“الآن انتهى الأمر إلى هذا الحد، لكن في المرة القادمة، إلى أي حد سأطمع أكثر؟”
فيفيان لا تليق بمخلوق مثلي. يجب أن أتركها. يجب أن أرحل عنها في يوم من الأيام، هكذا أفكر .
“لا أستطيع ترككِ بيدي هذه، آسف، آسف…”
لأنكِ كنتِ الوحيدة التي مدت يدها إلى وحش مثلي. لأنكِ كنتِ تبتسمين و تقولين إن الأمر لا بأس به.
حين أمسكت بطرف ثوبها عندما كانت تدير ظهرها، ثم عانقتها وهي تشتكي وتغمغم، شعرت أنني سأصاب بالغثيان من طوفان الذنب.
لا أستطيع حتى أن أقول مجاملة، “اهربي إن كنت تكرهينني”.
* * *
تسللت أشعة الشمس الساطعة من بين جفنيها.
رغم أنني كنت مستلقية أنظر إلى السماء الليلية و كأن ذلك حدث قبل لحظات، يبدو أنه قد أصبح صباحاً بالفعل.
“أمم…”
فركت فيفيان عينيها المتعبتين ونظرت حولها. شعرت ببرد غريب، وعندها لاحظت أن أصلان لم يكن في أي مكان.
يبدو أنه هرب وتركها وحدها.
“يا له من إنسان قاسٍ. لا، إنه وحش فعلاً.”
ربما بسبب أشعة الشمس، بدا جوّ المقبرة عادياً بخلاف ما كان عليه بالأمس، و مع ذلك لم تكن ترغب في البقاء هناك طويلاً.
جمعت فيفيان سيفها الذي كانت قد وضعته في الزاوية ونهضت من مكانها.
كانت تتوقع أن يكون جسدها مثقلاً و متألمًا بعد أن نامت طوال الليل على أرضية حجرية باردة، لكن لدهشتها، شعرت و كأنها استيقظت من نوم مريح داخل بطانية دافئة.
“ربما أجدادي ساعدوني .”
ففي هذا الضريح كانت منقوشة شارة إليونورا، لذا لم يكن هذا كلاماً بعيداً عن المعقول تماماً.
بغرابة، و بينما كانت تزيل الشعر الأسود العالق بجسدها، خرجت فيفيان من الضريح. و بينما كانت تسير بتثاقل نزولاً من الجبل، دخل شخص ما ضمن نطاق رؤيتها.
كان أصلان واقفاً في مكان اللقاء الذي اتفقا عليه بالأمس.
حقاً كان مظهره يجذب الأنظار.
تحت شعره الأسود المرتب برصانة، كانت حواجبه الكثيفة و أنفه الحاد، وشفاهه الممتلئة التي تشعرك بحرارتها عند لمسها، و خط فكه القوي، وهيكله العظمي المهيب ذو الخطوط العميقة.
و عيناه الذهبيتان الباردتان بشكل غامض.
“….”
تلاقت نظراتهما.
في تلك اللحظة، أصبحت نظراته ناعمة كذوبان الثلج.
“فيفيان.”
“أين كنتَ البارحة؟ كنا قد قررنا أن نكون معاً، لقد ضعت وأنا أبحث عنك!”
لأنها لا تستطيع أن تخبره أنها قابلته وهو متحول إلى وحش، عبّرت عن استيائها بإظهار غضب طفولي و كأنها تشتكي بسبب تركه لخطيبته في المقبرة.
أصلان، الذي لا يتناسب خجله مع جسده الضخم، كان يتململ ويدور حول فيفيان.
“كان هناك ظرف ما.”
“همف.”
“لقد أخلفت وعدي معكِ ، لذا لا أملك أي عذر.”
كانت المسافة بينهما لا تحتاج سوى لخطوة واحدة ليصل إليها، لكنه كان يمسح شعره مراراً وكأنه يلوم نفسه عندما لا تنظر فيفيان إليه.
ثم فجأة، ركع أصلان و أخفض جسده. كانت آثار الدم المجمد على فخذها تنعكس بوضوح في عينيه الذهبيتين.
“فيفيان،…”
“آه!”
نظرت فيفيان إلى الأسفل بصدمة. وما إن وعَت على الجرح الذي نسيته، حتى اجتاحها الألم الذي لم تكن تشعر به من قبل.
كان الجرح الأحمر المفتوح يؤلمها ويحرقها.
“آه، الآن بعدما تذكرت، إنه يؤلمني كثيراً.”
“هل يمكنكِ المشي؟”
“هل تسألني و كأنك لا ترى؟ أنتَ لا تعرف كيف تستخدم سحر العلاج، أليس كذلك؟”
“سأتعلمه من الآن فصاعداً.”
‘آه، هذا مؤلم…’
ماذا يمكنها أن تفعل أمام شخص قلق عليها؟ لم تستطع قول أي شيء، فقط عضّت شفتها.
يبدو أن أصلان، رغم أنه لا يتذكر، كان يعلم في لاوعيه أن هذا الجرح من فعله. لذا بدا وكأنه يعاقب نفسه ويظهر تعبيراً مفعماً بالندم وهو يركع على الأرض.
يد أصلان القاسية المليئة بالجلد الميت مرّت بحذر على الجرح.
“تحمّلي قليلاً.”
مزق قميصه و لف الجرح بيده برقة.
كان يحدق في الجرح المغطى بالقماش وكأنه ينظر إلى عدوه، ثم جلس القرفصاء و هو لا يزال راكعاً.
رأت فيفيان ظهره العريض أمامها بوضوح.
“ما هذا؟”
“اصعدي على ظهري.”
“و أين الحصان؟”
“هناك… لا، فقدته.”
“فقدت الحصان؟ هل حتى شخص مثلك يرتكب مثل هذا الخطأ؟”
رمشت فيفيان بدهشة.
هي قدحأضاعت حصانها بالأمس بسبب الارتباك، لكن أصلان، رغم أنه عاد إلى شكله البشري من حالته الوحشية، كان لا يزال يرتدي ملابسه بشكل صحيح.
‘هل من الممكن أن ديلان لم يجهز كل شيء كما يجب؟’
في القصة الأصلية، كان أصلان يرسل إشارة إلى ديلان باستخدام صقر مدرّب عندما يتحرر من حالته الوحشية.
و ذلك ليستلم منه الملابس والمستلزمات الأخرى التي كانت مُعدّة مسبقاً تحسباً لأي طارئ.
لذلك كانت فيفيان تعتقد أنه كان من الطبيعي أن يربط حصاناً في مكان ما ليستعين به عند نزوله من الجبل.
‘يبدو عليه الإحراج أيضاً.’
عندما قال إنه فقد الحصان، بدا صوته مترددًا بشكل واضح. لم يستطع الرد بسهولة و تردد مثل طفل يكذب.
كانت تعتقد أن أصلان مثالي في كل شيء. لذا بدا لها هذا التصرف مثيراً للدهشة.
“إذاً سأعتمد عليكَ قليلاً.”
في جميع الأحوال، كانت ترغب في النزول من الجبل بسرعة لعلاج جرحها والاستحمام في ماء دافئ.
لفّت فيفيان ذراعيها بحذر حول عنقه.
رفعها أصلان بذراعيه، يداه تمسكان بها بثبات من أسفل خصرها. و عندما نهض بجسده، ارتفع مجال رؤيتها فجأة.
كانت رؤيتها الآن أعلى برأس أو اثنين من المعتاد. شعرت أن كل شيء في العالم تحت قدميها.
و بينما كانت فيفيان تلتفت حولها بسعادة وكأنها على متن لعبة ملاهي، تحدث أصلان فجأة.
“حتى أنا أرتكب أخطاء. فأنا إنسان… في النهاية.”
بدا أنه تأثر بسؤالها إن كان يرتكب أخطاء. كان صوته يحمل شيئًا من الحزن دون أن يدري.
“خصوصًا أمامكِ، أشعر وكأني لا أفعل شيئًا سوى ارتكاب الأخطاء. أحيانًا، أتمنى لو كان بإمكاني العودة بالزمن إلى الوراء.”
“مثلاً؟”
“عدم وفائي بوعدي معكِ البارحة. جعلكِ تضيعين وحدكِ في الجبل وسط ظلمة الليل. عدم قدرتي على فعل أي شيء من أجلكِ وأنتِ مصابة. كل شيء.”
ما كانت تراه فيفيان من مكانها على ظهره هو فقط فك أصلان المشدود. ومع ذلك، استطاعت أن تشعر بثقل المسؤولية التي يحملها.
حتى تجاه نفسها، كانت خطيبته التي ستفارق الحياة قريبًا.
‘تحوّلكَ إلى وحش لم يكن خطأك. حتى اللعنة التي فيكَ بكَ لم تكن بسببك.’
لأنه لن يقول شيئًا، لم تستطع هي أيضًا قول أي شيء. لم تستطع حتى أن تواسيه بعبارة “لا بأس”.
لذلك، شدّت ذراعيها أكثر حول عنقه.
لتقول له، دون كلمات، أنها قوية بما يكفي حتى دون أن يحميها، و أنه يمكنه أن يتحرر قليلًا من عبء تلك المسؤولية.
هل وصلته هذه المواساة الصامتة؟ توقف أصلان لوهلة.
“أنا أحمل سرًا لا يمكنكِ حتى تخيله.”
ازداد فكّه توترًا. كانت عروق رقبته بارزة من شدة ما كان يضغط عليه.
‘إن استمر على هذا النحو، سيتلف ضرسه.’
دون أن تشعر، مدت فيفيان يدها و لمست فكّه المتوتر.
“و ما المشكلة إن كنتَ تملك سر؟ لا أحد في هذا العالم لا يخبئ شيئًا.”
“لكن أنا…”
“إن كان كشفه سيؤلمك، فلا تفكر كثيرًا فقط أخفه. إذا أخفيته حتى النهاية، سيصبح الكذب حقيقة. حينها، لن يستطيع أحد أن يلومك.”
اللعنة التي لحقت بأصلان كانت سرًا لا يجب أن يُكشف، حتى لحجر مرمي في الطريق. لعنة ستقيده طوال حياته.
لكنه كان يتحلى بحسّ مسؤولية قوي، وإحساس عميق بالذنب. كان يحتقر نفسه لأنه يعيش كإنسان عادي رغم أنه وُلد بلعنة.
لهذا أرادت أن تخبره بذلك، و لو بهذه الطريقة.
إذا كان الأمر خارجًا عن إرادتكَ رغم كل مجهوداتك، فاغمض عينيك. حتى و إن بدا الأمر جبنًا، فإن التغاضي يكون أحيانًا الحل الوحيد.
“أنتِ غريبة حقًا.”
“ماذا بي؟”
“يبدو الأمر و كأنكِ تعرفين بالضبط ما أحتاج أن أسمعه.”
“ه…هذا مجرد وهم.”
استفاقت فيفيان فجأة من مشاعرها. رغم أنها في القصة لا تعرف سر أصلان، إلا أنها شعرت أنها تعمقت أكثر مما يجب.
‘يا إلهي، ما الذي أفعله؟’
و ما هذا؟ متى بدأت راحتها تلمس وجنته؟
صحيح أن الفك المشدود أزعجها قليلًا، لكن أن تضع يدها على وجهه بأكمله؟ هل فقدت عقلها؟
سحبت فيفيان يدها بسرعة إلى مكانها، ودفنت وجهها في كتفه، محاولة إخفاء إحراجها الذي لم تستطع السيطرة عليه.
“أ، أسرع من فضلك.”
“سأحاول.”
رغم رده الواضح، لم تتسارع خطواته أبدًا.
كان على فم أصلان، الذي لم تره فيفيان، ابتسامة هادئة ترتسم ببطء.
* * *
بعد كثير من المشقات، خرج فيفيان و أصلان من غابة القداسة.
كان مهرجان الصيد في أوجه، بل كان هناك نبلاء وصلوا متأخرين، ما جعله أكثر ازدحامًا من اليوم الأول.
أمسك أصلان أحد الخدم الذين كانوا يتنقلون بسرعة بين الناس. فرغم انشغالهم، فإن أوامر أصلان، بصفته أمير من العائلة المالكة و الدوق الأكبر، كانت ذات أولوية قصوى.
“فيفيان مصابة، استدعِ الطبيب الملكي. وجهّز ماء دافئًا للاستحمام.”
“نعم، سموّك.”
انحنى الخادم و غادر، بينما تولى أصلان حماية فيفيان النائمة من نظرات النبلاء المحيطة.
خطّيبان غابا طوال الليل، وظهرا لاحقًا بمظهر غير مرتب. لا شك أن تلك النظرات المريبة و المباشرة كانت تطاردهما.
لكن أصلان لم ينبس بكلمة، بل فقط حفظ وجوههم واحدًا تلو الآخر في ذاكرته.
“فيفيان، استيقظي. عليكِ أن تستحمي.”
عندما وصلا إلى مكان الإقامة، وضعها أصلان بعناية على السرير. كانت حركتها البطيئة فوق الشراشف البيضاء ساحرة.
“همم… أين نحن؟”
“في مقر إقامتنا.”
بعكس النبلاء الآخرين الذين سكنوا الخيام، مُنح أصلان مقرًا خاصًا مبنيًا من الطوب. لم يكن واسعًا، لكنه كان فاخرًا بما يكفي لمقارنته بغرف نوم أحد الكونتات.
فتحت فيفيان عينيها ببطء وقالت بانبهار:
“واو، أن تكون أميرًا ملكيًا له مميزاته أحيانًا.”
“أحقًا؟”
“نعم، إذًا هل غرفة نومكَ في الجهة المقابلة؟”
أخفضت نظرها و هي مستلقية.
كان مكان جرحها مكشوفًا من خلال البنطال الممزق. يبدو أن الطبيب كشف على الجرح و هي نائمة.
لكن رغم مظهره الناعم، فإن لمسته كانت مؤلمة. وهي سمة مميزة للجروح التي تُشفى بالسحر.
قررت فيفيان أن تكون حذرة لفترة، لكن أصلان مال رأسه بتساؤل.
“غرفتي هنا.”
“إذًا خاصتي في الجهة المقابلة؟ عليكَ أن ترتاح أيضًا، يجب أن أستيقظ سريعًا وأنتقل إلى… “
“غرفتكِ أيضًا هنا.”
الآن كان دور فيفيان لتميل برأسها.
“عفوًا؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 31"