عندما سمعَ اصلان، الذي كان يعالج الشؤون العامة في قاعة الاجتماعات، الخبر، شحب وجهه واندفع خارجًا.
كانت هذه الولادة الأولى للإمبراطورة الهشة بالفعل.
على الرّغمِ من أن الأطباء أعدوا كل شيء لأي طارئ، لم يستطع أصلان التخلص من شعوره بالقلق.
على الرّغمِ من أنهما في نفس القصر، بدت المسافة إلى غرفة النوم طويلة جدًا.
“جلالة الإمبراطورة، تماسكي!”
“جلالتك!”
من خلالِ الباب المفتوح قليلاً، كانت صرخات الأطباء وصرخات فيفيان المؤلمة تتردد.
اندفع أصلان إلى غرفة النوم دون أن ينتظر تحية الحراس.
“فيفيان!!”
في الصباح، كانت لا تزال تلوّحُ له بابتسامة جميلة وهو يغادر، لكنها الآن كانت منهكة، ممددة، تلهث بصعوبة.
أمسكَ أصلان بطبيب قريب وصرخ.
“ما الذي يحدث؟ لماذا حالة فيفيان فجأة…”
“في الحقيقة، بدأت آلام المخاض بعد مغادرتكَ مباشرة. حاولنا إخبارك، لكن جلالتها منعتنا مرارًا…”
كان الوقت قد تجاوز الظهيرة.
إذا بدأت من الصباح، كم من الوقت عانت فيفيان بمفردها؟
شعرَ أصلان بدوامة في قدميه. تحول اليأس و الغضب داخله نحو الطّبيب الذي لم يبلغه بحالة فيفيان على الفور.
لكن-
“أصلان، أصلان…”
تلاشى غضبه المشتعل كالثلج الذائب عند همسة رقيقة بالكاد مسموعة.
ركعَ أصلان على الفور بجانب رأسها ومسح جبهتها. التصقت خصلات شعرها المبللة بالعرق بكفه.
“فيفيان، هل تسمعين صوتي؟”
“أسمعه…”
“لا تفقدي الوعي. أرجوك، أرجوك!”
كان يتشبث بها تقريبًا.
كما لو أنه لن يتمكّنَ من التنفس بدونها، مسح خدها وجبهتها، دلكَ يدها الصغيرة، وقبل صدغيها، غير قادر على البقاء هادئًا.
أدركَ الأطباء أخيرًا لماذا منعت الإمبراطورة استدعاء الإمبراطور مبكرًا، لكن أصلان، الغير مبالٍ، كان قلبه يذوب من القلق.
كيف يمكن لشخصٍ صغير وهشٍ مثلها أن يتحمل هذا العذاب؟
كان على وشك الجنون من القلق .
حدق أصلان، كوحشٍ يكشف عن أنيابه، في الأطباء المحيطين به بنظرات شرسة.
“تذكروا جميعًا. إذا حدثتْ مشكلة أثناءَ الولادة، فإن حياة الإمبراطورة هي الأولوية!”
“أنا بخير، فلماذا ترسلني بعيدًا فجأة…”
“كان يجب ألا ننجبَ طفلاً. لم يكن يجب أن يحدث هذا.”
كان يتخيّلُ ذاتَ مرة أطفالاً يشبهون فيفيان يركضون في قلعة بلاكفورد.
ضحكات سعيدة تملأ الحديقة المزهرة، وفيفيان تبتسمُ بسعادةٍ و هي تنظر إليهم، مما يجعل قلبه يخفق.
لكن هذا المشهد لن يكتمل إلاّ بوجودِ فيفيان.
عندما فكر بذلك، أصبح وجود الطفل في بطنها فجأة مزعجًا. شعر و كأنه العائق الأكبر أمام السعادة.
“لا تفكر بأشياء مخيفة.”
في اللّحظة التي لمعَت فيها عيناه بشراسة، أمسكت فيفيان بمعصمه.
على الرغم من أنها لم تنطق بكلمة، بدت وكأنها قرأت كل أفكاره…
“بالطبع، حياتي هي الأثمن في العالم، لكنني واثقة. سأعود بالتّأكيد إلى جانبكَ مع الطفل.”
“فيفيان، لا أحتاج إلى شيء سواكِ. ما أريده هو…”
“ألم تنسَ رهاننا؟ القبلات و منع النوم في غرف منفصلة على المحك. هل ستستسلم هكذا؟”
أغلقَ أصلان فمه، وعند رؤيته، ضحكت فيفيان ثم تجعدت عيناها فجأة.
ارتجفت و كأنها تحاول تحمل شيء، عضت شفتها السفلى، و تنفست بصعوبة. انتهت الراحة القصيرة، و بدأت آلام المخاض مرّةً أخرى.
شعرت باللّحظة و كأنها ألف عام.
كانت فيفيان تصرخ من الألم، لكنها، خوفًا من أن يكون ذلكَ سيئًا للطفل، عضت شفتيها وسقطت دموعها فقط.
كان أصلان، الذي لا يستطيع سوى المشاهدة من الجانب، على وشكِ الجنون. تحطّمَ قلبه إلى أشلاء.
أرجوك، أعد فيفيان إليّ. إذا كانت سالمة، سأدفع أي ثمن، حتى لو عادَ الشيطان ليبتلعني، سأقبله بسعادة.
في تلكَ اللحظة، صرخَ الأطباء.
“جلالة الإمبراطورة، الرأس يظهر!”
“قليل من القوة فقط. قليلاً أكثر!!”
في اللّحظة التي أطلقت فيفيان صرخة يائسة وهي مبللة بالعرق البارد و تلهث، تردّدَ صوت بكاء طفل مدوي في غرفة النوم.
“إنه طفل!”
“تهانينا! إنه أميرٌ صحي!”
كانت الإمبراطورة، المنهكة من آلام المخاض والولادة الطويلة، قد فقدتْ القوة للرد، وكان اهتمام الإمبراطور لا يزال منصبًا بالكامل على رفيقته.
اقتربت إيما، رئيسة الخادمات، بعد أن أنهت العلاج و غسلت الطفل بمنشفة نظيفة.
“جلالتك، هل ترغب في حمله؟”
لم يجب أصلان.
بدلاً من ذلك، أومأت فيفيان، التي فتحت عينيها بالكاد، بحركة خفيفة.
وُضع الطفل، الملطخ بالدم، على صدر فيفيان. توقف الطفل، الذي كان يبكي بضيق، عن البكاء فورًا عندما لامسَ صدر أمه.
تراجع الجميع لإتاحة وقت للعائلة، وأمسك أصلان بيد فيفيان وقبّلَ صدغيها بحذر.
“لقد عانيتِ كثيرًا، فيفيان. لقد عانيتِ كثيرًا.”
“والطفل…؟”
“على صدرك. أليس ثقيلاً؟”
قبل أن تجيب، توقفَّ أصلان فجأةً وهو يحاول إزاحة الطفل.
كان الغروب يتسلل إلى السرير عبر المظلة المرفوعة.
كان للطفل بشرة بيضاء مثل فيفيان وشعر أبيض بلاتيني. بدا و كأن ضوء الغروب الخافت يعميه، ففتح عينًا واحدة فقط.
عيون زرقاء تشبه سماء الخريف.
كانت ألوان فيفيان بالكامل.
“…..”
في تلكَ اللحظة، اجتاحته عاطفة لا يمكن وصفها. في خضم موجة العواطف الجارفة، لم يستطع فتح فمه وبقي واقفًا كتمثال.
غير مدركة لذلك، ضحكت فيفيان وهي تنظر إلى وجه الطفل.
“يا إلهي، ملامحه نسخة منك.”
“هكذا إذن.”
“أينما ذهب، سيعرفُ الجميع على الفور أنه ابننا.”
“نعم…”
اندفعت عاطفة ساخنة إلى حلقه.
ذكريات الماضي التي كرّرَ فيها الاعتذار مرات ومرات، الأوقات التي تجول فيها بحثًا عنها بعد إعادة تجسيدها، الألم الذي اجتاحه القدر المشوه دون أن يتعرف عليها.
كلها ذابت كالثلج.
تحررت الأغلال التي قيدت روحه، واحدًا تلو الآخر، دونَ مقاومة.
مجرّد مقابلة عيني الطفل الزرقاوين…
‘لم أتخيل أبدًا أن يومًا كهذا سيأتي.’
فيفيان، التي تنحني عينيها بسعادة، و الطفل الذي يمضغ شفتيه، و الغروب الناعم الذي يضيء عليهما.
كل ما رآه كان هادئًا و دافئًا.
‘آه، هذه معجزة.’
في نهاية الرحلة الطويلة، شعر بحدسٍ أنه وصل أخيرًا إلى مكان الراحة.
ركعَ أصلان دونَ وعي و قبّـلَ جبهة الطفل.
“لا، إنه يشبهكِ تمامًا. صغير و ثمين جدًا.”
“أصلان…”
“سأحاولُ أن أكون أبًا جيدًا للطفل. أحبك، فيفيان.”
لأنه يحبُّ فيفيان، كانت ثمرة حبها محبوبة بنفس القدر.
أدركَ أصلان أخيرًا لماذا كانت فيفيان تعتزُّ بالطفل في بطنها.
“هذا صحيح.”
في تلكَ اللحظة، انحنت عينا فيفيان بأجمل طريقة، كما لو كانت أسعد شخصٍ في العالم.
“كان من المفترض أن ينتهي الرهان بعد الولادة، لكن ربما أتغاضى عن التأخير الطفيف؟”
“تتغاضينَ عنه.”
أيقظته كلماتها من إحساس خيالي، عائدًا إلى الواقع.
كانت القبلات اليومية من فيفيان و منع النوم في غرف منفصلة على المحك.
اشتعلت عيناه، وهو لا ينوي الاستسلام أبدًا.
“همم، هل هذا كلام فارغ؟”
“بالطبع لا.”
في اللّحظة التي انحنى فيها أصلان بشكلٍ ساخر ليقبّلها، تحرّكَ الطفل بينهما كما لو كان محبطًا، ضحكت فيفيان بصوت عالٍ وهي ترى أصلان يتراجع مذعورًا.
في هذه اللّحظة المتألقة، ارتفعت شفتاه بشكلٍ طبيعي تابعًا لها.
شعرَ بها أخيرًا.
شعاع من الشمس يتسلل إلى قاع الجحيم. كان الدفء الخافت، الذي كاد ينقطع، ينمو تدريجيًا، و هو يحيطُ به بدفء.
“هل أنتَ سعيد؟”
“سعيد.”
كرّرَ أصلان الكلمة بغرابة، وهي لا تلتصق بسهولة بفمه.
لكن عندما رأى ابتسامة فيفيان تصبح أكثر إشراقًا، أكّدَ أصلان بثقة هذه المرة.
“آه، أنا سعيد.”
للوحشُ الذي تجول في قاع الجحيم طوال حياته، جاءَ الخلاص الحقيقي أخيرًا.
<نهاية الفصول الجانبية>
• ❅────────✧❅✦❅✧────────❅ •
<وصيّتي لم تكن تعني ذلك – النهاية>
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 142"