مدّ أصلان يده قائلاً لها أن يكملا الحديث في الطريق. أومأت فيفيان برأسها و أخذت ذراعه.
“كيف حالكِ الآن؟”
“لا بأس. الجو دافئ مؤخرًا، لذا قلّ السعال قليلًا.”
“هذا جيد. يجب أن تستمري بتناول الأدوية بانتظام.”
“هذا هو الشيء السيء…”
كان أصلان قد استأجر لها سبعة أطباء موثوقين جدد.
كانوا يجرون مناقشات يومية و يعدّون وصفات جديدة، فصار طعم الدواء يتغير يومًا بعد يوم.
وبينما كانت فيفيان تتمتم غاضبة بأنه عليه أن يتذوق الدواء بنفسه، مالت برأسها متسائلة فجأة.
منذ قليل، لاحظت رائحة قوية، لكنها لم تختفِ رغم مرور الوقت.
“أصلان، هل وضعتَ عطراً؟”
استدار دون أن يجيب على نظراتها.
“غريب. عادة ترفض حتى عندما أطلب منكَ وضعه.”
“…”
“و بالمناسبة، لقد غيرتَ ثيابك. هل تأخرتَ لأنكَ كنت تماطل رغم علمكَ بأنني أنتظرك؟ هل كنتَ مع امرأة أخرى؟”
في المجتمع النبيل، كانت الخيانة أمرًا شائعًا، وتبديل الثياب و وضع العطر بعد لقاء العشيقة كان عُرفًا غير معلن.
بالطبع، لم تكن فيفيان تهتم لو خانها أصلان.
فقط، بدا عليه الحزن قليلاً، فأرادت أن تمازحه.
“أتظنين أنني أخونكِ؟ هذا مستحيل، يا فيفيان.”
“وما المشكلة في ذلك؟ هل تعلم كم من النبلاء يملكون عشيقًا في هذه الأيام؟ سمعتُ أن من لا يملكون عشاقًا يُعدّون على الأصابع.”
“وماذا عنكِ؟ بجمالكِ هذا لا بد أن هناك الكثير من الرجال الذين يتبعونكِ.”
“من يدري؟ ما رأيك؟”
حتى أصلان، الذي لا يخاف شيئًا، بدا عديم الخبرة في هذا النوع من المواضيع. ما إن ذُكر أمر الخيانة حتى انخفض صوته و انقطعت كلماته.
كان يبدو كمن لا يقطر دمًا حتى لو طُعن، وإذا به يفاجئها برد فعله، مما جعل الأمر أكثر تسلية بالنسبة لها.
ضحكت فيفيان و تقدمت بخفة، إلا أن خصرها شد فجأة. أصلان الذي عانقها من الخلف همس في أذنها بصوت خافت
“من هو؟”
“نعم؟”
“الرجل الذي يطمع بخطيبتي.”
كان صوته رقيقًا و ناعمًا كما لو أنه يستدرج حيوانًا خائفًا، لكن عينيه كانتا تتلألآن بوميض ينذر بالخطر، كما لو كان على وشك تمزيق شخص ما.
و لأن فيفيان لم تجبه بسرعة، بدأ أصلان يزداد توترًا. و ظهرت عروق يده بوضوح وهو يحيط خصرها النحيل.
“هه، من أين لي بعشيق؟ وأنتَ تحبسني طوال الوقت في قصرك.”
“لكننا لا نقضي كل الأربع والعشرين ساعة معًا. أليس هناك قول بأن التاريخ يُصنع في غمضة عين؟”
“تاريخ أو لا، بالكاد أستطيع مجاراتكَ. هل تظن أن طاقتي لا تنفد؟”
منذ الصباح حتى الليل، كان أصلان يزورها باستمرار في غرفة نومها.
وإن شغلته مهام الإمبراطورية، كانت كبيرة الخدم إيما تأتي بدلاً منه، و إن لم تكن هي، فطبيب أو خادمة أخرى يدخلون و يخرجون باستمرار لمتابعة حالتها الصحية.
وحين حاولت أن تغلق الباب بالمفتاح لتنال بعض الراحة، كان يدخل من الباب الموصل إلى غرفته الخاصة، فلم تكن تملك لحظة لنفسها. كان يراقبها من دون اي وقت فراغ.
“يا له من كلام جميل. بالكاد تستطيعين التعامل معي وحدي.”
“لم أقصد أن يجعلكَ ذلك سعيدا.”
“ومع ذلك، أنا سعيد.”
كانت فيفيان تشتكي على طريقتها الخاصة، لكن أصلان لم يبدو و كأنه يهتم.
“كفى مزاحًا. أريد أن أعود وأرتاح الآن.”
“ها ها…”
وفي اللحظة التي وخزته بكوعها في صدره، تنهد أصلان متألمًا.
ارتبكت فيفيان وابتعدت عنه بسرعة. أسرع أصلان سلان في ضبط ملامح وجهه، لكن لم يستطع إخفاء تعابير الألم.
و بسبب التفاته، انكشفت وجنته…
“ما الذي حدث لوجنتك؟ ما هذه العلامات؟”
“لا شيء مهم.”
“لا شيء؟ بحق السماء، من الذي ضربكَ هكذا؟”
ثم أدركت فيفيان أن سؤالها كان غبيًا. كم عدد من يجرؤ على ضرب أمير يحمل لقب دوق؟
و كان أحدهم معها طوال الوقت، فلم يبقَ سوى الإمبراطور.
‘الإمبراطور في القصة الأصلية كان يستخدم أصلان لتفريغ غضبه أحيانًا. كان يجلده حتى تصبح جراحه ممزقة…’
ورغم هذا لم يكن أصلان يتأوه أو يُظهر آثار الألم. لم يكن يسمح لأحد برؤية علامات العنف الذي تعرض له.
أما الآن، لم يستطع إخفاء وجنته المحمرة، ولا تأوهه المختلط بالألم.
سحبت فيفيان ذراعه بسرعة وعادت به إلى العربة.
وحين تمتم برغبته في ركوب الحصان، تجاهلته تمامًا وأجبرته على الجلوس بجانبها.
“دعني أرى.”
“أنا بخير تمامًا…”
نظرت إليه فيفيان بحدة دون أن تنطق بكلمة. لم يكن لكلامه أي قيمة وهو على تلك الحال المنهارة.
وكما توقعت، نظر إليها بحذر ثم بدأ يخلع ملابسه ببطء.
وكان ما كُشف من جسده مرعبًا. رغم المراهم والضمادات، كانت الجروح تنزف.
و رائحة العطر التي شمتها سابقًا كانت على ما يبدو لتغطية رائحة الدواء القوية، التي كانت تخترق الأنف بمرارتها.
شعر أصلان بذهولها فقال بصوت منخفض
“لقد اعتدتُ على هذا. منذ أن كنت صغيرًا جدًا.”
كانت فيفيان تعرف هذا من القصة الأصلية. لكنها الآن تراه بأم عينها، وكان وقع ذلك مختلفًا تمامًا.
حتى لو لم تكن تهتم به، لم تستطع إلا أن تشعر بالشفقة لرؤية شخص يُصاب بهذه الطريقة المروعة.
أن يتحمل هذا الألم منذ صغره… وحده…
“هل أنتَ بخير؟”
“لن تفهمي ، فيفيان. لم يكن بجانبي أحد. لم يكن هناك من يسألني بلطف و يقلق لأجلي كما تفعلين.”
“أصلان…”
“أبدو ضعيفًا أمامكِ دومًا. لا بد أنكِ سئمتِ من شخص مثلي. ربما تريدين الرحيل.”
“لماذا تقول هذا الكلام؟”
أمسكت فيفيان يده بقوة.
نعم، كانت تخطط للرحيل، لكنها لم تستطع قول ذلك أمام شخص محطم بسبب ماضٍ كهذا.
رمقها أصلان بنظرة مفعمة بالأمل.
“هل ستبقين بجانبي؟ رغم أنني ناقص كهذا…”
“سأبقى.”
“لن ترحلي؟”
“لن أرحل أبدًا.”
للسنة القادمة فقط.
كتمت فيفيان الجملة الأخيرة و عانقت رقبته برفق.
كانت تنوي مواساته كما يُواسى طفل كبير، لكن فجأة أحاط خصرها بذراعيه.
بقوة، حتى لا تستطيع الهرب.
“لقد وعدتِني، فيفيان.”
كانت تحاول مواساته، لكنها هي من انتهى بها الأمر كمن يتعلق به.
ظلت فيفيان تواسيه طويلًا، حتى أطلق أصلان تنهيدة رضا طويلة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "22"