.
“إذا كان هذا سيكسبني مسامحتكِ لي، فلن أقدّم لكِ أجمل وحش فقط، بل سأقدّم لكِ شرف الفوز أيضًا.”
“همم، ألا تعتقد أن هذا تفاخر كبير؟”
“إذًا سأضيف رهاني. إذا فزت، هل تقبلين أن تعطيني قبلة؟”
انخفض صوت أصلان و تحوّل إلى همسة مثل همس الأفعى المغرية.
قبلة مهرجان الصيد كانت تقليدًا قديمًا في الإمبراطورية. الفائز يكرّم شريكته أو حبيبته أمام الناس بقبلة.
‘مهما كان أصلان مذهلاً، من الصعب أن يفوز. فقد تم الإمساك بصيد وزنه ستمئة كيلوغرام بالفعل.’
هزّت فيفيان رأسها موافقة من دون تفكير.
وبعد يومين، أصبح أصلان هو الفائز في مهرجان الصيد.
لقد عاد بغزال أبيض جميل، بالإضافة إلى وايفرن عملاق لا يمكن تقدير وزنه بدقة، لكنه كان يتجاوز خمسة آلاف كيلوغرام.
أهدى أصلان، الذي حظي بهتاف الجميع، هذا الشرف إلى خطيبته فيفيان.
‘آه، لقد انتهيتُ.’
قفز أصلان من المنصة العالية دفعة واحدة، و وجد فيفيان وسط الناس.
رفع بأصابعه الطويلة و العريضة ذقنها برفق. وفي عينيه بَرزت ابتسامة مشرقة نادرة.
“هل ستسامحينني الآن؟”
“نعم، كما وعدتك.”
بكل حزم، أمسكت فيفيان بخدّي أصلان بكلتا يديها، و رفعت قدميها على أطراف أصابعها.
ترددت هتافات الناس الحماسية في السماء الزرقاء.
*****
من محاولة تسميم الإمبراطورة إلى تحطيم أصلان الرقم القياسي في مسابقة الصيد، اختتم مهرجان الصيد الذي أسعد العديد من المهتمين بالشؤون العامة.
لكن فيفيان، التي ذهبت إلى العاصمة، لم تجد وقتًا للراحة.
فقد اقترب عيد ميلادها الثامن عشر، حفل بلوغها.
“هناك أمر من سمو الدوق بتغيير كامل لجدران و أرضية قاعة الاحتفال.”
“عليكم أيضًا تبديل الثريات و النوافذ لتواكب أحدث الصيحات، و أعيدوا تنسيق الحديقة.”
“إذا لم يعجبك شيء في الكتالوج، فما رأيكِ بتصميم غريب الطراز؟ جميع هذه القطع مستوردة من الخارج وتُعد من أجود الأنواع…”
اجتاحت عاصفة كاملة حياة فيفيان الهادئة.
فقد كانت الآن تتعرض لضغط مستمر من التجار الذين استدعاهم أصلان. و كأنهم مصممون على اقتلاع جذور عائلة بلاكفورد بالكامل.
و بالرغم من أنها تعلم أن جذور العائلة لن تُقتلع بهذه السهولة، إلا أن فيفيان بدأت تشعر بالخوف من شدة اندفاع التجار.
‘أنا من النوع الذي يتوتر حتى من حديث البائع أثناء التسوق!’
لم تكن فيفيان تريد استخدام نية إنهاء الحديث بهذه السهولة…
لكنها رفعت منديلاً و سعلت بوضوح متعمد.
و كما كان متوقعًا، قام ديلان الذي كان يحرسها بمنع البائعين و اقترب منها وهو ينحني عند قدميها.
“سيدتي، هل أستدعي الطبيب؟”
“أريد فقط أن أرتاح قليلاً.”
“سأطلب من البائعين أن يعودوا في يوم آخر.”
كانت على وشك أن تصرخ قائلة: “لا تدعهم يعودون أبدًا”، لكن تصرف ديلان سبق الريح.
ربما لأنه كان يشعر بالذنب، فمنذ حادثة عرض الزواج و هو يزحف عند أقدام فيفيان.
كانت غرفة الجلوس في قصر الدوق، التي كانت تعج بكافة أنواع المواد، قد نُظفت في لمح البصر.
بينما كانت فيفيان تسترخي متكئة على ظهر الأريكة، لاحظت من بين الخدم الذين كانوا يتحركون بسرعة، فتى في حوالي السادسة عشرة يدخل مترددًا.
و يبدو أن ديلان رآه أيضًا فوقف في طريقه.
“من أنت؟ لم أرَ طفلًا صغيرًا مثلكَ بين مساعدي البائعين.”
“آه، مرحبًا! أنا موظف في متجر السيدة سكارليت للخياطة. جئت لأخذ القياسات الدقيقة للفستان الذي طلبته السيدة.”
“لقد تأخر الوقت اليوم، عد في يوم آخر. السيدة بحاجة للراحة.”
كانت فيفيان تراقب المحادثة بلا اهتمام، حتى اتسعت عيناها فجأة.
‘لـماذا هذا الوغد هنا؟’
لقد كان هيسيوس، رئيس نقابة السحرة. و لكن على عكس الفتى ذي الثانية عشرة الذي رأته سابقًا، بدا بشكل مختلف تمامًا هذه المرة.
لو لم يكن يحمل على خصره شعار “عين الحقيقة”، لما تمكنت من التعرف عليه.
“لا بأس، ديلان. إنه الشخص الذي استدعيتُه، دعه يأتي.”
وقفت فيفيان قبل أن يقوم ديلان بطرده فعلًا. مع أن شخصية هيسيوس لم تكن لتقبل الطرد بسهولة في كل الأحوال.
“هل ستكونين بخير؟”
“إذا أردتُ ارتداء فستان من تصميم مدام سكارليت، فعليّ تحمّل هذا القدر من الإزعاج. قائمة الانتظار طويلة جدًا.”
“شكرًا جزيلاً، سيدتي!”
انحنى هيسوس بسرعة و وقف بالقرب من تنورة فيفيان و كأنه يلتصق بها عمدًا. كانت عيناه المتألقتان تجعله يبدو كأنه فتى بسيط بريء من عامة الشعب.
صعدت فيفيان إلى غرفة تبديل الملابس مع هيسيوس.
و لتبدو الأمور وكأنها جلسة لأخذ المقاسات، ارتدت قميصًا خفيفًا، و أرسلت الخادمات للقيام بأعمال أخرى حتى لا يبقى أحد.
ظل هيسيوس يلمع بعينيه حتى اللحظة التي أُغلِق فيها الباب و بقيا وحدهما، عندها جلس مسترخيًا على الأريكة متقاطع الساقين بثقة.
“آه، التظاهر بالبراءة أمر صعب.”
رغم أن مظهره كفتى صغير جعله يبدو كأنه يعاني من متلازمة المراهقين المتأخرة، تجاهلت فيفيان الرغبة في تقديم نصيحة صادقة و جلست أمامه.
“ما الذي جاء بكَ إلى هنا؟ لا، قبل ذلك، لماذا أتيتَ بهذه الهيئة؟”
كانت تتوقع أن يتواصل معها قريبًا لأنها كلفته بأمر، لكنها ظنت أنه باعتباره ساحرًا عظيمًا، سيفعل ذلك بطريقة أكثر أناقة.
كأن يظهر فجأة بالسحر، أو يرسل أداة مملوءة بالطاقة السحرية مثلاً.
“أليس الأمر ممتعًا؟ أن يراني هؤلاء البشر التافهون تحت أقدامهم. لا يعلمون ما الذي يمكنني فعله إن أزعجوني.”
“واو، حقًا أنتَ شخص غريب.”
“هذا مجرد سبب جانبي…”
تجاهل إعجاب فيفيان بكلامه و تابع حديثه.
التعليقات لهذا الفصل " 33"