دوى صوت البوق القوقعي الذي يُستخدم لطرد الفرائس في الأرجاء.
لكن ما كانوا يطاردونه لم يكن مجرد فرائس فقط. فقد اقترب صوت حوافر الخيول الكثيرة إلى حد كبير.
“اللعنة.”
صرَّ أصلان على أسنانه.
كان يحاول بكل قوته كبح اللعنة التي تجتاح جسده، لكنه كان على وشك الانهيار. و حتى حين يجد بالكاد مكاناً خالياً من الناس، كان صوت البوق لا يفارقه.
“يوهانس، هذا الحقير…!”
لم يتخيل أبداً أن ذاك اللعين سيكشف عن وجود اللعنة بنفسه.
لقد استعد تماماً لمقاومة طاقة مقاومة الشياطين الكامنة في الغابة. لكنه لم يتوقع أن يصل إليه السيف المقدس، و هو أكثر الآثار المقدسة التي يُفترض أن تبقى في ضريح الإمبراطور الأول، والذي قتل الشيطان بنفسه.
حتى وإن فُتحت الغابة، لا يمكن دخول الضريح سوى من قِبل أفراد العائلة المالكة المباشرين.
“أهغ، أغه، آآآااه!”
الطاقة الشيطانية التي أصبحت هائجة مزقت أحشاءه من الداخل و مزقت جسده. وكلما حاول كبحها، زادت شدة الألم و فظاعته.
انهار أصلان من على صهوة جواده، كأن أنفاسه قد انقطعت. و سال الدم الأحمر الداكن من تحت ذقنه.
كان أمامه مفترق طريق.
أحد الطريقين يقود إلى عمق الغابة، والآخر إلى ضريح الإمبراطور الأول.
لا يمكن لأحد غير أفراد العائلة المالكة المباشرين دخوله، لكنه في الوقت نفسه، أرض مقدسة تحتوي على أقوى قوى مقاومة الشياطين.
أرض قد لا يعرف كم من الوقت سيقضيه فيها كوحش شيطاني.
“لقد وعدتك اليوم بأن أرافقكَ أينما ذهبت.”
وجهها وهي تبتسم ببراءة دون أن تعلم شيئاً.
رموشها اللامعة التي تلألأت تحت ضوء الشمس. خديها المتوردين كالفاكهة الناضجة، وشفاهها الحمراء المنحنية بسحر.
‘من أجل أن أكون خطيباً تفخرين به…’
دوى صوت حوافر الخيول المتبعة للبوق في الجوار. واهتز فكُّه المغلق بقوة.
ذاك الشعور الجميل الذي كان يكنه لشخصٍ واحد اختفى تماماً.
الإحباط، الألم، الكراهية، رغبة التدمير. كل المشاعر السلبية تسربت عبر عروقه إلى جسده كله.
توجه أصلان نحو ضريح الإمبراطور الأول.
مع كل خطوة يخطوها، كانت بشرته تحترق وتتحول إلى اللون الأسود. ذلك الذي كان يسير شامخاً على قدمين، بدأ يزحف على الأرض بأربع أطراف.
“غررررر.”
عينان ذهبيتان تتوهجان وسط الظلام الحالك.
في المكان الذي كان فيه أصلان، وقف وحش شيطاني ضخم.
* * *
“هيّا!”
تفقدت فيفيان ما حولها و ركلت خاصرة الحصان.
كانت الشمس تميل نحو الغرب. و كانت تتجول في الغابة منذ ساعة كاملة.
‘لا أثر لأصلان. لم يكن في مكان اللقاء، والناس يقولون إنهم لم يروه…’
في القصة الأصلية، يتحول أصلان إلى أسد أسود أمام أتباعه. موقف لا يمكن التراجع عنه.
و لإخفاء اللعنة التي حلت عليه، كان عليه أن يدمر بيديه القوة التي أنشأها بنفسه، و بشكل مروع.
‘هل تأخرت كثيراً؟’
كان يُقلقها أن لا أحد في ساحة الصيد قد رأى أصلان. تخشى أن يكون كل شيء قد انتهى بالفعل.
“هوو، هوو!”
سحبت لجام الحصان و هي غارقة في التفكير. أمامها ظهر مفترق طريق.
في أحد الطريقين، آثار حوافر خيول كثيرة. أما الآخر، فطريق نظيف لم تمر به حتى نملة.
كانت هذه أول مرة تدخل فيها فيفيان هذه الغابة، لكنها عرفت غريزياً.
‘ضريح الإمبراطور الأول…!’
تحرك جسدها قبل أن تدرك ذلك بعقلها. أدارت لجام الحصان و انطلقت.
كان طريق الغابة الوعر الخالي من أثر البشر يمتد لمسافة. ثم ظهر مبنى أشبه بأطلال قديمة.
‘إن كان أصلان هناك بالداخل. و ربما كان قد تحول إلى وحش شيطاني وفقد عقله.’
لا أحد يعلم ما قد يحدث بالداخل. لذا سحبت فيفيان سيفها.
أخذت نفساً عميقاً وفتحت الباب المغلق بإحكام. و ما إن خطت خطوة للأمام…
“غرررر!”
“آهغ…!”
اندفع شيء من الظلام ليهاجم فيفيان. و قبل أن تقاوم، سقطت تحت ثقله و وصلت أنياب حادة إلى عنقها مباشرة.
‘هل سأموت بهذه الطريقة!’
أغمضت فيفيان عينيها بشدة.
مرت ثانية. ثم عشر ثوان. بدا وكأن دقيقة قد مرت.
كان تنفسه الخشن لا يزال يلامس عنقها، و وزنه الثقيل لا يزال يسحق صدرها. لكن رغم الانتظار، لم يأتي الألم الذي كانت تتوقعه.
تجمد جسدها من التوتر. هو الآن وحش فقد عقله. لا يرى خطيبته أو غيرها.
“غرررر.”
لكن لماذا؟ حين تلاقت عيناهما، ارتبك أصلان و تراجع خطوة إلى الوراء. بل لم يكتفِ بذلك، بل استلقى بهدوء عند قدميها.
بالطبع، بسبب حجمه الضخم، لم يكن هناك فرق يذكر بين الوقوف و الاستلقاء.
‘كان سيفترسني للتو، فلماذا هذا التغير؟’
حاولت فيفيان التفكير في السبب.
اللحم المتعفن ليس لذيذاً كاللحم المذبوح للتو. فلا شك أن أصلان يعرف ذلك أيضًا…
‘اللعنة، إذن نهايتها ستكون هكذا إذن!’
كان لا بد من الهرب فورًا، و إلا فإن حياتها ستكون في خطر. في اللحظة التي نهضت فيها فيفيان بسرعة.
“هيه هيه.”
تمدد أصلان على الأرض و كشف بطنه بهدوء.
“كينغ كينغ.”
وحتى و هو ممدد، حرّك جسده بطريقة غريبة .
نظرًا لأن الأثر الذي اصطدم به قد تحطم إلى مسحوق، لم يكن من الواضح إن كان تصرفه هذا دلالًا أم تهديدًا.
“لماذا أصبح لطيفًا فجأة هكذا؟”
وبالحديث عن الأمر، كانت هواية فيفيان في القصة الأصلية هي ترويض الوحوش. لم يكن يُفهم كيف كانت تروض وحوشًا لا تتحدث، لكن يبدو أنها كانت موهبة فطرية.
لا عجب أن الجميع في هذا العالم لديهم قدرات مميزة، بينما كانت فيفيان وحدها تبدو ضعيفة تحمل سيفًا و تتفاخر. كان لا بد لها من امتلاك قدرة خاصة كهذه على الأقل!
“أوه، كم أنتَ ظريف. هل هذا يعني أنكَ لا تريدني أن أرحل؟”
و كأنه يجيب على سؤالها، فرك أصلان خده براحة يدها.
نظرت إلى الخارج بنظرة خاطفة.
كان الغروب قد حلّ من دون أن تلاحظ. في الجبال، كانت تغرب الشمس بسرعة خاصة، والتجول في الخارج الآن يشبه الانتحار.
“هل ندخل إلى الداخل؟ الجو بارد قليلًا، كح كح.”
“كرووور.”
في اللحظة التي غطت فيها فيفيان فمها بمنديل، اقترب أصلان منها بشدة. حرارة جسده المشتعلة انتقلت إليها بالكامل.
“في الأصل لا يجب أن أكون هنا، لكن خطيبي اختفى في الجبل.”
و فيما كانت تخطو إلى الداخل، قررت أن تضيف عذرًا تحسّبًا.
في هذه المرحلة، كان لأصلان لقاء سابق مع بطلة القصة الأصلية، إيريس.
لم يكن هناك تقدم واضح بينهما بعد، لكن من يدري.
كان لا بد من أخذ احتمال أن أصلان قد تم وسمه بها بعين الاعتبار، و أنه يحتفظ بوعيه حتى في حالته كوحش شيطاني.
“كنت سألتقي بخطيبي في مكان قريب. لكنني ضللت طريقي و أنا أبحث عنه و دخلت إلى هنا، ومن حسن الحظ أنكَ كنتَ هنا. المكان يبدو مرعبًا بعض الشيء.”
“كرووور.”
“آه، هل تحاول مواساتي؟”
لمس أصلان راحة يدها بخفة بأنفه، ثم اندفع إليها كأنه يريد أن يعانقها.
الإحساس بفروه الناعم على بشرتها جعلها تضحك دون أن تشعر.
“كفى، كفـــى!”
انحت عينا أصلان الذهبيتان، وهما تنظران إليها، بشكل فاتن.
شعرت فيفيان بدهشة جديدة.
كان الأسد الأسود الضخم، الذي يحتاج المرء إلى رفع رأسه لينظر إليه حتى وهو واقف، يبدو لطيفًا وهو يتصرف بقلق أمام امرأة لا تشكل له حتى وجبة صغيرة.
‘ربما تكون هذه القدرة الخاصة جيدة بالفعل.’
أغلقت فيفيان باب الضريح بإحكام، ثم أوقدت النار. فانكشفت صورة الداخل المهيبة أمامها.
كان القبر أشبه بهرم، متصل بعدة ممرات.
وفي اللحظة التي كانت تمشي فيها بتعجب داخل المكان، غير واعية لذلك.
“كروك، كرووررك…!”
“ما بك؟”
أصلان، الذي كان يتبعها في صمت طوال الوقت، بدأ فجأة يتنفس بصعوبة كما لو أنه يتألم. و لم يكن ذلك فقط، بل بدأت عيناه تتلونان بلون أحمر مرعب.
نظرت إليه فيفيان بقلق.
كان “قبر الملك”، حيث تم ختم رفات الإمبراطور الأول، أمامها مباشرة.
من المؤكد أن الشيطان أستاروت تعرف على قبر الملك. فقد كانت رغوة الدماء تسيل من فم أصلان وهو يهز رأسه بألم.
“ما بك؟ هل يؤلمك شيء ما؟”
“كرووور.”
“انظر إلى هذه الدماء!”
احتضنت فيفيان أصلان الذي كان يلهث بشدة.
كان الألم الذي يشعر به أصلان عندما يثور الشيطان، يفوق التصور.
في لحظة غفلة، قد يفقد السيطرة على جسده للأبد، لذلك كان دائمًا ما يقاوم الشيطان و هو على حافة الهاوية.
لأول مرة، شعرت فيفيان بالحزن لأنها لا تستطيع فعل شيء لأجله.
“تعال هنا، ششش، كل شيء سيكون على ما يرام.”
“كروك.”
“هكذا، استند إلي. لا تقلق…”
اندفع أصلان إلى أحضان فيفيان كما لو أنها طوق نجاته الوحيد في هاوية لا قرار لها.
و فيما كانت فيفيان تعانقه بقوة، ارتجف جسدها فجأة. مخلب أصلان خدش فخذها.
“أه!”
“كرووور.”
فتح أصلان عينيه و حدّق للأسفل. كانت بذلة الصيد السوداء التي ترتديها فيفيان قد تمزقت تمامًا بمخالبه الحادة.
و كان فخذها قد انكشف، والجرح الأحمر واضح.
ظهرت خيبة في عيني الوحش و هو ينظر إلى الجرح. فتراجع أصلان مبتعدًا عن لمستها بخجل.
“همم؟ ما بك؟”
“……”
لم يجب أصلان. بل راح يحدق بها كأنه يتوسل.
كما لو أنه يقول: لا تقتربي مني. أو: تجاهليني واهربي من هنا.
كان هذا الوحش الهائل، يخشى أن يلمس هذه المرأة الصغيرة، فيبتعد عنها.
و بينما كانت فيفيان تشعر بالحيرة، أدركت أخيرًا نظرة أصلان. كان نظره مثبتًا على جرح فخذها، كأنه لا يستطيع أن يصرف نظره عنه.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "29"