أخيراً وصلوا إلى القصر الإمبراطوري. نزلت فيفيان من العربة بمرافقة أصلان.
“لم تقولي شيئاً منذ فترة. هل تشعرين بتوعك؟”
“لا، فقط أشعر ببعض التوتر.”
“ليس هناك ما يدعو للقلق. ربما استدعانا الإمبراطور بسبب مسألة فسخ الخطوبة…”
أصلان راقب تعابير وجه فيفيان بعناية.
مرر أصابعه برفق على خديها المحمرين، وعندما ضحكت من الدغدغة، تابع حديثه مطمئناً.
“لن أترك الأمور تسير بتلك الطريقة. فقط ابقي بجانبي، و سأتولى الباقي.”
“لكن، هل سيكون الأمر على ما يرام؟ فالدوق الحدودي من أركان الإمبراطورية…”
“لا تقلقي بشأنه أيضاً. سيسقط قريباً.”
“وكيف تعرف ذلك؟”
“لدي وسائلي الخاصة.”
من أراد شيئاً يخصني ، فعليه دفع الثمن المناسب.
ابتسم أصلان ابتسامة ذات مغزى، لكن فيفيان كانت شاردة فلم تلاحظ ذلك.
‘لو سار الأمر كما قال أصلان فسيكون جيداً، وإن لم يكن كذلك، سأقتله و أهرب فحسب’.
بسبب وفاة الدوق المفاجئة، تم تعليق جميع شؤون العائلة.
لكن بما أن أليكس تولى منصب الدوق بسلام، واستقرت الأمور نسبياً، فقد حان وقت استئناف النقاشات المؤجلة.
وخاصة أن الدوق الحدودي كان يُصر بشدة على تنفيذ الخطوبة.
يا له من جشع.
‘آه، رأسي يؤلمني. على أي حال، لن أتزوج في الوقت الحالي، لذا من الأفضل التفكير في ما هو أمامي الآن.’
تذكرت فيفيان أحداث الرواية الأصلية.
أصلان معروف للعامة بأنه ابن الإمبراطورة، لكنه في الحقيقة كان ابن خادمة .
ولهذا كانت الإمبراطورة تكرهه بشدة، و الإمبراطور أيضاً لم يكن يرحب به.
وكانت البطلة الأصلية التي خُطبت لأصلان أيضاً بمثابة شوكة في أعينهم.
‘لكن المخطوبة لأصلان الآن هي أنا؟ هاهاها…’
وبينما كانت فيفيان تشفق على حالها، رأت ولي العهد يسير في الممر المقابل، و كان يرافقه بعض الخدم.
وعندما تعرف عليهم يوهانس، ابتسم بلطف.
“أصلان، و الأميرة أيضاً حضرت؟”
“أحيي سمو ولي العهد.”
انحنت فيفيان احتراماً، بينما أصلان اكتفى بإيماءة صامتة.
لكن على عكس المتوقع، لم يمر ولي العهد مرور الكرام، بل توقف أمامهما.
وتحديداً، توقف أمام فيفيان.
“منذ آخر لقاء بيننا، لم أشعر بالارتياح. لم أكن أعلم أن مرضكِ كان شديداً لتلك الدرجة، و قد أجهدتك حتى أغمي عليكِ.”
“لا بأس، لا تشغل بالك صاحب السمو.”
الذي أغمي علي بسببه ليس أنت، بل عضلات أصلان.
‘لكن هذا لا يعني أنني سامحتك، أيها اللعين.’
لو كانت قد وقعت في اختبار ولي العهد آنذاك، وتسببت في سوء فهم أصلان، لما كانت على قيد الحياة الآن.
أو على الأقل كانت ستحيا حياة أسوأ من الجحيم.
“على أي حال، هل تودين زيارتي بعد لقائكِ بجلالة الإمبراطور؟ أود التحدث معكِ بجدية هذه المرة.”
“هذا…”
لا تقل لي انك ستجرني إلى تلك الفوضى مجدداً؟
بينما ترددت فيفيان في الإجابة، أحاط أصلان خصرها بقوة.
ضم خصرها النحيل بشكل ظاهر، وقال
“نعتذر. فيفيان لا تشعر بأنها بخير، و أخطط لجعلها ترتاح مبكراً اليوم.”
“لكنني وجهت الحديث إلى الأميرة، أليس كذلك؟”
“فيفيان طيبة القلب، لذا حتى لو كانت تعرف أن الأمر مجهد، كانت ستقبل به على أي حال.”
“هذا تعدٍّ على صلاحياتي، أصلان.”
تبادلت عيون الأخوين بريقاً بارداً مشتعلاً.
أما فيفيان، التي كانت عالقة بينهما، لم يكن بيدها سوى التعرق بغزارة.
ماذا يمكن لمواطنة صغيرة و ضعيفة أن تفعل، بينما يتقاتل أقوى رجل في العالم و منافسه الأكبر؟ كل ما يمكنها فعله هو أن تتمنى أن يتشاجرا من دونها!
“ثم إنك لا يجب أن تمسك الأميرة النحيلة بتلك القسوة.”
“…..”
“إنها تتألم.”
اقترب يوهانس ببطء و وقف إلى يسار أصلان. بدا و كأنه يهمس له بنصيحة لطيفة، لكن فيفيان سرعان ما أدركت الحقيقة.
كان يضغط على خاصرة أصلان بمرفقه.
‘الجهة اليسرى…؟’
الإصابة التي تلقاها أصلان أثناء قتاله مع القتلة وهو في هيئة الوحش، كانت إصابة بالغة حتى أن أحشاءه ظهرت.
يوهانس كان يضغط عمداً على ذلك الجرح.
نظرت فيفيان بسرعة إلى أصلان. كانت تعابير وجهه هادئة، لكن أنفاسه أصبحت أكثر خشونة.
“سموك، أشكرك على الدعوة.”
وقفت فيفيان في مواجهة ولي العهد، لكنها تحركت بسرعة نحو اليسار. و بسبب حركتها، تراجع يوهانس تلقائياً.
“الكلاب التي رأيتها في قصر أدريان في المرة السابقة كانت لطيفة جداً. هل جلبتها إلى العاصمة أيضاً؟”
“بالطبع. كنت أعلم أنكِ تحبين الحيوانات ذات الأربع أرجل.”
تباً، كنت سأرفض لو أنكَ قلت لا، لأنني سأكون خائبة الأمل…
أخفت فيفيان ما بداخلها من غيظ بابتسامة مشرقة.
“لكن حان وقت لقائنا بجلالة الإمبراطور، فإذا قمت بدعوتي في يوم آخر فسأكون سعيدة بالحضور.”
“آه، لقد شغلتكِ طويلاً بينما أنتِ مشغولة. حسناً، سأرسل لكِ دعوة رسمية لاحقاً.”
“شكراً على لطفك صاحب السمو.”
ابتسم يوهانس برضاً، و لوّح بيده مغادراً. تبعه الخدم أيضاً، و لم يتبقَ في الممر سوى أصلان و فيفيان.
لكن ارتياحها لم يدم طويلاً. إذ سرعان ما حاصرها أصلان عند زاوية الممر، و كانت تعابيره حادة بشكل مرعب.
أنفاسه كانت أكثر خشونة بكثير مما سبق.
“أصلان؟!”
“لماذا…”
“نعم؟”
“لماذا لم ترفضي؟ هل أعجبكِ يوهانس؟ هاه، فيفيان؟”
بالطبع، لا أحد يكره وجهًا يشبه الأمير في القصص الخيالية ، لكن لم يكن هذا هو الموضوع الآن.
بما أن معطف أصلان كان أسود اللون، لم تنتبه فيفيان، لكن جانبه الأيسر كان مبتلًا بشكل غريب .
في النهاية، الجرح قد انفتح.
“تحملتَ الأمر جيدًا.”
فيفيان خلعت معطفه الخارجي بصمت. عينا أصلان، اللتان كانتا تفيضان بنية بالقتل، بدأتا تختلطان بالحيرة.
“رأيتُ ذلك الجرح على جانبكَ في ذلك اليوم حين كنتَ ترى كوابيس.”
لم تستطع أن تقول له انها رأته حين كان في هيئة الوحش، لذا أضافت ذلك على عجل، و يبدو أن كلامها أصاب الهدف. أصلان تقبل لمستها دون اعتراض.
“كيف أُصبتَ بهذا الجرح أصلًا؟”
“…..”
“و ولي العهد أيضًا، تصرفه كان فظًا جدًا. لماذا يفعل شيئًا كهذا أمام جميع الخدم؟”
“هل… تقلقين عليّ؟”
نظرة أصلان إلى فيفيان امتلأت بأمل صغير. عيناه ثبتتا على شفتيها الصغيرتين و الجميلتين.
“كيف لي أن أقلق عليكَ حتى؟ أنت شخص اقوى بكثير مني.”
“ومع ذلك…”
فيفيان لم تفهم سبب تصرف أصلان فجأة بهذا الشكل، لكنها سرعان ما تذكرت السبب.
بالنسبة لأصلان في القصة الأصلية، كان القصر الإمبراطوري مكانًا يحمل ذكريات مروعة.
منذ طفولته، تعرض لسوء المعاملة من الإمبراطورة، و الإمبراطور كان يغض الطرف. وكان الازدراء والإهانة التي تلقاها بسبب كونه ملعونًا مجرد إضافة.
و اليوم، تعرّض للاضطهاد مجددًا دون سبب، فمن الطبيعي أن يضعف قلبه.
“لا تنسَ. أنا دائمًا في صفك.”
“…”
“إذا تجرأ أحد على إيذائك ، سأقاتلهم جميعًا وأهزمهم. فقط اعتمد عليّ.”
“فيفيان، أنتِ دائمًا تفاجئيني بما يفوق توقّعاتي.”
أخفض أصلان رأسه بشدة، و أسند جبهته إلى كتف فيفيان.
ثم، بلطف، احتضن جسدها النحيل و الهش. كأنما كان يتعامل مع دمية زجاجية قد تنكسر في أي لحظة.
‘هل طمأنتي له أثرت فيه؟ رغم أننا خطيبان سننفصل بعد عام، إلا أني أشعر بثقل في قلبي لأنني بدأت أرتبط به عاطفيًا.’
فيفيان نادت أحد الخدم المارّين و طلبت منه أن يحضر زيًا جديدًا من العربة.
أما القميص الذي كان يرتديه سابقًا، فمزقته و استعملته لوقف النزيف من جرحه.
“دعنا ندخل إلى الداخل أكثر. لا ينبغي أن يراك الأخرون على هذه الحال.”
تبعها أصلان دون مقاومة، كما أرادت.
وبينما كانت تبحث عن غرفة فارغة، دخلت إحداها و أغلقت الباب.
لو كانت في قصرها، لطلبت من أحد الخدم المساعدة، لكن هذا القصر لم يكن فيه أي من حلفاء أصلان. لم يكن من الحكمة إظهار أي ضعف.
“ها هي الملابس الجديدة. سأدير ظهري، لذا غيّر ملابسك.”
“أريدكِ أن تنزعيها لي.”
“ماذا؟”
“الجرح انفتح بشدة لدرجة أنني لا أستطيع الحركة. أودّ أن تساعديني.”
فجأة، ترنّح أصلان و اتكأ على النافذة.
بما أنه لم يظهر أي تعبير ألم حين ضغط ولي العهد على جرحه، لم تكن تعلم أنه يتألم إلى هذا الحد.
“هل تتألم كثيرًا؟ لا يمكننا الاستمرار هكذا. أعتقد أنه من الأفضل أن نستدعي الطبيب…”
“لا تفعلي، فيفيان. فقط أنتِ من أريد مساعدته.”
“هل حقًا سيكفي هذا؟”
حين أدارت ظهرها، تنهد أصلان بتنهيدة خفيفة، لكن حين التقت عيناها بعينيه مجددًا، عاد ليأخذ أنفاسًا متقطعة كأنه يتألم.
“وجودكِ لـوحده يكفيني. لا أحتاج لأي شيء آخر.”
من الواضح أن أصلان أيضًا كان في حالة توتر لأنه في القصر الإمبراطوري. رفض حتى الطبيب، فما من خيار آخر.
فيفيان بدأت بفك أزرار قميصه واحدة تلو الأخرى. تنفس أصلان أصبح أكثر خشونة من ذي قبل.
وفي النهاية، انكشف الجزء العلوي من جسده تمامًا، دون أن يبقى عليه شيء.
عضلاته، الذي دربها حتى الحد الأقصى، أظهرت وجودًا مخيفًا، لكن فيفيان حاولت الحفاظ على هدوئها.
‘أصلان مريض. إذا حاول مجددًا أن يخنقني بعضلاته، فسوف أطعن جرحه و أهرب. يمكنني فعلها… نعم.’
بدا أن أصلان لم يستطع الوقوف بسهولة، فكان بين الحين والآخر يتكئ على فيفيان أو يلف ذراعه حول كتفها.
هي بدورها كانت تحسب الزوايا المحتملة للهجوم أثناء مساعدته على ارتداء الملابس الجديدة.
وبعد أن انتهت، بدا مظهره أنيقًا و نظيفًا لدرجة أن من يراه قد لا يصدق أنه مصاب.
التعليقات لهذا الفصل "20"