تذكرت فيفيان النجمة الخماسية المقلوبة لأصلان. كانت قد رأتها على صدره و هو في هيئة الأسد الأسود عندما حُبسا داخل الكهف بسبب الأمطار الغزيرة.
ثم خطر في بالها ختم الرابطة الذي ورد في الرواية الأصلية. لكنها سرعان ما هزت رأسها.
“هذا مختلف في اللون والشكل عما كنت أعرفه.”
في القصة الأصلية، كان ختم البطل والبطلة متطابقين تمامًا.
وفوق ذلك، كان لونه أحمر داكنًا أكثر من لون الدم، لذا اضطرت البطلة الأصلية لارتداء فستان يغطي صدرها بالكامل لإخفائه.
أما الآن، فالشكل مختلف قليلاً، وخاصة اللون لا يشبهه حتى .
“إذن ما هذا؟ لو كان هناك ساحر حولي لسألته… لكن لا يوجد أحد.”
النجمة الخماسية كانت الشكل الأساسي للدائرة السحرية.
ورغم أن أصلان من أعظم محاربي السحر في الإمبراطورية، إلا أن كشف صدرها له للسؤال عن هذا سيكون محرجًا بعض الشيء.
وفوق ذلك، إن كان هذا الشيء لا يعود بالفائدة على أصلان…
فليس من الحكمة أن تكشف نقطة ضعفها لشخص يساورها الشك تجاهه أساسًا.
“صحيح، ما دمت قد تقمصت جسد شخص آخر، فما أهمية دائرة سحرية مثل هذه.”
رغم قولها ذلك، لم تستطع تجاهل الأمر.
قررت أن تبحث عن ساحر مناسب قريبًا، وبينما كانت تربط حزام الرداء، سمعت خطوات ثقيلة في الردهة. كان أصلان يقترب.
سارعت فيفيان بتعديل تعبير وجهها الكئيب. وفي نفس اللحظة، فُتح الباب فجأة.
“وصلت؟”
“يبدو أنني جعلتكِ تنتظرين طويلاً. كان لدي بعض الأمور الإدارية.”
“لم يمضِ وقت طويل منذ خرجت من الحمام.”
رقة عيني أصلان خفت قليلاً و هو يدخل غرفة النوم بخطى واثقة. لكنه ما إن التقى بنظرة فيفيان الخارجة من الحمام حتى تجمد في مكانه.
شعرها الرطب المائل جانبًا، و وجنتاها و شفتيها المتوردتان، و أنفاسها.
كان مشهدًا كفيلًا بإفراغ أي عقل من أي تفكير.
ولم يكن أصلان استثناءً، لكنه عض باطن خده بقوة لكبح اندفاعه.
حافظ بصعوبة على ابتسامة مهذبة وهو يقف أمامها.
“لا يجب أن تبقي على هذه الحال المبللة، خاصة وأنتِ ضعيفة الجسم.”
“كنت انتظرك، لأنكَ قلتَ انكَ ستأتي قريبًا.”
في الحقيقة، كانت قد صرفت الخدم لتتفقد النجمة الخماسية على صدرها.
لكن يبدو أن عذرها أعجب أصلان كثيرًا، فابتسم بخفوت وهو يجلسها أمام طاولة الزينة. ثم بدأ يتحدث عمّا كان يفكر فيه طوال الطريق.
“الجو في الخارج دافئ هذه الأيام. ما رأيكِ أن نخرج سويًا هذه المرة؟”
“نحرج فجأة؟”
“نتسوق قليلاً إن أردتِ، لقد افتتح طاهٍ ملكي من الخارج مطعماً هنا، قد يعجبك.”
“لم أظن أنكَ قد تهتم بمثل هذه الأماكن.”
ردت فيفيان بفتور. لا التسوق ولا المطاعم كانت من اهتماماتها. لكنها سرعان ما غيّرت رأيها.
‘عليّ أن أخرج للبحث عن ساحر. كما أنني لا أعرف معالم العاصمة بعد، فستكون فرصة لاستكشافها.’
أومأت بسرعة.
“فكرت في الأمر، وأعتقد أنه سيكون ممتعًا. هل سنذهب اليوم؟”
نظرت إلى أصلان المنعكس في المرآة.
كان يمرر يده الكبيرة و الخشنة على شعرها الطويل، و عندما التقت عيناهما، ابتسم بخفة.
“بعد عدة أيام. هناك بعض الأمور التي يجب التحضير لها.”
“تحضير؟ أي نوع من التحضيرات؟”
“أشياء متنوعة… هناك أمور عاجلة يجب أن أُنجزها في المقاطعة.”
عضت فيفيان لسانها داخليًا. كانت تود إنهاء الأمر الآن بما أنها حسمت قرارها، لكن يبدو أن اليوم ليس مناسبًا.
مع ذلك، قررت ألا تقلق كثيرًا. يمكنها الانتظار بضعة أيام، يمكن أن تختفي النجمة الخماسية في هذه الفترة، وإن لم تختفِ، يمكنها معالجة الأمر لاحقًا.
“هل يمكنني زيارة العائلة اليوم إذن؟”
“تقصدين إليونورا.”
“نعم، أنا قلقة إن كانوا يتأقلمون جيدًا في القصر. خدم إليونورا ليسوا معروفين بالاهتمام بالتفاصيل، لذا أود الاهتمام بالأمر بنفسي.”
في الحقيقة، لم تكن قلقة بشأن أليكس كثيرًا.
رغم صغر سنه، كان قد بلغ مستوى عالٍ في فنون السيف.
وإن كان يفتقر لخبرة سياسية، إلا أنه المرشح الأوفر حظًا ليصبح وزير الدفاع في المستقبل.
لكنه كان بسيط الطباع. لن يهتم بتفاصيل العائلة الدقيقة.
“لا تقلقي من هذا الجانب. أنا من أشرف على اختيار كل خدم إليونورا، من الأول إلى الأخير.”
“أنتَ من فعل هذا؟”
“أليس من الطبيعي أن أعتني بأمور عائلتك؟”
كاد شعر فيفيان يجف تمامًا. واصل أصلان تمشيطه بأصابعه وهو يتحدث.
“إن ذهبتِ إلى إليونورا، خذي ديلان معكِ. إنه من القلائل الذين يمكن الوثوق بهم تمامًا، فاجعليه بجانبكِ دائمًا.”
في الرواية الأصلية، كان ديلان أقرب مساعد لأصلان ورفيقه.
كان قوياً للغاية، و يحتل المرتبة الثانية في فرسان أصلان، و كان من القلائل الذين يعرفون سر اللعنة، و فوق كل ذلك…
‘كان مسؤولاً عن حماية البطلة ومراقبتها.’
بمعنى أنه من جهة فيفيان، لم يكن شخصًا يمكن الاطمئنان له كليًا.
لكن إن رفضت الآن، ستثير شكوك أصلان. وبما أنها لا تنوي كشف حقيقته لأي أحد، فلن يكون هناك ضرر.
“سأفعل ذلك.”
“عودي بسلام. و اعتني بنفسك، ولا تتأخري كثيرًا.”
“حسنًا.”
أومأت فيفيان برأسها بهدوء.
* * *
نزلت فيفيان من العربة برفقة مرافقة ديلان الحريصة.
“سيدتي، لقد وصلنا إلى قصر الدوق. انتبهي لخطواتك.”
“شكرًا لك.”
“بالتفكير في الأمر، سيدتي، ما نوع الزهور التي تفضلينها؟ ابنة عمي خُطبت مؤخرًا، لكن خطيبها، يا للأسف، بلا ذوق…”
اكتفت فيفيان بالابتسام بشكل غامض بينما تركت هذيان ديلان يمر من أذنها الأخرى.
في الرواية الأصلية، وُصف بأنه رجل جدي. وقد نجا مع أصلان من مواقف أشبه بالجحيم، فكان ذلك متوقعًا.
لكن بعد لقائه شخصيًا، اتضح أنه يميل إلى الحديث المفرط.
خاصة عندما يتعلق الأمر بابنة عمه، فقد بدا شديد التعلق بها، فبدأ في انتقاد خطيبها و سرد تفاصيل طلب الزواج منها.
تفاصيل دقيقة و كأنه هو من تلقّى العرض.
“لهذا السبب لا أظنه مناسبًا، ما رأيك أنتِ، سيدتي؟”
كان ديلان يسأل عن رأيها من حين لآخر، لكن فيفيان حاولت الرد بشكل محايد قدر الإمكان، لأن التدخل في عرض زواج أحدهم أمر محرج.
“أمم، لا أعتقد أنه سيء. أن يرقص و يغني بنفسه دليل على أنه بذل جهدًا، أليس كذلك؟ حتى و إن لم يكن موهوبًا، فالنية الطيبة تستحق التقدير.”
“آه، نعم! قالت ابنة عمي انها تأثرت بإخلاصه!”
بدت ابنة عمه و كأنها تلقت عرضًا غريبًا جدًا.
خطيبها قام بتزيين الأرض بالشموع على شكل قلب في حديقة مزدحمة. ثم غنى و رقص أمامها.
اقترب منها و هو يرقص، و كأنه يغويها، مدّ لها وردة ثم تراجع، ثم كرر ذلك مما جعلها تتوتر.
وفي النهاية، قفزت إلى عربة مارّة و هربت.
‘حتى أنا كنت سأهرب. لا أستطيع تخيّل مدى الإحراج في هذا الموقف.’
بالطبع، لم تقل هذا بصوت عالٍ. بل شعرت فقط بالحزن على المأساة التي مرت بها تلك المرأة المجهولة.
“تحياتي لكِ، سيدتي.”
“بما أنكِ أتيتِ، يمكنكِ الراحة لبعض الوقت.”
ما إن دخلت فيفيان قصر الدوق حتى فوجئت.
فكل الخدم قد خرجوا لاستقبالها. بل وركعوا على ركبة واحدة لتحيتها باحترام بالغ.
تراجعت ببطء إلى الوراء و نظرت إلى الشعار فوق الباب لتتأكد.
“السيف الذي هزم الشيطان. نعم، هذا قصر إليونورا.”
رغم أنها قضت شهرًا تقريبًا في المبنى الجانبي، كانت تظن أنها تعرف وجوه معظم الخدم…
‘لكن لماذا يبدو الجميع كأنني أراهم لأول مرة؟’
وبينما كانت فيفيان تحك ذقنها في حيرة، ظهر وجه مألوف من الداخل.
“فيفيان!”
“أختي إيريس!”
ركضت إيريس و احتضنت فيفيان بحماس.
في جنازة الدوق، كانت ملامحها مليئة بالارتباك، لكنها الآن بدت أكثر إشراقًا.
“من الجيد أنكِ أتيتِ! كنت أشعر بالذنب لأننا افترقنا بطريقة سيئة.”
“وأنا قلقت عليكِ، أتيت فور وصولي إلى العاصمة… لكن والدنا توفي…”
“سمعتُ قليلًا عن الظروف التي أخفاها أليكس. رغم أن الدوق والدي الحقيقي، لا أعتقد أنني أستطيع مسامحته.”
كان عمر إيريس و أليكس متقاربًا، لكن عيد ميلاد إيريس كان أبكر. لذا يبدو أنهما اتفقا على التحدث بدون ألقاب رسمية.
“ادخلي بسرعة. ستتناولين الطعام قبل المغادرة، أليس كذلك؟”
رغم كل ما حدث في فترة قصيرة، كانت نظراتها ثابتة. إنها بطلة الرواية الأصلية بالفعل.
‘أعتقد أن بإمكاني بدء خطتي من جديد.’
لم تتخلَّ فيفيان بعد عن خطتها.
الخطة كانت: “اجعل البطلة والبطَل الأصليين يتقرّبان كما في الرواية.”
‘آسفة يا أختي، لكن لا مفر. عليّ النجاة أولًا…’
في النهاية، ستوقظ إيريس قواها السحرية في منتصف القصة.
وبالنظر إلى ندرة السحرة في هذا العالم، ستكون إيريس أكثر ملاءمة من فيفيان لتكون بجانب أصلان.
“نعم، بكل تأكيد.”
أومأت فيفيان برأسها و دخلت القصر.
دون أن تدري أن صفحة جديدة من التاريخ بدأت خلف ظهرها.
“آآه، آسفة! لست معتادة على الفساتين، لذلك زلّت قدمي.”
“سيدتي، هل أنتِ بخير؟”
“نعم…”
عندها، التقت نظرات إيريس و ديلان، و توهجت فيهما لمعة غريبة.
كان مشروع فيفيان على وشك الغرق قبل أن يبدأ.
التعليقات لهذا الفصل "24"