“ما الأمر؟”
“أتسأل لأنكَ لا تعرف؟”
مهرجان الصيد يستمر لمدة أسبوع. لذلك، يجب عليهم البقاء هنا على الأقل لأسبوع.
لكن في هذه الغرفة يوجد سرير واحد فقط. مهما نظرت بعينيك فلن تجد سوى سرير واحد فقط!
و فوق كل ذلك، مهما كان هذا المكان فخمًا، فإنه في النهاية مقر مؤقت يقع في ضواحي العاصمة. كما أنه أول مرة يُفتح فيها هذا المكان المقدس للعامة هذا العام.
لا يوجد غرفة لتبديل الملابس أو حمام منفصل أو أي مرافق فخمة من هذا القبيل.
سواء كان آسفًا أم لا، جلس أصلان بجانبها وأخذ يدلك كتفيها بتعبير جاد.
“لم أستطع ترككِ تنامين في الخارج مثل الآخرين و أنتِ مريضة. الهواء البارد لا يناسب رئتيكِ.”
“هذا صحيح، لكن…”
“إن كان الأمر يزعجكِ، فلا بأس أن أنام على الأريكة.”
بدأ أصلان بتدليك كتفي فيفيان المتصلبين بكفه الكبير و الدافئ. كما لو أنه يقول إنه لا يوجد سبب يدعوها للتوتر.
“بسبب الأنظار من حولنا من الصعب أن ننام في غرف منفصلة، لكن بخلاف ذلك، سأتبع رغبتكِ في كل شيء. فحمايتكِ هو واجبي كخطيبكِ.”
“…..”
تجولت نظرات فيفيان في حيرة.
هذه الغرفة الجميلة كانت في الأصل مخصصة لأصلان ليقيم فيها براحة لوحده.
لكنه قرر تقاسم هذه الرفاهية معها لمجرد كونها خطيبته بالأسم فقط، ولأنه قلق بشأنها، رغم أنها ليست سوى شخص غريب في الأساس.
‘أصلان أيضًا لا بد أنه متعب و يريد الاستحمام.’
في زاوية الغرفة كان هناك حوض استحمام متنقل ينبعث منه بخار دافئ.
كانت تتوق للغطس فيه على الفور، لكنها فكرت أن أصلان يشعر بنفس الرغبة.
و حين أدركت هذه الرعاية الصامتة، ثقل شعورها الداخلي تلقائيًا. شعرت بالخجل لأنها فسرت قلق أصلان الصادق بطريقة خاطئة.
“أنا آسفة. لم أكن أحاول الحذر منك. أنا فقط…”
رفعت فيفيان جسدها ببطء. انسحبت يد أصلان بهدوء من على كتفيها النحيلين.
رفعت بصرها فرأت عينيه الذهبيتين بوضوح. عينان صادقتان و نقيتان.
“فيفيان.”
في نظراته ظهرت لمحة من الدفء. ارتفع ذقن فيفيان، و انحنى رأس أصلان برفق.
كانت لحظة تداخلت فيها أنفاسهما عن قرب.
“ما معنى أنكِ ستُلغين حفل الخطوبة يا فيفيان؟!”
دوى صوت فتح الباب بقوة ودخل أليكس مندفعًا.
و كان ديلان متعلقًا بخصره كأنه زينة مفاتيح، وكأنه حاول بكل قوته منعه لكنه فشل.
و كدليل على صحة هذا، سأل أليكس ديلان:
“لا أفهم على الإطلاق. لماذا لا تقول لي سوى أنه لا يجب السؤال؟”
“يا سيدي، ذلك لأن…”
نظرات ديلان المتوسلة اتجهت إلى أليكس. حتى إنه همس بتوسل أن يخرج معه ليشرح له، طالبه ألا يقول شيئًا أمام السيدة.
لكن هذا لم يكن شيئًا قد تغفل عنه فيفيان.
“ما هذا الكلام عن الخطوبة؟ لم أسمع شيئًا من هذا القبيل.”
نهضت من السرير و أمسكت كلًا من أليكس وديلان في نفس الوقت. سال العرق البارد على ظهر ديلان المحاصر.
أخبر أليكس فيفيان عن تسلسل الأحداث.
كما أخبرها أن المرأة التي كانت ستتعرض لعار تاريخي في الإمبراطورية ليست “ابنة عم ديلان” كما قيل…
‘هذا الشخص؟!’
انصب غضب فيفيان الهائل نحو أصلان.
“كانت حادثة.”
تذرع أصلان بسرعة. لكن عيناه الذهبيتان كانتا تحدقان في ديلان بلا رحمة.
“يمكنني أن أشرح.”
لكن فيفيان لم تجب. بل دفعت أصلان عنها و هي تلتقط معطفها و لوحت بيدها لأليكس.
“هيا بنا، أخي. أين هو مخيمنا؟”
“إنه بعيد نوعًا ما. ربما لن تتمكني من رؤية سموه طوال مهرجان الصيد، هل هذا لا يهمكِ؟”
“بالطبع لا يهمني. طالما لن أتعرض لعار سأظل أتذكره كـكابوس مدى الحياة.”
قالت فيفيان بابتسامة مشرقة كأنها تتعمد أن يسمعها، ثم أغلقت الباب.
خطوات الأخوين ترددت أصداؤها في الممر وابتعدت.
جلس أصلان على السرير برأس منحني وتنهد تنهيدة عميقة.
من تنفسه المضطرب كان من الواضح مدى الجهد الذي يبذله ليكبح غضبه.
“إذًا، سأذهب أنا أيضًا الآن.”
انتشر إحساس داخلي قوي لدى ديلان بأنه إن لم يهرب الآن، فلن يخرج سالمًا.
وبينما بدأ يتراجع خطوة خطوة إلى الخلف…
“ديلان.”
“نعم، نعم!”
“يبدو أنني دللتكَ كثيرًا طوال هذا الوقت. أليس كذلك؟”
انخفضت درجة حرارة الغرفة على الفور.
رغم أن أصلان يبدو إنسانًا، إلا أن ديلان رأى شيئًا آخر تمامًا.
رأى أسدًا أسود يكشر عن أنيابه خلف سيده.
“سأكون أكثر حذرًا في المرة القادمة.”
“المرة القادمة…”
“سأحرص على العثور على عرض زواج يُرضي السيدة تمامًا!”
جثا ديلان على ركبتيه متوسلًا مرة أخرى لمنحه فرصة. و من هذا الوضع المنخفض، رأى أن أغطية السرير كانت مبعثرة تمامًا.
آثار التصاق الرجل و المرأة ببعضهما ظاهرة تمامًا على الفراش.
أدرك ديلان أن المشكلة ليست في إرضاء السيدة حاليًا.
‘حين دخلت الغرفة، كانت الأجواء بين السيد و السيدة متوترة جدًا…’
فهم أن أصلان الآن في حالة كبت شديدة لرغباته.
أغلق ديلان فمه . شعر أنه ربما بدأ يفهم تلك النظرات الذهبية الحادة التي تكاد تقتله.
* * *
بلغ مهرجان الصيد يومه الرابع.
وخلال الأيام السابقة، كان النبلاء يجوبون مناطق الصيد بحماسة، لكن في هذا اليوم وحده ساد جو من الراحة الضمنية.
حتى ولي العهد يوهانس، الذي كان يستخدم المهرجان لتعزيز حلفائه، حضر حفل شاي الظهيرة الذي أقامته الإمبراطورة، مستمتعًا بوقت هادئ.
“تبدين في مزاج جيد جدًا، يا أمي.”
“حقًا؟”
أجابت الإمبراطورة بلا مبالاة وهي تضع فنجان الشاي جانبًا. و مع ذلك، ارتسمت على شفتيها ابتسامة راضية للغاية.
فقد تخلّصت من محظية الإمبراطور المزعجة، أميليا.
عندما علمت بأنها حاولت مهاجمتها بالسم، كان من الصعب عليها كبح جماح الغضب المتصاعد. كادت أن تصفعها مرارًا أمام أعين النبلاء.
لكنها حين أعادت التفكير، شعرت بسخرية من حالتها البائسة و تساءلت كم كان موقفها يائسًا لتفعل شيئًا كهذا.
‘ليس لديها مؤيدون، لكنها مليئة بالطمع.’
بسبب طمعها في منصب لا يمكنها الوصول إليه، ستلقى أميليا مصيرًا بائسًا لدرجة أن الموت سيكون رحمة لها.
“كما قلت، أشعر أن مزاجي ليس سيئًا على الإطلاق.”
“سعادتكِ هي سعادتي أنا أيضا يا أمي.”
“كل ما في الأمر أنني تخلصت من نفاية ملقاة عند قدمي. لا شيء جيد أو سيئ بشأن ذلك. ما يهمني الآن هو ولي العهد…”
كان عمر يوهانس مناسبًا تمامًا للزواج.
فهم ما تعنيه الإمبراطورة بابتسامته الصامتة وهو يخفض نظره نحو فنجان الشاي، حيث تماوج اللون القرمزي الذي ذكره بوجه شخص ما.
بشرة بيضاء، و خدود وردية. كانت باردة التعبير عادة، لكن عندما تبتسم، تزهر كأنها وردة.
تنهدت الإمبراطورة بارتياح وهي تراقبه.
“يبدو أن أمنية هذه الأم القديمة ستتحقق أخيرًا.”
فيفيان إليونورا.
كانت فتاة تُثير الإعجاب بذكائها و حدّتها في كل مرة.
في البداية، ظنتها مجرد مدللة لا تعتمد إلا على اسم عائلتها.
لذلك رفضت عرض الزواج المقدم ليوهانس، و بدلاً من ذلك تظاهرت بالكرم و ربطتها بأصلان.
“لم أتوقع أنها ستكون موهوبة ومتواضعة بهذا الشكل.”
كانت تزداد إعجابًا بها يومًا بعد يوم. لم يكن هناك أدنى شك في أنها كانت مرشحة مثالية لولاية العهد.
“سمعت أن طبيبًا جديدًا ظهر مؤخرًا يدعي أنه اكتشف علاجًا لمرض السل؟”
“نعم، رغم أنه أجنبي، هناك شائعات تقول إنه نجح في علاج حالة متقدمة من السل. سأكون أول من يتواصل معه.”
ازداد رضا الإمبراطورة.
“ضعف الجسد لا يُعد عيبًا مقارنة بذكاء تلك الفتاة، لذا على سمو ولي العهد أن يُقوّي علاقته بدوق إليونورا أولًا.”
“لا تقلقي. رغم أن شخصية الدوق يصعب فهمها أحيانًا… إلا أن الأمور ستتحسن بمرور الوقت.”
“ربما لأنه عاش فترة طويلة في الخارج. ربما لم يعتد بعد على ثقافة الإمبراطورية، لذا ساعده قدر ما تستطيع. ستكون فرصة جيدة لكسب عائلة إليونورا.”
“سأضع ذلك في الحسبان.”
في الحقيقة، تصرفات أليكس لم تكن نابعة من مجرد اختلاف ثقافي، لكن يوهانس لم يعلّق على ذلك و اكتفى بالإيماء.
بعد سماع رده، استدعت الإمبراطورة إحدى الوصيفات على الفور. و أمرت بإحضار فيفيان باحترام، فانحنت الوصيفة بهدوء و تقدمت بهدوء.
ظهر على وجه الإمبراطورة الرضا التام وهي تحدق في فنجان الشاي الفارغ.
* * *
في طريق عودتها من لقاء الإمبراطورة، كانت فيفيان تسير ببطء في الشارع تحت ضوء الغروب.
“إذا كنت أتذكر جيدا… أليس هذا هو الوقت الذي ظهرت فيه قصة الطبيب المزيف؟”
عندما استدعتها الإمبراطورة فجأة، اعتقدت أنها في ورطة. لكن الإمبراطورة، عند لقائها، لم تتحدث كثيرًا واقترحت عليها مقابلة طبيب جديد.
كانت عينا الإمبراطورة مليئتين بالرضا أثناء قول ذلك.
“هل كانت سعيدة جدًا بإسقاط محظية الإمبراطور؟”
وإلا، فلماذا تُظهر اللطف فجأة هكذا؟
حتى وإن كان الطبيب في النهاية مجرد محتال.
“قصة الدواء المزيف… كم مر من الوقت؟”
كانت واحدة من أعظم فضائح الاحتيال في تاريخ الإمبراطورية، حتى أن فيفيان في القصة الأصلية وقعت ضحية لها.
فقد تعلقت فيفيان الأصلية بذلك الطبيب المزيف، كمن يتمسك بقشة في بحر.
لكن عندما تبيّن أنه محتال، انفجرت من شدة اليأس، حتى أنها حاولت قتل البطلة إيريس.
ثم، قبل أن يقضي عليها مرض السل، قُتلت بشكل مروع على يد أصلان.
بمعنى أن هذه اللحظة كانت آخر ظهور لفيفيان الأصلية في القصة الأصلية.
“قد لا يكون لدى أصلان سبب ليقتلني الآن، لكن مع ذلك… إنه أمر مخيف.”
كانت قد قررت توخي الحذر في تصرفاتها لفترة من الزمن، عندما أمسك بها شخص فجأة وهي تمر دون تفكير.
“……!”
فزعت و أبعدت اليد عنها، ثم أدركت أن الشخص أمامها هو أصلان، الذي بدا عليه الارتباك.
التعليقات لهذا الفصل " 32"