كان من الواضح أن أصلان أيضًا راضٍ جدًا عن المظهر الذي اعتنت به فيفيان بنفسها، فقد ابتسم بعينيه.
“بما أنكِ تولّيتِ الأمر بنفسكِ، فإنّ شكلي أفضل بكثير من المعتاد.”
“لقد مضى وقت طويل منذ آخر مرة خدمْتُ فيها أحدًا، لكن يسعدني أن النتيجة أعجبتك.”
“وقت طويل؟ كلامكِ يوحي بأنّ هناك شخصًا غيري قد ساعدته من قبل.”
ما إن نظقت فيفيان بذلك حتى أدركت خطأها. فقد تذكرت فجأة عملها القصير قبل التجسد في متجر للملابس الرجالية، و تسللت تلك الذكرى من دون وعي منها.
“من هو ذلك الشخص؟ هل هو رجل؟”
“ذ.. ذلك…”
“والآن وقد فكرت في الأمر، كانت طريقة ترتيبك للملابس تبدو و كأنكِ معتادة على فعل ذلك. من تجرّأ على لمس خطيبتي…؟”
“أقصد، نعم، كان رجلًا، لكن…”
تلعثمت حتى تداخل لسانها، و من نبرة صوت أصلان الحادة بدا جليًا أنه بدأ يشك.
أين في العالم قد توجد نبيلة تخدم الآخرين؟
وفي لحظة ارتباك، قررت فيفيان أن تستخدم اسم الدوق الراحل كورقة أخيرة.
فهو قد مات بالفعل، فما المشكلة إن استخدمته؟
“والدي…”
“أكملي.”
تألق في عيني أصلان بريق قاتم. لم تكن فيفيان تعلم ذلك، فاستخرجت الكلمات من عقلها بصعوبة.
“كما تعلم، كان حساسا. لم يكن يثق في الخدم، فأراد أن أكون أنا من يساعده.”
ربما لأنها اختلقت الكلام، لم تستطع أن تسرده بسلاسة.
كان تنفسها متقطعًا، و فاتها توقيت الشهيق حتى أن صوتها بدأ يرتعش.
بدا أن الأمر فشل. حتى في مسابقة خطاب للأطفال، لو تحدثت بهذا الشكل، لكانت استُبعدت فورًا.
خفضت فيفيان رأسها في محاولة لإخفاء ارتباكها، لكن ذقنها رُفع بلطف.
شعرت بأصابعه تلمس خدها.
“طرحتُ عليك سؤالًا لا داعي له. لا بد أن الأمر صعب عليكِ لتتذكريه…”
عَضّ أصلان شفته وتابع.
“من الآن فصاعدًا، لا تستقبلي إلا مساعدتي أنا.”
“أصلان…”
“أقسمُ على قلبي. لن أسمح لأي رجل، بما فيهم أنا، بأن يستخفّ بكِ.”
لم تكن فيفيان تفهم تمامًا ما الذي حدث، لكن من ردة فعله بدا أنه لم يعد يشك بها.
‘آه، لحسن الحظ ‘
تنفست فيفيان الصعداء في سرها.
* * *
تمت مقابلة الإمبراطور بسلام.
ويبدو أن ما قاله أصلان عن قرب سقوط دوق الحدود كان صحيحًا، فقد تم إلغاء خطوبة فيفيان به نهائيًا.
قالوا إنه سيُعدم قريبًا بتهمة الخيانة.
لكن مشكلة فسخ الخطوبة مع أصلان كانت معقدة أكثر مما ظنّت.
وحين طالت المحادثة، أرسل أصلان فيفيان خارج القاعة أولًا. حتى الإمبراطور، حين تذكّر أنها مصابة بالسل، سمح لها بالمغادرة أولًا.
“الجو جميل.”
لذلك قررت فيفيان أن تتمشى في حديقة القصر الإمبراطوري أمام جناح الإمبراطور.
في الحقيقة، لم تكن مهتمة بمشاهدة الحدائق، لكن فجأة تذكرت أحداث الرواية الأصلية.
بطلة الرواية الأصلية، بعد لقائها بالإمبراطور مع أصلان، تذهب وحدها إلى “المكتبة”، وهناك تلتقي بالإمبراطورة. فتُهان أشد الإهانات بحجة أنها من نصف دماء رخيصة.
وفي النهاية، تغضب الإمبراطورة منها، فتُلقى في السجن.
رغم أن أصلان ينقذها، إلا أن البطلة حينها كانت قد تعرضت لصدمة نفسية شديدة.
‘أنا مجرد شخصية ثانوية، لذا لن يحدث لي ذلك، لكن لا ضرر من الحذر.’
لذلك اختارت الحديقة الموجودة على الطرف المقابل تمامًا للمكتبة.
وقد بدا أن اختيارها كان صائبًا، إذ كانت ترى الناس يتحدثون و يتسامرون بمرح، وحتى أصوات ضحك مرتفعة كانت تُسمع من مكان ما، ربما كانوا يلعبون.
‘ربما عليّ إلقاء نظرة على هدية اصلان.’
أثناء توجههما إلى القصر اليوم، قدّم أصلان لها هديته الثانية.
كانت سيفًا ملكيًا صنعه أفضل حرفي في القارة.
لكن هذا السيف كان مختلفًا قليلًا عن السيوف الملكية المعتادة.
فعلى عكس السيوف المخصصة للزينة والتي تكون غير حادة، كان هذا السيف حادًا وصلبًا ومعدًّا للقتل.
“إذا ازعجكِ احد، فاطعنيه بهذا، أياً كان. سأهتم أنا بالأمر بعد ذلك.”
بمعنى أنه سلاح قاتل في هيئة سيف زينة.
“لا أعلم إن كنت سأستخدمه يومًا، لكن…”
على كل حال، لن تخسر شيئًا بامتلاكه. وبينما كانت فيفيان تلمس الغمد برضا…
“جلالتك، صاحب السمو الأمير الثاني في قاعة الضيوف الآن. من الأفضل أن تعودي لاحقًا…”
“قلت لكِ إنني سأقابل جلالة الإمبراطور الآن! ذلك الـ أصلان الدنيء لم يكتفِ بإسقاط رجالي، والآن يركض إلى جلالته! أليس كذلك؟!”
في بعض الأحيان، عندما يكون الصوت عاليًا جدًا، لا يُفهم بوضوح. وكان هذا أحد تلك المواقف.
ومع ذلك، استطاعت فيفيان تمييز كلمات “جلالة الإمبراطورة” فورًا.
لم تكن تعرف لماذا كانت الإمبراطورة، التي يفترض بها أن تكون في المكتبة، هنا.
‘هذا تحذير واضح بخطر وشيك.’
لم يكن وقتًا مناسبًا للتمشية و الاسترخاء. قررت فيفيان أن تهرب بسرعة.
لكن الحديقة كانت مثل المتاهة، فعند دخولها كان الطريق واضحا بشكل مباشر، أما الآن فهناك طرق متشعبة ولا تدري أيها يؤدي إلى الخارج.
وفي النهاية، اصطدمت وجهًا لوجه بالإمبراطورة القادمة في الاتجاه المقابل.
‘آآااااه!…’
تدفقت قطرات العرق البارد من ظهر فيفيان. حدّقت بها الإمبراطورة بنظرة ضيقة.
“أنتِ، أليست تلك التي تخص أصلان…؟”
لكن المواجهة بين الاثنتين لم تدم طويلًا. فبعد لحظة، و من الاتجاه الذي كانت تنبعث منه أصوات الضحك قبل قليل، جاء صوت فزع حاد هذه المرة.
“آآآه، السهم انحرف عن الهدف!”
“احذروا!”
رغم أن الصيد محظور داخل القصر الإمبراطوري، إلا أن النبلاء الطائشين تسببوا في كارثة في النهاية.
انطلق سهم مباشرة باتجاه فيفيان و الإمبراطورة. وفي مثل هذا الوضع، كان من المؤكد أن إحداهن ستصاب، إلا أن فيفيان لوّحت بسيفها دون أن تتيح لنفسها لحظة للتفكير.
“آاااه!”
وفي اللحظة التي صرخت فيها الإمبراطورة المتصلبة من الفزع، قفزت فيفيان و صدّت السهم، ثم هبطت بسلام.
سقط السهم المكسور الرأس على الأرض بلا قوة.
رأس سهم حاد على شكل عجلة مسننة.
ولو أصاب هذا السهم الهدف، لما خرج منه أحد سالمًا، و كان هذا واضحًا. ويبدو أن الإمبراطورة فكرت في الأمر ذاته، إذ شحب وجهها تمامًا.
“يا، يا صاحبة الجلالة الإمبراطورة!”
“نعتذر! كنا نظن أنه لا يوجد أحد هنا…!”
هرعت مجموعة من النبلاء الشباب و ركعوا على ركبهم.
عندما رأوا فيفيان وحدها في البداية، بدا عليهم الارتياح. لكن حين لاحظوا الإمبراطورة الواقفة خلفها، تعلقوا جميعًا دون تردد بذيل ثوبها.
مؤخرًا، كانت الساحة السياسية تعيش حالة اضطراب نتيجة سقوط نيكولاس دوق الحدود.
ولو تم اتهامهم بمحاولة اغتيال الإمبراطورة، لكانوا تورطوا كمتآمرين، و مصيرهم سيكون الموت لا محالة. لا، بل كان من المؤكد أن يتُباد كامل أسرهم النبيل.
“رجاءًا، رجاءًا، امنحينا الرحمة!”
“إن غفرتِ لنا هذه المرة، سنكرّس ولاءنا لصاحبة الجلالة الإمبراطورة!”
“ما أصعب ولاء يُمنح بثلاثة كلمات!”
انتزعت الإمبراطورة بقسوة ذيل ثوبها من قبضتهم، ثم نظرت إلى رأس السهم. فبادرت إحدى الوصيفات الواقفات خلفها بتقديمه لها بسرعة.
“أنا أرتجف من الأفواه التي تتلاعب بالكلمات بخفة. فالكلمات العشر لا تعادل فعلًا واحدًا.”
وحين تحدثت الإمبراطورة عن “الفعل”، رمقت فيفيان بنظرة سريعة. بطبيعة الحال، فيفيان، المواطنة البسيطة، كانت ترتجف في الزاوية ولم تلحظ ذلك.
‘ما العمل؟ لقد التقيت بالإمبراطورة. التقيت بها فعلًا! وهذا المكان ليس حتى داخل المكتبة، فلماذا هنا؟!’
كان الأمر كما لو أنها تمشي فوق طبقة رقيقة من الجليد. شعر عمودها الفقري بالبرد من احتمال أن تُعتبر متورطة مع أولئك النبلاء المجانين.
“لذا سأمنحكم فرصة. ليقم أحدكم بقطع لسان من حاول قتلي بهذا السهم.”
“……!”
“وحينها، سأسامح ذلك الشخص وحده.”
انقضّ الرجال المذعورون دفعة واحدة على رأس السهم. لم يبالوا بجراح أيديهم، بل بذلوا قصارى جهدهم لحمايته.
حتى الوصيفات أدرن أنظارهن من هول المنظر، بينما راقبتهم الإمبراطورة دون أن يرف لها جفن.
‘حقًا، إنها شخصية مخيفة تمامًا كما في الرواية الأصلية.’
تراجعت فيفيان خطوة إلى الوراء بلا وعي. كان هذا هو الوقت المناسب طالما أن نظرة الإمبراطورة كانت مشغولة بشيء آخر.
لكن خطتها فشلت بمجرد بدئها.
“يا أميرة، تعالي إلى هنا.”
نداء خافت من الإمبراطورة.
فطارت فيفيان كالفرَاشة، وانحنت برأسها مثل النحلة.
“تُحيّي فيفيان من منزل إليونورا صاحبة الجلالة الإمبراطورة الجليلة.”
“سمعت أنكِ دخلتِ القصر اليوم مع أصلان، فلماذا تتجولين وحدكِ هنا؟”
كانت الإمبراطورة غاضبة للغاية في هذه اللحظة. لم تكن فيفيان تعلم متى قد ينقلب الأمر ضدها.
فاختارت إجابة تُظهر التواضع الشديد.
أنا أضعف من دودة في الطريق، ولا ضرر مني أبدًا.
“أنا جاهلة و لا أهتم بالسياسة يا صاحبة الجلالة. و لأنني لا أجرؤ على التدخل في أحاديثٍ صعبة، فقد استأذنت للخروج أولًا.”
مهما كان ما يتحدث عنه الإمبراطور و أصلان، فهذا لا علاقة له بي مطلقًا.
“لم أسمع من قبل أن أميرة القصر تجيد فنون السيف إلى هذا الحد.”
“قال أخي أليكس، إن المحارب الحقيقي لا يستعرض قوته. كما أنني ضعيفة و متواضعة، وأشعر بالأسف لأنني تسببتُ بإزعاج لصاحبة الجلالة اليوم.”
“يا لها من تواضع حقيقي.”
امتد ظل طويل فوق رأس فيفيان المنحني. لقد اقتربت الإمبراطورة حتى وقفت أمامها مباشرة.
“كلماتكِ قليلة، لكن أفعالكِ تسبقها، و أفعالك محسوبة. أنتِ حقًا قدوة نبيلة تُحتذى.”
“إنه لشرف عظيم لي.”
“لكن قلة الكلام أيضًا ليست جيدة دائمًا. فـليس من الفائدة أن تكثري من الأعداء. لذا عليكِ على الأقل أن تكوني قادرة على الدفاع عن نفسكِ ضد الشائعات التي تُلصق بكِ.”
لم تكن فيفيان تفهم لماذا تقول الإمبراطورة هذه الكلمات فجأة. لكن الإمبراطورة لم تبدُ عازمة على شرح السبب.
“ارفعي رأسكِ، يا آنسة.”
في الرواية الأصلية، كانت هذه الجملة تعني الصفعة. صُفعت البطلة أكثر من عشر مرات حتى انفجرت الأوعية الدموية في وجهها.
فتجهزت فيفيان نفسيًا و رفعت رأسها.
“من الآن فصاعدًا، سأراقبكِ بنفسي.”
لكن الإمبراطورة، حين التقت عيناها بعيني فيفيان، اكتفت بابتسامة خفيفة. ثم أصدرت أوامر للحراس الذين وصلوا متأخرين، و غادرت المكان بهدوء.
تم اقتياد الرجال الملطخين بالدماء و كأنهم مجرمون.
و حلّ الصمت بعدها.
رمشت فيفيان بعينيها دون أن تدرك ما حدث، حين أحاطت بها وصيفات الإمبراطورة.
“لقد كنتِ رائعة للتو، يا أميرة!”
“يبدو أن صاحبة الجلالة أُعجبت بكِ!”
“في الآونة الأخيرة، كانت متوترة جدًا بسبب قضية دوق الحدود نيكولاس، والفضل لكِ أننا تنفسنا الصعداء.”
لم تكن فيفيان تعرف ما الذي حدث بالضبط، لكن من الأجواء، بدا أن كل شيء انتهى بسلام.
فتنهدت في سرّها بارتياح.
دون أن تتوقع أبدًا ما العاصفة التي ستجلبها حادثة إنقاذها للإمبراطورة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "21"