انحنى رئيس الخدم فورًا عندما التقى بنظرات أصلان.
“كلام سموكَ صحيح. هذا الشخص كان يسبب مشاكل عديدة بسبب عدم كفاءته، لذا سأقوم بطرده من القصر اعتبارًا من اليوم.”
“أرجوكم، لقد أخطأت! لدي عائلة أعيلها! إذا طُردت، فماذا سيحدث لبقية أفراد العائلة…!”
في المجتمع النبيل، كان من العرف غير المكتوب أن الخادم المطرود بسبب المشاكل لا يمكنه الحصول على وظيفة أخرى لدى النبلاء.
ركع الخادم المذعور فورًا على ركبتيه، لكن أصلان بقي في مكانه دون أن ينبس ببنت شفة حتى تم سحبه خارج القصر.
“أصلان، ألن يكون من الأفضل استدعاؤه مجددًا الآن؟ صحيح أن الأمر كان صادمًا قليلًا، لكن هذا كل شيء.”
“أنتِ طيبة القلب أكثر من اللازم، وهذه مشكلتك.”
“هل يمكنكَ أن تقول إنني متسامحة بدلًا من ذلك؟”
“لا أدري.”
“حقًا، أنا كذلك.”
كانت فيفيان تشعر بالظلم، لكنها قررت أن تحتفظ برأيها في قلبها لأن نظرات أصلان كانت مخيفة جدًا.
دخلوا إلى القصر و هم يتلقون معاملة أكثر ترحيبًا. عند مفترق الطريق، انحنى رئيس الخدم.
“سموك، الرجاء التوجه إلى غرفة الضيوف من هذا الاتجاه. أما الأميرة، فيمكنكِ استخدام غرفة نومكِ السابقة كما هي.”
“لا، لا أريد إزعاج نفسي بالحركة. سأستخدم نفس الغرفة مع فيفيان.”
“قد لا تكون الغرفة ملائمة لصاحب السمو. فقد كانت الأميرة تستخدم الجناح الخلفي من القصر مؤخرًا للاستراحة.”
“سأبقى لفترة قصيرة فقط، لذا يمكنني تحمّل ذلك. أرني الطريق.”
لسبب ما، سُمعت أصوات أنفاس مقتضبة من حولهم. لكن فيفيان لم تستطع فهم ردود أفعالهم.
‘ما المشكلة في الجناح الخارجي؟ كان واسعًا و فخمًا، وحتى به حديقة. أعجبني كثيرًا.’
تذكّرت فيفيان المكان الذي أقامت فيه لمدة شهر تقريبًا بعد أن استيقظت في هذا الجسد، و هزت رأسها برضا.
“هذا هو الجناح الخارجي.”
وعندما وصلوا، ألغت فيفيان فكرتها السابقة على الفور.
في ذلك الوقت، كانت تظن أنه جيد حقًا. و كانت سعيدة جدًا و قالت إنه يشبه فندق خمس نجوم.
‘لكن لماذا يبدو الآن متواضعًا هكذا؟’
ظنت أن نظرها به مشكلة، ففركت عينيها لكنها لم تلاحظ أي فرق. تساءلت إن كان الأثاث قد تغيّر، لكنه بقي كما هو.
‘يا إلهي، يبدو أنني أصبحت معتادة على رفاهية قصر أصلان لدرجة أنني أصبحت أرى الأمور بمستوى عالٍ.’
ويبدو أن رأي أصلان كان مشابهًا لرأيها. فقد كان يضغط على جبينه و كأنه لا يستطيع تصديق ما يراه.
“هاه… “
“إذا كان المكان غير مريح، يمكنني أن أرافقك إلى غرفة الضيوف مجددًا.”
“لا، هذه الغرفة أقامت فيها خطيبتي، لذا أريد أن أجرب البقاء فيها أيضًا.”
صرف جميع الخدم المرافقين له. ثم بدأ يتفقد الغرفة بهدوء.
“لا أعرف من أين أبدأ لإصلاح هذا المكان.”
“أليست خالية قليلًا؟ بالنسبة لي، كنت راضية تمامًا، لكن قصرُك فخمٌ جدًا، لذا يبدو الفرق واضحًا.”
“هل انتقلتِ إلى هذه الغرفة بعد أن أُصبتِ بالسل؟”
“هذا…”
ترددت فيفيان في الإجابة. ليس لسبب معين، بل لأنها ببساطة لم تكن تملك أي ذكريات.
و كـأنها فقدت ذاكرتها بالكامل، لم يكن هناك شيء في رأسها.
حتى ذكرياتها قبل حلولها في هذا الجسد لم تكن موجودة.
في كل مرة حاولت فيها تذكّر من كانت حقًا، و من كانت في الأصل، كان رأسها يؤلمها و عمودها الفقري يقشعر.
و كأن هناك تحذيرًا بألا تفكر في أي شيء.
في النهاية، ما ورثته من فيفيان الأصلية كان جسدًا مصابًا بالسل، و مهارة عالية في المبارزة.
كذلك، بقيت بعض العادات التي تعلّمتها فيفيان مثل الآداب و العادات الأرستقراطية، بشكل طبيعي.
لذا، لم يكن هناك صعوبة في التعايش رغم فقدان الذكريات.
‘لكن من الصعب الرد في مواقف كهذه. ربما علي أن أقول شيئًا مناسبًا فقط.’
أصلان، على ما يبدو، فهم صمت فيفيان بطريقة مختلفة، و غيّر ملامحه المتجهمة. ثم أمسك بيديها بلطف.
“لم أقصد أن ألومكِ، فيفيان. لا ترتسمي على وجهكِ مثل هذا التعبير الخائف.”
“لم أفكر في الأمر بهذه الطريقة.”
“إذا كنتِ قد قضيتِ وقتًا جيدًا هنا، فأنا سعيد بذلك أيضًا. فقط…”
صوت أصلان انخفض تدريجيًا. تمتم بشيء لم يُسمع، ثم ابتسم كأن شيئًا لم يحدث.
“هل تودين أن تريّني المكان؟”
“بكل سرور.”
أمسكت فيفيان بيده — حاولت سحب يدها لكنها لم تستطع — و بدأت تُريه المكان الذي كانت تعيش فيه.
وبسبب أن الجناح الخارجي لم يكن واسعًا، انتهت الجولة بسرعة. جلس الاثنان على مقعد في حديقة الجناح.
وكانت الشمس قد بدأت تميل نحو الغروب.
“لم ألتقِ بأختي، و انتهى اليوم بالفعل.”
عندها فقط تذكّرت فيفيان سبب قدومها إلى قصر إليونورا.
كان من المفترض أن يلتقي أصلان ببطلة الرواية الأصلية، لكنها لم تستطع التفكير في ذلك بسبب الظروف التي واجهتها فور الوصول.
“أتمنى أن أتمكن من مقابلتها غدًا.”
“أجل. حينها يمكننا المغادرة بسرعة.”
“ألستَ مشغولًا؟ ألا تشعر أنكَ تُجبر نفسكَ بسببي؟”
“لا أعلم كيف ترينني، فيفيان، لكن خطيبكَ شخص أكثر كفاءة و أناقة مما تتخيلين.”
“تتفاخر بنفسك؟”
“أحاول إغراءكِ.”
وصلت أصابع أصلان الطويلة و الصلبة إلى خدها. وانحنى رأسه قليلًا، وفي اللحظة التي توقفت فيها فيفيان عن التنفس من شدة المفاجأة—
“فيفيان، شقيقكِ قد عاد!”
دوّى صوت عالٍ في الحديقة الصغيرة.
وسُمعت خطوات سريعة قادمة من وراء الشجيرات العالية. كان أحدهم يقترب بسرعة.
‘من هذا؟ هل يمكن أن يكون أليكس؟’
أسرعت فيفيان في استرجاع ما تعرفه من أحداث الرواية الأصلية.
كان لدى دوق إليونورا ثلاثة أبناء. أليكس و فيفيان من زوجته الدوقة، و ايريس الابنة غير الشرعية.
من بينهم، أليكس كان موهوبًا جدًا في المبارزة منذ الصغر، و تلقى تدريبه كفارس في أكاديمية خارج البلاد.
وعندما سمع بموت فيفيان، عاد إلى الإمبراطورية في منتصف تدريبه، و شارك في المعركة النهائية ضد أصلان إلى جانب ولي العهد يوهانس.
هذا ما ورد في أحداث الرواية الأصلية عنه.
“فيفيان، هذا الأخ العزيز…!”
لم تكتمل أفكارها. فبينما كانت الشجيرات خلف المقعد تفتح على مصراعيها، برز وجه أليكس فجأة.
نظر بلا رمش إلى الرجل والمرأة المتشابكين—كما بدا في نظر أليكس فقط—ثم صرخ أخيرًا
“أيها الوغد! ماذا تفعل بأختي البريئة!”
لم يترك أليكس مجالًا للتفسير، و سحب سيفه في لمح البصر. كان مسار السيف متجهًا بوضوح نحو رقبة أصلان.
“هذا الرجل؟!”
تحرك جسد فيفيان أسرع من عقلها.
و كأنها كانت تعرف مسبقًا، سحبت خنجرًا من خصر أليكس و صدت الهجوم على الفور.
رن صوت تقاطع السيوف عاليًا. اصطدم سيفاهما ببعضهما البعض.
“فيفيان، هل تقفين ضدي من أجل رجل؟!”
“هل من الطبيعي أن تبدأ بقطع رقبة أحدهم فجأة؟”
“ذلك الوغد كان يلمسك! هل نسيتِ كيف قمتُ بتربيتكِ!”
اهتز صوت أليكس كما لو أن الدموع كانت تملأ عينيه.
“لم أطعمكِ فقط! بل غيرت لكِ الحفاضات، و علمتكِ المشي، حتى أنني درّبتكِ بنفسي على المبارزة! “
“آه، مقرف! اخي كيف تتكلم هكذا؟!”
واندلع صراع ناري بين الأخ وأخته.
هاجم أليكس محاولًا قطع عنق أصلان، بينما ألقت فيفيان بنفسها لحمايته.
رن صوت السيوف المتصادمة بصخب.
لكن المعركة بينهما لم تدم طويلًا.
“كح كح!”
ما إن تهاوت فيفيان بسبب ضيق تنفسها، حتى تدخل أصلان و صد هجوم أليكس.
“أفهم أنكَ سعيد بلقاء عائلتك بعد فترة، لكن حالة فيفيان الصحية ليست جيدة.”
“لقد فعلتَ بها… هذا الشيء الفاحش…!”
“سنصبح عائلة قريبًا، أليس كذلك، أخي؟”
“أخي؟! من سمح لكَ بذلك؟!”
ابتسم أصلان بلا مبالاة، ورفع فيفيان التي كانت تسعل بين ذراعيه.
“فيفيان، هل أنتِ بخير؟”
“كح كح! أشعر بصعوبة في التنفس.”
“بما أنكِ كنتِ تبدين سعيدة، لم أرد أن أزعجكِ، لكن لم يكن لدي خيار.”
“لم أكن سعيدة.”
“حسنًا، حسنًا.”
توقف أليكس عن محاولته انتزاع فيفيان و حدّق ببلاهة فيهما و هو يرمش بعينيه.
‘لم يكن هناك أحد لا يعرف الشائعات عن أن الدوق كان يهمل فيفيان.’
بدأ صوت الاثنان يبتعد تدريجيًا.
* * *
في الوقت نفسه، كانت إيريس تتناول العشاء مع والدها الدوق. كان عشاءً فخمًا لم يسبق لها أن تناولت مثله في حياتها.
ومع ذلك، لم يكن لها شهية. شعرت و كأنها ترتدي ملابس لا تناسبها.
كانت إيريس يتيمة منذ ولادتها. فقد أنجبتها والدتها في بلاد غريبة بلا أقارب، ثم توفيت.
لم تكن تعرف شيئًا عن قصة والدتها.
أما التذكار الوحيد الذي تركته والدتها فكان زرًا ذهبيًا يحمل شعار إحدى العائلات النبيلة.
ما إن وضعت ايريس شوكتها، حتى اتسعت عينا الدوق.
“هل الطعام لا يروق لكِ؟”
“لا، إنه لذيذ حقًا، أبي.”
“فلماذا لا تأكلين؟”
“ذلك لأن…”
ترددت إيريس ولم تستطع الكلام. ترددت في ذهنها كلمات والدها المتكررة.
“احذري من فيفيان. إنها فتاة مخادعة ومرعبة تشبه والدتها الراحلة. لا بد أنها تخطط لطعنكِ في ظهركِ.”
وفقًا لوالدها، كانت زوجة الدوق الراحلة شخصًا مرعبًا.
فعندما علمت بأن والدتها حامل، ضربتها حتى لحظة وفاتها، وطردتها من القصر.
و كان والدها، الذي لم يكن سوى زوجٍ بالاسم، قد علم بذلك بعد فوات الأوان، فقضى عشرين عامًا دون أن تكون له علاقة بابنته.
والآن، تعود فيفيان، التي تشبه الدوقة تمامًا، لتلتقي بها.
“إيريس، يبدو أنني أخفتكِ بكلامي.”
“لا، ليس كذلك.”
“لا داعي لإخفاء شيء. لقد بذلت كل جهدي للعثور عليكِ. لا أستطيع أن أخسر ابنتي التي وجدتها أخيرًا.”
“لا تقلق، أبي. أنا بخير.”
ابتسمت إيريس و هي تطمئنه. أومأ الدوق برأسه.
“انتظري قليلًا فقط. سأعيد إليكِ كل ما كان ينبغي أن يكون لكِ.”
“عفواً؟”
“أولًا، يجب أن نجد لكِ زواجًا مناسبًا. أظن أن منصب دوقة سيكون ملائمًا. بما أنكِ نشأتِ جميلة و رائعة، فلن يكون من الصعب كسب قلب سموه.”
أمالت إيريس رأسها في حيرة. فهي لم تكن تعرف سوى دوق واحد غير متزوج.
خطيب أختها فيفيان، و الأمير الثاني للإمبراطورية، أصلان ريجيف أستاروت.
‘لا يمكن أن يكون هو، لا بد أن هناك دوقًا آخر لا أعرفه لأنني لست على دراية بكثير من أمور النبلاء.’
نقشت إيريس كلمات والدها في ذهنها. كان لديها سبب وجيه للاستقرار سريعًا في عائلة الدوق.
‘علي أن ألتقي بالشخص الذي أعاد لي تذكار والدتي.’
التعليقات لهذا الفصل "16"