السجلات التي استمرّت سبع سنوات طويلة انتهت عند استدعاءها للطبيب بعد أن بصقت دماً.
‘لا بد أنها في تلك اللحظة تلقت تشخيصاً بأنها مصابة بمرض عضال. لقد حاولت جاهدة أن تفلت من قبضة الدوق، ولكن إن كان الموت هو نهايتها بكل الأحوال، فكم سيكون الأمر عبثيًا.’
تذكرت فيفيان اليوم الذي تجسدت فيه لأول مرة.
عندما استعادت وعيها، وجدت نفسها مرمية على الأرض. كان هناك حبل طويل وكرسي مقلوب بجانبها، وكانت الخادمات يصرخن ويبحثن عن الناس.
في تلك اللحظة، كان الموقف غريبًا للغاية فلم تستطع حتى التحدث. لكنها لم تكن تعرف أن هناك قصة من هذا النوع.
“طعم فمي مرّ.”
أغلقت فيفيان المذكرات. شعرت وكأنها اطلعت على سرّ لم يكن ينبغي لها رؤيته.
لكنها لم تستطع ترك الدفتر في مكانه مجددًا، إذ كان هناك احتمال أن يعثر عليه الدوق.
كانت تمتلك حدسًا واضحًا بأن هذا الشيء لا يمكن أن يصل إلى يده بأيّ حال.
“أوه، لم تتخلصي من هذا المذكرات بعد؟”
في اللحظة التي كانت فيفيان تفكر فيها، شقّ أليكس الشجيرات في الحديقة برأسه كما لو أن ظهوره بطريقة عادية أمر مستحيل.
“هذا ما اشتريته لكِ في اليوم الذي قررت فيه الدراسة في الأكاديمية. يبدو أنه قد أصبح قديمًا جدا.”
“هل تذكر كل ذلك؟”
“لا تستهيني بذاكرتي.”
وضعت فيفيان شالاً على كتفيها و نهضت من على الأريكة. أما أليكس، فقد جلس بالفعل على المقعد.
بدافع من شعور غامض لم تستطع تفسيره، مدت فيفيان المذكرات لأليكس.
“هاك، خذها أنتَ يا أخي.”
“هم؟ لماذا؟”
“فكرت في من يستحق الاحتفاظ بهذه المذكرات، ولم أجد أحدًا غيرك.”
“مع أنني طلبتها منكِ سابقًا و رفضتِ.”
“أنا الآن أصبحت شخصًا جديدًا. مختلفة عن ذي قبل.”
كان يبدو أن أعمال أصلان قد استغرقت وقتًا أطول من المتوقع. وضعت فيفيان ذقنها على يدها براحة.
“أفكر أن أعيش حياة أكثر راحة و أقل توترًا. دع الأمور تجري كما تشاء.”
“نحن، كأخ و أخت… عشنا بصعوبة بالغة حتى الآن. إذن، هل يمكن اعتبار هذا الدفتر كجثة فيفيان السابقة؟”
“يبدو كذلك.”
“إذًا دعينا نقيم لها جنازة.”
جمع أليكس بعض الأغصان القريبة وأشعل فيها النار على الفور.
توسعت عينا فيفيان من المفاجأة.
“الآن؟ فجأة؟”
“أفضل وقت لفعل أي شيء هو عند اتخاذ القرار. لا تنظري للماضي، عيشي لحظتك. أنا دائمًا أتمنى سعادة أختي.”
اشتعلت النار في اليوميّة القديمة. تمدد أليكس بتعبير وجه يبدو فيه نوع من التحرر.
“بالمناسبة، دعينا نهرب. بمجرد أن نعبر الحدود، لن يتمكن والدنا من الاقتراب منا.”
“هذا أيضًا مفاجئ بعض الشيء.”
“لا يمكنني السماح بزواجكِ من ذلك اللورد الفاسد على الحدود. حتى لو امتلأت عيني ترابًا، لن أقبل بذلك. كما يمكننا البحث عن علاج لمرضكِ أيضًا.”
تأثرت فيفيان في سرّها. شعرت ببعض الذنب لأنها كانت تحمل تحاملًا على مفرداته المميزة عندما التقته لأول مرة.
بل وأكثر من ذلك، كان أليكس يصرخ قبل أن يتم سحبه خارج قاعة الطعام
“فيفيان هي أختي التي قمتُ بتربيتها بنفسي. إن كان هناك خطأ ارتكبته هي، فأنا المسؤول، لأني لم اقم بتربيتها كما يجب!”
فجأة، شعرت فيفيان بالفضول.
“قلت سابقًا أمام والدي أنكَ ستتحمل المسؤولية. ماذا كنت تقصد بذلك في النهاية؟”
“آه، ذلك الأمر.”
هز أليكس كتفيه كما لو أنه أمر بسيط.
“كنت أنوي تزييف أمر الزواج من اللورد على الحدود. ذلك اللورد من المؤكد أنه قد بدأ يعاني من ضعف البصر، لذا لا بد أنه سينخدع.”
“…….”
عندما رأت فيفيان أليكس يضحك بتلك الطريقة شعرت بأن تأثرها قد تبخر قليلاً.
“كان يجب أن لا أسأل.”
حتى الندم المبكر يأتي متأخرًا دائمًا.
ومرت أيام قليلة بعد ذلك.
لحسن الحظ أو لسوئه، لم يتم تنفيذ أي من خطط أليكس.
فقد سقط دوق إليونورا، الذي كان ينفذ أمرًا سريًا من الإمبراطور، عن الجرف و مات عن طريق الخطأ.
و أقيمت جنازته بهدوء، بحضور أفراد العائلة المباشرين فقط.
وبشكل مفاجئ، ورث أليكس لقب الدوق.
لحسن الحظ، كان أصلان ذو خبرة سياسية وافرة، ولم يبخل عليه بدعم مادي و معنوي، مما جعل عملية الخلافة تسير بسلاسة.
تم تسجيل إيريس رسميًا كعضوة في العائلة، بينما تلقت فيفيان دعوة لم تكن تحلم بها حتى.
دعوة من الإمبراطور نفسه.
* * *
كان القصر الكبير في حالة من الاضطراب منذ الصباح الباكر، لأن أصلان و فيفيان كانا في طريقهما إلى القصر تنفيذًا لأمر إمبراطوري.
جلست فيفيان أمام المرآة و هي ترتدي قميص نوم حريري، وقد تجمع الخدم حولها لتقديم الخدمات.
“سأمشط شعركِ. إذا قمنا بالتدليك، فسوف تستيقظين تمامًا.”
“هم، ما زلت أشعر بالنعاس.”
المرأة في المرآة كانت جميلة دون شك.
وجهها النحيف و تفاصيلها الدقيقة كانت مجتمعة بتناغم.
جبينها الأبيض المستدير، عيناها الكبيرتان كدمية، أنفها المرتفع، وشفاهها الحمراء كالورد، كلها كانت جذابة.
حتى رموشها الطويلة التي ترف ببطء كانت أشبه بأجنحة فراشة نحيلة.
التقت أعينها بعيني أصلان عبر المرآة، وقد رسم ابتسامة على شفتيه.
“أنتِ جميلة للغاية لدرجة أنني لا أستطيع أن أزيح عيني عنكِ.”
“متى وصلت؟”
“الآن فقط.”
أجلسها برفق عندما حاولت النهوض و بـدأ في تمشيط شعرها.
انساب شعرها البلاتيني الناعم بانسيابية بين أسنان الفرشاة.
“في الآونة الأخيرة، بدأت أغار كثيرًا، وهذا أمر خطير.”
“غيرة؟ هل أنتَ أيضًا تشعر بالغيرة؟”
“أغار من كل من حولك. حتى لمسة الخادمة تزعجني ولا أستطيع تحملها.”
“ما هذا المزاح…؟”
أصبح أصلان يمزح مزاحًا غريبًا مؤخرًا. في البداية، تظاهرت بالضحك بضع مرات، لكن حتى هذا بلغ حده الآن.
“أصبحتَ تُشبه أليكس بطريقة ما ، هل أصبحتما مقربين إلى هذا الحد.”
بالطبع، كان الفرق أن أليكس لم يكن يمزح، بل كان جادًا.
“ما رأيكِ؟ هل تشعرين بالراحة؟”
“نعم، جيد.”
“إذن سأفعل هذا كل صباح.”
“ألن يكون ذلك مزعجًا بالنسبة لك؟”
“مزعج؟ إنه أمر يخصكِ.”
فكرت في نفسها: “سيصمد ثلاثة أيام بالكاد”، لكنها لم تُظهر ذلك. كانت يد أصلان أقوى من يد الخادمة، لذلك كان التدليك بالفعل مريحًا.
لكن ظهرت مشكلة جانبية. كان التدليك مريحًا جدًا لدرجة أن النعاس بدأ يغلبها من جديد.
كادت تغفو دون أن تدري، لكن فيفيان أفاقت فجأة و رشت وجهها بالماء.
“آه، ألستَ بحاجة إلى الاستعداد للخروج أيضًا؟ هل يمكنك تضييع وقتك عليّ؟”
“أنا لست كسولًا كـشخص ما ينام دائمًا.”
“كسولة؟ فقط قُل إنني أنام كثيرًا في الصباح.”
“ههه، افتحي عينيكِ أولًا.”
كنت على وشك فعل ذلك! هناك حدود لتشبيه الإنسان بدب في سبات.
فتحت فيفيان عينيها على وسعهما.
“…؟”
ثم شعرت بالارتباك من الصمت الطويل الذي تلا ذلك.
كان أصلان قد ارتدى بدلته العسكرية بدقة منذ الصباح الباكر. رفع شعره الأمامي بعناية و رتب ربطة العنق و المنديل بإتقان.
‘آه، لا يمكنني تحمل ذلك، أشعر بالاختناق.’
كان أصلان يحدق بها و كأنه ينتظر منها شيئًا. و عند التمعّن، بدا مثل قط ينتظر مديح سيده.
فكرت فيفيان قليلًا ثم قررت أن تقول شيئًا مناسبًا للموقف.
“أنت نشيط جدًا. أعترف أنه يحق لكَ أن تقول إنني كسولة.”
“ماذا؟”
“أنت انتهيت من استعداداتك منذ وقت، بينما أنا لا أزال أرتدي ثوب النوم و رداء. ومع ذلك، بدلًا من الاستعجال، كنت تقوم بتسريح شعري بكل هدوء. أقرّ بخطئي.”
‘…لماذا لا تتأثرين؟’
بدأ أصلان يحكّ ذقنه و كأنه يفكر في أمر مهم.
في هذه الأثناء، طرقت إيما، كبيرة الخادمات، الباب و وضعت وعاء الدواء. وضعت معه شوكولاتة حلوة لفيفيان التي لا تحب الطعم المر.
“سأجلب الفطور قريبًا.”
“حسنًا، يمكنكِ الذهاب.”
بعد أن غادرت إيما، اقتربت فيفيان ببطء من وعاء الدواء.
لم يكن علاجًا للحالة، بل مجرد دواء يخفف الأعراض قليلًا. مع علمها أن العلاج سيُنتج قريبًا، أصبح تناول هذا الدواء عدة مرات في اليوم أمرًا شاقًا.
حين بدأت تدير نظرها حول الدواء دون أن تلمسه، اقترح أصلان
“إذا تناولته جيدًا، سأعطيكِ هدية.”
“ستكون شوكولاتة، أليس كذلك؟”
“سنعرف ذلك لاحقًا.”
لقد تعلم أشياء غريبة فعلًا من أليكس. عندما تراه مجددًا، ستوبخه بشدة كي لا يفسد الأشخاص الطبيعيين.
“آه، مُرّ!”
“أحسنتِ.”
مدّ أصلان إصبعه إلى فمها و دسّ فيه قطعة شوكولاتة. ثم مس شفتيها الناعمتين مبتسمًا برضًا.
“لقد تناولتِه جيدًا.”
“همف، شكرًا على الشوكولاتة.”
“إذا واصلتِ السخرية، سأغضب. الآن حان وقت الهدية الحقيقية.”
أخذ أصلان فيفيان إلى المرآة الكبيرة.
وضعها أمامه بحيث تكون محاطة بذراعيه، وأخرج صندوقًا من جيبه الداخلي. كان صندوقًا عريضًا و مسطحًا مغطى بمخمل أزرق.
ثم فتح الصندوق.
كان عقدًا فخمًا تتدلى منه أحجار ألماس ضخمة على شكل قطرات ماء، كعناقيد عنب.
كانت فيفيان مذهولة من حجم الأحجار الذي لا يُقدّر بثمن. و اتسعت عينا أصلان برضا.
“هل أعجبك؟”
“ما هذا…؟”
“فكرت أنني لم أقدم لكِ هدية خطوبة مناسبة حتى الآن.”
تذكرت فيفيان الملابس و المجوهرات التي تملأ غرفة تبديل الملابس، والأثاث الفاخر الذي يملأ غرفة النوم، والعربات المصممة خصيصًا لها، و ثلاثة سيوف صُنعت لها.
لم يدرك أصلان أن فيفيان كانت تشفق على ذاكرته، وهمس
“دعيني أضعه لكِ بنفسي.”
انسدل شعرها البلاتيني الناعم على أحد كتفيها. انكشف عنقها الأبيض النحيل و برز عظم الترقوة النحيف.
وصلت يد أصلان التي تمسك بالعقد إليها ببطء.
“هاه، لا أستطيع أن أبعد عيني.”
ربما كان نزع وإ غلاق العقد أمرًا صعبًا، فقد استغرق أصلان وقتًا طويلًا قبل أن ينجح.
نظرت فيفيان إلى انعكاسها في المرآة من زوايا مختلفة.
عند النظر إليه لأول مرة، كان براقًا بشكل مبالغ فيه، لكن عند ارتدائه، بدا مناسبًا جدًا لوجهها.
صفّق أصلان بضع مرات كما لو أنه وافق على رأيها.
“بدا جيدًا كما توقعت. ما رأيك أنتِ؟”
“أصلان، لم أكن أتوقع أن يكون لديكَ هذا الذوق! بدا ثقيلًا جدًا أولًا، لكن…”
“لا يمكن أن يكون هناك شيء عنكِ لا أعرفه.”
“أعجبني، شكرًا لك.”
تغيّرت تعابير وجهه التي كانت متوترة قليلًا عند مدحها لنشاطه الصباحي، و أصبحت مرحة من جديد.
“لكن لا يمكنني ارتداؤه اليوم. لا يجب أن أبدو أكثر فخامة من جلالة الإمبراطورة، أليس كذلك؟”
كان واضحًا أنه باهظ الثمن إلى درجة تفقد الصواب. إن خرجت به اليوم، سيتهمونها بتجاهل الإمبراطورة.
فخلعت العقد الذي وضعه أصلان بعناية فورًا.
“….هل هذا فشل آخر؟”
تغيّرت ملامح أصلان و كأنه فقد الأمل قليلًا. لكن بطبيعة الحال، لم تلاحظ فيفيان ذلك أبدًا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "19"