“أنا بخير. سيكون من الكذب القول إن الأمر لا يؤلمني، لكن يمكن علاج هذه الدرجة من الإصابة بالسحر.”
“كرووو.”
“هم؟”
مدّت فيفيان يدها بحذر. رفع أصلان رأسه ببطء بعد أن تراجع مترددًا.
“هيا، تعال إلى هنا. أنا خائفة من أن أبقى وحدي.”
“…….”
نظرات صامتة طويلة ممزوجة بالتردد.
بعد صبر طويل من فيفيان، خطا أصلان أخيرًا خطوة واحدة للأمام.
“كروك، كررك!”
“آه!”
فجأة التوى جسد أصلان كما لو أنه يعاني ألمًا شديدًا. لقد بدأت اللعنة التي كانت مكبوتة تثور مجددًا.
تدحرجت فيفيان إلى أحد الزوايا من شدة الحركة المفاجئة لأصلان. و انفتحت عيناه فجأة و هو يلهث بقوة.
“انتظر، أنا بخير تمامًا……!”
“كواااانغ!!”
أطلق أصلان زئيرًا شرسًا نحو فيفيان، و كأنه يقول إنه لن يسمح لها بالاقتراب أكثر.
تحطم الصخر عند ملامسة مخالبه السوداء له. لو أنها تأخرت قليلاً في تفاديه، لتمزق جسدها إربًا.
توقف أصلان عن الحركة و هو يراها تتجمد من الصدمة، ثم استدار و هرب بعيدًا.
و كان المكان الذي فرّ إليه هو، للأسف، مقبرة الملك.
“توقف، عد!”
تبعته فيفيان على عجل، لكنها توقفت فجأة.
فور دخولها غرفة الدفن، اجتاحها إحساس بارد في عمودها الفقري.
شعور بالقلق و الريبة، وكأن عليها مغادرة هذا المكان فورًا.
“أيها الأسد الأسود……”
قررت فيفيان أن تأخذ أصلان و تهرب بسرعة، لذا خطت إلى الداخل.
كانت قلقة من أن تجد الجثة فورًا ما دامت هذه غرفة دفن ملكية، لكن لحسن الحظ، كان الرفات محفوظًا داخل تابوت حجري مغطى بعدة طبقات في أحد زوايا الغرفة.
سارت فيفيان مترددة باتجاه أثر الحطام الذي خلفه أصلان.
“أيها الأسد الأسود؟”
سمعت خطوات تهرب من الطرف الآخر. يبدو أن أقسام المقبرة متصلة عبر ممرات.
و عندما همّت بعبور تابوت الملك، لفت نظرها نقش مألوف على السقف.
السيف الذي هزم الشيطان.
‘لـماذا رمز إليونورا موجود هنا؟’
كان النقش محفورًا في مكان يمكن رؤيته مباشرة عند الاستلقاء حيث يوجد التابوت.
‘يُقال إن من قاتل إلى جانب البطل الوحيد هو سلف إليونورا. هل أراد الإمبراطور الأول البقاء إلى الأبد مع رفيقه حتى بعد موته؟’
شعرت بانقباض في قلبها رغم أنها لم تكن نوبة سل.
لم تكن تعرف السبب. ربما كان مجرد شعور بعدم الارتياح من كون هذا المكان “قبر شخص ما”.
أخمدت فيفيان هذا الإحساس الغريب و أكملت طريقها.
في أحد أركان المقبرة، رأت أصلان يلهث و يبصق الدماء. واختفى رمز إليونورا من عقلها على الفور.
“لا تهرب، تعال إليّ.”
“كرووو.”
“أنا بخير. بقاؤكَ وحيدًا بينما أنتَ تتألم يجعل الأمر أسوأ، أليس كذلك؟”
جثت فيفيان على ركبة واحدة وخفضت جسدها لتخفيف توتر أصلان. ارتجف نظره وهو يحدق بها فيما كان لا يزال يتقيأ الدم.
نظر إلى يدها الصغيرة البيضاء وكأنه يتوق إليها، ثم استدار و أخفض رأسه، و انكمش أكثر.
‘ماذا عليّ أن أفعل؟ لو كنت أنا إيريس فقط…’
وأثناء تفكيرها ، تجمدت فجأة.
عينا أصلان الحمراوان كانتا تتوهجان بشكل ينذر بالخطر.
الجو تغير فجأة. عضلاته المتوترة و كأنها ستنفجر، مخالبه الحادة، أنيابه الظاهرة بشراسة.
“لماذا، لماذا فجأة……”
كانت تلك إشارة واضحة لهجوم وشيك.
في اللحظة التي انحنت فيها فيفيان بسرعة، انقض عليها أصلان. غطى ظل أسود جسدها.
“آآاه!”
“كرووو!”
لكن الصرخة لم تكن منها.
رفعت فيفيان رأسها فجأة. لا تعرف متى ظهروا، لكن عشرات القتلة أحاطوا بها و بأصلان من كل الجهات.
حِدّتـه القاتلة لم تكن موجهة نحو فيفيان، بل نحوهم.
“تذكّروا. لا تقتلوا الهدف.”
“لكن لم يقل أحد إن هناك امرأة!”
“اقتلوا تلك المرأة. لا يجب أن نترك شهودًا!”
“كروووووك!”
أول من قال بقتل المرأة، قُتل على الفور.
عندها فقط أدركت فيفيان أن أصلان كان يحاول حمايتها ، رغم الألم من اللعنة التي جعلته يتقيأ دمًا، و رغم أنه فقد إنسانيته.
‘هذه اللعنة… لماذا تضعف قلب الإنسان هكذا!’
كيف يمكنني الهرب و أترك الوحش الذي يقاتل من أجلي!
عضت فيفيان على أسنانها و سحبت سيفها. وسرعان ما انطلقت شفرته عبر أحد القتلة، فانتشر عبق الدماء الكثيف.
استدارت فورًا و هاجمت مرة ثانية. سقط القاتل الذي هاجمها من الخلف دون أن يتمكن من الصراخ.
راحت تفكر وهي ترى الرجال يندفعون نحوها.
‘لا بد أنهم قتلة أرسلهم ولي العهد هذه المرة أيضًا. يا له من وغد!’
كان يوهانس يرى أصلان كقنبلة موقوتة. تهديد لا يُعرف متى سينفجر، لكنه سيفعل حتمًا يومًا ما.
إذا مات أصلان، فإن يوهانس سيرث اللعنة.
ولكن حتى إن لم يمت، فهناك خطر قائم. لأن أصلان قد يضحي بنفسه لإحياء الشيطان.
تمامًا كما في نهاية القصة الأصلية.
لذلك، أراد يوهانس أن يُبقي أصلان حيًا بالكاد، منفيًا. أن يسلب وعيه بالسحر الأسود، و يجعله جثة حية.
‘أصلان لم يفعل شيئًا خاطئًا.’
لم يطمع في العرش. لم يرغب في شيئ ليس له.
حتى حين أسس مملكته الخاصة في الشمال، بلاكفورد، و جمع حوله القوة، كان ذلك فقط من أجل البقاء، و كان منجذبًا بشكل طبيعي إلى أولئك الذين أرادوا العيش.
“آه، كلما فكرت بالأمر زاد غضبي.”
كانت فيفيان تقتل القتلة الذين يهاجمونها بلا تردد. و عندما أصبح سيفها طويلاً غير حاد، رمته جانبًا و أخذت خنجرين لتسلب أرواح أعدائها.
لا تعرف. هي فقط تجد كل ما يحيط بأصلان كان مزعجًا.
‘يبدو أن هذه قدرة هذه اللعنة ليست من طرف واحد، بل تفاعلية.’
لم تستطع التفكير إلا بذلك.
“كروووغ!”
“أهغ، اللعنة…”
انتهت معركة طويلة.
أنهى أصلان نفس القاتل الأخير.
بالمقارنة مع فيفيان، التي كان يسهل عليها تجنب المعركة بسبب جسدها الصغير، تعرض أصلان لإصابات خطيرة. يبدو أن خاصرته اليسرى، التي لم تلتئم بعد، كانت مستهدفة بشكل خاص.
“كرووور…”
عادت عيونه إلى اللون الذهبي. و لكن في نظرته إلى فيفيان، كان لا يزال هناك شعور قوي بالذنب و الندم.
‘أنا حقًا بخير.’
ولكن إن كان أصلان يرفضها، فلا يمكنها أن تفرض نفسها عليه بعد الآن.
بدأت فيفيان تتراجع ببطء، ثم استدارت. وعندما كانت على وشك مغادرة القبر.
“….”
توقفت خطواتها. كان الوحش الذي اندفع إليها قد عض طرف ملابسها.
“تطلب مني ألا أذهب؟”
“كرووون.”
“لكن قبل قليل قلت انكَ تكرهني. وهاجمتني كي أبتعد…”
رغم أنها كانت تعرف أنه لم يكن يقصد ذلك، خرج صوتها ممتعضًا تلقائيًا.
بصراحة، عندما حطم الصخرة محاولًا دفعها بعيدًا، ظنت بصدق أنه كان سيقتلها و خافت كثيرًا.
“هاف… هاف…”
تألقت عينا أصلان الذهبيتان و هو ينظر إلى فيفيان. كانت نظراته كأنه يشعر بندم شديد.
“لقد زأرت في وجهي، و لم تلتفت إلي حتى عندما ناديْتك. قلتُ إنني أخاف أن أكون وحدي.”
“كييينغ…”
“هل أنا شخص لا يُعتمد عليه إلى هذا الحد؟ قلت لكَ إنني بخير، و إن الأمر لا بأس به، لكنكَ تجاهلت كل شيء و هربت. هل تعرف كم كنت حزينة حينها؟”
“….”
قبضته على ياقة فيفيان بدأت تضعف تدريجيًا. و أمال أصلان رأسه بلا قوة.
في البداية، كانت تنوي فقط أن تقول له بضع كلمات و تنصرف، لكن رؤيته يتصرف هكذا آلمها من الداخل.
تنهدت فيفيان بهدوء، ثم فتحت ذراعيها على وسعها.
“لا تفعل ذلك مجددًا. أنا في الحقيقة شخص حساس للغاية في مثل هذه المواقف.”
“كروون…؟”
“سأسامحكَ هذه المرة فقط. هيا، تعال إلى حضن هذه الأخت.”
بالنظر إلى العمر، كان أصلان أكبر منها بوضوح، لكنها قررت أن لا تهتم بتفاصيل صغيرة كهذه.
تردد الأسد الأسود للحظة، ثم ارتمى في أحضان فيفيان.
“أحسنت.”
وبما أن أصلان كان أكبر حجمًا بكثير، بدا وكأنها هي من كانت متعلقة به. و مع ذلك، كانت فيفيان تمسد عنقه بقوة.
بينما كانا يتجولان في المقبرة و يقاتلان القتلة، كانت الشمس قد غربت تمامًا.
و لأن الخروج في هذا الوقت صار خطرًا جدًا، قررت فيفيان و أصلان الاستلقاء في الممر الأبعد عن القبر الملكي.
استلقت فيفيان مستندة إلى أصلان الممدد، وتمتمت:
“كما توقعت، أنا مذهلة. لقد روّضت هذا الأسد الأسود العملاق، أليس كذلك؟”
“كرووون.”
“سأخبر أخي.”
حدثت أشياء كثيرة جدًا خلال النهار. و الآن وقد استلقت على دفء الحيوان، بدأت جفونها تثقل تلقائيًا.
غاصت فيفيان في نوم عميق كما لو أنها غمرها الماء.
* * *
في ليلة بعيدة و عميقة . كان القمر يميل.
“……”
ظل طويل ألقى بظلاله فوق رأس فيفيان النائمة. لقد عاد أصلان إلى هيئته البشرية، و كان يحدق بها بلا حول ولا قوة.
كانت أصابعه التي رفعت خصلات الشعر اللاصقة على جبينها المستدير، حذرة بلا حدود.
“آسف، لكن يبدو أنه سيكون من الصعب التفاخر.”
كان يمكنه تقليد الحيوان عدة مرات إن كان ذلك سيسعد فيفيان. لكن للأسف، اللعنة زالت في وقت مبكر جدًا.
الإحساس بوحشية اللعنة داخل جسده لا يزال واضحًا. حينها كان مستعدًا للعيش في هذا الغابة لشهر كامل.
‘هل كان بفضلها؟ لأنها غفرت لي، لشخص مثلي…’
منذ متى لم يرَ وجهها و هي نائمة من دون حذر كهذا؟
بشرتها البيضاء تعكس ضوء القمر الأزرق وتتألق ببريق باهر. كانت تبدو كجوهرة، ساحرة و غامضة إلى حد جعل العقل يذهل.
‘لأنها لحقت بي حتى النهاية، رغم أنني هربت بجبن…’
لم يكن شكرًا لها على هواية ترويض الحيوانات المفترسة إلا هذه المرة.
مع أنه كان يعلم أنه قد يؤذيها، لم يستطع أن يرفض يدها الصغيرة هذه حتى النهاية.
ربما كان خائفًا في الحقيقة. من أن يُسلب جسده و يُحبس وعيه في الأعماق، و يمضي وقتًا طويلًا وحده مرة أخرى.
انظري إليّ. تحدثي إليّ كأشعة الشمس المتسللة إلى المستنقع. لا تتجاهليني.
‘لأنكِ بهذه اليد الهشة، بهذه اليد الصغيرة، عرفتِ مدى يأسي.’
وضع يد فيفيان البيضاء برفق شديد على راحة يده. كانت صغيرة وهشة لدرجة أنه خشي أن تنكسر بمجرد أن يمسك بها.
بمجرد أن تلامست راحتي يديهما، شعر بحرارة لا يمكنه السيطرة عليها.
أراد أن يلمسها أكثر، أن يقترب أكثر.
فَتَح أصابعها برفق وأدخل أصابعه بينها. رغم أنهما لم يتشابكا إلا بالأصابع، إلا أن إحساس الاكتمال كان طاغيًا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 30"